فحولة!

فحولة!
بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
إلى ريم يوسف/إمعاناً للذكرى والاستفسار!
* (كم أكره الذين يخصصون حياتهم
لإنتاج الامتثالية).
– ويليام بوروز1914-1997-
روائي إمريكي
.. حماسي شديد للصداقة بين الجنسين. والسبب في ذلك هو حبي للجنس الآخر، رياحين هذه الحياة. وأعزو نجاحي في إقامة الكثير من العلاقات مع الفتيات إلى الحظ والشطارة. ففي المرحلة الثانوية كنت أتعرض للحسد من أصدقائي بسبب صداقاتي المتعددة مع الفتيات. أما العصر الذهبي بالنسبة ليّ فكان مرحلة الجامعة. وعلاقاتي بهن بين البريئة وغير البريئة وما بينهما. فحبي للتغيير والتجديد يجعلني لا أثبت على علاقة مع فتاة لزمن طويل.
أذكر أنني تعرضت لحادثتين أو ثلاث حوادث حب، أو توهمت ذلك، فأستأصلتهم بسرعة، لأنني أسمع أن الحب وجع رأس وقلب ومطالبة بالزواج، وهذا ما أستهجنه، وأميل إلى حالة العصفور الذي ينتقل من غصن إلى آخر دون الإقامة أو الالتزام.
بعد تخرجي في الجامعة والحصول على وظيفة، وأمام إلحاح ست الحبايب، أمي الصابرة التي لم تعرف متعة سوى إرضاء زوجها وأولادها، فقد رضخت لفكرة الزواج والاستقرار. وطلبت من الوالدة رحلة البحث عن عروس مناسبة.
وكانت شروطي سهلة وواضحة، لكنها حازمة!
أريد زوجة بيتوتية. ليس لها حياة اجتماعية ولا صديقات. لا تزور ولا تزار. وأن تكون مطيعة تقدس الحياة الزوجية. تلتزم بكلام زوجها دون اعتراض أو مناقشة أو حتى تذمر. لا أريد موظفة ولا حاملة شهادات. وأن تلمّ بالقراءة والكتابة لمراجعة دروس أطفالها.
بعد أن طلقت زوجتين فيما يسمى بشهر العسل. الأولى لأنها استقبلتني بخلقة مقلوبة عندما رجعت إلى البيت في الرابعة صباحاً تفوح مني رائحة الخمر (سكران طينة)، وعلى وجهي وثيابي آثار سهرة صاخبة. والزوجة الثانية طلقتها لأنها تجسست على دفتري الصغير لأرقام الهواتف الذي يضم عدداً لا بأس به من أرقام الأسماء المؤنثة، وقد رمقتني بنظرة من يطالب بالتفسير أو التبرير.
أعيش الآن مرتاحاً مع الزوجة الثالثة التي اختارتها أمي، بعد أن أمْلَت عليها شروطي. وما زالت حتى الآن ملتزمة بها أي التزام دون أية تكشيرة أو تذمّر من سلوكي الذي لم يتغير خارج المنزل وكأنني ما زلت أعزب. وقد أنجبت لي (بنتاً) و (صبياً). فالصبي هو الآن في كلية الحقوق. صحيح أنه بليد ومتعثر في الدراسة بسبب أنه مدلل، لكنه ذكي ومحبوب، وهو محاط مجموعة من الصديقات من الجامعة وخارجها.
أما البنت وبسبب تفوقها في الدراسة منذ المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، وأمام ضغط الأهل والأصدقاء ودموعها، فقد رضخت للأمر وسمحت لها بمتابعة دراستها الجامعية، مع أنني أؤمن بأن البنت مكانها الوحيد هو بيتها والمطبخ تحديداً، بانتظار ابن الحلال الذي يعيلها ويحفظ عرضها. وهي الآن في كلية الصيدلة مع أخيها الأصغر منها، وتحت مراقبته.
جاءني ابني مرة وهو غاضب وروى لي أنه كان يجلس مع إحدى صديقاته في كافتيريا الجامعة. فلمح أخته على طاولة أخرى مع مجموعة من الطلاب والطالبات. ففار الدم في عروقه، واستأذن صديقته ليذهب ويستل شقيقته من المجموعة ويصرخ فيها: (قاعدة تسوي شنو مع الشباب؟)، حين حاولت أن تشرح أنهم زملاء وزميلات، صرخ فيها: (لمي أغراضك وانجري عالبيت، بلا ميوعة ولاماضة وقلة أدب، وحسابك بالبيت. وإذا أبوكي ما عرف يربيكي، فأنا بعرف اربيك، نحنا ما عندنا بنات تقعد مع الشباب).
الحقيقة ولد كلو فحولة وأخلاق. ويرفع الرأس. وشعرت بالندم لأنني وافقت على دخول ابنتي الجامعة ذات التعليم المختلط. لكن الآن ما باليد حيلة. وهي على أبواب التخرج، وستفتح صيدلية. ومخططي إذا فشل ابني في الدراسة الجامعية، وهو على الأغلب سيفشل، فإنه سيقعد في الصيدلية مع أخته. وبعد أن يحفظ أسماء الأدوية، فإنه سيدير الصيدلية. وتلتزم أخته بالبيت بانتظار نصيبها.
هذه هي ثقافتنا. ثقافة ذكورية. ومجتمع ذكوري مصاب بشلل نصفي طولاني. أي من فوق لتحت. أي نصفه الآخر معطل. والنصف السليم ملئ بالعقد والأمراض، لا يملك سوى ذكورته يتباهى بها. وهذا يعني أنه مجتمع يعيش خارج العصر والتاريخ في زمن امتلك فيه الآخرون عوالم الفضاء. وما زالت ذكورتنا هي فضاءنا الوحيد!
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لا فض فوك… منتهى الروعة كاتبنا العزيز… للأسف هذا ما ترزح تحته مجتمعاتنا الشرقية… عبارتك الأخيرة هي خير تصوير وهذا يعني أنه مجتمع يعيش خارج العصر والتاريخ في زمن امتلك فيه الآخرون عوالم الفضاء. وما زالت ذكورتنا هي فضاءنا الوحيد!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..