كيف ينظرون هناك لـ “قرنق” بعد تسعة اعوام من رحيله

اطلعت قبل أسبوعين أو يزيد على مقال في صحيفة الراكوبة الالكترونية لـ البروفيسور عوض محمد احمد، تحت عنوان (الست شخصيات الأكثر تأثيراً في سودان القرن العشرين)، حيث أختار كاتبنا الكبير شخصيات ست من بين المئات الشخصيات المحورية التي عاشت في السودان خلال الحقبة المذكورة وتركت اثارا باقية إلى يومنا هذا، وجاء في مقدمة القائمة، الأمام عبد الرحمن المهدي، والسيد علي ميرغني، بينما كان الشخصية السادسة الأكثر تأثيراً بحسب البروف، هو العقيد الدكتور جون قرنق دي مبيور، وجاء الأستاذ محمود محمد طه وعبدالخالق محجوب والدكتور حسن الترابي، في المراكز الثالث والرابع والخامس على الترتيب.
والجدير بالذكر ان حيثيات أختيار هذه القائمة والترتيب إستند على أسبقية تواريخ ميلاد هولاء العظماء وليس إسهاماتهم بحسب توضيح الكاتب في ثنايا المقال.
وذكر الكاتب أيضا أن موضوعه هو القاء نظرة بانورامية وليس توثيقية على الشخصيات الست المذكورة، واوضح قائلاً ?لا شأن لنا بتقييم أدوار من اخترناهم، سلبيا كان ام ايجابيا. نحن مشغولون بمن هو الأكثر تأثيرا. تأثير أصيل وحقيقي وباق وليس ضجيج وقتي نتاج صوت عال أو تلميع إعلامي مصنوع. لسنا بصدد كتابة تاريخية. إنما هي رؤية الكاتب الشخصية قراءته لتأثير أفراد معينين في مجريات أحداث قرن كامل في بلادنا?، أنتهى الإقتباس.
ووصف البروفيسور عوض محمد احمد، في معرض سرده، الراحل جون قرنق، بـ (قناني جديدة وشراب جديد)، وهي الوصف الذي استخدمه كعنوان جانبي تحدث تحته عن الراحل جون قرنق، والقناني في اللغة ومفرده قنينة هو وعاء من زجاج يجعل فيه الشراب ونحوه، وفي هذا يقول البروف ?على مدى زمن طويل تتغير القناني ولكنه نفس الخمر. منذ أوائل الثمانينات وهو في كر وفر مع حكومات المركز إلا أنه بعبقريته وتحالفاته المرنة التي شملت معظم الطيف العرقي والجهوي السوداني تمكن من الإبقاء على جذوة ثورته متقدة الى أن استطاع الوصول إلى اتفاق سياسي عام 2005م أعطى المهمشين حقوقا مقدرة?.
وقال ايضا أن قرنق رغم انه محارب لا سند سوى تأهيله العسكري في الكلية الحربية السودانية، والاكاديمي في جامعة أمريكية مرموقة ? يقصد جامعة ايوا ? متخصصاً في الاقتصاد الزراعي، الا انه ?والحديث للبروف? نجح في قيادة أكبر حركة تغيير شهدها السودان المعاصر منذ الثورة المهدية.
وأشار ايضا بان عبقريته تتمثل في إيقاظ شعلة النضال لإزالة المظالم الجهوية الناتجة عن عيوب هيكلية في بنية الدولة السودانية في إطار السودان الواحد.
لا شك أن سرد البروف، يمثل وجهة نظره الشخصية ولا يمكن أعتباره هنا بإي حال من الاحوال وجهة نظر السودانيين عموما تجاه الشخصيات الست سالفة الذكر وخاصة شخصية الدكتور جون قرنق دي مبيور محور حديثنا، وإن أتفق معه البعض، كما لا يمكننا الاعتماد عليه كمقياس للرأي العام السوداني حول شخصية قرنق، حتى يتشكل منه السؤال اعلاه ?كيف ينظرون هناك لـ “قرنق” بعد تسعة أعوام من رحيله؟”، بيد انه رأي شخص عالم وعارف بالأمور، وإثارته لمثل هذا الموضوع قد يكون سببا وجيهاً في تقديري ?الشخصي? لاطلاق مثل هكذا سؤال، لا سيما ان الجزئية المتعلقة بالراحل قرنق في المقال وجدت نقاشا معتبرة من الناشطين في الشبكة العنكبوتية لا يمكن تجاوزه.
