كلنا زرقاء يمامة ولكن…!!

السودان مازوم وسيظل هكذا لحقب قادمة ما لم نُحسن إدارة انفسنا وبلادنا بأنفسنا بأن نتواضع علي برنامج وطني يستوعب التعدد المذهبي والفكري والإثني والتنوع الثقافي , ومالم نتحرر من العصبيات الدينية والقبلية التي تنشأ علي أرضيتها قاعدة صلبة تكسب الإستبداد والطغيان مشروعية وقبول حتي عند النخب المثقفة والتي تؤسرها بعض من الموروثات الثقافية والفكرية الشاذة التي تعيق التحول الديمقراطي تحت زرائع ما أنزل الله بها من سلطان ولا يقبلها العقل السليم.
ففي ظل غياب الوعي بأهمية الديمقراطية في مشروع النهوض الوطني لا يمكننا أن نشرك الآخر في صنع القرار ولا يمكننا الإستجابة لمطالب الجماهير في تجسيد دولة العدل والحرية والتنمية المستدامة والسلام لأن صانعي القرار في الأنظمة الشمولية المستبدة يخشون من الإنفتاح علي الأخر ومنحه حقوقه في التعبير والتنظيم بحجة أن هذا الأمر يسهم في تنفيذ المخططات الإستعمارية الهادفة لتمزيق وحدتنا وإستغلال مواردنا لصالح رفاه إنسانها وشعبه, كما ظل البعض يصور أمر المطالبة بالديمقراطية هو جزء من المؤامرة الكبري التي يديرها أعداءنا من الماسونيين والصهاينة والإستعماريين الجدد, ولعمري أن هذه الرؤى والأفكار التي يروج لها أعداء الحرية وسالبي الشعوب حقهم في التعبير والتنظيم هي في مجملها رؤى مخالفة للعقل والعلم وناكرة لدور الإنسان وخلافته في الأرض بمعني أكبر أنها تتنافي حتي مع القيم السماوية التي نؤمن بها والتي تقرها كل الأديان (المسيحية واليهودية والإسلام).
ومن هذا المنطلق نحن نحتاج لقراءة واقعنا وأسباب قعودنا وتخلفنا عن ركب الحضارة الإنسانية بعيداً عن نظرية المؤآمرة التي تروج لها النخب المثقفة المتحالفة مع الأنظمة المستبدة والتي تقف عائقا صلبا أمام التغيير والاصلاح والتحول الديمقراطي المنشود .
ظلت هذه النخب عبر وسائط الإعلام المختلفة تخبرنا بأنها تري شجرا يسير وأن العدو خلف الجبل وأن الماء مسموم والطعام مسموم والعلم مسموم والأحزاب عميلة وان الإستجابة لمطلوبات التحول الديمقراطي ستزيد من مشكلات البلاد تعقيدا وستفضي الي الصوملة أوالسورنة لان الكل يضع يده علي الذناد ولا يحتمل الأخر بل هنالك من يكفر من ينادي بالديمقراطية لأنها تتنافي مع أصول الإسلام الذي نؤمن به والذي لا يقر الخروج علي الحاكم ويجرّم من يدعو لذلك..!!! وهذا إدعاء باطل لأن الإسلام دين توحيد وتحرير تحريد للإنسان من ظلم أخيه الإنسان والإنسان في الإسلام خليفة لله ومأمور بعمارة الأرض بجهده وإجتهاده , ولعل قبلولنا بالديمقراطية كنظام أمثل يعد إجتهاد صائب لمن يرجع الأمر لله أو من يرجعه للعلم والعقل.
نحن نعلم حجم التحديات واللحظات العصيبة التي تمر بها البلاد والمخاض العسير الذي مرت به تجربة بناء الدولة الوطنية في مجتمعنا ذو الإثنيات المتعددة والثقافات المتنوعة والمرجعيات المتشعبة ولكننا نري أن السير في دروب الشموليات يجسد لواقع أليم وينحدر بنا إلي أسفل درك الإنحطاط والتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية, فإذا أردنا خيرا لبلدنا وشعبنا علينا أولاً التسامح مع أنفسنا والآخر ثم التحرر من الذاتية والنظرة الإستعلائية الإقصائية التي تجرم الأخر وتضعه في دائرة العدو, ثم علي نخبنا الثقافية وقادة الفكر نشر المعرفة و الوعي الذي يجعل من الفرد إنساناً قادراً على تطوير نفسه والتأثير في مجتمعه بطريقة فعّالة تحارب الجهل والعصبية للطائفة أو القبيلة أو التمترس خلف أفكار وإعتقادات بائسة تشرخ تماسكنا الوطني وتجسد للصلف والطغيان وحكم الفرد.
تظل آفتنا الكبري في الحكم الشمولي وحلا لهذه المعضلة ينبغي أن نرتضي النهج الديمقراطي الذي يوحدنا ويجمع كلمتنا ويسمح بإشراك الآخر في صنع القرار وإستتباب الأمن وبذلك تنطلق عجلة التنمية والنهوض وتبقي وحدتنا وتمسكنا بقيمة الوطن ضخرة تتكسر عليها نصال الأعداء والمتآمرين ساعتها تسقط كل مشاريع التقسيم والإستغلال لموارنا وضعفنا وقلة حيلتنا في عالم لا يعرف إلا الأقوياء ولا يرحم الضعفاء المتكئون علي أمجاد الماضي البعيد فهؤلاء يعيشون في أوهام توردهم موارد الهلال.
أحمد بطران عبد القادر

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..