كرم محمد كرم … والي الخرطوم الأسبق

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد جبلنا نحن السودانيين على أن نتناول على استحياء سير أعلامنا الأحياء .. وأن نكثر من المدح والثناء على من رحل عن دنيا الفناء.. وجميل أن نذكر محاسن موتانا ولكن أيضاً يجب أن نقول لمن أحسن وهو على قيد الحياة أحسنت لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
كرم محمد كرم اسم تردد على مسامعنا إبان ديمقراطيتنا الثالثة الموءودة ولو لم يكن لديمقراطيتنا الثالثة حسنة إلا أن أفرزت لنا أمثال كرم محمد كرم لكفاها رشداً وحسنا .. ولو كانت الجبهة الإسلامية حريصة على صلاح حالنا لعضت عليها بالنواجذ ولحرستها بكل إمكاناتها المادية والتنظيمية الهائلة .. ولكنها استعجلت أمرها .. ومكرت مكراً كبارا .. فأوردتنا المهالك.
تخرج الأستاذ كرم في جامعة الخرطوم في ستينات القرن الماضي .. ونال شهادة الماجستير من برمنجهام بالمملكة المتحدة .. وتدرج في السلك الإداري من ضابط إداري حتى مفتش حكومات محلية .. تنقل بين الحضر والبوادي .. من حلفا في أقصى الشمال إلى بور في جنوبنا الذي ذهب مأسوفاً عليه .. ومن بورتسودان إلى نيالا .. وضع بصماته على منطقة ريفي السوباط لما كان له من جهد في تشييد المدارس وقيام مشروع الإعاشة بريفي السوباط.. في نيالا أودع صديقه التاجر السجن عندما علم أنه يحتكر الوقود .. وفي كسلا عندما اعتدت قلة من المواطنين على أراضي الدولة عقب سقوط نظام نميري أعاد الأمور إلى نصابها وبدأ بأقرب الناس إليه .. وله حكايات وحكايات عبر مسيرته الإدارية تنم عن حرص على حماية كل ما هو ملك عام. كان عضواً في اللجنة التي أشرفت على وقف إطلاق النار المنبثقة عن إتفاقية السلام في 1972م والمكونة من خمسة أعضاء بقيادة اللواء عبداللطيف دهب عليه رحمة الله .. تم اختياره معتمداً للعاصمة القومية (والي ولاية الخرطوم) إبان الديمقراطية الثالثة وقد تفوق ديمقراطياً على السيد الصادق المهدي عندما سمح لأهل دارفور ولأهل الجنوب بتسيير مواكبهم ليعبروا عن آراءهم في القضايا التي تلامس مناطقهم وقد كان رئيس الوزراء متوجساً أمنياً من تلك المواكب. انتهى به المطاف للعمل بواحدة من أكبر منظمات الغوث الإنساني في عالمنا الإسلامي. وقد ابتعثته هذه المنظمة للقيام على مشروعاتها الإنسانية في منطقة القرن الأفريقي .. فهو الآن يتنقل بين جيبوتي وهرقيسا والعاصمة مقديشو .. يسقي العطشى ويطعم الجوعى .. ويتعهد اليتامى بالرعاية ..ولا يأبه بالتضاريس الأمنية الوعرة.. وعندما تطأ قدماه رئاسة منظمته بالخليج يقف الكل .. سلام تعظيم.. الكبير والصغير .. العامل والمدير.. من كل الجنسيات .. لا لسلطة يتأبطها ولا لثروة اكتنزها ولكن لأن هالة من الوقار حلت عليهم .. أدب جم .. تواضع منقطع النظير ..طهر في اليد وعفة في اللسان .. نخوة سودانية قحة .. زهد يقف أمامه جهابذة التصوف إجلالاً وإكبارا .. يشع علماً وورعا.. عندما تراه وسط الجنسيات الأخرى يملأك الفخر والإعزاز وتردد في سرك أنشودة العطبراوي (أنا سوداني .. أنا)… اجتمع شيوخ القبائل بشمال الصومال وعرضوا عليه الزواج وأعطوه حرية الإختيار مكافأة لما يقوم به من أعمال جليلة فقال لترجمانهم قل لهم: (too late) … ولا ينال هذه المكانة إلا من كان رسولاً للإنسانية.
الأستاذ كرم لا يملك بولاية الخرطوم التي كان والياً عليها سوى قطعة أرض واحدة وقد اشتراها من شقاء عمره ولا زالت تراباً وقد عجز لأكثر من أربعين عاماً أن يشيد عليها داراً حتى تاريخ اليوم .. وقد اكتفى بمنزله المتواضع بمدينة كسلا .. ونقول لصاحب برنامج (مع حسين خوجلي) الذي رمى بمشاكل السودان على جميع الأفندية .. إن ارتكب أفنديتكم الشنائع فإننا نباهي بأفنديتنا الدنيا .. فرجاءاً لا تخلط الأوراق.
فضل المرجي إبراهيم
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اثنى على كل الكلام الذى ورد فى ذكر الاخ والاستاذ كرم محمد كرم ولمعرفتى اللصيقة به فقد كنا اصدقاء رغم فارق العمر والمقامات فهو انسان خلوق طيب المعشر وسودانى اصيل له ولكم الود والاحترام