المقال ربما أعاد إلى الأذهان بصورة ما الترحاب والقبول الكبيرين الذي وجده شخصية الراحل قرنق، وسط الشماليين، ابان مقدمه إلى الخرطوم، بعد أكثر من عشرين عاماً قضاها مقاتلاً ضد الأنظمة المتعاقبة في الحكم، واعادت كذلك إلى الاذهان الكثير من عبارات المديح والاعجاب التي انهالت على الرجل بعد عودته التاريخية للخرطوم (راجع أرشيف الصحف السودانية الصادرة في الأيام التي تلى زيارة قرنق للخرطوم) وكان قبل ذلكم العودة، السواد الأعظم من نخب الشمال السياسي مما تأثروا بدعاية الاعلام الحكومي الموجه ضد الرجل ومشروعه السياسي المسمى بالسودان الجديد، ينعتونه بأسوأ وأقذر الاوصاف والالقاب، الا أن هذا النظرة تغيرت فجأة بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل والعودة التاريخية للراحل قرنق للخرطوم، وتجلى ذلك في الإستقبال المليوني الذي وجده الرجل في شوارع العاصمة وفي ساحتها الخضراء من قبل الشماليين.
مثال : ?قرنق الذي قضى خصومه في الشمال نصف قرن من الزمن في نعته بأسوأ الاوصاف، وجد ملايين الشماليين في الشوارع إنتظارا لقدومه، ووجد من الأجيال من السودانيين الافا أخرين يحملون صورته وشعاره الذي رافقه في حرب الجنوب، شعار السودان الجديد?. رابح فيلالي اعلامي وروائي جزائري.
أصبح شخصية قرنق بعد ذلك يأثر قلوب الكثيرين ممن كان يعتبره بالأمس القريب رمزاً للتمرد والحرب، وأضحى كاريزميته وبساطة أسلوبه هو منشد العديد في مجالس المدينة وداخل القصور المنيفة، وغدا حينها السودانيين يتغنون بوحدة السودان أكثر من إي وقت مضى، قبل أن يغيب الموت الملهم قرنق في حادثة تحطم المروحية الرئاسية اليوغندية المشؤومة قرب الحدود اليوغندية السودانية، وصاحب الحادثة الشهيرة مواجهات دامية بين الجنوبيين والشماليين في الخرطوم وبعض مدن السودان بسبب الاعتقاد بان قرنق قتل نتيجة مؤامرة من النظام الحاكم في الخرطوم، وقد خلفت هذه المواجهات خسائرة كبيرة في الأرواح والممتلكات من الجانبين وعرف ذلك في الاعلام السوداني بخسائر الاثنين الاسود، وقد ساهمت أيضا المواجهات في تبديد الثقة بين السودانيين في شطري البلاد وخلق فجوة إجتماعية كبيرة ساهمت بجانب تراكمات الماضي المرير في إنفصال جنوب السودان لاحقاً.
سارت وتيرة الأحداث بعد ذلك على نحواً سريع، وأصبح خيار الإنفصال يلوح في الأفق أكثر من إي وقت مضى مع بدء العد التنازلي للفترة الإنتقالية، وأصبحت إنفصال جنوب السودان مسألة وقت ليس الا، ?رغم المحاولات الخجولة من الحكومة السودانية لتدارك الأمر تارة وعرقلتها تارة أخرى?، وهي ما وقعت بالفعل ? إي الإنفصال – عندما أتجه الجنوبيين إلى صناديق الإقتراع في صبيحة التاسعة من يناير 2011م، حيث صوتوا لصالح قيام دولتهم المستقلة على حساب البقاء في دولة السودان الواحد، وللمفارقة ما يزال العديد من السودانيين حتى يومنا هذا يؤمنون بأن أحد الأسباب الرئيسية لإنفصال جنوب السودان هو الغياب التراجيدي للدكتور جون قرنق دي مبيور عن مسرح الأحداث، وهو إيمان قل نظيره طوال التاريخ المديد للسودان العظيم.
