ذكريات من مكتبات مدينة عطبرة.

خلال حياتي في مدينة عطبرة “اتبرا” في الفترة (1952- 1973م)، كانت توجد بها مكتبات عامة مثل: مكتبة البلدية، ومكتبة الخدمات الاجتماعية بالسكة الحديد، ومكتبة الجامع الكبير ، هذا اضافة للمكتبات التجارية مثل مكتبة عوض الله دبورة، والثقافة الاسلامية..الخ وكانت تلك المكتبات من أهم المواقع التى شكلت وجداني في مدينة اتبرا ، علي أن اهمها مكتبة بلدية عطبرة التي كانت تقع جوار مدرسة الكمبونى وجوار حديقة البلدية ، كان المسئول عن المكتبة الاخ بشرى الذي ربطتنا معه صداقة حميمة ، وكذلك العم على الذي كان عاملا في المكتبة ، وكان ايضا عم على صديقا لأخى الاكبر ابراهيم ، كان يسألنى عنه دائما في حالات غيابه من المكتبة ، وكان اخى ابراهيم من المواظبين علي الحضور الى المكتبة، نشأت بيننا وبين بشرى وعم على علاقة حميمة من كثرة التردد على المكتبة واستلاف الكتب بالبطاقة المشهورة وارجاعها لاستلاف الآخر ، في مكتبة بلدية اتبرا توسعت مداركي الثقافية والادبية والسياسية والفلسفية ، اطلعت على مؤلفات سلامة موسى مثل :” عقلى وعقلك” ، و”حرية الفكر في التاريخ” و”الاشتراكية”، و”الانسان قمة التطور”..الخ ، كما اطلعت على مؤلفات احمد زكى الذي كان رئيسا لتحرير مجلة العربي مثل :” لحظات حاسمة في تاريخ العلم” ، و”مع الله في السماء” ، كما اطلعت على مؤلفات مونتجمرى حول الحرب العالمية الثانية ، ومؤلفات سيد قطب ومحمد قطب والتى لم اكن ارتاح لها لأنها تخاطب العاطفة اكثر من العقل مقارنة بمؤلفات خالد محمد خالد وسلامة موسى، اضافة لتاريخ الثورة الصينية والثورة الروسية والثورة الكوبية وكتابات كاسترو وجيفارا، ومؤلفات ناقدة للتجربة الاشتراكية السوفيتية مثل : “خروتشوف وشبح ستالين” ، اضافة لمؤلفات فلسفية لارسطو وافلاطون والفلسفة العربية الاسلامية مثل: كتابات ابن رشد والكندي ودراسات متنوعة في الفلسفة المعاصرة ( اذكر اننى بعد القراءة الكثيرة في الفلسفة كتبت بحثا فلسفيا في كراس عن الدين والفلسفة ، كنت في الصف الثاني للمرحلة الثانوية ، ولكن للاسف فقدت هذا البحث)، والمؤلفات الفلسفية مثل: مؤلفات عبد الرحمن بدوى، وكتابات ديفيد هيوم، وروسو، وسارتر،ورفيقة عمره سيمون دى بوفوار، اضافة الى روايات كولن ويلسون، والبير كامو، التى كانت تعبر عن الفلسفة الوجودية من أهم مؤلفات سارتر التى اطلعت عليها مؤلفه “الوجود والعدم” وحواره مع الماركسية ، ومناقشة الفيلسوف الماركسي المجرى جورج لوكاتش لسارتر في مؤلفه:” وجودية أم ماركسية”، اذكر انه كان لى حوار مع صديقي صلاح المبارك والذي كان ينتمى لى بصلة القرابة ، كان صلاح وجوديا وقارئا نهما لمؤلفات كولن ويلسون، والبير كامو.
هذا اضافة للمؤلفات الادبية باللغة الانجليزية فقد كان بها مكتبة انجليزية غنية بها الكثير من المراجع العلمية ، وكانت تلك المكتبة هدية من المجلس البريطانى والذي حول مكتبته الى مكتبة بلدية عطبرة بعد أن أغلق مكاتبه في اتبرا.
