يحاورون انفسهم وينتخبون انفسهم

عندما تستمع إلى الحماسة التي يتحدث بها رئيس مفوضية الانتخابات ومعاونوه وتنظر إلى الملايين المهدرة التي خصصت لهم يخيل إليك أن هناك انتخابات حقيقية يجري الاعداد لها لتشكل مرحلة جديدة من مراحل التطور السياسي في البلاد. هذا الوهم هو ما يريد الحزب الحاكم تسويقه عبر وسائل اعلامه المعلومة للجميع .
ولكن ما أن تنظر إلى قائمة المتنافسين في تلك الانتخابات حتى تدرك أن الأمر ليس إلا مجرد مسرحية سيئة الإخراج لا ترقى لعناء المشاهدة أو حتى المتابعة المجانية من خلال الشاشة. فالمنتج والممثلون والمعدون والمخرجون والكمبارس جميعهم ينتمون إلى الحزب الحاكم إما مباشرة وإما عبر حبال سرية كتلك التي تربط بين المؤتمر الوطني وأحزاب عبود جابر.
مالم تدركه الفئة الحاكمة هو ان وعي السودانيين اصبح اكبر بكثير مما كان عليه الأمر قبل خمسة سنوات حتى داخل منظومة الحزب الحاكم نفسه . حيث انتجت الصراعات فرق ومجموعات متعددة منها السائحون والاصلاحيون والمتمردون والمقالون وغيرهم .
أما على صعيد جبهة المعارضة فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر فشهدنا اعلان باريس وإعلان نداء السودان وثورة الإمام وبروز حزب لامة كمناهض شرس لخطط الحزب الحاكم افراغ الحوار من محتواه والحراك الإيجابي الذي ينتظم صفوف الحزب الاتحادي الديمقراطي ويرفض تزوير إرادة جماهير الحزب لصالح فئة آثرت التصالح المادي مع الحزب الحاكم . ثم موقف الحزب الشيوعي وتجمع المعارضة وعلو صوت منظمات المجتمع المدني رغم سيف جهاز الأمن المسلط على رقابهم انتهاءان باعتقال المناضلين فاروق ابوعيسى وأمين مكي مدني .
أما على جبهة الحركات المسلحة فيكفى انها ولأول مرة تضع يدها في يد القوى المدنية السياسية ايمانا بالعمل السياسي وهو الأمر الذي ازعج النظام الحاكم ايما ازعاج وزاد من قلقه . جميع هذه القوى تقاطع هذه الانتخابات الوهمية .
إذا من هو صاحب المصلحة في إجراء هذه الانتخابات الوهمية ولماذا ؟ اول القائمة بالطبع الحزب الحاكم الذي اصبح بعد انكشاف خدعة الحوار الوطني لا خيار له غير المضي إلى نهاياته الحتمية أسوة بغيره من الأنظمة وتكريس هيمنه الأمنية والعسكرية والعودة إلى مربع الاعتقالات والتخوين ومواجهة المجتمع الدولي .
المستفيد الثاني هو المؤتمر الشعبي الذي آثر استخدام نفس السيناريو الانتهازي الذي استخدمه ابان نظام نميري عبر المصالحة الوطنية وذلك من خلال مهادنة البشير والاستفادة من الوضع القائم لبناء صفوفه واستعادة قدراته التنظيمية استعدادا لورثة المؤتمر الوطني واستعادة كوادره التي اغواها بالمال والسلطة والفساد .
المستفيد الثالث هو مجموعة الانتهازيين في أحزاب مايسمى بالوحدة الوطنية وهي أحزاب وهمية ليس لها قواعد شعبية كما هو معلوم وتعيش على صدقات المؤتمر الوطني وبعض الوظائف الهامشية . وهذه المجموعة تم الاتفاق معها على تمثيل دور الأحزاب المنافسة مقابل بعض المقاعد التي تمنح لها في اطار مسرحية الانتخابات.
لذا يبدو من الطبيعي ان تستمر أيضا مسرحية الحوار الوطني بهذه المجموعات وماهو مطلوب منها ان تردد صدى مايقوله المؤتمر الوطني مقابل الصدقات المتفق عليها . فهم يحاورون انفسهم وينتخبون انفسهم .
غير أن الأمور لن تسير دائما على نحو ما يهوى المؤتمر الوطني مثلما ن لغة القمع والاعتقال لن تجدي دائما .
لقد أضاع المؤتمر الوطني فرصة ذهبية بقتله للحوار الوطني وجوهره وتحويله إلى شعارات باهته لامعنى لها ولا جدوى منها ولا يقبل عليها عاقل .
كان أكرم للرئيس البشير بعد ربع قرن من الحكم المطلق والفشل المطلق لو انتهز الفرصة بتشكيل حكومة قومية توقف الحرب وتعمل على إقرار دستور دائم وانتخابات حرة نزيهة لتقوم سلطة ديمقراطية يحكمها الدستور والقانون ويرضى عنها الشعب لكنه اختار أن يكون رئيسا محميا بجهاز الأمن لا بإرادة الجماهير.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..