  2. أحييك يا أخ فضل فقد قل من يذكر محاسن أمريء وخاصة بعد أن زال عنه سلطان الدنيا ولو كان في السودان حياً متقلداً لمنصب لكثر مداحوه ومنافقوه على السواء. لقد عرفت الأستاذ الجليل كرم وعايشته عن قرب وأنعم الله علي برفقة طيبة عندما تجاورنا بالسكن بمدينة جدة وكان يغيب بالشهور في أدغال الصومال ويحضر لهنيهة ثم يرجع مرة أخرى وقد صدقت في كل ما قلته عنه وهو يستحق أكثر من ذلك وقد إجتمع الفرقاء الصوماليون علي شخصه ولم يتفقوا على كائن من كان منذ إندلاع الأحداث في الصومال بعد ذهاب سياد بري ولعمري لو ترشح السيد كرم في الصومال لنال ثقة كل الأطراف ولأجمعوا عليه.

    جزاك الله خيراً يا أخ فضل وأرجو أن يتسع المقام والعمر لإيفاء الرجل حقه وأن يلتفت أهل الحل والعقد لرجل فريد من آخر الرجال المحترمين من الرعيل الذي تأسف السودان على فقدهم.

  3. قول للكيزان الجعانين ديل شوفوا الر جال التى لا تملا عيونهم الدنيا. على ارذل من مشى على قدمين هؤلاء الكيزان ما شفنا اوسخ منهم وهم ليسوا بسودانيين ابدا لانو دى ما اخلاقنا ابدا.

  4. كانت داره العامرة تجمعنا في برمنجهام وحرص علي اقامتنا للصلاة في جامعة برمنجهام باذن منحه له الانجليز بما يتمتع به من احترام عندهم — جزاه الله خيرا

  5. اتذكر جيدا في ايام الديمقراطية الثالثة وجريدة (الاسبوع) تتصدر سباق الصحافة الورقية…برعايتها الخاصة لفن الكاريكاتير والذي كان يحتل مساحة مقدرة ومؤثرة جدا في الصفحة الاخيرة بريشة المبدع كاروري…كان يرسم في وقتها شخصية نمطية للخرطوم في شكل امرأة عجوز شمطاء يتطاير حولها الذباب… وقد تحول حالها وتجملت بينما يخاطبها سوداني بعمامته ممثلا لجمهور الخرطوم وهو يقول في ما معناه (( تزدادين جمالا يوما عن يوم ساسعي الي خطبتك من العم كرم)) وهو يشير بذلك الي واليها والمسئول عنهافي ذلك الوقت كرم محمد كرم…

  6. الحمد لله الذي جعلنا من معشر الضباط الاداريين – طبعا في السودان القديم . احي كرم وزملاؤه الأكرمين من الضباط الإداريين ،،، وينك يا فضل الله يا حكومة كما كنّا نناديك بالدويم ام المدائن

  7. الأخ كرم محمد كرم .. أذكر كما اليوم .. حين جاءنا في عطبرة الثانوية الحكومية في أواسط الستينات منقولا من كسلا (أو بالأصح متبادلا المواقع مع الأخ محمد سيد أحمد وكلاهما من أبناء كسلا) … كرم لا تراه إلا بايتسامة عريضة _ في كل الأحوال والأوقات – ودود تحبه من أول لقاء.. عندما انتقلت للعمل في كسلا في سبعينات القرن الماضي سألت عنه ووجدت أخاه المرحوم الماحي محمد كرم رحمه الله فقد علمت بوفاته قبل أشهر .. كرم لم ألقاه منذ افترقنا في عطبرة ولكن التقى أخباره من حين إلى حين .. أتمنى أن ألقاه بإذن الله.. له التحية والتقدير ومزيد من التوفيق وحب عباد الله.

  8. يا سلام على هذا الرجل زرته مرافقا لأحد أقربائه من كسلا في عام 87 على ما أذكر في بيته الحكومي بشارع البلديةكان متواضعا للغاية.. أدعو الله له ولقريبه بالتوفيق اينما حلا..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..