لا نستطيع أن نجزم بشكل قاطع بطبيعة الحال أن مكانة قرنق في قلوب الشماليين لم يتزحزح عما كان عليه قبيل وفاته أو بالأحرى قبيل إنفصال جنوب السودان، بأيام أو أسابيع أو شهور (الحساب مفتوح)، فهنالك الكثير من المياه قد جرت تحت الجسر منذ ذلكم الوقت وهي كفيلة بتحريك جبال من الصخور ناهيك من مشاعر انسانية تتبدل مع الايام والاحداث، لقد وقعت أحداث عديدة في السنوات التالية لرحيل الدكتور جون قرنق وأثرت هذه الاحداث سلباً على الكثير من الروابط المشتركة بين الجنوبيين والشماليين ولكنه لم تقضي عليها نهائيا، ولعل أبرز هذه الاحداث هو إنفصال جنوب السودان عن الشمال، وقد أفرد الدكتور والمفكر السوداني الكبير منصور خالد سفراً كاملاً عن حادثة الإنفصال لاهميته، وتناوله تحت عنوان (إنفصال جنوب السودان زلزال الشرق الأوسط وشمال افريقيا ايدولوجيات ام عقائد).
ولكننا نستطيع أن نجزم بالطبع ?على الأقل? بأن تلك النظرة السودانية لـ (قرنق) كشخص كان قادرا على تحقيق حلم السودان الواحد القائمة على عنصر التعدد والتنوع لم يتزحزح قيد انملة عما كان عليه في قلوب العديد من السودانيين الذين كانوا يؤمنون بمشروع السودان الجديد وإمكانية اعادة وحدة السودان على اسس جديدة.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لماذا كان د.جون قرنق وحدويا
    07-28-2013 02:58 AM

    هل الدكتور جون قرنق مفكر جنوبي ام سوداني ام عالم ثالثي؟…اذا قلنا العالم الثالث المازوم في جدلية التوزيع العادل للسلطة والثروة وازمة الحكم بين المركز والهامش والتي انفجرت اليوم في ثورات الفيس البوك في العالم الثالث العربي..الذى لم يعرف الدولة المدنية والديموقراطية وظل اسير فجر كاذب تم تصديره من الجارة مصر الي العالم العربي في شكل خطاب غوغائي لا يسمن ولا يغني من جوع..ولا زال انقلاب عبدالناصر على الملكية والديموقراطية معا ودخول مصر والعالم العربي النفق المظلم للانظمة الشمولية..الذى هيمن على نصف الكوكب المتاثر بالثورة الشيوعية والماركسية التي اضحت كالقطة التي اكلت بنيها
    عندما نال السودان استقلاله سنة 1956 ربط نفسه بقاطرة الشرق الاوسط المعطوبة والمشاريع المستوردة من الخارج واوهام الدولة الدينية العروب اسلامية…واضحينا ننتقل بين حكم شمولي وديموقراطية زائفة عبر انتفاضات متكررة 1964 و1985 لا تراوح مكانها ولا تعيد نفس انتاج الوعي المستلب بل نفس الاشخاص
    هل كان السودان فراغ او بقعة جغرافية تقع جنوب خط22 وظل باهت او حقل تجارب للاخرين ام كان هناك حضارة عمرها سبعة الف عام وملوك كوش العظماء تراهاقا وبعانخي واركماني…واعلام فكر سوداني معاصر من امثال محمود محمد طه وابراهيم بدري والدكتور جون قرنق
    عندما طرح محمود محمد طه مشروع الدولة المدنية الفدرالية الديموقراطية في السودان في بواكير الاستقلال وفقا لاساس فكري صلب قائم على الهوية السودانية كان نصف العالم من عجم وعرب غارق في شمولية النظام العالمي القديم والصراع بين المعسكر الديموقراطي الراسمالي والمعسكر الاشتراكي الشمولي..وعجز المعسكران حتى الان على حل معضلة”حاجة الانسان للحرية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية”..وطرح افكاره في كتب موثقة واشرطة كاسيت حسب امكانيات ذلك الزمن…وطبعا قامت النخب السودانية المتعددة الاهواء بؤاد هذه الافكار السودانية واغتيال صاحبها سنة 1985 واستبدالها بما هو اسوا عبر عقود من الاستقلال
