من اللامركزية الفاشلة.. الى الصدر الأكثر فشلاً..!

لمن فاتهم ذلك الزمان حسب عبارة إذاعة أم درمان في التذكير بعناونين الأخبار .. فإنني أذكر أن أول مرة أشاهد فيها حاكماً مهيباً يرتدي البزة الكاكي و الطربوش .. حينما أخذتنا إدارة مدرسة التميد الأولية الى مقبرة جدنا الشهيد عبد القادر ود حبوبة في منطقة مصطفى قرشي الحلاوين حيث زاره في ذلك اليوم الحاكم العسكري لمديرية النيل الأزرق الإميرلاي حسين علي كرار ..وهو مشهد ظل محفوراً في ذاكرتنا الغضة التي لم تزدحم وقتها بأحداث كثيرة مثل ذلك المشهد !
بعد ثورة أكتوبر تفتح قليلاً وعينا فأدركنا أن الأمر تغير كثيراً حيث بات المحافظون هم محل الحكام العسكرين إذ عاد نظام هيمنة الخدمة المدنية من جديد ليصبح المحافظ من الإداريين المؤهلين التابعين لما كانت تسمى بوزارة الحكومات المحلية !
صحيح هو نظام مركزي .. ولكنه في ذات الوقت يتنزل الى سلطات محلية بحيث كان ضابط المجلس الريفي او المحلي بحجم الوالي حالياً من حيث الصلاحيات و هيبة السلطة والفهم من منطلق التخصص!
لم تكن الجهوية ولا القبلية تلعب دوراً في تعين المحافظ أو أركان حربه من التنفيذيين .. فلم يكن يسأل أحد ماهي قبيلة محافظ الخرطوم السيد جرفس ياك ولا كان يمكن أن يوصف بأنه جنوبي .. مثلما كان السيد حسن دفع الله الشمالي محافظاً بالجنوب!
تسيس الحكام بدأته مايو ولو بصورةٍ جزئية لا سيما في المناطق الحساسة بعد تقسيم البلاد الى ستة أقاليم فكان الإتحاد الإشتراكي يضع يده عليها بوظيفة المشرف السياسي لكل إقليم مع إختيار شخصيات نافذة من حيث الولاء للنظام ضمناً ولكنها مؤهلة لمنصب الحاكم لا يشترط فيها الإنتماء الى قبيلة بعينها أو جهة محددة !
ليس هنالك خلاف على أهمية ونجاعة الحكم اللامركزي في جعل الخدمات والتنمية الإنتاجية في متناول يد المواطن وهوفي مكانه إذا ما ُسخِر ذلك الحكم بالصورة التي تبعده عن المزايدات السياسية لمصلحة نظام الحكم أياً كان شكله وحيثما كان !
بيد أن الإنقاذ بدعوى تقصير الظل الإداري قسمت البلاد الى ستٍ وعشرين ولاية قبل الإنفصال ثم
عاد ت وقامت بتطويل حائط مايسمى بالحكم الإتحادي اللامركزي بحيث أصبح عدد الولاة والمجالس التشريعية الولائية و المحليات وما يتبعهم من المعتمدين و الإداريين والهلم جرا حتى وصل طول ظلهم خارج حدود مناطقهم التي قامت فيها التعيينات و التقسيمات على الترضيات القبلية في بعض الولايات و في آخرى من قبيل سياسة التفريق والتشتيت للحمة بعض الإثنيات التي لا يطمئن لها النظام الحاكم بالقدر الذي أجج من الصراعات و الإحن و جعل من ذلك النظام الإداري نقمة بل وورطة للنظام الحاكم وتعطيلاً لمصالح المواطن بدلاً عن الدفع بها الى الترقية !
ورغم تطبيق سياسة إنتخاب الولاة التي إتبعت أخيراً.. لكن تدخل المركز كان حاضراً خرقاً للدستور بواسطة رئيس الجمهورية بدعوى إستخدام السلطات المخولة له بموجب قانون الطواري المزعوم !
وبعد كل ذلك اللت والعجن والتجريب و التخريب في بنية الحكم اللا مركزي والذي لم يرتكبه الراحل معمر القذافي بالطبع ولا المعزول محمد مرسى بالتأكيد في بلادنا ..!
عاد ذات رئيس الجمهورية الفاعل لكل هذه اللخبطة ،ليدين تلك السياسة التي كان هو لحمتها وسداتها متهماً إياها بتكريس القبلية والجهوية و ليقول لجيوش المهللين له في مؤتمره الآخير ، أيقظوا نوام الشعب ليعدلوا الدستور الذي لم يكن يعره في لحظة إستخدام سلطاته بالخروج عن بنوده المعطلة أصلاً بغية ان تعود اليه بناقص قواها العقلية صلاحية تعيين الولاة وكأنها كانت بعيدة عن تغوله !
طيب إذاً ما أهمية وجود جيوش المجالس التشريعية الولائية التي يفترض أنها تمثل الجماهير التي إنتخبتها بموجب ديمقراطية وستمنستر الخرطوم و ديفيد كاميرون القصر وكيم إيل سونغ شارع المطار !
والتي وحسب نفس ذلك الدستور المركزي وما يتبعه من حلقات الظار الولائية أنها منوط بها محاسبة و إقالة الولاة .. مع انها عجزت حتى في ظل سياسة الإنتخاب عن إقالة أي والٍ لاسيما إن كان من حجم السوبر مان الإنقاذي ولم تستطع حماية آخر من الإقالة بواسطة المركز !
المسألة في نهاية الأمر ليست أزمة حكم لا مركزي في حدِ ذاتها بل كارثة فشل نظام باكمله في معالجة قضايا البلاد بكل أنماطها المعيشية والخدمية والسياسية والأمنية و الإدارية والتشريعية و علاقاتها الخارجية ، فعاد الذين فشلوا في الحكم الجماعي ليعيدوا الشيلة كلها الى رئيس هو رأس رمح الإخفاق .. فتعود المركزية لا في حكم الأقاليم فحسب الى ركام حمل صدره المنهك والمتقطع الأنفاس .. لتتحول الرئاسة و قيادة الحزب المهلهل بعد إعادة إنتخابه من سلطات مؤسسات ورقية غير فاعلة الى أحادية سلطان رجل قد يغضب الفشل ذاته إذا ما قُرِن به !

محمد عبد الله برقاوي..
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الانقاذ عصابة علوج حسب تجربة 25 عام ، تقتيل و اغتصابات و نهب المال العام وكذب و دعارة الي اخر القائمة.
    علي الشباب دراسة حرب عصابات المدن . البشير قال ما بيترك الحكم الا اذا خرج علية الناس بالبدقية.

  2. ركزت الإنقاذ في النظام الولائي على بناء جسم سياسي ضخم جدا في الولايات جسم طفيلي يلتهم موارد البسطاء ويدمر الإقتصاد مقابل مجموعة من الموظفين المتخصصين الذين لا حول ولاقوة لهم يعملون تحت إمرة السياسيين الجهلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..