عدل الشريعة جعل جور الإنجليز مقبوح

(صدرت في السودان عن دار الخرطوم للصحافة والنشر الطبعة الثانية من كتابي “الشريعة والحداثة: جدل الأصل والعصر”. وهو موجز وافي تقريباً لصورته الأخرى في الإنجليزية وعنوانها “هذيان مانوي: تحرير القضائية الاستعمارية الثنائية والإحياء الإسلامي في السودان، 1898-1985” (بريل 2008). ويحاول الكتاب الخوض في شأن “أسلمة الدولة” المستقلة عندنا بعد 1956 على ضوء مدرسة ما بعد الاستعمار( وهي منصة أكاديمية يسارية) بما يتجاوز التأجيج العلماني الذي اكتنف هذه المسألة منذ بروزها على السطح. وسيجد القاريء إنني رددت زحف الإسلام الموصوف بالسياسي إلى أصل في جغرافيا الدولة الاستعمارية أحسن وصفها المفكر الفرنسي (من أصول مارتينكية سوداء) وسماها بالجغرافيا المانوية تنقسم بها المستعمرة إلى فضاء حديث وفضاء تقليدي متشاكسين ضربة لازب. ولم ننجح بعد الاستقلال في تفكيك هذه الحغرافيا بإرادة وطنية غراء واعية. وأضطرب أمرنا وظللنا نتخبط في إسار هذه الجغرافيا بدلاً من تجاوزها إلى بناء الوطن المعافى من عقابيل الاستعمار.

وحرصاً على أن يقرأ الكتاب من في الاغتراب ولاسبيل لهم في الخرطوم إليه أنشر هنا فصله الأول منجماً. ويبدأ الفصل بسؤال قديم رن في كتاب زكي مصطفي عن قانون السودان القائم على القانون العام الإنجليزي (1971) وهو: ألم تكن الشريعة أولى بأن تكون هي قانون السودان على عهد الإنجليز حتى بشروط العدالة والوجدان السليم التي جعلوها مبدأ سامياً للقسط. وأردت باستعادة السؤال المحير تفكيك عقائد صفوية استقرت عن بؤس الشريعة كنظام حقوقي. وهي عقائد لم تقع لنا اجتهاداً منا وكدحاً بالفكر بل بالتابعية نطأطأ لها جبراً ونتبناها اعتباطاً بما عرف ب ” الاستشراق الداخلي”.

لن تلتزم عناوين المنشور من الفصل منجماً بعناوينها الأصلية).

وصل ما يبق:

جاء الإنجليز إلى السودان من بعد استعمار طويل للهند. واتفق لهم في الهند أن الشريعة، التي سادت في دولة المغول، نظام حقوقي متخلف. وانتصرت وجهة النظر هذه عن الشريعة في وجه مدرسة قانونية استعمارية أخرى حبذت البناء من فوقها لحكم الهند. وهكذا قدم الإنجليز للسودان بعقيدة مؤداها أن السودان بلد بلا قانون أو أخلاق أو إنسانية بعد تحطيمهم لدولة المهدية التي حكمها “مستبد شرقي”، في قولهم، حكّم “الشريعة المتوحشة” على الرقاب. فاستجلبوا معهم القوانين التي اتفقت لهم في الهند بل وأشد وبيلا. ورأينا كيف أباح الإنجليز، في ظنهم أن السودان بلد خلو من الشرائع والدماثة، ممارسات ومعاملات جافت خلق المسلمين ودينهم بما في ذلك ما لم يسمح به الإنجليز في بلدهم ذاتها.

ونعود في هذا الجزء من الفصل لسؤال زكي مصطفي: ألم يكن بوسع الشريعة أن تكون قانوناً للسودان في عهد الاستعمار نفسه إذا ما طبقوا صيغتهم المعروفة في تصريف العدالة في البلد: وهي أن يطبق القاضي أي قانون بغير فرز ما دام لم يعارض العدل والقسط وإملاءات الوجدان السليم. وسنرى بالبيان العملي كيف أحسنت الشريعة وعدلت في حين ظلم القانون الإنجليزي وأساء.

ونبدأ:

سنضع التحدي الماثل لثنائية الحداثة والتقليد نصب أعيننا ونحن ندير هذه الحجج حول عما إذا ما شكلت الشريعة ، لو لم يتجاهلها المستعمرون ، مددًا ومنهلاً طيبًا للقانون الاستعماري للسودان . ومن رأينا أن السلف من القضاة البريطانيين والخلف السوداني لم يختبروا مناسبة الشريعة للحداثة ، أو اعتبروا تبنى أقباساً من وجوه عدلها ، خلال تصريفهم لشأن العدل بين السودانيين . وفي الحالات الاستثنائية التي تسرب الشك في نفس قاض من القضاة حول وجاهة تطبيق القانون الإنجليزي في القضية المعروضة أمامه وجدنا الشريعة تسفر عن إقباس حداثة وعدل وتقدمية فاقت القانون البريطاني .

