صراع الزعامة بين الامبراطورية الروسية والدولة العثمانية

(1) يقول علي عزت بيجوفيتش في مذكراته ان السياسيين يمكن تصنيفهم في مرتبة بين العبقرية والذكاء وهذا الوصف ينطبق تماماً علي الصراع بين زعماء روسيا وتركيا بعد اسقاط الطائرة الروسية ، بعض المحللين والمهتمين بالصراع ذهبوا الي كتب التاريخ ليعرفوا كيف كانت العلاقة بين الامبراطورية الروسية والدولة العثمانية فالتاريخ دائماً ما يكرر احداثه ، وبحثوا في الصراع الروسي والعثماني في نهايات القرن التاسع عشر حينما اعلنت روسيا الحرب علي الدولة العثمانية نصرة للمسيحيين البلقان ووصلت قواتها حتي اطراف الاستانة عاصمة الدولة العثمانية و حينها اضطرت الدولة العثمانية الي الاستسلام ، ولكن افضل من ذلك كان علي هؤلاء المحللين وكتاب الرأي ان يبحثوا في كتب السيرة الذاتية للقيصر بوتين والسلطان اردوغان فهناك سيجدوا تحليلاً موضوعياً يمكن عبره معرفة مجريات الاحداث واستقراء النهايات .

(2) كتب السيرة الذاتية تحدثنا ان بوتين كان تلميذاً متوسط الذكاء وانه عاش طفولة بائسة وفقيرة عاني فيها من الذل والقهر والحرمان وعلماء النفس يقولون ان انطباعات الطفولة الاولي تشكل العقل الانساني ولا تفارق الاذهان اطلاقاً فمن يعيش تلك الحياة بكل كوابيسها تحركه نوازعها وذكرياتها المؤلمة ، ولذلك طبيعي جداً ان يبحث بوتين عن كبرياء الطفولة المفقود في حواري سانت بطرسبورج ، فما بالك اذا كان هذا الكبرياء مفقود ايضاً عند الامبراطورية الروسية التي ظلت جريحة منذ حرب العراق وهي تري افضل حلفائه يسقط تمثاله كما تتساقط جبال الجليد في سيبيريا ، وظلت روسيا جريحة وهي ترفض الحرب علي ليبيا ولم تجد اصواتها الرافضة سوي الرياح ، وظلت الامبراطورية الروسية كسيرة وحلف الناتو يتمدد في جورجيا وأوكرانيا ، وزادت جراحها و تركيا تسقط طائرتها المقاتلة كما يسقط أي طائر صغير ، وهذه المرة امتد الجرح والذل الي الالة العسكرية الروسية اخر ما تبقي من كبرياء القياصرة الروس .

(3) كتب السيرة الذاتية تحدثنا عن اردوغان بائع البطيخ في اسطنبول وانه كان قليل الحظ من الذكاء درس في معهد ديني وعاش طفولة في غاية البؤس والحرمان لم يكن يحلم انه الرجل الذي يمكن ان يعيد امجاد الدولة العثمانية ، بؤس الطفولة عند اوردغان تذكر قصور سلاطين العثمانيين القدامى ولم يتذكر تواضع خلفاء المسلمين وعمر تحت الشجرة فبني قصراً لا تكاد تحصي حجراته ، و لاعب كرة القدم الحريف اردوغان الذي تعود علي الهتاف ، ارهق الامة العربية والإسلامية وادمي اياديها بالتصفيق وهو يتحدث عن فلسطين وعودة الحق المسلوب وعن مصر مرسي وعودة الديمقراطية والشرعية ، ولكنه هذه المرة فقد سحره فتارة تأخذه طبائع السلاطين فيظهر في شدة وقوة ويتحدث عن الحق التركي في اسقاط الطائرة وتارة يظهر كلاعب هرم فقد مهاراته في المراوغة وهو يبدي الندم ولا تجد مكالماته من يرد عليها .

(4) المتحدث باسم الرئاسة الروسية قال متحدثاً عن بوتين ان اسقاط الطائرة يذكره بمسرح العبث وطالما ان الرجل يعرف مسرح العبث فيجب علي القيصر الروسي صاحب الحزام الاسود في الكاراتيه ان يقرأ تولستوي وهو يقول ينبغي ان لا نرد الشر بالشر بل يجب ان نرد الشر بالخير ، فروسيا تغرق في سوريا وستغرق اكثر اذا جعل الرجل سيرة القياصرة عنواناً لتفكيره وستنجو اذا تحلي بأخلاق المسيح ، و قطعاً ان اردوغان يضع نصب عينيه نصيحة البير كامو في رواية الطاعون لا شئ اشد غباء من الحرب ، فهذه الحرب لن تعيد كبرياء الروس المفقود وستجهض حلم الدولة العثمانية .

(5) اغرب ما في مسرح العبث كما يقول بوتين، هي تلك الاصوات والألسن التي تعالت من اطراف عديدة بعضها يهتف لبوتين بضرب تركيا غيظاً وحسداً علي الدولة التي يتعالى صوتها بقضايا الاسلاميين ويتباهى بها دعاة الاسلام الحركي نموذجاً في الدولة التي ينشدون ، ولا يدري هؤلاء الحساد ان روسيا الجديدة تبحث عن مصالحها وزعامتها وكبريائها الذي وصل الي الحضيض ولعل هؤلاء لا يدرون ان ضريح لينين في الساحة الحمراء اصبح يثير استياء الروس ويطالبون بدفنه في اي مقبرة، وبعضهم يهتف لاردوغان وتدغدغ مشاعره امجاد الخلافة الاسلامية وخطابات الرجل المناصرة لقضايا الامة الاسلامية والعجيب انهم يشاهدون اردوغان يجلس تحت صورة الرجل الذي قتل الخلافة الاسلامية ، اخيراً هذا الصراع علي الزعامة ومصالح الدول العظمي في ارض سوريا البلد العربي و الاسلامي يثبت اننا امة تافهة وضعيفة لا تجيد غير التصفيق في مسارح العبث .

علي عثمان علي سليمان
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..