قراءة أولى في رواية البقعة ( أ )

قراءة أولى في رواية “البقعة” ( أ )
للروائي :- “الحسن محمد سعيد”
من هو “الحسن محمد سعيد” ؟ ….
خلال عقد الستينات كان يكتب القصة القصيرة ، و حينما إنخرط في سلك المحاماة ، إنصرف كلياً لعمله المهني و تدرج فيه الى أن أصبح مستشاراً قانونياً ، و خلال مطلع الألفية الثالثة إنضم الى منتدى النيلين بصنعاء ، فإنفتح هويس الحكي الهامس متدفقاً ، بدءً برواية عطبرة التي قدمتُ ورقة عنها في قصر الثقافة بالمحلة الكبرى للسمات المشتركة بين كلا المدينتين ، وقد أثارتْ جدلاً أكد على أهميتها و
بعدها توالت رواياته حتى تجاوزت خانة الأحاد و قبل رواية (البقعة) صدرتْ له رواية (الفحل) المثيرة للجدال !!!؟….
* * *
(هذه الرواية رؤيا لبعضٍ منه)
هكذا صدرّ “الحسن” روايته بلافتة وفاء لصديقه “حسن أبشر الطيب” الذي حلُم بسودان معافى من مفاسد المتأسلمين و بطشهم ، لكنه رحل بحلمه و جسده معاً ، قبل أن ينال الوطن حقه في حياة كريمة يسودها السلام !!؟….
لأول مرة يعرج (الحسن) متسللاً عبر بوابة تاريخ السودان الحديث ، لينبش في حيثيات وقائع ما بعد مقتل خليفة المهدي الدامي ؛؛؛؛
منذ الوهلة الأولى يعد “الحسن” خشبة المسرح بعناية فائقة و يهتم بشكل خاص ب (السينوغرافيا) ، و يرسم و يخطط إطاراً عاماً حتى لا يفلت من بين أصابعه رسن اليراع و يوغل في سرد تفاصيل الهامش
إبتداءً ولج الى المتن مباشرة
و شرع يحكي بضمائر متداخلة
* * *
هذه القراءة تجترح فتحاً جديداً في التعاطي مع النص بجعل فعلي القراءة و الكتابة يتزامنان سوياً
قُتل الخليفة
فصارت الدنيا مهدية
هل كانت الدنيا مهدية إبان مذابح “محمود ود أحمد” في (المتمة) ، أو عقب مقتل الخليفة “عبد الله التعايشي” ؟؟….
أُستبيحت بقعة المهدي
صارت سبية
تشظى أتباع الخليفة
طغتْ المصلحة
“ود العوض” ذبح “القسيمة” بت “الخضر ود حمد” ثأراً لكرامته المجروحة برفضها الإقتران به ، منتهزاً مناخ الفوضى الذي عّم أرجاء البقعة ، و جعل الموت بالأطنان
“الخضر ود حمد” آثر التشبث بالمهدية حفاظاً على جاهه و ثروته من تجارة الرقيق !!!؟….
على الرغم من عدم رضاء قبيلته بذلك
“ود حسين” سافر الى مصر و عاد غازياً مع الغزاة ، هؤلاء هم الشخوص المحورية التي ظهرت على خشبة المسرح خلال الفصل الأول ؛؛؛؛
لا أدري هل أكتب نصا موازياً يتزامن مع قراءة آنية لفصول الرواية القصيرة
أم تسبق القراءة الكاملة للنص ، الكتابة كما جرت العادة !!!؟….
* * *
و أنا أقرأ الفصل الثاني
إبتدرني “الشيخ الناير” و لسان حاله يفصح معاتباً في خشية ظاهرة
( آخر الزمن الكافر يريد أن يقطع سبابة يدي اليسرى ) !!؟…
كيف تصله الأخبار بهذه السرعة و يعلم أن هذه السبابة هي سلاحي في إستنهاض همم الأنصار و الدراويش لقتال الكفار ؟؟؟….
