في هجَاء نَفسي

بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
*(وحدي أمام الزمان احتشدُ
وليست لي غارة ولا مددُ
كل الشبابيك تشتهي هربي
وليس لي ساعدٌ ولا عضدُ
بكيت في الليل من نحول يدي
وفي الضحى لم يكن هناك يدُ
وكنت أدري أن لي جسداً
فكيف أصحو وليس لي جسدُ).
– خالد الداحل –
شاعر عراقي
.. أيتها النّفس الأمّارة بالقهر!.
أنصب لك الآن مرآةً ترين فيها أنّك لست مبّرأة من الكدر والنّقائض. أقول لك تأمّلي صورتك ولو لمرّة واحدة، وحدّقي في هذا الإرث الهائل من الأخطاء والخطايا، الذي تحملينه.. منها خطايا ارتكبتها في أزمنة الضّعف والجنون، ومنها خطايا ما أجبرك عليها أحد… تارة تحت شعار المجاملة، وتارة بهدف تجريب الحوار مع الآخرين لكي لا يقال إنك في برج عاجّي، أو مصابة بتصوّرات الغرور والتّكَبّر…وتارة بهدف تقديم الخير والمحبّة للآخرين… الآن، أشعر أننّي ضيّعتك يا نفسي بين هذا وذاك، وهذه وتلك، وما زلت وحدك تخترعين المبّرر تلو المبّرر لما ترتكبين من حماقات أو خيانات بحقّي وحق مبادئي ومنطلقاتي وآرائي.. إلى أين تنحرفين أكثر؟. من قال إنني راض عنك ولو بصورة نسبيّة؟. أرفض بحدّة ما تفعلينه بي. وألومك وحدك على قلقي المتكاثر كخلايا السّرطان. لأنك استمرأت أن تغدري بأخلاقيّاتي. وتحمّليني فوق طاقتي ما لا أستطيع أن أرى فيه إلاّ كذباً ونفاقاً ورياءً.
ليس حقّاً ما تفعلينه من أباطيل… ليس رأياً صادقاً ما تعتقدين أنه قناعة ٌ. أنت تعرفين أنّ من انشغلت بهم طويلاً لن يكتب التّاريخ أسماءهم إلا في خانة النسيان السّريع. لماذا أهملتْ أيتها النّفس مبادئي وغاياتي، ورضيت أن تخفضي لهم جناح الذّل أكثر من الحدّ اللاّزم؟. بل كيف استطعت خفض هذا الجناح وهو ما خلق إلا للعليان والإيغال في أبراج الفضاء البعيدة؟. كيف سمّيت لي ذلك صداقات أدبيّة، وعملاً ثقافيّاً، وعلاقات ضروريّة؟. لماذا تحكمني الضرورة في أحكامها؟. إلى الحدّ الذي أخسرك فيه؟. وأعود بلا غاية في النّهاية؟.
أيتها النفس المثقلة بعربات الرّماد والسّواد!.
كم أشعلت من شموع في عتمة الآخرين، وبقي ليلك الدّاخليُّ بلا أيّ شعاع؟. كم قرأت في عيونهم احتمّال أن يكونوا أصدقاء عظماء يحتضنون أدق خفاياك، فاكتشفت الآن مدى الغشاوة على قلوبهم عندما يتعلّق الأمر بفرط حساسيتك، وهي تلتمع كحدّ سيف ينشكّ في خاصرتي بسرعة البرق؟. ما هي صداقّاتك أيتها النفس إن لم تكن حواراً داخليّاً محمولٍ على الانتهاز والنفع المباشر؟. لماذا استثمرك أصدقاؤك، واعتصروك كإسفنجةٍ من حنان وعطاء، يمكنهم بكل سهولة تنحيتها جانباً في أيّ ظرف طارئ؟. ما هي الصداقات إن لم تكن اكتشافاً للآخر دون اللجوءِ إلى رفع شعارات الحب والأقداح، والثرثرة اللا متناهية حول صيغة الصدّاقة والحب والأخوّة؟.
إنهم توهّموا أنهم أصدقاء. في الوقت الذي يوجّهون إليك فيه طعنات أليمة دون أن يدركوا ذلك. لأنهم لا يمتلكون البوصلة السّرّيّة التي تجعلهم قادرين على تحديد الاتجاه معك بصورة سليمة… حتّى طغى هدير السّيّارات على حوار القلوب. وارتفع رنين الأقداح حتّى غطىّ جوهرة الإصغاء إلى قهرك الدّاخليّ… منهم من اعتقد أنه في الوقت الذي يذيع حبه لك، كان دون وعي منه يجرح كرامتك… وأنت تبتسمين له وتقرئين له الشعر وتسمعين شعره… وترجعين إلى جحرك في النّهاية منعزلة، تقيمين وحدك صلاة الدموع…
كم تباهى بك آخرون وتاجروا بحبك لهم، أو بحبّهم لك. كانوا إذا أهدوك صباحاً مزهراً، نشروا ذلك على الملأ. وإذا وقفوا إلى جانبك وأنت في أسفل الجحيم، أفسدوا ذلك بالمزاودة على جراحك وقيودك.
