فضيحة في البرلمان

أتذكر جيدًا، أن وزير المعادن صاحب النفوذ الكبير ? حينها ? كمال عبد اللطيف، باغت نواب البرلمان، وقام بكتابة تقرير وزارته على على ورق فاخر “مصقول”. بل إن “كمال” قام بتغليف التقرير بـ “سلوفان” وحشره داخل حقائب فخيمة، قبل أن يدفع به إلى طاولة النواب.

وأتذكر جيدًا، أن الحادثة التي كانت في يونيو من العام 2012م، جاءت مُناقضة لسياسة التقشف التي ادعت الحكومة ? حينها ? أنها لجأت إليها لتقليل العجز الكبير في الموازنة، جراء ذهاب النفط ناحية الجنوب. ولعل هذا ما جعل النائب البرلماني الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، يخرج عن مألوف المشهد الصامت، ويكسر طوق الدهشة التي ارتسمت على النواب، ليصدع عالياً بكلمات ناقدة وحارقة وجهها ناحية الوزير المُهاب كونه يتحرك بماكينة دفع رباعي.. يومها لم يتوارى دكتور الحبر نور الدائم وراء الانبهار ونزع عنه سحابة الدهشة، وقال بصريح العبارة وجلي الكلمة: “ما هذا التأنق والتفنق ونحن في دولة ما زالت بائسة فقيرة”.

اللافت أن حديث “الحبر” استفز الوزير ? حينها ? كمال عبد اللطيف، وجعله ينافح عن صنيعه، بل ويسخر من صنيع زملائه الوزراء، ممن لا يحرصون على تقديم تقاريرهم بتلك الطريقة “المتأنقة”. وأبعد من ذلك فقد جزم “كمال” أن تقريره “المصقول” إنما جاء ليلافي ويوازي مكانة البرلمان، ومكانة النواب..! وكأنما هو وزملاؤه الآخرون يسعون إلى انتقاص قدر النواب وبرلمانه..!
تذكرتُ هذه الحادثة العجيبة، بعد أن قامت وزارة الموارد المائية والكهرباء – على غير المألوف – بعرض تقريرها أمام البرلمان من خلال شاشتين (مقاس 72 بوصة). إذ أنه درجت العادة على أن يتم وضع التقارير أمام النواب، وهو ما جعل عرض التقرير الذي قدمه وزير الموارد المائية والكهرباء معتز موسى على تلك الشاشات، المملوكة للوزارة والتي نُصبت خصيصًا لهذا الغرض، أمرًا باعثًا على التساؤل وجالباً للاستفهامات. لكن ما هي إلا دقائق حتى تكشفت الحقيقة عارية أمام الصحفيين. فقد تأكد أن وزارة الموارد المائية والكهرباء بعد أن عرضت تقرير وزيرها من خلال تلك (الشاشتين) المملوكة لها، قامت بإهدائها للبرلمان، ليتم استخدامهما في عرض بيانات وتقارير الوزارات داخل قبة المجلس الوطني.

حسناً، فمن حق الوزير معتز موسى الاستعانة بأي وسائل من شأنها أن تُسهم في إيصال فكرته للنواب، لكن ليس من حق وزارته أن تقوم بإهداء (الشاشتين) إلى البرلمان، لأن ذلك يمكن أن يتسبب في شراء سكوت النواب. صحيح أن غالبية نواب البرلمان دأبوا على التصفيق ومباركة أداء كل الوزارات بصورة منزوعة المسؤولية تجاه الناخب الذي أتى بهم إلى قبة المجلس، إلا أن إقدام وزارة الكهرباء على تقديم الهدية للبرلمان يمكن أن يفتح الباب واسعًا أمام العلاقة بين الجهاز التنفيذي والجهاز الرقابي التشريعي. ومعلوم أن بلدان الديمقراطيات الراسخة تحظر مثل هذا الفعل، على اعتبار ان مثل هذه التصرفات تتسبب في استمالة مواقف النواب. بل إن مثل هذا السلوك يمكن أن يقود إلى إقالة أو استقالة الوزراء مثار الحادثة.
المهم أن الواقعة برمتها تفضح العلاقة وزواج السر بين الجهازين التنفيذي والتشريعي، بل وتدعم وجهة النظر المُنادية بضرورة الفصل بين السلطات. فهل من فضيحة أكبر من ذلك..!!

صحيفة (الصيحة)

تعليق واحد

  1. هذا دليل على تكسير الثلج فوزاره مثل وزاره الكهرباء لا تحتاج الى شاشه 72 بوصه لعرض التقارير لنواب البرلمان لانها تقارير من المفترض ان تكون فنيه، ومن المفترض ان هذه التقارير تترجم فى شكل خدمه للمستهلك ليس الا

  2. الله يشفيك ياريت لو القصة كلها شاشتين
    ديل نواب الله يهديهم للحق
    ويوم القيامة سوف يوسئلون
    كل اتي الرحمن فردا
    لاينفع موتمر ولايحزنون

  3. يااستاذ يامحترم الشعب عارف كل حاجه وعارف ان العلاقه بين السلطتين التشريعيه والتنفيذيه في بلادنا
    ليست زواجا سريا كما قلت ولكنها دعاره سياسيه رخيصه بعيون قويه ووقحه .

  4. اتمنى ان تعرض فى هذه الشاشات مأكل ومشرب هذا الشعب المغلوب على امره
    من دجاج نافق وارجل الدجاج والتى تباع فى سوق الله كتلا

  5. في كل مرة نستمع للتفزيون أن وزارة كذا قدمت تنويرا أو تقريرا فأشاد به مجلس الوزراء وكأن كل الوزارات تعمل بكفاءة وانضباط ولكن في الواقع يلبد الفساد بعباءات مختلفة في كل أركان الوزارات ولذلك كل المشاريع تنهار وتنهدم والساقية لسه مدورة ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..