لم اكتف بمكتبة بلدية اتبرا بعد أن التهمت اغلب كتبها ، بل تحولت الى مكتبة الخدمات الاجتماعية التابعه للسكة الحديد والتى كانت تقع في حى السودنه ، وقامت المكتبة على اطلال مبانى كنيسة قديمة في حي السودنة بالسكة الحديد ، كانت المكتبة عامرة بمختلف الكتب الحديثة السياسية والادبية والاجتماعية .. الخ. من اهم المؤلفات التى اطلعت عليها في تلك المكتبة مؤلف :”راس المال”، لماركس ، والذي ترجمه الى العربية محمد عيتانى ، اذكر انها كانت ترجمة سائغة لم اجد صعوبة في قراءتها ، وقد ساعدنى في قراءة الكتاب اهتمامى بمادة الرياضيات فقد كنت مبرزا فيها في المرحلة الثانوية ، كان ذلك في اجازة طويلة كانت جامعة الخرطوم فيها مغلقة لفترة قاربت السته شهور بعد احداث كلية الطب التى احتفلت بيوبيلها الفضى في ديسمبر 1974 م، والتى واجه فيها الطلاب الرئيس السابق جعفر نميري بالهتافات المعادية.
وهل ينسي الانسان مكتبة عوض الله دبورة الذي اسهم في نشر الاستنارة والوعى في مدينة اتبرا؟ ، كنت اقضي الساعات الطوال في تصفح الكتب في المكتبة ، وكان عوض الله صديقا للوالد ويقابلنا بابتسامته الجميلة، وكان لايضج ولايثور ، كما كانت المكتبة ملتقى للناس باهتماماتهم السياسية المتنوعة والفنية والرياضية والثقافية ، وكانت اشد ما تكون ازدحاما قرب موعد وصول القطار الذي يحمل الصحف والمجلات من الخرطوم، قبل أن تحل البصات محل القطارات حاليا. في مكتبة عوض الله دبورة تابعنا الجديد من مطابع بيروت من كتب ثقافية وسياسية وروايات ، اضافة للمجلات مثل مجلة الطليعة المصرية، ومجلة الكاتب، والفكر المعاصر، والسياسة الدولية، ومجلة دراسات اشتراكية ، اضافة لمؤلفات اليسار الجديد مثل مؤلفان ماركوز( الانسان ذو البعد الواحد ،…)، ومؤلفات غارودى الذي كان قد ترك الحزب الشيوعي الفرنسي وقتها وكتب مؤلفات مثل:” ماركسية القرن العشرين” ،” اشتراكية بلا ضفاف”،…الخ)، اضافة لكتابات المنشقين عن الحزب الشيوعي اليوغسلافي مثل ميلوفان دوجلاس الذي اصدر كتاب :” الطبقة الجديدة” ينتقد فيه التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا..الخ ، لقد كان عوض الله دبورة( رحمه الله صديقا لكل الوان الطيف السياسي في عطبرة ورمزا للتسامح رغم أنه كان وطنيا اتحاديا ، كما كان مراسلا ممتازا للصحف مثل: الرأى العام ، الايام، .. الخ.
كما لاانسي ايضا مكتبة الثقافة الاسلامية التى كانت تقع في شارع السلك وتواجه ورش السكك الحديد والتى كنت اتردد عليها كثيرا ، كما لاأنسي مكتبة الجامع الكبير العامة التى كنت اتردد عليها ، والتى اطلعت فيها على مؤلفات احمد امين وطه حسين ، اعجبت بطريقتهما الجذابة في عرض احداث التاريخ الاسلامي مثل مؤلفات احمد أمين :” ضحى الاسلام” و”فجر الاسلام “ومؤلفات طه حسين :” الفتنة الكبرى”،وفي الأدب الجاهلي … الخ.
