جدلية الوحدة والانفصال

جدلية الوحدة والانفصال

عبد الرحمن الأمين

رغم أن كل أحزابنا وقوانا السياسية، بصَمَت وختمت على حق تقرير المصير لجنوب السودان، لكنها اليوم باتت جزعة وفزعة من مقدم يوم ربما أفضى بالوطن إلى مزق وأشلاء، وأكثر ما يحيِّر ويدهش النبرة التي ارتفعت حالياً مذكرة بالوحدة ومنددة بالانفصاليين، وكأنما تقرير المصير تقرر فجأة أو دهمنا على حين غرة، مع أنه جرى مهره والتوقيع عليه قبل خمس سنوات ويزيد، عندما وقعت اتفاقية نيفاشا في العام 2005 التي وثَّقت لتقرير المصير في يناير من العام 2011 .

ولكنه حال أهل السودان، لا يتحركون إلا في اللحظات الأخيرة، وبعد أن يحزبهم الأمر، وينزنقون (زنقة غسال يوم الوقفة)، حينها يدركون أنه لابد من ما ليس منه بد، ويحاولون أن ينجزوا بخطوات عجلة، ما كان يمكن إنجازه ريثاً.

ومن أسف أن الذين يتحدثون عن الوحدة، يفتقدون عزيمة وهمة الانفصاليين، الذين استعدوا لخطتهم باكرا، وأقاموا لأجل ذلك المنابر، وأصدروا إصداراتهم الصحفية، وحشدوا الأقلام، ومضوا مثابرين غير هيابين، ومهما اختلفنا معهم، فليس بالوسع إنكار جهدهم، فيما هم مصممون عليه، وعازمون على إنفاذه.

وأكثر ما يثير الدهشة والاستغراب أن دعاة الوحدة يريدون أن يداروا عجزهم وأن يحملوا مسؤولية تقصيرهم لدعاة الانفصال، وأكثر من ذلك يريدون أن يحجروا عليهم، وأن يضيقوا عليهم الخناق، بل ويدعون إلى تحريم دعوتهم، وإخماد نار جذوتهم، وإغلاق منبرهم ومصادرة صحيفتهم، وكأني بتقرير المصير لم يتضمن خيارين ، ولم ينطو على دعوتين.

إذن والحالة هذه، إذا لم نحتمل بعضنا بعضاً في مجرد الدعوة لفكرتنا، وتزيين منطقنا، وتأكيد بوار دعوة الآخرين وخطل فكرهم، فهل بالإمكان أن نحتمل النتائج المترتبة على الاستفتاء، والمخرجات الناجمة عنه.

بتقديري أننا لم نكن أصلاء في تفكيرنا، ولا أمناء في دعوتنا، ولا جادين في تقرير المصير للجنوبيين، بل ربما ساورت البعض فكرة أن يُحمل الجنوبيون قسرًا على الوحدة، وأن يُقادوا إلى حضن الوطن كرهاً.

الناظر المتمعن في قضية الاستفتاء وفي الجدل الدائر بين الوحدويين والانفصاليين، يدرك يقيناً، أنها كشفت عن ما هو أسوأ من الانفصال لو قُدر له أن يقع، وما هو أقبح من الانقسام، لو قُيض له أن يتحقق، وهو كفرنا بالوسائل الديمقراطية، لحسم قضايانا المصيرية.

وإذا لم نطق بعضنا البعض في رقعة الشمال في إدارة حوار الوحدة والانفصال، فهل بالوسع أن ندير حواراً بين الشمال والجنوب، هكذا قضية ينبغي أن يدار الحوار حولها بكل الشفافية، وهي ليست من نوع القضايا العاطفية، التي تجدي فيها (الطبطبة) و(تطييب الخواطر)، وإنما يجب أن يتعمق الحوار، لنصل لحلول لكل الاشكالات التي اعتورت مسيرتنا الوطنية، ووقفت عقبة كأداء أمام بلوغ وحدتنا تمامها وغايتها.

وعلينا ألا نرهن الحوار بالفترة الزمنية المتبقية للاستفتاء، وأن نحتفظ بحق كل منا في إبداء رأيه ووجهة نظره، وأن نتحلى بالموضوعية، وأن نبتعد عن المخاشنة اللفظية، والرسائل الموغرة للصدور.

إذا أفلحنا في هذا سنكون قد أرسينا لأدب الجدال بالحسنى واستللنا الأغبان، ونجحنا في توطيد نهج ديمقراطي، ليس أمامنا إلا أن نرتضي نتائجه، ومحاولة كسب الجولة مرة أخرى بذات وسائله.

صحيفة الحقيقة

تعليق واحد

  1. كلامك فى مكانه … ولكن فاقد الشىء لا يعطيه
    الذين يحكمون السودان الآن لا يعرفون الحق ويقرون الباطل
    وهمهم لا جنوب السودان ولا غربه وانما الحكم وبس ,.. وان غدا لناظره قريب ونشوف الجلاب وين حيمشو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..