الرهان علي أجندة خارج السياق

إن الحكومة السودانية تستعد من أجل مواجهة تحدي دولي، يفرض عليها شروطا علي عملية الحوار الوطني، التي كان قد دعا إليها رئيس الجمهورية، و الذي أصبح الخيار الحتمي لحل المشكلة السودانية، و كانت القوي السياسية المعارضة قد اتفقت في برلين، علي عملية الحوار الوطني، و كلفت كل من الجبهة الثورية و حزب الأمة لحضور المؤتمر التحضيري، الذي من المفترض أن يعقد في أخر هذا الشهر في أديس أبابا، و من المعروف إن جمهورية ألمانيا الفدرالية، كانت قد دعت قوي نداء السودان و تحالف المعارضة لورشة عمل في برلين، الهدف منها توحيد رؤيتهم بهدف الدخول في حوار مباشر مع الحكومة السودانية، و قد أصبح المجتمع الدولي يفرض وجوده علي القضية السودانية، من خلال جمهورية ألمانيا، و التي يؤيدها كل من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية، و الآن المشكلة السودانية تخطو خطوة جديدة من خلال، المواجهة التي تتلقها الحكومة البريطانية من مجلس العموم، لسحب ملف السودان من ألمانيا، و الضغط علي الحكومة السودانية للتوصل إلي تسوية سياسية شاملة، إلي جانب إقاف كافة الإجراءات المتعلقة بالانتخابات، و تسعي بريطانيا من أجل تصعيد القضية في مجلس الأمن، لكي تدعم رؤية رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوي ثامبو إمبيكي، الداعية إلي حوار وطني بين الفرقاء السودانيين و تشكيل حكومة قومية، مع تأجيل الانتخابات لما بعد نتائج الحوار الوطني.

في الحوار الذي كانت قد أجرته جريدة الجريدة، يوم 16 مارس 2015، مع الأستاذ محمد علي جادين رئيس حزب البعث السوداني، قال عن أهداف مبادرة برلين ( أهداف المبادرة كما سمعناها من الألمان تحريك العملية السياسية التي يقودها الاتحاد الأفريقي بالتوجه مباشرة لعقد المؤتمر التحضيري للحوار الوطني في أديس أبابا) و يضيف قائلا ( أهداف المؤتمر التحضيري وقف الحرب، فتح مسارات للمساعدات الإنسانية في مناطق العمليات العسكرية، ترتيبات عقد المؤتمر الجامع للوصول إلي تسوية سياسية بكافة الأطراف صاحبة المصلحة) إذا المؤتمر التحضيري مناط به وضع أجندة الحوار الوطني، كما يجد الدعم من المنظمات الإقليمية و الدولية، و لكن الغريب في الأمر إن كل القوي السياسية المعارضة، كانت علي علم كامل، إن ذهابها إلي برلين الهدف منه هو توحيد برنامج المعارضة، و الدخول في حوار مع السلطة الحاكمة، و لكن البعض منها يحاول أن يتحدث بلسانين، مؤيد لأهداف إجتماع برلين و داعم لخطواته، و في ذات الوقت ترفض الحوار و ترفع رايات إسقاط النظام، هذا تناقض في الشعار و الرؤية، و هي تعلم إنها تضغط الحكومة السودانية من خلال المجتمع الدولي، و المنظمات العالمية، التي تفرض الحصار عليه، و تعلم إن المجتمع الدولي لا يمكن أن يسير تحت رايات الكفاح المسلح، خاصة إن المنطقة يحاصرها التطرف و الإرهاب، و البعض يريد أن يشارك في مؤتمرات الحوار و الداعية إليه و في نفس الوقت يحاول أن يزايد بقضية العمل من أجل إسقاط النظام، مما يؤكد إن أغلبية القيادات السياسية تحتاج إلي تغيير، و إحجام الجماهير للتجاوب مع هذه القيادات هو استماتتها في عدم الرحيل عن هذه المواقع و إفساح المجال لأجيال جديدة، لديها القدرة علي التعبئة و الحشد، و خلق مبادرات وطنية تجد القبول و التأييد.