نخلص من ذلك الي أن مدينة عطبرة ، كانت مدينة حديثة بمعني الكلمة، تركت اثرها في وجدان كل من عاش بها في تلك الفترة، لم تكن عاصمة الحديد والنار فقط، بل كانت عاصمة للثقافة والمعرفة الحديثة، قبل أن يهجم عليها التتر الجدد من الاسلامويون بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ويحيلوها الي حطام ورماد يذروه الرياح، وتحطيم أهم معالمها من سكة حديد ومكتبات وغيرها.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ذكريات طيبه عن عقود زاهيه في تاريخ مدينتنا الحبيبه عطبره – كانت وكانت وكانت – لكنها الآن في أمس الحاجه لبنيها ليعيدوها سيرتها الأولى وأفضل – ففي ذلك الزمان كانت عطبره بوتقه انصهرت فيها الهوية السودانية بمشاربها المختلفة دونما قبليه ولا إقصاءولا ولا ولا مثل الذي مورس بعد ذلك فأبعد عنها اهلها – سؤال بريئ، لمَّ لا تلعب الصروح الإقتصادية الموجودة حول عطبرة دورا اجتماعيا وثقافيا وتربويا حاليا بأن تعيد إنشاء مثل هذه المكتبات ولكن بدلاً من الكتب الورقية تزود بوسائل إتصال ومعلومات حديثة ومنضبطه لتساعد في توسيع مدارك أبناء هذه المدينة العريقة وتعبق جوها بأريج حب المعرفة،والاطلاع، وتنشر عبير الرغبة في التفوق ليستعيد بنوها وبناتها أمجاد أسلافهم وحتى يبزوهم ليرتقوا مراقي المجد والعلياء …… ليتنا نفعل شيئاً على أرض الواقع لنحول هذي الأماني الوردية إلى واقع معاش …. وهذا نداءلطيبة الذكر “لجنة تطوير عطبرة” التي كان يتسنمها أفذاذ من بنيها من أمثال المرحوم بإذن الله أمين عبد المجيد ….

  2. ذكريات طيبه عن عقود زاهيه في تاريخ مدينتنا الحبيبه عطبره – كانت وكانت وكانت – لكنها الآن في أمس الحاجه لبنيها ليعيدوها سيرتها الأولى وأفضل – ففي ذلك الزمان كانت عطبره بوتقه انصهرت فيها الهوية السودانية بمشاربها المختلفة دونما قبليه ولا إقصاءولا ولا ولا مثل الذي مورس بعد ذلك فأبعد عنها اهلها – سؤال بريئ، لمَّ لا تلعب الصروح الإقتصادية الموجودة حول عطبرة دورا اجتماعيا وثقافيا وتربويا حاليا بأن تعيد إنشاء مثل هذه المكتبات ولكن بدلاً من الكتب الورقية تزود بوسائل إتصال ومعلومات حديثة ومنضبطه لتساعد في توسيع مدارك أبناء هذه المدينة العريقة وتعبق جوها بأريج حب المعرفة،والاطلاع، وتنشر عبير الرغبة في التفوق ليستعيد بنوها وبناتها أمجاد أسلافهم وحتى يبزوهم ليرتقوا مراقي المجد والعلياء …… ليتنا نفعل شيئاً على أرض الواقع لنحول هذي الأماني الوردية إلى واقع معاش …. وهذا نداءلطيبة الذكر “لجنة تطوير عطبرة” التي كان يتسنمها أفذاذ من بنيها من أمثال المرحوم بإذن الله أمين عبد المجيد ….

  3. يا راجل نسيت مكتبة مهمة في عطبرة وهي مكتبة حنتبلي وكان يعمل بها شاب فائق التهذيب وظريف جدا دائما يقرأ في المجلات والكتب وكان لا يتمسك كثيرا في السفر وممكن تتسلف الكتاب تقراهو وترجعوا (شرطا نضيف) بس نسيت اسمو وكذلك مكتبة أخرى قريب من الجامع الكبير اعتقد اسمها مكتبة العربي يشرف عليها وقتها الاستاذ محمد الأمين (رحمه الله) ألا رعى الله تلكم الأيام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..