شذرات في الحب والجمال والزواج

*(طرقتُ باب الخبا، قالت: مَنْ الطارق
فقلتُ: مفتون لا ناهب ولا سارق
تبسَمت، لاح لي من ثغرها بارق
رجعتْ حيران في بحر الغرام غارق..).
– ابن خلدون- المقدمة.
.. تقول العرب: إن الحب من نظرة، نظرة واحدة من عينين كحيلتين كافية للشرارة الأولى واندلاع الحب واندلاع النار في الخشب اليابس.
وفي مجتمعنا التقليدي حيث المرأة مكبلة في البيت والشارع والجامعة، فإن نظرة ناعسة تمر بوجه رجل يعبر من جانبها الطريق كافية أن لا ينساها إلى الأبد، صحيح أن مجتمعاتنا قد تطورت وأن الاختلاط أصبح موجوداً ولكن حتى في هذا الاختلاط تظل المرأة حذرة من أي تصرف خارج عن المألوف حرصاً على سمعتها وسمعة أسرتها وأهل حيها بل ومدينتها.
لم يستطع الغرب حتى الآن أن يجعلنا صورة عنه وعجزنا بالمقابل أن نجعله صورة عنا، فلكل أمة خصائصها فالسماح للزوجة في الغرب أن تحضر عشيقها إلى المنزل الزوجي هو عندنا أكبر من الحرام وتستحق الزوجة عليه الجلد والفرم حتى الموت، خيانة، لو قتلها الزوج لوجد القاضي كل أسباب التخفيف في الحكم ليصبح بضعة أشهر كجريمة شرف.. في الغرب العكس من ذلك بل إن الدولة هناك تطرد الزوج وتعطي بيته وأملاكه للزوجة الخائنة.. التي فضلت عشيقاً على أب أبنائها.
الاختلاف جذري بيننا وبينهم، الأخلاق أخلاقنا، غير أخلاقهم ومثلنا العليا غير مثلهم، وأعراف أدياننا غير أعراف أديانهم.
كتب الحب عندنا في تراثنا وفي الحاضر تدعو إلى العفة والترفع في الهوى، والدنس، والإساءة إلى عرض المحبوبة، في الغرب غير ذلك، في كتب العشق عندنا يموت المرء عشقاً وفي الحديث المنسوب من أحب وأعف فمات مات شهيداً… وغير ذلك حتى في الغناء الطربي حيث نقل الشاعر نزار قباني المعنى في أغنية لعبد الحليم حافظ من مات على دين المحبوب مات شهيداً إلخ.
في الغرب بعض كتب الحب كلها ترتبط بالجنس ومفاتن المرأة، لديهم كتاب قديم جداً (قبل ألفي عام) يعلم فنون العشق وكيفية الحصول على حظوة عند النساء، مؤلف خبير بذلك فيصفهن بدقة ويعرف بخصالهن وكيفية التعرف بهن والمناسبات الأصلح لذلك وكيفية التعامل معهن كي يحتفظ بهن كعشيقات وليس كحبيبات أو زوجات كما يخصص فصلاً للنساء أيضاً بالمعنى نفسه لكن هذا الكتاب لا يتورع عن إعطاء نصائح بالكذب والمداهنة والتصنع للفوز بالمرأة وأخذها إلى غرفة النوم، وهو كما نرى يبتعد عن مفهوم الحب كشعور عميق بالأمن والثقة كما يتجلى عند عالمنا ابن حزم في كتابه الجميل (طوق الحمامة).
فكل شيء متاح عند (سيرولنيك) مقابل الظفر بقلب المرأة العشيقة والحب قد يحصل عرضاً، ولكنه حادث غير سعيد تماماً ربما، فالمهم الوصول إلى الغرض، والرجل الدون جوان برأي سيرولنيك جنتلمان أنيق الملبس يمارس فنون العشق بذكاء، لماح ويتمتع بروح مرحة وثقافة عميقة فهو يلجأ إلى الأساطير اليونانية حيث النظرة إلى الجنس تخلو من أي نظرة تحقيرية.
في مقدمته لكتاب (ابن حزم – طوق الحمامة) أشار الدكتور إحسان عباس إلى أن جدلاً قام حول الحب في الأندلس واختلافه عنه في المشرق وقام أستاذ اسباني يدعى (غومس) يناقش عباس فيما ذهب إليه من خصوصية أندلسية، ونرى في الشعر الأندلسي نفسه اختلافاً ظاهراً عن الشعر المشرقي في تعاطيهما مع الحب، يكفي أن نتخذ من (طوق الحمامة) نموذجاً لكي نعرف مدى الشفافية والرقة اللتين وصلت إليهما العلاقات بين الرجل والمرأة في الأندلس وهو ما نراه في مقدمة إحسان عباس نفسها: ولكن أشد الحالات التي تعز على التفسير هي معاناة الفتى بسبب تمنع جارية (فتاة) هي ملك في يده، وقد عبر ابن حزم عن هذه الظاهرة فقال:
فقد ترى الإنسان يكلف بأمته (أي الجارية) التي يملك رقها ولا يحول حائل بينه وبين التعدي عليها فكيف الانتصاف منها.. أي إنه يكلف بها (يعشقها) ولا يستطيع أن يحولها عن تمنعها ويتعذب بذلك.
