انتخبوا صانع التغيير!

*(مشكلتنا في الثورات هي أننا نطيح بالحاكم
ونبقي من صنعوا دكتاتوريته، لهذا لا تنجح أغلب
الثورات وذلك لأننا نغيّر الظالم ولا نغيّر الظلم ..).
– علي شريعتي-
.. وحين صرخ الطفل إن الملك عارٍ، اهتزت أركان المملكة وأصيبت الحشود التي كانت تصفق للثوب المزعوم وتبدي دهشتها لروعة الصنع ومهارة النساج، أصيبت بالذهول، تجمدت الأكف التي كانت تصفق بحرارة… وانضمت صرخات خائفة إلى صرخة الطفل: الملك عارٍ.. الملك عارٍ..
ثم، كبرت موجات الصراخ، حتى ملأت البلاد..
لم يجد الملك مفراً من الهرب من فضيحته أولاً، ومن تجرؤ العوام عليه وفقدانه لهيبته ثانياً، فوجد منفى آمناً عند صديقه ملك الظلام، حيث سيقضي بقية عمره مع العائلة في قصره المنيف قريباً من صديقه الذي لا يستطيع نساج محتال أن يضحك عليه ويوهمه بثوب من هواء..
بعد رحيل الملك حصل- ما يسمى بلغة هذه الأيام – فراغ دستوري، إذ صارت المملكة بلا رأس يحكمها ويوزع الأرزاق على مقربيه، والأرزاء على عباد الله العاديين.. فبادر عقلاء القوم وأصحاب الحلّ والربط إلى الاجتماع واتخاذ إجراءات سريعة لتأمين انتقال سلمي وسلس للسلطة دون فتن ودون إراقة دماء، فالعائلات الكبيرة ومجاميع التجار وبعض قادة الجيش الذين تحولوا إلى رجال أعمال ومتمولين كبار بدؤوا يتزاحمون على كرسي الحكم، والموضوع لا يحتمل المزاح، إنه الكرسي!
وبعد المداولات وسماع آراء من هبّ ودبّ ارتأى الجمع إقامة انتخابات من جميع الأنواع، إدارة محلية، برلمان، ملك جديد، وقال أستاذ الفلسفة إن هذا النمط من الحكم يسمى (ملكية دستورية)، أي أن الملك لن يعود إلهاً آخر على الأرض والعياذ بالله، وسيكون بإمكان الأغلبية المطلقة من ممثلي الشعب محاسبته وعزله عندما يتجاوز حدوده وصلاحياته التي حددها دستور المملكة الجديد، والذي سمي دستور مرحلة ما بعد العري الملكي..).
بدأت حملات الانتخاب لمرشحين من كل الأنواع والأحجام والقناعات، وامتلأت البلاد بالصور الانتخابية والولائم الباذخة لمرشحي المال ومحدثي النعمة ممن وجدوها فرصة للقفز إلى كراسي السياسة وتبييض صفحاتهم وأموالهم، وأصبح سيخ الشاورما وشَّية المناصيص أداة انتخابية فعالة، ولجأت الأحزاب التي هرمت إلى تجديد شعاراتها ووجوه مرشحيها عساها تحقق موطىء قدم في المملكة الجديدة، فيما لاذ جماعة الملك الراحل بالصمت المطلق رغم ما يملكونه من قوة مالية وعشائرية ونفسية، وتدافع رجال الدين من مختلف الأديان إلى المعمعة، وقد جددوا أيضاً لحاهم وعمائمهم وجلابيبهم، ولبس بعضهم لباس الغرب الكافر، بل وصل الأمر بشيخ معمم الى لبس الجينز في حمله الانتخابية التي خاضها حاسر الرأس..
انجلى غبار المعارك الانتخابية عن تقاسم المحليات ومجالس الولايات بين قوى المال والدين وبعض الأحزاب المحلية في كل ولاية، وفي البرلمان أيضاً تركت بعض المقاعد للنساء أخذت ممثلة شهيرة إحداها، ومطلقة مسؤول حزبي سابق مقعداً آخر، والباقي تقاسمتها داعيات وربات منزل يملكن الوقت والمال.
ثم جاءت انتخابات الموقع الأول، الملك، إذ لم يكن من شرط للترشح لهذا الموقع الهام والحساس سوى شرط السن والجنسية، فترشح رجال ونساء، عمال وفلاحون ومثقفون ثوريون وغير ثوريين، أغنياء وفقراء، حزبيون ومستقلون، وصارت هذه الانتخابات حديث الساعات في وسائل الإعلام المغرضة وغير المغرضة، وامتلأت فنادق البلاد بالبعثات الإعلامية والدولية القادمة لمراقبة نزاهة أول انتخابات تجري في تاريخ المملكة..
المفاجأة الكبرى التي أخذت الحيز الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام والعامة ومجالس الناس أيضاً كانت ترشح النساج، السبب الأساسي في كل هذه التحولات التاريخية التي جرت في المملكة، النساج الذي اقنع جلالة الملك بأن يخيط له ثوباً لم يلبس مثله إنس ولا جان، ميزته أن الأغبياء لا يرونه، واستطاع إقناعه بعرض ثوبه أمام شعبه، ثم حدوث فضيحة صرخة الطفل.
وعلى سيرة الطفل فقد اختفى في ظروف غامضة بعد رحيل الملك بفترة، وقيل إن كثيراً من السياسيين وأصحاب القرار كانت لهم مصلحة في تغييب هذا الطفل الذي سيتسبب في فضائح كثيرة أن بقي على قيد الحياة، وبقيت سيرته على الألسن، وأصبح الناس يسمونه بالطفل المنتظر الذي لا بد أن يظهر يوماً ويصرخ بالحقيقة.
النساج الخبيث قاد أهم وأنجح حملة انتخابية، وكان العنوان الرئيسي لحملته: انتخبوا صانع التغيير، انتخبوا نساج المستقبل..!
تقول المرويات التي وصلت من ذلك العصر إن النسَّاج حقق فوزاً كاسحاً في الانتخابات، وخلال فترة حكمه الأولى حقق إنجازات جعلت المملكة مستقرة وآمنة، وكان يوزع كل فترة بعضاً من أمواله الطائلة على فقراء المملكة ليخرجوا إلى الشوارع وهم يدعون له بطول البقاء.
وأصبح اسم المملكة (مملكة النساجين)..
[email][email protected][/email]
ما هو مغزى هذا الموضوع؟
لك التحية والتقدير الدكتور نايل اين ذاك الطفل في بلد يعم فيه الجهل والجبناء