    وفي عام 1983 جاء متسابق اخر في سباق الماسافات الطويلة السودانية ليحمل الراية ويواصل مشروع صناعة الدولة السودانية الحقيقية…وكان مشروع السودان الجديد الذى جسدته كلمات جون قرنق البسيطة”ما تسالوني عايز احرر السودانيين من منو ؟!..اسالوني عايز تحرر السودانيين من شنو!!” رغم بساطة هذه الكلمات الا انها ظلت عصية الفهم لاهل السودان القديم الذين ولغت في عقلوهم ايدولجياتهم التي جاءو بها من البلاد التي بعثو اليها…ورفعو شعار “يا شعيب لا نفقه كثيرا مما تقول”…واعلنو حرب ضروس على هذا المشروع عبر الديموقراطية المزعومة او ما يعرف بثورة الانقاذ وهي انقلاب قام به الاخوان المسلمين في السودان وتبناه الاخوان المسلمين عبر العالم واهلك الحرث والنسل وفشل تماما ووصل الحضيض بوجود عرابه حسن الترابي في السجن ورئيسه تحت تهديد المحكمة الجنائية الدولية..
    كانت اتفاقية نيفاشا 2005-2011هو العمل الذكي الوحيد الذى ما رسته الانقاذ بعد سد مروي…ولكن للاسف ليس كل الانقاذيين اذكياء بالطبع..وخاصة بعد المفاصلة الاخيرة بين القصر والمنشية ..وانقسام الاخوان المسلمين الى ظل ذى ثلاث شعب المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني والعدل والمساواة….وبرزت ازمة دارفور على السطح
    يمتاز د.جون قرنق بالواقعية السياسية وعندما قال “بعد نيفاشا السودان القديم لن يرجع” رغم وفاته العاجلة صدق ما تنبا به فهو رجل ذكي وبارع في الديناميكا السياسية…لقد كانت نيفاشا طوق نجاة لانقاذ الانقاذ من فجر الاخوان المسلمين الكاذب وفرصة لانعتاق السودان من دائرة الشرق الاوسط الجهنمية والنظم الفاسدة والمستبدة والايدولجيات السقيمة…ولكنهم لم يحسنو ا قراتها جيدا…وظلوا في طغيانهم يعمهون حتى تهاوت العروش من حولهم…ولم تنجو حتى مصر المؤمنة..فهل كان جون قرنق عندما تحدث عن مشروع السودان الجديد ليس حده ملكال او خط22 بل كان يقول”من نمولي الى الاسكندرية” وانه سيكون نموذج لدول العالم الثالث…واليوم نرى مصر الجديدة وتونس الجديدة والعراق الجديد والبحرين الجديدة وثورة الفيس بوك والحرية والتجديد تسير
    بعد فشل مشروع الاخوان المسلمين في السودان ووصوله القاع وعافته الفضائيات..وجاء الغنوشي ليذكرهم..هل من الاجدى المكابرة والاستعلاء الزائف والجلوس على راس الناس..ام التواضع ومراجعة النفس..وهل عرفنا الان لماذا كان جون قرنق وحدويا….الاجابة بسيطة…لان امتداد مشروع السودان الجديد شمالا عبر اتفاقية نيفاشا والتصويت للوحدة كان سيشكل درع واقي لابناء الجنوب ليقفوا على اقدامهم دون معاناة من الشريك الذى لا يؤمن بوائقه والتى بدات من الان وقبل ترتيبات الانفصال..لقوة وجود ابناء الجنوب في المركز وهنا كانت براعة د.قرنق…ولكن للاسف الكثير من الانفصاليين الجنوبيين لما يقراوا الواقع قراءة جيدة وكما قال الفيتوري(ذهب المضطر نحاس)…واثروا الانعتاق من المركز دون استبصار لمآلات ذلك
    ماذا بقي لنا في الشمال لنراهن عليه الان…المشروع الذى فشل بشهادة الدكاترة الاجلاء من منتسبيه…ام احزاب السودان القديم التي في متاهتها…ام ننتظر قطاع الشمال القوى….ليبلور لنا مشروع يناسب المرحلة ويعيد روح قرنق المثابرة في تخطي الجبال كما كان يقول دائما”كلما تخطينا تل برز تل اخر”..