هروب أو هجرة “الشيخ الناير” غرباً أو جنوباً، كان السانحة الوحيدة التي تعلق بها للإفلات من قبضة الكافر …..
هذا السرد الأفقي للأحداث يمضي رتيباً !!؟…
فقط حينما حضر “الخضر ود حمد” في ذاكرة “الشيخ الناير” ، تملكه الأسى ، وهو يلم بما أعتوره من نوائب ، و كاد أن يبكي مولولاً ( كل أم درمان تعرف إلا أنا المغفل ) !!!…
و لكنه أربك خُلصاءه بقوله ( سنتوجه الى الخرطوم ) !!!…
هذا هو الجنون بعينه الهرب من (كتشنر) و العودة إليه ، من (يعش قرب الخطر يسلم) !!!؟…
ثمة علاقة وثيقة تربط بين “الخضر ود حمد” و “الشيخ الناير” ؛؛؛؛
الأول عنقالي والثاني شيخ …
من إسميها أحدهما من الشمال و الآخر من الغرب
ها أنا أقرأ و أكتب ، معاً
ماذا يمكن أن يحدث لاحقاً ؟…
سنرى ؟؟…..
* * *
هل سيلتقيان ؟؟…
و ماذا يمكن لهذا الثنائي النقيض أن بجترح غير مجد المهزومين !!!!؟؟….
* * *
كدتُ أن أتجاوز عن إفضاء “الشيخ الناير” لخلصائه الثلاثة حول علاقته ب “الزانداوية” التي وهبها له رفيق دربه “الخضر ود حمد” ليتخذها جارية و حديثه الماتع حول توحش الجارية و تنمرها في الفراش ، لو لا
أن هروبها في ليلة ماطرة وهي تحمل داخل أحشائها بعضاً من صلبه ، جعلني أتساءل ( هل الحبشية التي أهداها له ثانيةً “ود حمد” ، أنسته “الزانداوية” و شبقها الوحشي ) !!!؟….
* * *
على أعتاب الفصل الرابع خلع “الشيخ الناير” جلباب الفحش و الضلال و إرتدى ثوب الوقار و التوسل للباري و مضى يبحث عن قرينه
طال السبيل و توعر دونه الظفر بالنجاة ….
برع (الحسن) في توصيف تضاريس تلك السبيل المحتشدة بالإخفاقات ، و “الشيخ الناير” يحث الخطى لإنفاذ الوفاء بحق الصِّلة الحميمية التي تربطه بصديق العمر “الخضر ود حمد” ؛؛؛؛
كان متنازعاً بين الهجرة الى الغرب و الرجعة الى الخرطوم موطن الخطر لعزاء تؤم الروح “ود حمد” في فجيعته ….
ذُبحتْ إبنته على رؤوس الأشهاد !!!!..
و قبل أن يدخلوا الخرطوم برفقة الهجانة الذين إعتبرونهم صيد سمين مع مشارف الفصل الخامس حيث تم حبسهم في غرفة لوحدهم ….
