العقل الشاذ وحصار الجسد

سأتعلم أشياء جديدة ؛ لازال هناك وقت لتعلم المزيد من الأعمال وفهم المزيد لمحدودية العقل البشري . هذا العقل الذي لدى بعض من يفكرون بشكل مختلف عن عامة الناس ، يفكرون بخطوط غير مستوية ؛ فلا يخضعون لقاعدة أن النتائج وليدة المقدمات فلديهم مقدمات يخلقونها ونتائج وراء المقدمات .
هؤلاء الذين يفكرون بشكل مختلف منبوذون من العامة ، مهمشون سياسيا واجتماعيا وثقافيا ، وهم أنفسهم لا يحبذون الاندماج في قوانين الآخرين المتحجرة . إنهم ينفلتون من عقال صلد ، هم يصرون على الانفلات والعقال يصر على حجزهم داخله ، ينشأ صراع صامت وشديد الإيلام أيضا ، يقاومون الأمواج العاتية ، وينهزم البعض منهم وتنتصر أقلية ، وتظل أغلبية تراوح مكانها داخل رقعة البحر وهم يشاهدون غرق البعض بهلع وانتصار الآخرين بأمل.
أولئك الذين يفكرون بمنطق مختلف متعبون جدا ومرهقون ، ﻷنهم يشعرون بأنهم مسيرون رغم إرادتهم فوق قضبان أفعوانية ضخمة أسمها المؤسسات الكابحة ، المؤسسات القاتلة ، وهم كبشر لديهم احتياجاتهم الفسيولوجية التي يتوقف إشباعها على ما في أيدي الآخرين. إن أجسادهم نفسها تبدو كمؤسسة دكتاتورية فيتمنوا الإنفلات منها ، الخروج من تفاهة الجسد ومعاييره الدونية الحيوانية. إن ثورتهم لا تكتمل أبدا بسبب الجسد.
يبدو الجسد -بل هو فعلا- نقمة ؛ ألم ، اعتقال ، أغلال ، حصار ، قمع ، فيتمنون لو كانوا كالأعشاب التي تستمد طاقتها من تمثيلها الغذائي الضوئي أو كالشمس التي تعيش وتشتعل على الاقتيات من ذاتها قبل أن يحين أجل موتها .
إن الزمن نفسه يضحى مشنقة لهؤلاء ، والمناخ مقصلة ، والعاطفة كارثة والآخر جلاد.
إذن؛ كيف نقف إلى هؤلاء ؟ أولا بأن نفهم بأننا وليس هم مختلفون عنهم ، أن نفهم النسبية التي تشكلنا وتحاصرنا ، وأن التفكير ضد إرادة الإله الإنساني لا تعني الكفر ، بل تعني كتابا مقدسا جديدا يضاف إلى ما لدينا من كتب مقدسة . إنهم -ويجب أن نفهم أيضا- لديهم خطوط حركة غير مستقيمة ولا تستقيم مع خطوط حركتنا. وأن أدمغتهم لا تشارك أدمغتنا ، وانهم أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ، بل والخاصة جدا . وأن دوافعهم ليست كدوافعنا . إننا نشاركهم -فقط- تكويننا المورفولوجي والفسيولوجي ولكن حتى هذا يبدو لهم عدو يجيد التعذيب.
إننا كمؤسسات يجب أن نتمتع ويتمتع جدارنا الصلب بالمرونة الكافية لعدم صدهم عن هروبهم الدائم من آلامهم نحو سعادتهم التي نراها شاذة. إن الخطأ هو أن نذهب إلى أنهم أقلية وأن الأقلية لا تستحق أن نحول لها فولاذ أجساد مؤسساتنا إلى لدائن . صحيح أن أغلب مشكلاتنا نابعة من هذا التحجر ولكن فقط علينا أن نحاول منح هؤلاء المنبوذين فرصة للحياة .

د. أمل الكردفاني
[email][email protected][/email] 19ديسمبر2014

تعليق واحد

  1. مقال جميل هو انعكاس لذلك الجانب من العقل الذئ نعاني منه جميعا ويحتاج دوما لاضاءة شكرا لكي امل كردفاني

  2. امل الكردفاني الحبيب الغالي اراك اتجهت الي الكتابة الرمزية وانت تمتلك ناصية التحدث بهذا الفن الجميل من اللغة والكتابة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..