الدوس هكسلي …عالم جديد وشجاع

هو عالم صناعي بالكامل ؛ ومختلف عن عالمنا تماما ؛ يتم فيه تخليق أجنة الإنسان وتقسيمها إلى فئات (ألفا ، بيتا ، …الخ) ، يتم تنشأة الأطفال على مفاهيم الطبقة التي ينتمون لها (عمال ، مفكرون ، …الخ) ، فينشأ إنسان في فردانية مطلقة بعيدا عن العواطف الأسرية التي أصبحت مقززة . فقد أضحت عملية التكاثر الطبيعية متخلفة وبدائية بل ومناهضة للمدنية . تنطلق الرواية من هذا العالم الجديد المختلف والمقاطع لماضي البشر حتى في الآلهة . فالإله فورد هو الإله الجديد المناصر للمدنية ، وفي المقابل هناك مجتمع الهمج ، وهو مجتمع منبوذ لا زال يعيش على مفاهيم الماضي ويتكاثر طبيعيا . ويخرج من هذا المجتمع طفل -يصبح شابا- يتم نقله إلى العالم المتمدين هو وأمه التي تتوفى بعد فترة وجيزة ، يعاني الشاب من المجتمع الجديد ولكنه لا يعود إلى المجتمع القديم بل يتخير منطقة وسطى بين العالمين ليعيش فيه منعزلا عن الجميع إلا أن أجهزة الإعلام تطارد هذا الشاب المنتمي للمجتمع الهمجي ولا تتركه في عزلته ، وتنتهي الرواية بانتحاره شنقا.
الرواية تطرح عدة تصورات للمجتمعات الرأسمالية الفردية ، والتقسيم الطبقي داخلها ، كما أنها تقترب من مفهوم العدمية النيتشوي . وإن كانت تبتعد عنه في فكرة موت الإله . فالإله يظل حاضرا داخل العالم الجديد وإن كان منقطعا عن المفهوم السائد عن أدوار الآلهة .
تتميز الرواية بقصرها نسبيا ، وباستخدام لغة بسيطة ، وفكرة طموحة ، وبناء مناخ يجذب القارئ إلى المفاهيم الجديدة لذلك العالم ، بل ويكاد يحدث حالة استقطاب لهذه المفاهيم . ولم يحاول الكاتب ألدوس أن يقف إلى أي من العالمين بل ترك لنا كقراء حرية الإختيار وتكوين قناعاتنا تجاه هذا النظام أو ذاك . أن تعيش في عالم الفردانية والمؤسساتية ، أم تعيش في عالم الهمجية والماضي التقليدي؟ إن المؤلف لم يتدخل هاهنا لينير لنا طريق الإجابة ، بل ترك الباب مواربا . فمن أراد أن يدلف إلى العالم الجديد والشجاع فله ذلك وإلا فليقبع وراء التاريخ.
كردفاني
17نوفمبر2014
[email][email protected][/email]
شكرا لك ايها الكاتب مقال جميل وفيه تغير من الكتابات المالوفه
العالم الآن يا كردفاني غسراً تتسارع خطاه
صوب الفردانية و المؤسساتية
و من تقاعس ، سيظل بين الحفر
و بعضنا من النخب لا زال يحن الى الماضي
الى المجتمعات القديمة
عله يسترخي و يضع رأسه على وسادة وثيرة
في إستراحة محارب من عالم الفردانية و
المؤسساتية
هذا عالم يثير الجنون !!!؟….
اري الكثيرين يستنكرون مثل كتاباتك هذي والاحوة السقير جمال والحبوب بدعوي ان الظرف ظرف نضال ونزال ضد النظام وفات عليهم انه حتي من يمسكون البندقية ينصبون سبوراتهم تحت الاشجار ليعلموا الصغار لانهم لا يحاربون من اجل الحرب بل لبناء وطن والبندقية وحدها لا تفعل ذلك . لذلك اثمن ما تكتبونه غض النظر عن اتفاقي واختلافي مع افكاركم . الدوس هيكسلي كما اراه هو ناقد مبدع ومتامل اكثر منه كاتب قصة . في كتابه (موسيقي في الليل) (Music at night)(y) استغربت قوله ان الحقيقة الفنية اقوي من الحقيقة المجردة ! لكنه اقنعني عندما اورد مقطعا من الاوديسة برهانا لذلك : رفاق اوليس حوعي في انتظاره مع بعض رفاقه ممن فارقوهم وحضر ومعه الطعام فسدوا جوعتهم الضارية ولما شبعوا تذكروا رفاقهم الذين نكلت بهم وقتلتهم الغوائل فبكوا بدمع مدرار ! فلو حاضرنا ابلغ خطيب عن ان الجوع يلغي المشاعر الانسانية لما بلغ مبلغ هذه الصورة التي رسمتها عبقرية هومير الفنية . شكرا لكم يا رفاق فنحن نحتاجكم كما نحتاج للمصادمين
لك الشكر الأستاذ:
هجو
فيصل
صرخة شعب
كلنا نكتب من وراء واقع مرير
حتى النضال ، كلمة أصبحت على كل لسان .. مع من نناضل؟ وضد من؟؟ مع من ؟ مع المرتزقة ؟ وضد من؟ ضد أنفسنا أولا وقبل النظام الفاشي ..
إن كلمة نضال الآن تعني في حقيقتها قلة قليلة انزوت وهي تشاهد المهزلة بصمت ، هؤلاء المنزوون هم المناضلون حقاً في الوقت الراهن ، اما اللاعبون على المسرح فلهم مصالحهم التي يتقاتلون من اجلها .
هذا النظام من أكثر الأنظمة هشاشة ، ولكن اللاعبين الآخرين يمنحونه القوة للاستمرار
الاستاذ فيصل
بالفعل نحن في عالم الفردانية والمؤسساتية ، بكل قسوة ، وكل تهميش لمكونات الانسان الروحية … ولا اقصد بالروحية الجانب الديني ، بل ذلك النسق او الانساق النفسية للانسان .. ولذلك تتزايد حالات الانتحار كما انتحر بطل رواية هكسلي … وأما السودان فدولة ليست مؤسسية بل فوضوية رأسمالية طفيلية ، مفارقة لكل النظريات العلمية ، وهذا اورثنا تشوهات الرأسمالية وتشوهات الفوضى … وأصبح الطريق مسدوداً أمام الأفراد والأسر والأهل .. فمن استطاع الهرب فقد نجا مستجيراً من الرمضاء بنار الاغتراب ، ومن بقى ظل يحترق جسداً وروحا
وتبدو خيارات الإنسان السوداني محدودة وتزداد محدودية ..
الأخ صرخة شعب
هذه الكتابة في حقيقتها هروب أو محاولة هروب
انا اخترت العالم الجديد والشجاع رغم انف الخوف