الأنظمة العربية وأسلوبها النمطي المتشابه في إدارة أزمات أوطانها

بسم الله الرحمن الرحيم

الأنظمة العربية وأسلوبها النمطي المتشابه في إدارة أزمات أوطانها

أبو أيمن
[email protected]

شهدت الأسابيع الماضية، وما زال الحال مستمراً، هبة الشعب التونسي ضد نظام زين العابدين بن علي الذي فر في نهاية الأمر إلي المملكة العربية السعودية. لقد زعم بن علي، الذي حكم تونس لأكثر من عقدين من الزمان تحت مظلة حزب التجمع الدستوري، أنه يستند إلي شرعية دستورية تعود إلي صناديق الانتخابات، التي هو أول من يعلم بأنها تطفح برائحة تزوير تزكم الأنوف. حاول بن علي التصدي لهبة الشعب بأجهزة أمن حماية النظام، لكنها سرعان ما تهاوت أمام إرادة الجماهير العفوية التي رفعت سقف المطالب من الإصلاح إلي تغيير النظام. لقد كانت الشرارة الأولي لذلك التصعيد الشاب محمد بو عزيزي واكتملت الغضبة بدماء من لحقه من الشهداء برصاص جهاز الأمن والشرطة التونسية. في نهاية الأمر تغلبت الشرعية الثورية علي الشرعية الدستورية المزعومة.

تكرر نفس السيناريو في مصر الشقيقة، التي يعلم نظامها علم اليقين أن قصة الشرعية الدستورية ونتيجة الانتخابات الأخيرة عبارة عن مهزلة لا تنطلي علي أحد، لكن النظام الحاكم أدار الأزمة بنفس أسلوب بن علي، بل وبعنف أكبر أملاً في قمع الأصوات المعارضة في مهدها. لقد بطش جهاز الأمن المركزي بالمتظاهرين المسالمين بطشاً مروعاً، وسعي النظام إلي تأكيد نظرية المؤامرة وتنظيم القاعدة وكل ما يقال من ترهات لتبرير استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، بل كاد النظام المتهاوي أن يعمل بنصيحة العقيد القذافي التي تقول بقصف العملاء الذين في ميدان التحرير بالطائرات، وأعتقد أن الكثيرين قد شاهدوا طائرتين من طراز “إف 16” تحلقان فوق الميدان. مع بدء انهيار النظام شرع الرئيس المصري السابق بشكل تكتيكي في إبداء بعض التنازلات لكسب الوقت، لكن البطش والقمع الذي مارسته أجهزة أمنه رفع سقف المطالب من الإصلاح إلي تغيير النظام، وبالمثل كانت الشرارة الأولي الدماء التي سالت من الرصاص والدهس بسيارات الأمن، في منظر لن ينساه التاريخ. في نهاية الأمر تغلبت الشرعية الثورية علي الشرعية الدستورية المزعومة.

بالرغم من الحال في تونس ومصر ونتيجته النهائية، يصر النظام الحاكم في اليمن وفي ليبيا علي الإصرار علي مقولات الشرعية الدستورية والانتخابات، ويضيف النظام الليبي مسرحية سلطة الشعب. نشاهد هنا نفس الأسلوب العقيم والمتشابه في إدارة الأزمات بالنسبة للأنظمة الحاكمة في تلك الدول، برغم أن النتائج النهائية قد أظهرت في الحالتين التونسية والمصرية أن الغلبة للشعب في نهاية الأمر، مهما كانت قوة أنظمة الأمن ومهما استخدمت من بطش ضد المعارضين.

يردد النظام الحاكم في السودان نفس مقولات الأنظمة العربية الأخرى التي خرجت شعوبها للشارع، ويصر علي أن السودان ليس تونس ولا مصر. إنها نفس المقولة التي رددها نظام حسني مبارك، ثم النظام البحريني، ثم النظام اليمني، وأخيراً نظام القذافي. لقد جهر النظام الحاكم في السودان بنفس القول، وأنا والله في غاية الدهشة!!! ألا تتعظ الأنظمة مما جري حولها؟ أليس العاقل والمحظوظ من اتعظ بتجربة غيره؟ أتمني أن يراجع القائمون علي أمر الحكم في السودان الموقف بتجرد، دون الاحتكام إلي مسألة الشرعية الدستورية ونتائج الانتخابات الأخيرة، فالحال من بعضه وليست الانتخابات المصرية ببعيدة.

نعم، أنا أتفق جزئياً مع حقيقة أن السودان ليس تونس ولا مصر، فالسودان له خصوصيته فهو أول أمة أفريقية عرفت الانتفاضات ضد القهر، لكنني لا أتفق مع أهل الحكم في السودان في الشق الثاني من المقولة. إن ما يجري في السودان هو عين ما يجري في الدول العربية الأخرى، ومن يحاول القول بغير ذلك فهو إما واهم أو مستخف بعقول الآخرين. سنجد بلمحة سريعة أن مبررات انتفاضة الشعوب التي سبقت السودان هي القهر، حجب الحريات، الفساد البشع والهجمة الشرسة علي المال العام، غياب القانون وعدم المساواة، استغلال السلطة والمناصب العامة، ……. وكثير من الممارسات الفاسدة والثراء الحرام المقنن الذي تعمل مفاصل الدولة علي تسهيله لبعضها البعض. إنه نفس نمط الفساد الذي طفح للعلن بعد سويعات من انتصار ثورتي تونس ومصر. لقد مل الناس من التحدث عن الفساد، ولم تعر الدولة الأمر اهتماماً إلا بعد أن بلغ السيل الزبي، وبعد أن بدأت الأنظمة العربية تتراجع وتتنازل أملاً في امتصاص غضبة الشارع، وهكذا كان الحال أيضاً في السودان الحبيب، “صورة بالكربون” مما قامت به الأنظمة الأخرى.

