القوات الدولية تكشر عن أنيابها؟

في 28 مارس 2013 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2098 الذي رأى فيه بعض المراقبين انحرافأ عن المسار الذي تمسكت به قوات حفظ السلام الدولية ، ومحاولة للانتقال بالمنظمة الدولية من مجرد المساهمة في حفظ السلام بعد تحقيقه على الأرض إلى السعي من أجل فرض السلام بالقوة على الأطراف المتنازعة. أنشأ القرار المذكور لواءً تابعاً للأمم المتحدة للعمل من أجل التنسيق مع القوات المسلحة الكونغولية في حربها على الحركات المسلحة في شرق البلاد ، وقد ظلت بعض الحركات ترفض حتى الآن كل ما تم التوصل إليه من اتفاقيات منأجل تحقيق السلام في البلاد. يأتي على رأس هذه الحركات الرافضة “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” المتهمة بالمشاركة في عمليات الإبادة الجماعية في رواندا منتصف التسعينات من القرن الماضي. منح القرار كما هو متوقع سلطات واسعة للواء المذكور بما في ذلك استعمال القوة لفرض السلام وتجريد الحركات المسلحة من سلاحها. جاء ميلاد القرار في عملية قيصرية داخل مجلس الأمن حيث اعترضت عليه كل من الأرجنيتن وغواتيمالا بدعوى أنه يشكل سابقة قد تؤدي لتغيير طبيعة قوات حفظ السلام الدولية ، ولم تسحب الدولتان اعتراضهما إلا بعد ان ألحقت بالقرار فقرة تحدد فترة عمل اللواء المذكور بعام واحد فقط. وكما توقع بعض المراقبين فقد تم تمديد المهمة التي يضطلع بها اللواء لمدة عام آخر بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2147 بتاريخ 28 مارس 2014 وهو الأمر الذي يخشى الكثيرون أن يتكرر عاماً بعد عام حتى يصبح ممارسة مقبولة.
المشكلة التي تواجه حكومة الكونغو الديمقراطية وقوات حفظ السلام الدولية هناك في الوقت الحاضر هي عدم التزام “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” بالموعد الذي حددته القمة المصغرة لمنظمتين إقليميتين بالمنطقة هما المؤتمر الدولي للبحيرات العظمى ومجموعة الجنوب الأفريقي للتنمية “ساداك” لنزع سلاح الحركة المذكورة وهو الثاني من يناير 2015. كان قرار القمة قد وجد دعماً من جانب مجلس الأمن الذي أيده بالرغم من التذمر الذي عبرت عنه الحكومة الرواندية بسبب ما تراه تلكؤاً في التعامل مع الحركات المسلحة التي تشكل تهديداً مباشراً لأمن بلادها. المعروف أن الحركة الديمقراطية لتحرير رواندا تمثل الهوتو وهم العنصر الذي يشكل الغالبية العظمى في رواندا بنسبة 84% من مجموع السكان وقد اتُهمت الحركة ، كما أشرنا أعلاه ، بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد أقلية التوتسي الحاكمة في البلاد خلال عام 1994 ولا زالت هذه الأقلية تسيطر على مقاليد الأمور في البلاد. ولعل البرود الذي يصبغ علاقات رواندا ببعض دول مجموعة الجنوب الأفريقي وعلى رأسها كل من جنوب أفريقيا وتنزانيا ينعكس بصورة واضحة على العملية برمتها خاصة وأن قوات من الدولتين من المفترض أن تشارك في الجهد الخاص بنزع سلاح الحركة المتمردة وتحرير المناطق التي تحتلها في شرق الكونغو.
لا تعتبر العلاقات بين رواندا وكل من جنوب أفريقيا وتنزانيا هي العقبة الوحيدة التي تواجه عملية نزع سلاح الحركات المسلحة ، إذ أن هناك الكثير من المشاكل التي تعترض طريق العملية باعتبارها تجربة مستحدثة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. يشكو موظفو الأمم المتحدة مثلاً من أن القوات الكونغولية ليست بالمستوى الذي يسمح لها بالمشاركة في مثل هذه العملية المعقدة التي تتشابك فيها عوامل عسكرية وسياسية واجتماعية وغيرها ، كما أنهم يتشككون كثيراً في حيدة هذه القوات ونزاهتها حيث تتهم بأنها تقوم بتزويد الحركات المسلحة بالسلاح إما لأسباب قبلية او سعياً وراء تحقيق الربح المالي. بل إن اتهامات مشابهة تطال الحكومة الكونغولية نفسها وهو الحديث الذي يتردد بالرغم من نجاح القوات الكونغولية والقوات الدولية في تنسيق عملياتهما العسكرية ضد حركة (M23) في عام 2013 ، ونجاحهما في وضع حدٍ لتمردها الذي كان أحد الأسباب وراء تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية في شرق البلاد.