ظل “الشيخ الناير” يعزي النفس بأن خليفة المهدي لم يهرب من الموت بل أنتظره في فروته يصلي !!؟…
هكذا ينبغي أن يكون أنصار المهدي ، أما خلاصائه الثلاثة فهم أبرياء أمام العلى القدير ، فقط كانوا أهل مروءة في هجرتهم و رجوعهم رفقة شيخهم ،
أُخذ الشيخ عُنوة الى رئاسة الشرطة ، حيث عُزل في غرفة منزوية إمعاناً في إذلاله ، تمنى الموت العاجل و لا الظفر بحياة مهينة ، التحقير موت بطئ و قد كان من كرام القوم !!!؟…
* * *
ما هذا الذي أفعله ؟…
أنا مثلكم لا أعلم شيئاً عما سيلحق ب “الشيخ الناير” و بخلصائه من قبل هؤلاء الأذناب !!!!؟؟…
لنقرأ ربما يتكشف ما غاب عنا بين تناوب خبايا الساردين
هل توارى الإسلام خلف غيوم السلطة
الجديدة ؟…
شرع يؤذن لصلاة الفجر ، في عزلته المهينة ، فمنحه صوته الخشوع ، دفقة شعورية جددتْ خلاياه ، همس لروحه
( المحظور قد وقع و لم تبق إلا المواجهة ) !!!…
المستر (ميلون) ، عقب المواجهة قرر نفي “الشيخ الناير” الى أحراش الجنوب !!!؟؟…
* * *
على مشارف الفصل السادس ، شرعنا مع الراوي في تفقد أوضاع “الخضر ود حمد” اللائذ بحمى أبنته “سلمى” بالجريف غرب ، يلعق جراح الهزيمة من قبل “ود العوض” و “كتشنر” الذي يطلبه هارباً أو لائذاً
ظل “الخضر ود حمد” في مكمنه ، منشغلاً بحفيده “أنور” و محتفياً
بميوله الفطرية ، الى أن جاءه “ود الحسين” ، يبلغه أن السكرتير الإداري يريده أن يتعاون معهم الإستجابة ، لم تتلكأ كأن “ود الحسين” يدرك نقاط ضعف بلدياته ؛؛؛؛
كلا الصديقين أحدهما كانت عقوبته النفي و الآخر التعاون مع الغاصب ،
خرجنا من الفصل السادس و قد تم الإتفاق بين السكرتير الإداري و “الخضر ود حمد” عبر “ود الحسين” على أن يعود الطرف الثاني لتجارته بإستثناء تجارة الرقيق في مقابل إستمالة أتباع المهدية للحكم الجديد .
* * *
يبدو أن الروائي من خلال هذا السرد الأفقي السلس ، يريد أن يفاضل بين الأصالة و المعاصرة !!!؟…
لعل إنحياز “ود حمد” للسلطة الجديدة تحكمه المصلحة ، لكن مع ذلك ، ربما مهادنتها قد تجلب الخير للبلد !!! بتحديث مفاصل الدولة ، حتى حفيده “أنور” الموهوب فطرياً سينوبه جانباً من هذا التغيير للأفضل !!!!؟…
* * *
تُفتح ستارة الفصل السابع على مشهد “الشيخ الناير” في منفاه وهو يجوس بين أزقة “توريت” الماطرة دوماً و غواية العري تكاد توقعه في حرمة (العين تزني) ، ساقته قدماه الى البناية الوحيدة في غابة من بيوت القش و العشش ، حيث إلتقى هناك بأحد الشاميين المغامرين ، الذين يعملون في تجارة العاج ، وهو مالك لهذه البناية التي حولها إلى”موتيل” ، فجاءه “الشيخ الناير” كطوق نجاة لينوب عنه في إدارة الموتيل بمساعدة عشيقته الجنوبية “رولا” ، ليتفرغ الشامي لتجارة العاج
ثمة مباغتة أذهلت “الشيخ الناير” ، وهو يلتقي ب ( الزانداوية ) مجدداً عقب جولة مع الشامي بين أرجاء (توريت) ، كان اللقاء حقاً مذهلاً ، لا سيما حينما علم أن إبنه منها صار يافعاً و قد تربى في كنف زوجها الإغريقي “جراكس”
نتوقف هنا لنطرح أسئلة حول ما أُثير
بشأن علاقة الشيخ ب”الزانداوية”
كأنثى دون النظر الى إحتياجاتها كإنسانه ، لندرك الفرق الشاسع بينه و بين الإغريقي ، بين الحضارة و التخلف ، و هل كان ثمة مطلب عندها له سوى إشباع شهوته العارمة من الجسد المتنمر ، بينما وجدتْ في كنف الإغريقي المعاشرة الزوجية الودودة و شمل إبنها من “الشيخ النائر” بالرعاية و المعاملة الحسنة و الإهتمام بتعليمه ، و قبل أن نقرع باب الفصل الثامن ، لنتوقف بعض الوقت الى أن يُفتح الباب و يُؤذن لنا بالدخول !!!!….

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..