أقول لأهل الحكم في السودان، أسرعوا في تبني الخيار العملي المقبول لإدارة الأزمة التي نعلم جميعاً أنها موجودة ومستفحلة. يتمثل هذا الخيار في التخلي عن الاعتماد علي نتيجة الانتخابات الأخيرة، وجميع أهل السودان يعلمون كيف جرت، حتى لو افترضنا أنها نتيجة مشروعة، إلا أن صوت الشارع قد بدأ يرتفع ضدها، خصوصاً بعد نتيجة استفتاء جنوب السودان. لا تدفعوا الشعب للنزول للشارع، وهو أمر ليس بجديد علي السودانيين، لإسقاط الشرعية الدستورية بشرعية ثورية. نعلم جميعاً أن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلي نتائج لا تحمد عقباها، وعلي وجه الخصوص في ظل استخدام القوة المفرطة والعنف في مواجهة المعارضين. إن استخدام القمع وأجهزة الأمن والعناصر الخاصة المسلحة لن يعمل علي تثبيت أركان النظام لكنه سيعصف به، خاصة إن سقط بعض أبناء الوطن نتيجة لذلك. في نهاية الأمر ستتغلب الشرعية الثورية علي الشرعية الدستورية، مهما كانت.

أقترح أن يتخذ النظام الحاكم قراراً شجاعاً وجريئاً يتمثل في القبول بما تنادي به أغلب القوي السياسية، ألا وهو الكف عن تكرار مسألة الشرعية الدستورية وتشكيل حكومة من كافة الأطياف. حكومة تتراضي علي برنامج مرحلة يتناول الأجندة الوطنية الأساسية التي تحافظ علي ما تبقي من نسيج الوطن، والتحضير لانتخابات تتصف بالنزاهة فعلاً لا قولاً، فإن اختار الشعب المؤتمر الوطني لحكم السودان فسنقبل برأي الشعب. لقد قبل المؤتمر الوطني نتيجة استفتاء جنوب السودان بكل أريحية فلم يحرم باقي أهل السودان من أشواقهم؟؟!!

وفقنا الله جميعاً لما فيه خير أهل السودان، وحفظ الله وطننا، وأسأل المولي أن لا تنطبق علينا مقولة:

نصحت لقومي بمنعرج اللوي فلم يستبينوا النصح إلا ضحي الغد

أبو أيمن
ضابط قوات مسلحة متقاعد

تعليق واحد

  1. جنرالنا المحترم ابوايمن لك الود
    اولا النخب السياسيه السودانيه تحاول شد الجماهير السودانيه للخروج الي الشارع والجمهور السوداني فقد الثقه في نخبه والناس في الداخل مصابه باحباط شديد ومتخوفه من ما يحمله الغد لو تتبعنا تاريخنا نجد ان عبود كان افضل من نميري ونميري طبعا افضل من البشير والديمقراطيه لم تأخذ اي فرصه لاثبات نجاحها
    ثانيا في تونس ومصر الجماهير سبقت نخبها السياسيه بخطوات ليست قليله وخرجت الي الشارع بطريقه عفويه وتلقائيه غير منظمه
    ثالثا وده طبعا من بعد اذنك لانه ملعبك وليس مجالي وهو طبيعة الجيوش وتكوينها في الدول الثلاثه في تونس لم يكن نظام عسكري بالمعني المعروف وكان النظام التونسي يهمش الجيش لصالح الاجهزه الامنيه والدرك اما مصر فمؤسستها العسكريه للاسف تتلقي اوامرها من المكتب البيضاوي وليس من سرايا القبه وطبعا لاسباب كثيره او ممكن نقول نتاج لزواج كامب دايفيد الكاثوليكي وربط مستقبل وحاضر مصر بأمن دولة اسرائيل وهنا عندما رأت امريكا ان نظام مبارك وصل مع شعبه لطريق مسدود اعطت اوامرها لرئيس اركان الجيش المصري لتنفيذ الخطه بي المتفق عليها عندما كان في واشنطن
    رابعا جيشنا الذي اصبح شبح لجيش كان محترم في الماضي علي ايامكم وصحيح هو لم يكن متطور تقنيا او يمتلك عتاد حديث ولكنه كان يملك ميزه نسبيه غير موجوده في كثير من جيوش المنطقه وهي الانضباط وكما كان يقال اضرب وموت ولا تسأل اما الان فهو مجرد مؤسسه عقائديه لا يتوقع منها ان تنحاز الي الشعب
    خامسا وتلك المشكله الخطيره التي تقض مضجعنا جميعا ومكبله لايدينا وهي كثرة الحركات المسلحه والتي من الممكن ان تستغل الوضع اسوأ استغلال وايضا الناس يترقبون حسم القضايا العالقه نتيجه لانفصال الجنوب يعني بالبلدي الكيزان اصبحوا بالنسبه لنا ديوك عده مش ديك واحد 00وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..