قراءة أولى في رواية (البقعة) للروائي الحسن محمد سعيد

قراءة أولى في رواية البقعة (ج)
للروائي (الحسن محمد سعيد)

لا زال (مستر أنور) كما يناديه “بابكر” رفيق قمرة القطار المتجه صوب الشمال ، يستمتع بالتعرف على الطبيعة النبيلة لبني جلدته ، و
يرى فيهم خامة طيبة الأعراق لبناء وطن تتدانى دونه الأقطار الأخرى !!؟…
سرعان ما إنقضت الأيام ، عقب وداع رفقة قمرة القطار ، ليجد ذاته غريباً و معزولاً بين لجة المتوسط وسط غابة من سيقان بضاء…
لم يبق طويلاً في غربته ، فذات الصدر العالي إقتحمت عزلته ؛؛؛؛
هكذا دوماً الروائيون العرب يغزون الغرب عبر الجنس كأني بنا لا نملك في مواحهة الحضارة الغربية سوى التسفيل (أعضاؤنا السفلى) !!!….
ها هي “لويزان فيشر” تماثل “جين موريس” في (موسم الهجرة الى الشمال) تماماً ، كما وصفها “الطيب صالح” لقاء الشموس الإستوائية مع جبال الصقيع الثلجية !!؟….
هذه الثيمة لا تتغير ، منذ (الحي اللاتيني) للبناني “سهيل أدريس”
لماذا يترسم “الحسن” خطى السابقين في علاقة الشرق بالغرب ، كأن ليس ثمة مدخل لولوج الغرب إلا عبر التسفيل !!!؟….
بالقطع ليس هذا تناصاً !!؟…
أين خاصية التجريب و الإبداع و التجديد التي كثيراً ما وُسم بها “الحسن محمد سعيد” ؟؟…
* * *
توثقت علاقة “أنور” مع “لويزان” للدرجة التي خططا معاً لعقد قرانهما لاحقاً ؛؛؛
حينما يتم نقلها الى (لندن) …..
بمحض المصادفة الصرفة إلتقى
“أنور” بإبن “الشيخ الناير” من (الزانداوية) ….. “جوزيف” ، كلاهما قذفتْ به الأقدار الى ما وراء البحار !.
كان “يوسف” كما أطلق عليه هذا العلم أبوه قد سبق “أنور” الى هنا قبل عامين ….
إشتعل أوار الحرب الكونية الثانية و تم إستدعاء المتطوعين و كان من بينهم “أنور” و “جوزيف”
و لعل من غرائب الحروب أن ينتصر “مونتجمري” على ثعلب الصحراء “روميل” على الرغم من أن “تشرشل” أختاره على مضض !!!…
وضعتْ الحرب أوزارها بإنتصار الحلفاء على دول المحور ، و ساد السلام أرجاء العالم ؛؛؛؛
* * *
إلتحق “أنور” بجامعة لندن
و إلتأم شمل الرباعي ( أنور و لويزان
و جوزيف و آن ) في مكان واحد ….
و تجاوزاً لتلك التفاصيل التي رصدها الروائي بهدف توثيق العلائق العاطفية بين هذا الرباعي ، فضلاً عن العنصرين المصري “أشرف رمزي” و البريطاني “كابري” الذي عشق السودان من خلال ما سرده عليه والده من شجاعة أنصار المهدي (الدراويش) و مجمل التناقضات التي تعج بها أم درمان !!!؟….
و لقاءاتهم الدورية في بيت السودان
كلا الرجلين لم يؤثرا في مسيرة الأحداث ، ربما أتى بهما لتأكيد مثل السودانيين العليا في قبول الغرباء .. دون تكلف بل بحب !!؟…
* * *
و لعل خلاصة هذه التفاصيل بين (أنور و جوزيف) تمس وتراً حساساً في علاقة السوداني الشمالي
بالسوداني الجنوبي ( الإسترقاق ، العنصرية و التعالي ) ، حشد من دلالات التنافر . و ربما البغض تقف حاجزاً بينهما !!؟…