    ختاما قد يقتنع اهل الشرق الاوسط بما جادت به الشقيقة مصر وهو مشروع الاخوان المسلمين كبديل للنظم الحاكمة ولكن نحن في السودان…لسنا بحاجة لاعادة تدوير افكار مدمرة مرة اخرى ودولة دينية مزيفة….مستقبلنا فقط في مشروع السودان الجديد والدولة المدنية الفدرالية الديموقراطية التي دعا لها محمود محمد طه ووضع لها اطارها الفكري .. ووضع لها اطاراها الدينامكي دكتور جون قرنق(اتفاقية نيفاشا 2005-2011)…وعندما قال جون قرن “اني امثل الاغلبية” فقط صدق….فقط كان عليه ان يكمل الجملة للاذكياء من ابناء شعبنا ويقول”ان فقهوا”…

  2. ملك الملوك قاهر الجبابرة وكاسر القياصرة الله جل جلاله عظمت مشيئته وبسط علي الكون عظيم قدرته لا إله غيره لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك لطف بأهل السودان وشتت شمل أعدائه جاء من يدعي أنه المعلم مع تلاميذه يرقصون في القصر فأعطاه شبل من أهل القصر عصا صغيرة ليرقص معه فمد المعلم يده ليأخذها وقبل أن تصل يده إلي العصا توجس خيفة ورجعت يده مسرعة هالعة لشئ ما ظنه في هذه العصا الممدودة ( راجع إستقبال أهل القصر ) ورفض السكن في بيت الأمان خوفا من الموت فأتاه قدر الله من حيث لم يحتسب ( وقالو لو كان لنا من الأمر شئ ماقتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم ) أي مصارعهم . وبعد مصرع المعلم ظهر جليا أن التلاميذ لم يتعلموا شيئا من المعلم وظهر بعده ما كان مكتوما في صدورهم فتقيئوا دماءا علي بعضهم البعض . فقالوا نعود من حيث كنا ونرجع إلي القصر فقال لهم صاحب القصر فلنستفتي أهل القصر .

  3. الجنوبيين الشماليين
    مقال منشور في الراكوبة

    -السلم الاجتماعي في الدولة القطرية
    وفقا للمتغيرات الدولية المعاصرة وتحديات الدولة المدنية والديمقراطية الحقيقية ورياح التغيير التي بدأت تهب على الشرق الأوسط والسودان ليس عنكم ببعيد..أضحت قضية الأمن القومي الحقيقي هو توفير”السلم الاجتماعي” بين مكونات الدولة القطرية نفسها..

    من الواضح إن ما يخل بالسلم الاجتماعي هو الأفكار والايدولجيات الوافدة وفقا للقاعدة الديناميكية “كل جسم يبقى على حالته من حيث الحركة او السكون ما لم تؤثر عليه قوى خارجية تغير من حالته” لذلك نجد الآن الاضطرابات الاجتماعية في البلدان العربية والسودان نموذجا تقف خلفها أفكار وايدولجيات وافدة من ثلاث مصادر رئيسة ، تتفاعل مع بعضها سلبا وتتجلى في شكل نزاعات مذهبية او عرقية وهي:-
    ? الأخوان المسلمين/ بلد المنشأ مصر
    ? السلفية /بلد المنشأ السعودية
    ? ولاية الفقيه/بلد المنشأ إيران
    حيث يتم تعبئة الشباب بهذه الأفكار في بؤر لا ترقى إلى مستوى مؤسسات تعليم عالي وتخلق جيل متطرف ومأزوم فكريا يسهم دون وعي في تفكيك النسيج الاجتماعي للدولة على المدى البعيد وإقلاق السلم الاجتماعي وتعطيل التنمية..وهذا ما فعله حزب الأمة/ولاية الفقيه والإنقاذ/الإخوان المسلمين لاحقا في هوامش السودان الغربية والجنوبية.عبر السنين وأوصلنا إلى ما نحن عليه ألان..فقط الإنقاذ كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ..