من جهة أخرى ، فإن الكثيرين ينظرون للواء التدخل الأممي العسكري بعين الشك والريبة ، وتقول بعض تعليقات الصحافة أن هذا النوع من العمليات يعيد للأذهان أيام الحرب الباردة وما كان يسمى وقتها بالاستعمار الحديث أو محاولات الدول الاستعمارية للعودة بالشباك بعد أن خرجت من باب أفريقيا الواسع. وليس من المصادفة بالطبع أن تكون الكونغو الديمقراطية مسرحاً للتجربة الجديدة ، فقد كانت في السابق من أوائل الدول الأفريقية التي استقبلت قوات حفظ السلام الدولية بأجيالها المختلفة. ولعل من العقبات التي تعترض العملية أيضاً أنها تتم في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية حيث الكثافة السكانية العالية والتنوع الإثني الكبير ، والوجود الكثيف للحركات المسلحة المحلية أو التي تحارب الحكومات في عدد من دول الجوار بالاضافة لثقافة الحرب التي سادت في المنطقة لعشرات السنين. يخشى المسؤولون أن تؤدي العمليات العسكرية الواسعة في المنطقة إلى موجات كبيرة من النزوح أو اللجوء إلى دول الجوار التي تعاني أصلاً من تدفق اللاجئين من مناطق أخرى للنزاع مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ولا شك أن ذلك سيؤدي إلى نشوء مشكلة إنسانية بالغة التعقيد تقتضي رد فعل دولي سريع يضيف المزيد من الأعباء على المانحين ، مما يخشى معه أن تتردد الجهات المانحة على ضوء تنامي ظاهرة الاحجام عن تقديم المساعدات المطلوبة.
تراقب الكثير من الدول النامية بشئ من القلق التطورات التي تشهدها الكونغو الديمقراطية وبصفة خاصة التحول في طبيعة واختصاصات قوات حفظ السلام الدولية. وبالرغم من أن آراء الخبراء والمراقبين لا زالت تتباين حول شكل ونوعية هذا التحول وما يمكن أن ينتج عنه في المستقبل ، إلا أن هناك شبه إجماع بأن عمليات حفظ السلام الدولية تدخل مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات. وإن كان التدخل الحالي في الكونغو الديمقراطية يتعلق بحركة مسلحة غير شرعية يتفق الكثيرون حول ضرورة مجابهتها ، فإن هذا التحول المهم في واجبات القوات الدولية يطرح قضايا شائكة في ظل التطورات التي تشهدها الساحة الدولية. كانت قوات حفظ السلام الدولية وبصورة دائمة واحدة من الوسائل التي تستغلها الدول المتنفذة على المستوى الدولي لإدارة علاقاتها مع الدول المستضيفة لهذه القوات ، ومع ما لاحظنا في هذا المقال من تحول في دور هذه القوات لا نشك في أن الجهات المسؤولة في بلادنا وعلى رأسها وزارة الخارجية تضع في اعتبارها هذه الحقيقة عند تعاملها على المستوى الدولي. ولعل تصريحات السيد وزير الخارجية الأخيرة والتي أشار فيها إلى أنه لمس جدية غير مسبوقة في الحوار مع الولايات المتحدة تؤكد أن أمامنا سانحة يجب اغتنامها ، فقد كان التوتر الذي يسود العلاقات بين البلدين وراء الكثير من العثرات التي واجهتها الدبلوماسية السودانية على الساحة الدولية.
[email][email protected][/email]
اذا رأيت سنون الليث بارزة فلا تظنن ان الليث سينقض
اذا رأيت سنون الليث بارزة فلا تظنن ان الليث سينقض