محمود محمد طه: طوبى للغرباء 1-4

عبد الله الفكي البشير،محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013، 1278 صفحة.

هذا كتاب فحل. يكفيك أن صفحات الملاحق والمراجع والفهارس فيه وحدها بلغت 208 صفحة، اي أنها كتاب مستحق قائم بذاته. وهو فحل في معان أدق. فهو مكتوب عن حب لرجل من السلف الصالح هو الأستاذ المرحوم محمود محمد طه في حين تستفحل ظاهرة شواء هذا السلف من غيره من الخلف في غياهب النكسة السودانية المعروفة. فخلافاً لمعظم من كتب عن طه فالمؤلف لم يشهده وكان طفلاً حين بارحنا الرجل للدار الآخرة في 1985. وظل المؤلف الصغير يستنكر ما يشيعه من حوله عن رقة دينه ويؤذيه أنه لا يعرف عنه ما يرد به على شانيئه. وصبر وصابر وقرأ عنه الذي توافر في المكتبات، ونفذ إلى دور الوثائق ينقب عن كتابات له وعنه وضده، واستمع طويلاً إلى معاصرية وحوارييه. وهذا صبر على وكد البحث والاستيثاق متروك في كتابات الجيل العاقب عن السلف عندنا. فهم متى أحبوا أو كرهوا واحداً منه اقتصروا من الأدلة التاريخية على الدليل الحكائي.

أراد الأستاذ عبد الله الفكي البشير مؤلف “محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ” (2013) أن يسترد فكر الأستاذ محمود محمد طه (1910-1985)، وممارسته إلى سفر التاريخ السوداني من غائلة إهمال سدنة هذا السفر. وطه هو المفكر الإسلامي وزعيم الحزب الجمهوري (1945) الذي امتحن خصومه من رجال الدين والسياسة مفهومه لتجديد الإسلام وحكموا عليه بالردة بمحكمة الخرطوم الشرعية العليا في 1968. وامتحنوه ثانية وأعانهم الرئيس نميري عليه فأعدموه في 18 يناير 1985. وصار اليوم عيداً لحقوق الإنسان العربي.

وسمى المؤلف مكتوبه عن طه “ما بعد التاريخ المعلن”. ويريد بذلك أن مؤلفيّ التاريخ الذي تواضعنا عليه للفكر والسياسة السودانية ومؤسساتهم الثقافية أظهروا منه ما سرهم منه وأخفوا ما لم يتفق معهم. وعليه فالكتاب ينتمي إلى جنس ناشئ في كتابة التاريخ السوداني يطعن في السردية الجامعة للحركة الوطنية التي احتكرتها صفوة مؤتمر الخريجين العرب المسلمين الشماليين الذي تكون في 1938 وجاء الاستقلال في 1956 ثمرة شبه خالصة لجهاداتهم المختلفة. وسبقه إلى الطعن في هذه السردية من أساءت فهمهم أو تجنبتهم بالكلية. فقد خرج منذ حين مؤرخون يؤاخذون تلك السردية على تصوير جماعة الأنصار التاريخية وحزبها، حزب الأمة الذي يقوده السيد الصادق المهدي، كأعوان للاستعمار لقبولهم، ضمن أشياء أخرى، العمل في إطار المؤسسات الدستورية التي رتبها الاستعمار هرباً من التعجيل بالاستقلال كما اتفق لخصومهم من دعاة الوحدة مع مصر كما سنرى. ومن هؤلاء المؤرخين فدوى عبد الرحمن على طه وفيصل عبد الرحمن على طه وموسى عبد الله حامد وحسن أحمد إبراهيم بكتابه العمدة عن السيد عبد الرحمن المهدي مؤسس حزب الأمة. من الجهة الأخرى كتب لازاروس ليك مادوت، المؤرخ لجنوب السودان، يعيب على السردية المهيمنة للحركة الوطنية إهمالها وقائع الوثبة الجنوبية الوطنية لكي يستاثر سادتها بالسلطان. ونشر كاتب هذه السطور كتاباً ومقالات إما ليحرر حركة الطبقة العاملة ونقاباتها الوطنية من صورتها كتابع أو فرع لحركة مؤتمر الخريجين الوطنية، أو لتفهم وطنية قضاة الشريعة ومقاصدها في غير صورة السردية لهم كمتواطئين مع الاستعمار.