لم يكونوا في ذلك سحابة ً تمطر دون أن تزاود على الأرض. كان عليهم ألا يأخذوا صفات السّحابة، بل صفات أخرى. وكان عليك أن تكتشفي ذلك منذ زمن بعيد. لكنك تخونين حلمي بك دائماً.
في وقتٍ ما، تتساوى لديهم صورتك مع صورة الحيوان أو المعدن. ويريدون إقناعك أنهم يحبّونك رغم ذلك. وكثيراً ما كان الحيوان أرفع مرتبة من الإنسان الذي فيك. لأنّ الإنسان فيك كان يصرخ قهراً وفقراً، والحيوان الذي فيهم يقفز فرحاً ونشوة. وهم الذين وضعوك في هذا المقياس… ويسمّونه صداقة…
أيّتها النّفس…
أعلن ضجري الشّامل منك. ويأسي العالي من مصيري معك. أعلن وقوف النّهر في داخلي عن رغبته في دخول أيّ زوارق إليه… زوارق من كل حدب وصوب، تطغى وتتناسل، وأنا أريد رؤية لون الماء في نهري… اذهبي أيتها الزوارق بعيداً. نسيت لون مائي. إنك محمّلة ٌ بما لا أطيق من الضّجيج والابتسامات المصطنعة. والأكف التي تسلّم على بعضها فلا أجد من حرارة فيها غير حرارة الجلد…
أعلن طلاقي من نفس ٍ تأخذني إلى النفاق أكثر. ومن لسان ٍ يثرثر أكثر ممّا يتحوّل إلى غصن ٍ موسميّ يتفتح وفق ميقات الفصول المقدّسة. أعلن أننّي سأطرد نفسي من نفسي لأني سأفقد نفسي إن لم أفعل ذلك بنفسي…
أعلن أني قلت (طوبى) و(مرحى) أكثر ممّا ينبغي… وأني اصطنعت أعياداً لم تعد تلائم رغبتي. وأنّي حوّلت آلة البيانو إلى طبلٍ… والورقة البيضاء إلى سوقٍ للكلام… وجعلت من يدي معبراً للضّلال.. وحوّلت القناعة إلى عملةٍ رخيصة… والموقف الثقافيّ إلى مهرجان ٍ ضاعت فيه المعايير واصطبغت فيه الثياب بالألوان الزّائفة والأزرار التي لا تُفتَحُ إلاّ على صقيع داخليّ مرعب…
أعلن انسحابي من الضّجيج… وإغلاق النّوافذ الكاذبة… وطيّ الملفّات المزوّرة… أعلن ضيقي من أسئلتكم وإهداءاتكم وتحيّاتكم وموائدكم ومشاريعكم وكهولتكم وشبابكم… أعلن عدم قدرتي بعد الآن، على أن أتقبّل خيوط عناكبكم ولا صليل مودّتكم.. أعلن حقدي على أي ضوء لا يكشف الحقيقة بنقاء.. وبغضي لكل نصًّ يزيد الأقنعة قناعاً.. وكلّ نقد يطوّب الأشباح ونباتات الطّحالب على أنها أشجارٌ سامقة.. وكلّ حوار يضطرّني فيه الآخرون إلى أن أتلوّن حسب أهوائهم. أعلن يأسي ممّا رأيت واكتشفت في كل الأجيال الملاحقة… أعلن أني ربحت العالم أكثر من المطلوب، وخسرت ذاتي أكثر من المطلوب… وها أنذا سأتابع اكتشافي لأسرار ذاتي علّني أربح منها قليلاً، ولو اضطرني ذلك إلى أن أخسر العالم…
[email][email protected][/email]
يا سلام عليك يا دكتور نائل على هذه الشفافية والروح الوثابة التي تتطمح لعكس مرآة النفس الآمرة بكل شيء والله لقد دمعت عيوني وبكى قلبي، نائل وفقك الله أنت مبدع بكل ما تحمل الكلمات واصل على ذات النهج دائماً نتعلم منك الجديد.
كلام فى محلو ورائع تسلم يااستاذ
يا سلام عليك يا دكتور نائل على هذه الشفافية والروح الوثابة التي تتطمح لعكس مرآة النفس الآمرة بكل شيء والله لقد دمعت عيوني وبكى قلبي، نائل وفقك الله أنت مبدع بكل ما تحمل الكلمات واصل على ذات النهج دائماً نتعلم منك الجديد.
كلام فى محلو ورائع تسلم يااستاذ
بقدر ما تمضي الأيام حاملة البهجة والسرور تعود لتلقي بأعباء ثقييييل ومؤلمة… موجعة حد الوجع وكما طعنة النصل خاطفة سريعة وقاتلة…
سعادتها كانت دائما سريعة العطب… كأجنحة الفراشات كلما حاولت الإمساك بألوانها انتهت بهجتها غبارا” بين أصابها
ريمي
بقدر ما تمضي الأيام حاملة البهجة والسرور تعود لتلقي بأعباء ثقييييل ومؤلمة… موجعة حد الوجع وكما طعنة النصل خاطفة سريعة وقاتلة…
سعادتها كانت دائما سريعة العطب… كأجنحة الفراشات كلما حاولت الإمساك بألوانها انتهت بهجتها غبارا” بين أصابها
ريمي