هل يتأهب النظام لمرحلة الرشد أم على نفسها جنت براقش؟

علي ما يبدو أن النظام غير مهتم بإستيعاب المواعظ والعبر من تجاربه القريبة أو تجارب الأخرين فقد صاحبت مسيرته كثير من العوامل والمؤشرات التي تدلل علي ضعف مؤسسات صنع القرار بداخله وذلك مرده لأمرين غياب المشورة الداخلية وتجريم الراى المعارض وحرمانه من المشاركة في قضايا مهمة ظلت تؤرقه منذ بيانه الأول في30يونيو1989م مثل (قضية الحرب والسلام , العلاقات الخارجية ,الإقتصاد والتنمية, الحركات المطلبية في الأطراف ,ثم أهمية التحول الديمقراطي) ولئن كانت عملية صنع القرار أو إتخاذه تتطلب مهارة علمية فنية عالية فإنها تعني إختيار البديل الأفضل من الخيارات المتاحة مع مراعاة عملتي المرونة والشفافية ثم إمكانية المراجعة والتقويم لان القرارات الإستراتيجية تتخذ وفق قراءة ذهنية للمستقبل مما يتتطلب تخطيطا سليما وفق مؤشرات عليمة مدروسة تمتاز بالمرونة والوضوح توصلنا لما نصبو إليه في صناعة المستقبل المشرق .
فسياسة الإنفراد بالراي والعناد التي إنتهجها النظام جعلت من عملية الإصلاح الذاتي أمرا مستحيلا وقد حاول نفر كرام من منسوبيه عبر مذكرات ومبادرات متعددة تبصيره بأنه يسير في الإتجاه الخطأ الذي سيسفر في أخر المطاف الي سقوطه وزواله غير مأسوفا عليه , ولكنه مضي في طريقه غير آبه ولا مكترس لتلك الدعاوى والصيحات الصادقة في ضرورة الإصلاح السياسي بفتح الحريات وإيقاف الحرب ثم العودة للنظام الديمقراطي الذي عبره يتم تداولا سلميا للسلطة وتوزيعا عادلا للثروة مما يزيل القبن من نفوس أناس يشعرون بالحرمان والتهميش.
وهذا النهج الشمولي الإستعلائي جعل الرفقاء والمعارضين ييئسون من إمكانية الإصلاح ويطالبون بالتغيير مما أسفر عن ظهور تنظيمات مسلحة تحارب الوطن متمثلا في النظام بقية إرغامه علي الإستجابة لمطالبهم أو إسقاطه.
فإذا أخذنا قضية الجنوب مثلا فإننا نجد أن النظام ذهب وحيدا للحوار مع الحركة الشعبية بعد إقصاء وتغيب القوى الوطنية الأخري وهذا الأمر جعله لقمة سائغة في فك القوي الظلامية التي تعمل علي تفتيت وحدة السودان وزعزعت أمنه وإستقراره ثم تقسيمه لدويلات لا حولة ولا قوة لها, ونتج عن ذلك ذهاب الجنوب الذي شكل صدمة كبري أصابت الشعب بالذهول والحيرة والإحباط فلم يكن في خياله أن نظاما وطنيا دفن ارتالا من الشهداء في الجنوب يفرط فيه بهذه السزاجة والسهولة التي أدهشت حتي المراقبين الأجانب, حاول الرئيس إمتصاص تلك الصدمة بقوله ضحينا بالوحدة من أجل السلام ولكن سرعان ما إندلعت الحرب بين الدولتين الأم والوليدة بسبب الملفات العالقة وإنعدام الثقة بينهما مما زاد من حالة الإحباط وتهيأ الشارع للتغيير خصوصا بعد إقبال الحكومة علي حزمة من الإجراءآت الإقتصادية هي الأسوأ في تاريخ النظام جعلته في مواجهة ساخنة ومفتوحة مع الجماهير التي خرجت لأول مرة بصورة عفوية جادة مجمعة أمرها على ضرورة رحيل النظام في 23سبتمبر, هذه المحطة خلقت واقعا جديدا علي الأرض جعلت النظام يقبل بصورة تكتيكية علي الإستجابة لدعاوى الإصلاح بإقباله علي تغير بعض الأشخاص ووعدا بتغير السياسات على إثر ذلك ظهرت تحالفات جديدة أسفرت عن حقبة ما يعرف بالوثبة والتي رآها البعض أنها إنقلاب جديد داخل نظام الإنقاذ إلا أن الأيام أثبتت أن النظام يتجه نحو القبضة الأمنية أكثر من ذي قبل وما التعديلات الدستورية الأخيرة بزيادة صلاحيات الرئيس ومنحه حق تعين الولاة والسماح له بالترشح لدورة رئأسية ثالثة والإصرار على إجراء الإنتخابات قبل بلوغ مشروع الحوار الوطني غاياته إلا أكبر دليل علي ذلك.
المحصلة اليوم ان النظام إستمرّ ولربع قرن من الزمان بذات السياسات الشمولية وإقصاء الأخر مما حتم إستحالة خروجه من مأزق حلحلة المشكل السوداني الذي شهد في عهده تدويلا مزعجا زاد من صعوبة المعالجة إلا بأثمان باهظة سيدفع ثمنها الوطن الجريح والمواطن المغلوب علي أمره , هذا الأمر جعلنا نطرح بعض من الأسئلة والتي تحتاج لأجوبة صادقة عساها تكون سببا في المراجعة والتقويم وهي : كيف تتخذ القرارت داخل أروقة النظام ؟ وماهية المراحل التي تمر بها عملية صناعة القرار؟ وكيفية المتابعة للقرار بعد إتخاذه؟ وكيفية المعالجة؟ وما هية المرجعيات التي تستند عليه جهات صناعة القرار؟ وما جدوى الإنفرار بصناعة القرار؟ وماذا حقق النظام من مكاسب بإنفرارده بالقرار؟ وأين الوطن في مخيلة صانع القرار؟ وأين المواطن وحقوقه ومطالبه في هم صانعو القرار؟ .
أسئلة كثيرة تدور في الخاطر والوجدان ولا تجد من الأجوبة ما يشفي الغليل فمثلا أغلب المهتمون بالمشكل السوداني من النخب المثقفة والقوى الوطنية الفاعلة يرون ان الحل الشامل هو السبيل الأوحد للخروج من حالتنا المأزومة فلماذا لا تستجيب دوائر صنع القرار داخل النظام لهذا الأمر؟ وماذا يضيرهم لو عقدوا مؤتمرا قوميا جامعا لمناقشة مجمل القضايا الوطنية الكبري والصغري الحقيقية والمصنوعة علي حد سواء؟ ولماذا لا يستجيبون لمطالبنا بحكومة إنتقالية تقودنا إلي تحول ديمقراطي حقيقي؟ ولماذا يتخوفون من فتح الحريات وهي حق أصيل هم من تغول عليه؟ ألا يؤمنون بأن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء؟
إذا لم تتأهب الإنقاذ لمرحلة الرشد الملحة بتغير النفسية والذهنية التي تتخذ بها القرارات والتدابير الشاملة في مستوياتها المختلفة فإن العواقب ستكون وخيمة على راهن البلاد ومستقبلها ومثلما وقع عبّ تاريخي عليها بإنفصال الجنوب ستكون مضطرة لتحمل أعباء أكبر وأقبح من إنفصال الجنوب(حينها سنقول علي نفسها جنت براقس) نتمني أن يتلطف الله بنا فلا نراها ولا ننتظر أيامها.
أحمد بطران عبد القادر

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..