بنى المؤلف رأيه في إهمال السردية التاريخية السائدة لفكر طه وممارسته على حيثيات قوية. فنظر المؤلف في 19 كتاباً من كتب تاريخ الحركة الوطنية والفكر الإسلامي والعلوم السياسية ودراسات المرأة، وسبعة كتب من مذكرات أبناء جيل طه، و31 بحثاً للماجستير والدكتوراة في نفس المجالات التي كانت مدار مساهمة طه الفكرية والسياسية. ولم يجد فيها ذكراً يؤثر له فيها. بل وجد على العكس رسالة تدخل المشرفون لنزع الفصل الذي عرض لفكر طه.

وسمى الكتاب إعراض الأكاديمية السودانية، التي هي الآلية المؤسسية المنتجة للسردية التاريخية الجامعة، عن طه “قلة مروءة” بعد إدامتة النظر في نتاجها. فرماها ب”التزوير” بإهمال شغل طه وتغييبه وطمسه وتنميطه. ورد هذا التجاهل من السردية الأكاديمية إلى الحسد والتزامات أطرافها الطائفية. وزاد الكتاب بأنه لم يكن كل التجاهل متعمداً. فبعضه يرجع لضعف التدريب الأكاديمي وحالة الكسل العقلي. فالأكاديمية السودانية سليل كلية غردون (1902) التي لم تهدف في تعليمها لسوى تخريج كتبة وفنيين في أسفل درج الخدمة الاستعمارية. ومن جهة أخرى ينسب الكتاب إهمال الصفوة السياسية والأكاديمية لطه لما ذاع عنه بعد المحكمة التي قضت بردته في 1968 كما تقدم. فالمحاكمة هبطت بمستوى مناظرة طه إلى حد عدواني أنصرف به المثقفون عنه “فقاطعوا كتبه ومحاضراته ومشروعه” ولم يعودوا إليه إلا بعد أن انزاح التجهيل به بفضل “الإنفجار المعلوماتي”. ومهما يكن فلا سبيل لننكر أنهم أقبلوا على طه بعد استشهاده. فقد تحدث لهم بلغة أدنى إلى افهامهم من لغة الفكر الدقيق الذي ظل يذيعه لنصف قرن. وكان طه يحثهم أن يأتوا إليه ولكن ليس قبل أن يمسحوا بقوة حكم ردته من السجل القضائي.

وجبت الخشية أن يغيب عنا معنى تغاضي السردية التاريخية لمأثرة طه إذا نسبناها، كما فعل الكتاب، إلى الإهمال المتعمد وغير المتعمد، أو للحسد، أو ممالاة الطائفية السياسية، أو الخوف من السلطة السياسية والمجتمع والفقهاء. وسنقصر دون مطلوب الكتاب نفسه الذي قال إن مثل إهمال طه على نحو ما فعلت السردية الغالبة “يتطلب دراسة العقل الثقافي السائد وتفكيكه واستنطاقه”. ولهذا وجدت وصف الدكتور محمد زين لهذا التغاضي ب”السكوت الإستراتيجي” أدنى لفهم مغزاه السياسي والثقافي. فهو يعفينا من سيكلوجيا ضغائن من تجاهلوه أو ضعف تأهليهم أو ماشئت إلى دراسة خطر طه رمزاً وفكراً. فما تجاهلوه استهواناً بل تقية ليسلم مشروعهم السياسي من خطته “الهدّامة” له. فربما توقع الكتاب من سردية الخريجين فوق مستطاعها حين افتقد شغل طه الفكري والسياسي من سجلها. فطه غريب فئة الخريجين غربة صالح في ثمود. وعليه فإنها ربما لم تتجاهله بل، ببساطة، استحال عليها وضعه في إعرابها. فنحوه ونحوها على خلاف. فقد جاء إلى ساحة الحركة الوطنية كخريج جذري التوجه فكراً وممارسة. وجاءها من باب النثر، كما قال المؤلف، وهي لا تنطق إلا شعراً وقل فيها التأليف في غيره.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. استاذنا الجليل الكتاب هذه الايام معي وهو بحق جهد يشكر عليه الاخ عبد الله وما تكتبه يعين علي فهم الكتاب ونشره من ناحية اخري وفعلا طه كان غريبا كما قال والده في مؤلف بنت اخيه امنه وكثيرين من زملاء طه بالجامعه لاحظوا شرود الرجل متاملا كانما يبحث عن ابره في كوم قش واعجب ما في طه تصالحه مع نفسه بغير ما هو متوفر مع الاخرين من النخب التي لعبت لمصالحها لعب الورق بمصلحة السودان لذلك كله تحاشوه فحتي وهو في المعتقل سنحت فرصة النجاة فتابي باباء راسخ معتمدا كما قال لانصاره انه لا بد من التضحية لازالة البلاء في حين من نفس الطريقه نجا الاب فيب غبوش السياسي وما قله السجناء معه انه ظل متاملا داخل سجنه هادئا مطمئنا وحين طلبوا ان ينتقد الرئيس كما يفعلون ردا قائلا (اذا اتي ساقول له ما اريد اما ما تقوله فهو يقع فيما نهي عنه الاسلام بدرجاته الثلاثه من وراء الظهر ) طه ما زال يحتاج لامثالكم لسبر اغواره خاصة مع ثورة الوسائط لاجيالنا الحالية والقادمة وانت تدرك ظلام ربع قرن ماذا فعل بهذه الاجيال التي قبضت الريح !!!