إذا كان الحزب الحاكم يعلم أن الانتخابات لا تكسبه شرعية، و لا تفتح له أبواب الحوار مع الداخل و لا الخارج، بل سوف يتعامل معه المجتمع الدولي بذات الصفة التي يتعامل معه بها الآن، و الهدف من الانتخابات هي تصفية لحسابات داخل الحزب الحاكم، و ليس لها أية علاقة بمشاكل السودان أو التسوية السياسية، و ربما تزيد الضغط علي النظام، و لا تفرج له هما، باعتبار إنها انتخابات تجري في ظل تكريس لدولة ديكتاتورية توليتارية، تتركز السلطات في يد الحاكم، و يغيب دور المؤسسات الأخري، في مثل هذه الظروف المعروفة للعالم، تضحي الانتخابات نغمة علي النظام، و الدعوة من أجل وقف إجراءات الانتخابات هي دعوة صحيحة، و يجب علي السلطة الحاكمة أن تتعامل معها بجدية، إذا كانت بالفعل تسعي إلي إيجاد حل للمشكلة السودانية، و من خلال المتابعة، توضح إن 95% من الشعب السوداني لا يهتم بهذه الانتخابات، و لا يعتقد إنها سوف تحل مشاكله، و تعلم النخب الحاكم ذلك من خلال عدم تفاعل الناس مع شعارات الانتخابات، و إن الانفعال الذي أصاب النخب الحاكمة، و جعلها تخرج عن طورها باستخدام الفاظ غريبة، و بعيدة عن السلوك الديمقراطي، تبين إن النخبة تعاني من إضطراب انفعالي، أثر حتى في خطابها السياسي الملئ بالوعد و الوعيد، كما إن منع المعارضة في أن تقيم ندواتها اسوة بالحزب الحكم، و عدم السماح لها أن تحرض الجماهير بعدم الذهاب لمقاطعة الانتخابات، تبين تقليص مساحة الحرية، و مدي خوف الحزب الحاكم، في أن تتجاوب معه الجماهير.
إذا كانت الحرية تعطي الحزب الحاكم، أن يدعو الجماهير لكي تصوت لعضويته، يجب أن تعطي المعارضة ذات مساحة الحرية لكي تطالب جماهيرها بأن لا تتجاوب مع هذه النداءات، رغم إن الحزب الحاكم يستخدم جميع إمكانيات الدولة و أجهزة إعلامها، و المعارضة لا تملك غير مكبرات صوت داخل جدران دورها، و رغم ذلك تمنع و تعتقل قياداتها و يتخوف الحزب الحاكم، و يمنعها من ممارسة حقها الدستوري، و هذا السلوك يبين ضعف السلطة الحاكمة و مدي عزلتها الجماهيرية.
و في الجانب الأخر، أيضا تقف المعارضة علي الحافة الأخري، و هي ليست علي قلب رجل واحد، تجتمع دائما لكي تختلف، هناك البعض الذين لا يريدون غير أن تتكون حكومة انتقالية، يكونون جزءا منها، و هؤلاء دائما رافعين رايات الرفض، و يكثرون من الاجتماعات لكي تكثر خلافاتهم، و هذا الذي أشار إليه السيد محمد علي جادين في حواره عندما قال ( المعارضة ضعيفة و كذلك النظام، و الموجود الآن ضعف، و الوضع يقود للمساومة و الحل السياسي، و التسوية التي لا تعني نهاية المطاف، و إنما حل بعض المشاكل الخطيرة، و الانتقال إلي وضعية جديدة) و مجلس العموم البريطاني عندما طالب الحكومة البريطانية بسحب ملف السودان من ألمانيا، ليس تأييدا للخط الداعي للتصعيد، إنما طالب أن يكون طريق التسوية تأجيل الانتخابات، و البدء في الحوار الوطني و التسوية السياسية، و هي عملية تفكيك ناعمة للنظام الحاكم، و التي أطلق عليها جادين النصر بالنقاط و ليس بالضربة القاضية، إذا المجتمع الدولي ساعي من خلال الاتحاد الأفريقي و مجلس الأمن للوصول لتسوية سياسية عبر الحوار، هل المعارضة السودانية تملك القدرة علي إدارة الأزمة بالصورة التي تستطيع أن تحقق فيها عملية التحول الديمقراطي؟ الآن علي المعارضة أن تقف مع ما اتفقت عليه في برلين دون المزايدات بشعارات جانبية. و الله الموفق.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ياأستاذ*زين العابدين
    مقالك رائع وتحليلك صائب،ولكن هل السلطة الحاكمة الأن على إستعداد للقبول بتسوية أو حل للأزمة السودانية ربما يفقدها حكم البلاد بالكامل؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..