جوزيه ساراماغو – العمى

هناك كتابات كثيرة تناولت العمى بشكل فلسفي وروائي ، من بين الكتاب الذين كان لديهم ‏هاجس بالعمى هو الكاتب الأعمى بورخيس ، وأتذكر أنني أيضاً وعندما كنت في الثانية او ‏الثالثة والعشرين من عمري كتبت قصة قصيرة اسمها جزيرة العميان ، إلا أن ساراماغو ، تناول ‏العمى في روايته ?بهذا الاسم- بشكل مختلف ، وفي البدء يلاحظ أن ساراماغو تعمد عدم ‏استخدام أسماء في روايته هذه مكتفياً بأوصاف أبطاله ، فهناك الطبيب ، وزوجة الطبيب ، ‏والرجل ذو العصابة والطفل الأحول والفتاة ذات النظارة السوداء …الخ ، وتدور القصة حول ‏وباء انتشر في بلد ما حيث أصيب الناس فيه جميعاً بالعمى ، في البداية تم الحجر على ‏مجموعة من المصابين ؛ منعاً لانتشار العدوى إلا أن العدوى انتشرت ، وعمت الفوضى ‏والجثث في كل مكان ، ماعدا زوجة الطبيب فكانت الوحيدة التي لم تفقد بصرها والتي اعتمد ‏عليها اصدقاؤها في قتل زعيم لعصابة من العميان داخل المحجر ، كما اعتمدوا عليها في ‏البحث عن الطعام والنظافة والمأوى ، وفي انقلاب صغير داخل الرواية ، أي خروجا من ‏طرحها الفيزيقي الى الميتافيزيقي ، رأت زوجة الطبيب داخل الكنيسة أن جميع التماثيل ‏المقدسة قد تمت تغطية عيونها ، ودار حوار فلسفي حول أحقية الذات الكلية في النظر إلى ‏مخلوقاته ، وانتهت الرواية بعودة البصر إلى الجميع.‏
تناول ساراماغو العمى في روايته التي تحولت الى فيلم سينمائي ، بصورة مباشرة ، وأعتقد بأنه ‏لم يستفد كثيراً من زخم فكرة العمى ، وجاءت روايته مباشرة جداً ، ومتوقعة في كثير من ‏الأحيان ، فالنهاية لم تكن بالعمق المطلوب ، وحوارات الرواية لم تكن خارجة كثيراً عن ‏السطحية ، وفي بعض الأحيان السذاجة ، ولم أر في الرواية إلا قدرتها الفائقة على الامتاع ‏عبر سرعة الأحداث واتصالها ، كفيلم هوليودي فقط ، إن النقطة الوحيدة التي يمكن حسابها ‏لمصلحة الرواية هي محاولتها عكس الهمجية الإنسانية التي يفضحها ويميط الخوف عنها ‏اللثام ، كما أن فكرة العمى ?في حد ذاتها- يمكن أن توزع على سائر الاتجاهات ومن ضمنها ‏اللاهوت وعمى الإنسان عن رؤية الحقيقة ، وضلال الإنسان المستمر انطولوجياً ، لكن لا ‏أكثر من هذا ، وحتى هذا ليس سوى تصورات خارجة عن الرواية ، ولكنها لم تستثار عبر ‏النص خلافاً لنصوص روائية أخرى كنصوص كافكا على سبيل المثال . وتذكرني هذه الرواية ‏بذات نمط هيرمان هيسة في قصصه القصيرة ، فهيرمان هسة ضعيف العمق في القصة ‏القصيرة خلافاً لبعض رواياته كرواية لعبة الكريات الزجاجية مثلاً . في كل الأحوال ، لا ينتظر ‏من رواية العمى لجوزيه ساراماغو الكثير لقارئيه سوى الامتاع القصصي فقط.‏
أمل الكردفاني
‏8 مارس 2015‏

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..