    2-الجنوبيين الشماليين

    وهم الأعداد الكبيرة من أبناء جنوب السودان الذين نزحوا عبر السنين من الجنوب إلى الشمال ولأسباب مختلفة أكثرها عمقا وقبحا حروب المركز المستمرة من اجل تصوره الأحادي الجانب للدولة المركزية العروبية الاسلاموية المزيفة و المستوردة من المحيط العربي…والجنوبيين الشماليين فئتين..
    أ-جنوبيين الهامش الثاني(الأقاليم):-
    منهم من استقر في الأقاليم السودانية الخمس المعروفة الشمالي والشرقي والأوسط وكردفان ودارفور وفي أرياف وحواضر تلك الأقاليم واندمج بحياة طبيعية مع السكان واسهم في الرياضة والثقافة وتفاعل مع الموجود..تماما كما حال انتشار الكرات في منضدة البلياردو المستوية…لذلك هذه الفئة من الجنوبيين الشماليين..لها نظرة ايجابية عن الشماليين…وقادرة أن تميز تماما بين شعب الشمال وبين نظمه السياسية…وقد روى طالب جنوبي للأستاذ المرحوم عبد المنعم حاج الأمين في مدرسة دنقلا الثانوية قصة طريفة..تعبر عن رحلته الى المركز قال :_عندما خرجت من قريتي إلى ملكال..رأيت مدينة لأول مرة وانبهرت لذلك وسمعت بكوستي وعندما وصلت كوستي وجدتها اجمل من ملكال وقلت سبحان الله يبدو أن الأمور تتحسن و تصبح جيدة كلما اتجهت شمالا..ووصلت الخرطوم..وصعقت بالمشهد البديع للعاصمة السودانية والحياة الصاخبة فيها وتم قبولي من ضمن طلاب جنوب السوداني في دنقلا..وقلت دنقلا هذه ستكون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت..واردف قائلا: فوجئت باني أقع في حفرة مرة أخرى لا تقل عن مدينة ملكال التي غادرتها منذ امد بعيد واتضح لي ان نظريتي الدار ونية عن أن التطور يزداد كلما اتجهنا شمالا غير صحيحة..وان السودان في أركانه الستة/الأقاليم مهمش وان المركز فقط هو الذي تتجلى فيه الخدمات التي تركها الانجليز وعبود ونميري.. وان التهميش هو مشكلة 85% من الشعب السوداني وليس الجنوبيين فقط ولكن اكثرهم لا يعلمون ..والامر نسبي…ومن أميز الجنوبيين الشماليين الذين شخصوا أزمة السودان الراحل د.جون قرنق نفسه الذي عاش في مدينة رفاعة..لذلك لم يأبه لدعاوى الانفصال الهزيلة في حركته إبان التسعينات والإنقاذ في أوج غطرستها..وبعد توقيع اتفاقية نيفاشا 2005 أدرك انه اذا تركت فرصة عادلة لأفكاره في الانتشار في الهوامش الستة..ستسهم في بناء الدولة السودانية الحقيقية التي يحلم بها كل وطني شريف وشبه الأمر” بالظفر الجديد الذي يحل محل الظفر القديم في جسد الإنسان دون أوجاع تذكر”.. وتجعل مدن الأقاليم كالعاصمة تتمتع بكافة الخدمات الضرورية من تعليم وصحة ورفاهية وتضع حد للدارونية السياسية التي راءها الطالب الجنوبي في مدرسة دنقلا..ولكن الأقدار كان لها رأي آخر بعد وفاته المفاجئة…انحسرت الرغبة في الوحدة في نفوس الجنوبيين الجنوبيين وهم تلك الفئة التي لم تأتي أصلا إلى الشمال..وما رأته من أهوال وممارسات مشينة ومحارق واسترقاق عبر العصور من التركية السابقة والمهدية والحكومات المعاصرة بعد الاستقلال 1956التي يقال لها وطنية كاف جدا…لان يكرهوا كل ما يأتيهم من الشمال…حتى ولو جولات قمح وسكر..
    ب- جنوبيين المركز.