وهذا موقف يدل على إرهاف في العلاقة بين الأسياد والجواري مثلما يدل على شخصية الجارية التي لم تكن محط إذلال، وخاصة حين يكون الأمر متصلاً بالعواطف، الحب هنا تبادل مشاعر ورقة متشاركة وتوافق بين طرفين، وليس تحايلاً وغزواً كما عند سيرولنيك أو أوفيد في الغرب ولا هجوماً وقنصاً وتعدياً عند أبي نواس في بعض شعره.
* * *
.. كل الحيوانات والطيور بأشكالها والأسماك في الأنهار والبحار ذكرها أجمل من أنثاها.
الغزال الذكر أجمل من الغزالة الأنثى.
الفيل الذكر أجمل من أنثاه.
الحصان الذكر أجمل من المهرة.
حتى الديك.. أليس أجمل من الدجاجة؟
وقس على ذلك الكثير.
وهنا، علماء الجمال يقولون في دراساتهم: الرجل الذكر أيضاً أجمل من المرأة الأنثى.
الرجل المشدود القامة لا نتوء في جسده، كله مرسوم بدقة، وسامته، صدره العريض، ساقاه الطويلتان، لا امتداد بالوركين ولا ثديين بارزين في الصدر.
المرأة على العكس، ولكن ما يستر أغلاط المرأة الجمال في المرأة غنجها ورقة صوتها وشعرها الطويل، ثم قوارير العطر والتجميل وأحمر الشفاه والكحل والرموش الاصطناعية إلخ… كل ذلك تعويضاً عن أنوثتها من وسامة الرجل وشجاعته ونبله وفروسيته هذا الكلام ليس من عندي وليس تمجيداً لجلدة بني جنسي، إنه كلام مكتوب وموثق لعلماء الجمال في العالم.
كل المخلوقات ذكر وأنثى الذكر أجمل من الأنثى ومن يقول لي العكس فليتفضل ويقدم لي البراهين.
تجري في كل أنحاء العالم انتخابات لملكات الجمال، وتخرج العارضة نصف وزنها أرطال من مواد الزينة… ولكن الرجل في مسابقات من هذه النوع يخرج عارياً من كل تجميل ونراه أكثر وسامة وجمالاً من المرأة.
لكن العرب في تراثهم ظلوا يمجدون جمال المرأة، ويعتبرونها مخلوقاً لطيفاً وناعماً ولا غنى عنه إزاء العالم الخارجي القاسي، فهي ملكة البيت وأميرته وبين يديها تنمو الأسرة من إنجاب وطبخ ونفخ واعتناء بالأولاد حتى الشعراء قالوا أكثر شعرهم في تمجيد جمال المرأة.
فنجد أن الرجل يحب المرأة لا لجمالها الجسدي وحسب وهذا طبيعي، بل يحبها أكثر لجمالها الروحي والوجه بالنسبة له عادة واجهة للروح.
في حديث شريف: (أحسن النساء بركة أحسنهن وجهاً).
حكي عن نوح بن مريم قاضي مرو أراد أن يزوج ابنته، فاستشار رجلاً فارسياً، فقال الفارسي: سبحان الله… الناس يستفتونك وأنت تستفتيني.. قال له: لا بد أن تشير عليّ، قال: إن كسرى فارس كان يختار المال وقيصر الروم كان يختار الجمال، والعرب كانت تختار الحسب والنسب فانظر أنت بأي تستفتيني.
قال رجل للحسن البصري: إن لي ابنة فمن ترى أن أزوجها له: زوجها بمن يتقي الله عز وجل، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
وقيل استشار رجل داود عليه السلام في التزويج، فقال له: سل سليمان وأخبرني بجوابه، فصادفه ابن سبع سنين وهو يلعب مع الصبيان راكباً قصبة فسأله، فقال: عليك بالذهب الأحمر أو الفضة البيضاء واحذر الفرس لا يضر بك، فلم يفهم الرجل ذلك فقال له داود عليه السلام: الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الشابة ومن ورائهما كالفرس الجموح.
قال النبي (ص): (انظر في أي شيء تضع ولدك فإن العرق دساس).
وقال عليه السلام: (إياكم وخضراء الدمن) قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله قال: (المرأة الحسناء في منبت السوء).
وأنشدوا: إذا تزوجت فكن حاذقاً، وأسأل عن الغصن ومنبته وعن علي (رض) عن النبي (ص) قال: (لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعدي).
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. سابقاً أحبابنا نائل المشاغب صاحب المقالات الهزلية الساخرة/ ولينا يومين مع نائل الأكاديمي والأستاذ الجامعي ذو الكتابات الرصينة/ لا نعرف على أي جهة نتجه معاك لكن الشهادة أنتَ أفضل واحد في نظري الله يرفع قدرك أمتعتنا في هذه المقالات كمان نرجو ترجع بينا للسخرية لأنها تشفي غليلينا.
    دكتور نايل شكرا