و كيف بدأ تكوين دولة السودان عبر علاقة سيئة السمعة بثلثه الجنوبي !؟.
مما أدى أخيراً لإنفصالهما !!؟….
* * *
من هنا و ما تبقى من معظم اللاحق ، يجنح الراوي فبه الى ما يمكن أن نطلق عليه رواية أفكار !!؟…
(جوزيف و أنور) يتواجهان
يحتد بينهما النقاش
و تتضارب الأفكار
و تصطرع إحتداداً
و تمضي الأحداث بطاءً
في خط أفقي مستقيم دون تعرج
“جوزيف” له ميول إشتراكية
و “أنور” بلا إنتماء لإي إتجاه !!…
و “آن” برجوع “جوزيف” الى جنوب السودان ، تنهي علاقتها به و تعتقد أن ما كان بينهما مجرد لقاء ماتع ، كل إرتوى من نبع الآخر ثم مضى لحال سبيله !!!!؟؟…
بينما إجترحت “لويزان” فكرة أن تخوض المغامرة ، فقررت على حين غرِة السفر الى السودان ، أرض مجهولة ، بإعتبارها تجربة جديدة ترفد إقامتها في الهند و على ظهر السفن ، خططتْ لها لتكون تجربة رائدة !!!؟…
* * *
“لويزان فيشر” تلج عبر بوابة “عبد الْقَيُّوم” الى بقعة المهدي ولولج أهل التحضر و الإنسانية و التبسم !!؟…
جاءت لتبدد مع قرينها “أنور” غشاوة الجهل و التجهيل ؛؛؛
منذ الوهلة الأولى وقعت “لويزان” في غرام حياة البدو ….
و تاريخ المهدية و أبطالها الميامين ، ساحت في البيداء و أمتطت سنام النياق ، بحثاً عن مسقط رأس و قبر “عثمان دقنة” الذي دوخ الإنجليز بحروب الغوريلا ( أضرب و أهرب )
تنقلتْ بين بخت الرضا و رفاعة و القضارف و كسلا ؛؛؛؛
* * *
لما كان السرد يسير بطاءً ، و بلا تعرجات ، أراد الروائي ألا يصيب القراء بعضاً من الكلل ، فأشعل عنصر التشويق بنيران الترقب و التوجس من ضياع “لويزان” وسط البيد و الغفّار ، وهي على ظهر بعيرها تجوب الدساكر و القرى و المدن وصولاً لسبر أغوار تاريخ المهدية ، و “أنور” في أثرها لا يكف عن التخبط ، ( سيد الرايحة يفتش خشم البقرة ) ، لم يترك مكاناً ، قيل له إنها مرت عبره أو شخصاً إستعانت به لبلوغ مسعاها ….
و هكذا إستطاع “الحسن” بإسلوبه المتفرد أن يجعلنا نلاحق “أنور” لهاثاً وهو تتقاذفه الأنواء بين “ضبيعان” و عمدة القضارف و “موسى أوهاج” ، عاشق التاريخ ، الى أن حطت به
الرحال في حي الختمية بمدينة كسلا ….
هنا ينبغي أن نتوقف قليلاً لنستجم ، قبل إنفراح الستارة و نجن نحدق بأنفاس حبيسة صوب المشهد الأخير و “أنور” يملأ خشبة المسرح هياجاً و صراخاً وهو يردد عبارة ( فقدنا ذواتنا ) ، كأنه قد أُصيب بلوثة !!؟…
ماذا يعني ؟؟…
هل ضياع “لويزان” يعني ضياع السبيل المؤدية الى بر الأمان !!؟..
و بفقداننا لحاملة المسك ( الحضارة و التحديث ) ، فقدنا قلب الطريق الذاهبة بنا الى لب الديمقراطية الغربية !!؟….
هذه الرواية تطرح و تثير كثيراً من مكامن القضايا التى تحيط بوطن تتنازعه تيارات متباينة ، تكاد تلقي به بين مفترق طرق !!؟…

فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..