    استاذنا اريدك في حملة التوعية -ربما تكون كتبت من قبل -ان تكتب للاجيال بطريقة سردية غير تحليلة عن علاقة اليسار منذ حل الحزب ومعارك القضاء الي الانقلاب الي المذبحه في يوليو1971وما بعدها ما حدث من تمزيق الحزب عن اعلامه من عاش منهم ومن تلاءم مع مايو تاركا للاجيال ان تقول كلمتها لان تلك حقبه رغم اني عاصرتها ثم التهمتنا الغربة باكرا من غير ان نجمع فكرا عنها فهي مهمة كحقبه تاريخية بغير ادانه منك لاي طرف او شخض او كما تقول حتي تتبين الاجيال خيطها الاسود منالابيض ودمت في رعاية الله
    فما ننتظره منك كمعاصر واستاذ ما زال كثيرا رغم جهدك المقدر الا ان المحنة الراهنه تحتاج لاكثر للوعي من اجل التغيير وشكرا

  2. يقول الانجليز : الشيطان في التفاصيل .

    حتى نناقش فكر محمود طه , لا بد من ايراد بعض الامثلة من فكره و بعدها نستطيع ان نحكم هل كان هناك حقد على الرجل ام أن فكره غير مقبول

    من الامثلة على ذلك هذا النص المنقول من موقع :

    (ثالثاً : الزواج :
    إن عقد الزواج في الإسلام من أهم العقود، والعلاقة الزوجية من أقدس العلاقات؛ ولذلك اهتم علماء الإسلام بهذا العقد فوضحوا أركانه وشروطه وبينوا ذلك أحسن تبيين، وأساس الزواج الإسلامي أن يكون على كتاب الله وسنة رسوله، ثم لا يكون الزواج بعد ذلك صحيحاً إلاّ إذا استكمل أركانه وشروطه من إيجاب وقبول وولي ومهر وشهود .

    وأما الزواج عند الجمهوريين فينقسم إلى قسمين :

    الزواج في الشريعة : وهو الزواج المعروف بين الرجل والمرأة حسب ما جاءت به الرسالة الأولى، وهي التي جاء بها محمد r .

    وأما الزواج في الحقيقة فهو الزواج الجمهوري الذي جاءت به الرسالة الثانية ? رسالة الدجال محمود ? الذي خالف كل ما يتعلق بالزواج الإسلامي فقال: ” ويمكن تعريف الزواج (الجمهوري) بأنه شراكة بين شريكين متكافئين ومتساويين في الحقوق والواجبات لا تقع فيه وصاية من الرجل على المرأة، ولا من المرأة على الرجل، هما يملكان الدخول فيه بالأصالة عن نفسيهما وبمطلق اختيارهما ولهما الحق المتساوي في الخروج عنها “([60]) .

    وقوله هذا يكفي للحكم ببطلان هذا الزواج، ولكنه يؤكد ما سبق ويوضحه بقوله: ” في هذا الزواج ليس هناك مهر ولا ولي، والطلاق فيه حق من حقوق المرأة كما هو حق من حقوق الرجل “([61]) .

    وهكذا أزال الخبيث محمود كل الحواجز أمام الجمهوريين بفتح الباب على مصرعيه لارتكاب الفاحشة والزنا تحت اسم الزواج الجمهوري . إنه استغل أزمة الزواج في السودان ووجدها فرصة مواتية لنشر الإباحيـة الجنسيـة باسم حل أزمة الزواج .

