الفرسان الثلاثة.. والحلم المفقود!

*(الزمن كفيل بتكوين أحلام جديدة،
كلما انقضت أحلامنا القديمة، ومسكين
من يعش مع حلم واحد.‏.).
– شكسبير-

.. كانت نهايات الثمانينات، وكانت المرحلة التي نعيش فيها تشبه مركباً صغيراً يبحر عكس التيّار، كان الماركسي يعتقد أنّ ثورة العمّال والفلاّحين ستبدأ غداً – وفي الصباح الباكر جدّاً-.
كان العروبيّ يظنّ أنّ وحدة العرب سيقرّرها شعبنا من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر.. وكان الإسلامي يؤمن أنّ الحلّ في وحدة الإخوة الأعداء – بمختلف أجناسهم- تحت راية رسالة النبي العربي.

مضت السنون.. والهزائم والنكسات والتقى ثلاثتنا تحت السماء.. ودون ألوان وشعارات وحماسة.. لكنّ الحلم ظلّ أزرق مثل القبّة التي التقينا تحتها.
ماركسي خذله سقوط جدار برلين وعروبيّ خذله قومه وبعض قادته. إسلاميٌّ أربكه ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر.

لكنّنا كنّا ثلاثة من الرجال الصغار، نحلم مثل ذكور الحجل، نتجادل مثل الديوك ولا يشتم واحدنا الآخر أو يشكّك في مصداقيته.
كنّا نتلهّى بالسياسة قبل اكتشاف ألعاب “الأتاري” والسنوكر والموبايلات.. والاستهتار.

كنّا فرساناً ثلاثة، أمّا رابعنا فكان “دارتنيون” من نوع آخر “كما ورد في الرواية الفرنسية”.. كان رابعنا المحبّة واحترام الآخر، مهما احتدّ النقاش وعلا الوطيس.
التقى الثلاثة على شاطئ الأحلام بعد ما يزيد عن العقدين من الأوهام، وكانت هيأتهم تشبه بحّاراً ينتظر مركباً لن يأتي أبداً.
لم يتّحد عمّال العالم.. ولم يمح العرب خطوط ما رسموه لهم على الخرائط.. ولم تخفق قي سماء الإسلام راية التوحيد والوحدة.
نظر كل واحد منهم إلى الآخر وتفرّس في لون عينيه فوجد أنّ البريق قد خبا قليلاً، لكنّه ما زال واعداً.. وينتظر.

خرجت حوريّة فاتنة من البحر فهرع إليها الثلاثة وبدأ كل واحد منهم يشرح لها عن حلمه ويقنعها بضرورة تبنّيه دون غيره.
قالت: “اتبعوني”.. مضت نحو غياهب الأزرق وخلفها الثلاثة.. منهم من سبح قليلاً ثم خارت قواه، منهم من جاهد على نفسه ولم تسعفه الإرادة فافترسه حوت اليأس.. ومنهم من لقى نحبه ومازال ينتظر الوصول.

عادت الحوريّة نحو الشاطئ مرّة أخرى مثل غواية لعوب، فوجدت الثلاثة مرّة أخرى ينظرون إلى بحر الحلم وينتظرونها من جديد.. وكأنهم لم يموتوا غرقاً وحلماً وإصراراً… وقبل أن تنبس ببنت شفة، لا حقها الثلاثة بنفس العناد.. من يومها نشأت الأمواج التي تلاحق بعضها ولا تلمس بعضها أبداً.
من يومها نشأ الناس الذين يصرّون على رسم الخطوط في الرمال.. ونشأ الزبد الذي يصرّ في كلّ مرّة على محو ما رسموه.. لكنّه ينحت الصخور.

ربما كنت ثلاثة: أنا وأنا..وأنا.. وربما كانت حورية البحر أيضاً أنا..
ربّما كان الذي ابتدع الإيديولوجيا هو الذي ابتدع الحب، كي يلهيك دائماً عن الواحد ضدّ الآخر.. أمّا أنت فماذا اخترت؟.. سؤال لم يستطع الإجابة عنه لا شكسبير ولا فيلم “المريض الإنجليزي”.. لأنّه موغل في الإحراج.

إن سألني أحدهم فسأجيب وبشكل قاطع عن مصيرنا نحن الفرسان الثلاثة على متن أحصنة يسمّونها الحلم: الماركسي صار جزّاراً في قريته لأنه كان يذبح أغنامه بطريقة لا تليق بتقاليد سكّان بلدته المحافظين.
العروبي أصيب بمسّ من أخمس سلاح أحد مكافحي الشغب إثر مظاهرة كان ينادي فيها “شعب واحد لا شعبين من مراكش للبحرين”.. وأصبح اليوم يقول: “بحر واحد لا بحرين من مراكش للشعبين”.
الإسلامي اتّهمته حماته زوراً بالتورّط في أحداث 11 سبتمبر وهو يقضّي الآن نقاهته في “غوانتيمانو”.
أماّ الحوريّة فما زالت تتفقّد الشواطئ وتبحث عن الحالمين.

* كلمة في الختام: أحلم بأن لا أحلم.. حلمي ليس حلمك يا حبيبتي.. وإن كنّا ننام على وسادة واحدة.
[email][email protected][/email]

– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
نائلكوف 064.jpg

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..