    الفئة الثانية من الجنوبيين الشماليين هم الذين جاء والى المركز رأسا وعاشوا حياة ضنكه في معسكرات الخيش حول جمهورية العاصمة المثلثة..وعانوا من إسقاطات المركز الشوفينية والعنصرية ومن أضل والعن مظاهرها(الكشة) والشرطة الشريرة..والتطبيق المشوه للشريعة الإسلامية إبان عهد نميري الأخير1983 وطيلة زمن حكم عمر البشير بمشروع الإخوان المسلمين الفاشي والعنصري..والذين عانوا من إسقاطات د. كمال عبيد والطيب مصطفى وحسن مكي ونظرية الحزام الأسود وابتذال كل الذين يحملون شهادات العلم الذي لا ينفع…هؤلاء ترسبت في نفوسهم مرارات شديدة..جعلتهم لا يميزون بين الحالات المختلة والمعزولة التي يمثلها هؤلاء وبين السودانيين العاديين ..بل أيضا لم يلحظوا أن نظام الإنقاذ نفسه مارس الفصل للصالح لعام وشرد وقتل الملايين في أركان السودان الستة .الأمر الذي جعل حتى قبيلة الرشيدة العربية الأصلية تتحول الى اسود حرة وتصبح من قوى السودان الجديد في التجمع…الأمر الذي أدهش د.جون قرنق آنذاك وأطلق عليهم مصطلح “العرب الأصليين”..لعلمه التام بتاريخ السودان ومعرفته بأدعياء العروبة العرقية في الشمال وهم “مشلخين”..ولم يتحروا من “شنو”حتى الآن..
    الامر المؤسف ليس في مآلات الانفصال التي يعاني منها الشمال الآن..بسبب ضيق الأفق والأنانية والتجرد من الورع والمسؤولية التي يتمتع بها رموز الحزب الحاكم وغوغائية المعارضة السودانية التي تمثلها أحزاب السودان القديم..بل أن العزلة السياسية التي عانى منها جنوبيين الشمال منذ 1956. وانطوائهم في أحزاب جنوبية صغيرة متناحرة .ناجمة من سوء أحزاب السودان القديم نفسها في هيكلتها ومشاريعها وأهدافها..لم تكن سوى أحزاب مركز برجوازية مترفة بما في ذلك الحزب الشيوعي السوداني والى الآن” المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد”،أحزاب لا تصلح أبدا في دولة مدنية فدرالية ديمقراطية وقد كشفتها الانتخابات الأخيرة2010 من ناحية إجرائية فقط(لم يستطع الحزب الشيوعي استيفاء شروط مرشح لمنصب الوالي في ولاية نهر النيل)..عجزت جميعها ان تستوفي شروط الانتخابات على كافة التراب السوداني بينما نجح المؤتمر الوطني بماله وجماله الذى يشبه الطاووس” والطاووس بلا خجل يظهر عورته للناس كما قال الشعار العراقي ألبياتي” والحركة الشعبية/قطاع الشمال بمشروعها السوداني البسيط المنسجم مع الفطرة السودانية (التوزيع العادل للسلطة وللثروة) والذي اخرج لها الملايين في قيامة الساحة الخضراء وفي حملاتها في الأقاليم فقط في ذلك..ولماذا لم يتساءل القائمين على الامر هذه الاحزاب..رغم تواجد اكثر من 2 مليون جنوبي في الشمال عبر العصور..اين موقعهم في هذه الاحزاب؟ حزب الامة والاتحادي والمؤتمر الوطني والشيوعي..اما الشعبي فقد فطن لهذا الخلل د.الترابي بعد انعتاقه من اصر الاخوان المسلمين الدوليين والمحليين وجاء بدينق نيال مرشحا لراسة الجمهورية وحصل على 50000 صوت في العاصمة القومية…
    واليوم نسمع في الجنوب نغمة جميلة عندما خرج الناس في جوبا مطالبين بالوحدة التي يتمناها كافة السودانيين الشرفاء وأن يعاد توحيد السودان بأسس جديدة(نيفاشا 2005) ونتجاوز هذه المرحلة بأسرع وقت ممكن..هل هناك في الشمال من يرد التحية بأحسن منها ثقافيا وفكرا وسياسيا واجتماعيا ونفسيا أيضا؟؟..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..