    ) انتهى

    يتضح من هذا النص ان الاستاذ محمود أراد تشويه الدين باسم الدين

  3. استاذنا الجليل الكتاب هذه الايام معي وهو بحق جهد يشكر عليه الاخ عبد الله وما تكتبه يعين علي فهم الكتاب ونشره من ناحية اخري وفعلا طه كان غريبا كما قال والده في مؤلف بنت اخيه امنه وكثيرين من زملاء طه بالجامعه لاحظوا شرود الرجل متاملا كانما يبحث عن ابره في كوم قش واعجب ما في طه تصالحه مع نفسه بغير ما هو متوفر مع الاخرين من النخب التي لعبت لمصالحها لعب الورق بمصلحة السودان لذلك كله تحاشوه فحتي وهو في المعتقل سنحت فرصة النجاة فتابي باباء راسخ معتمدا كما قال لانصاره انه لا بد من التضحية لازالة البلاء في حين من نفس الطريقه نجا الاب فيب غبوش السياسي وما قله السجناء معه انه ظل متاملا داخل سجنه هادئا مطمئنا وحين طلبوا ان ينتقد الرئيس كما يفعلون ردا قائلا (اذا اتي ساقول له ما اريد اما ما تقوله فهو يقع فيما نهي عنه الاسلام بدرجاته الثلاثه من وراء الظهر ) طه ما زال يحتاج لامثالكم لسبر اغواره خاصة مع ثورة الوسائط لاجيالنا الحالية والقادمة وانت تدرك ظلام ربع قرن ماذا فعل بهذه الاجيال التي قبضت الريح !!!

    استاذنا اريدك في حملة التوعية -ربما تكون كتبت من قبل -ان تكتب للاجيال بطريقة سردية غير تحليلة عن علاقة اليسار منذ حل الحزب ومعارك القضاء الي الانقلاب الي المذبحه في يوليو1971وما بعدها ما حدث من تمزيق الحزب عن اعلامه من عاش منهم ومن تلاءم مع مايو تاركا للاجيال ان تقول كلمتها لان تلك حقبه رغم اني عاصرتها ثم التهمتنا الغربة باكرا من غير ان نجمع فكرا عنها فهي مهمة كحقبه تاريخية بغير ادانه منك لاي طرف او شخض او كما تقول حتي تتبين الاجيال خيطها الاسود منالابيض ودمت في رعاية الله
    فما ننتظره منك كمعاصر واستاذ ما زال كثيرا رغم جهدك المقدر الا ان المحنة الراهنه تحتاج لاكثر للوعي من اجل التغيير وشكرا

  4. يقول الانجليز : الشيطان في التفاصيل .

    حتى نناقش فكر محمود طه , لا بد من ايراد بعض الامثلة من فكره و بعدها نستطيع ان نحكم هل كان هناك حقد على الرجل ام أن فكره غير مقبول

    من الامثلة على ذلك هذا النص المنقول من موقع :

    (ثالثاً : الزواج :
    إن عقد الزواج في الإسلام من أهم العقود، والعلاقة الزوجية من أقدس العلاقات؛ ولذلك اهتم علماء الإسلام بهذا العقد فوضحوا أركانه وشروطه وبينوا ذلك أحسن تبيين، وأساس الزواج الإسلامي أن يكون على كتاب الله وسنة رسوله، ثم لا يكون الزواج بعد ذلك صحيحاً إلاّ إذا استكمل أركانه وشروطه من إيجاب وقبول وولي ومهر وشهود .

    وأما الزواج عند الجمهوريين فينقسم إلى قسمين :

    الزواج في الشريعة : وهو الزواج المعروف بين الرجل والمرأة حسب ما جاءت به الرسالة الأولى، وهي التي جاء بها محمد r .

    وأما الزواج في الحقيقة فهو الزواج الجمهوري الذي جاءت به الرسالة الثانية ? رسالة الدجال محمود ? الذي خالف كل ما يتعلق بالزواج الإسلامي فقال: ” ويمكن تعريف الزواج (الجمهوري) بأنه شراكة بين شريكين متكافئين ومتساويين في الحقوق والواجبات لا تقع فيه وصاية من الرجل على المرأة، ولا من المرأة على الرجل، هما يملكان الدخول فيه بالأصالة عن نفسيهما وبمطلق اختيارهما ولهما الحق المتساوي في الخروج عنها “([60]) .

    وقوله هذا يكفي للحكم ببطلان هذا الزواج، ولكنه يؤكد ما سبق ويوضحه بقوله: ” في هذا الزواج ليس هناك مهر ولا ولي، والطلاق فيه حق من حقوق المرأة كما هو حق من حقوق الرجل “([61]) .

    وهكذا أزال الخبيث محمود كل الحواجز أمام الجمهوريين بفتح الباب على مصرعيه لارتكاب الفاحشة والزنا تحت اسم الزواج الجمهوري . إنه استغل أزمة الزواج في السودان ووجدها فرصة مواتية لنشر الإباحيـة الجنسيـة باسم حل أزمة الزواج .

    ) انتهى

    يتضح من هذا النص ان الاستاذ محمود أراد تشويه الدين باسم الدين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..