  2. المرة دي شايت وين يا دكتور؟!!!!

    براحه علينا يا عزيز… لعلمك حتى الأن لم تتصل الإشارات في موجة معرفية تمكننا من تجميع البيانات الكافية لنبدأ رحلة البحث عن المركبات البايلوجية و البايوفيزيائية و ربطها بالأبعادها التي تشكل الشخصية بتعريفاتها المتباينة و حتى تتضح الصورة علينا أن نرسخ معالم البعد التكويني لذواتنا حسب الفطرة.

    و كما قال الأخ الأستاذ الصادق “قال الله كونوا ثم كنا فهل تحققنا تماماً في وجود الذات في أرواحنا”

    اللهم قدرني على الفهم و لكت و بكل صراحة لم أتمكن من ربط علاقة تلك التي وصفت بالقبح من موضها في الأية الكريمة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء 1))
    أما فيما يتعلق بالحب بين المراة و الرجل و حسب فهمي المتواضع له في هذا المنحى انه نوعان، فأي نوعاً تقصده من الأية الكريمية التالية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (الاحزاب 29 )

    أما عن الثقافات و تباينها فلا أعتقد أن الحب بهذه النظرة يكون معياراً، بل المعيار هو ما ورد في قوله:

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات 13).

    قد اكون مخطيء في رؤيتي للأشياء إلا و أن الأية الكريمة التالية تؤكد أكثر بأن الكل سواسيا ما داموا بشراً تربط علاقتهم الاية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

    معليش للإطالة، لا عليك …. و على علم أن مثل هذا النجر يمكن أن يودي التوج هذه الأيام بس الله يستر.

    تقيل تحيات أخوك التليس أعلاه.

  3. (( في الغرب العكس من ذلك بل إن الدولة هناك تطرد الزوج وتعطي بيته وأملاكه للزوجة الخائنة.. التي فضلت عشيقاً على أب أبنائها)) ..
    الكلام غير صحيح تماما … الغرب لا يشجع على الخانة الزوجية .. ولا تستطيع الزوجه ان تحضر عشيقها الي المنزل مستحيل تماما
    النساء في الغرب اكثر اخلاصا ( اذا تزوجن )) …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..