ومن الجهة الأخرى قاد التطبيق الأعمى للقانون الإنجليزي في السودان إلى أحكام مناوئة للصيغة المعتمدة في القانون المدني وهي أن يلتزم القاضي ، في انتخاب القانون الذي يريد تطبيقه ، بالعدالة والإنصاف وإملاءات الوجدان السليم . وضرب أحد مؤرخي القانون من مدرسة المراجعين مثلاً لذلك بقضية على صبري ضد حكومة السودان ( 1922م) . وقد اضطر بعض القضاة للأخذ بإقباس من الشريعة الإسلامية لما بدا لهم أن الحكم بمقتضاها هو إملاء عادل للوجدان السليم . ففي قضية ورثة النعيمة أحمد وقيع الله ضد الحاج أحمد محمد (1960م) حكم القاضي، السيد بابكر عوض الله ، للشاكي ، وهو من ورثة المرحومة نعيمة استنادًا على حق الوريث شرعًا في التعويض لتقصير أجل المتوفى بفعل القتل . ولم يأخذ القانون الإنجليزي بهذا الحق المثبت في شريعة الإسلام إلا في عام 1934م . ومنع واقع هامشية المحاكم السودانية من الأخذ بهذا الحق حتى حين أخذت به المحاكم الإنجليزية . ولذا لجأ القاضي بابكر عض الله إلى الشريعة الإسلامية متجاوزًا النص القانوني السوداني الذي تجمد على ما كان عليه القانون الإنجليزي قبل عام 1934م . وختامًا ، فإن تحليلاً دقيقًا للقضية المرفوعة من ورثة إمام إبراهيم ضد الأمين عبد الرحمن ( 1962م) يكشف عن دراما الصراع الذي اكتنف القضاة السودانيين بين حسهم الإسلامي السوي عن حقوق الأرملة في استمرار سكنها في البيت الذي وقَّع عقد إيجاره زوجها المتوفى ، وبين سوابق القانون الإنجليزي عندهم والتي تحرم بجفاء وقسوة الأرملة من وراثة عقد الإيجار هذا .

واتخذ طمس الشريعة من أن تكون مصدرًا للقانون الاستعماري بالسودان شتى الأشكال . فحتى حين أنقص الإنجليز الشريعة بجعلها مجرد قانون للأحكام الشخصية مالوا إلى إنكار وحدتها وعالميتها كتشريع . وبرز هذا الاتجاه الاستعماري بخاصة حين تبنى الإنجليز نظام الحكم غير المباشر في عشرينيات القرن الماضي . وكانوا قد بيتوا النية بهذا النظام أن يكسروا شوكة الأفندية الذين انتعشوا عددًا وطموحًا في ظل حكم الإنجليز المباشر للسودان منذ مجيئهم في 1898م . والمعروف أن الحكم غير المباشر هو الذي يخول لزعماء القبائل سلطات إدارية لرعاياهم في ما عرف بالإدارة الأهلية عندنا . والمعروف أيضًا أن الأفندية في الحركة الوطنية قد ناصبوا الإدارة الأهلية العداء .

نظر الإنجليز إلى المحكمة الشرعية ، التي اقتصر اختصاصها على أحوال المسلمين الشخصية ، كهيئة منافية لفكرتهم ومنهجهم في الإدارة الأهلية . فالمحكمة الشرعية ، برغم اقتصارها على أحوال المسلمين الشخصية ، هيئة جامعة تستمد قانونها من شريعة ذات طبيعة عالمية . ويعطيها هذا الاستمداد طابعًا وطنيًا عامًا لا مكان له في إعراب الإدارة الأهلية القائمة على الوحدات القبلية المتدابرة التي يكتفي كل منها بذاته عن الأخريات . وعليه قرر الإنجليز أن يتخلصوا من المحاكم الشرعية التي كانوا أسسوها في مراكز الإدارات الأهلية الواسعة . وجعلوا من اختصاص محاكم الإدارة الأهلية النظر في قضايا الأسرة على ضوء الشريعة . غير أنهم عَرَّفوا شريعة هذه المحاكم بأنها الشريعة كما يفهمها ويمارسها أفراد القبيلة المعنية حسب أعرافهم المحلية . وهذا تدبير مقصود أراد به الإنجليز فض عالمية أو وطنية الشريعة و « فكها » في نسخ متعددة من الشرائع المحلية .

ولم يقبل قضاة الشريعة السودانيون بهذا التبخيس للشريعة ودافعوا عن وحدة التقليد الشرعي وشروط كفاءة قضاته . فقد استنكر قاضي القضاة أن توصف شريعة محاكم نظار القبائل بأنها «أهلية» مستثنية قضاة الشرع المعروفين بالاسم من هذا القطاع الأهلي وهم من أهل السودان مثلهم في ذلك مثل نظار القبائل . وصفوة الأمر أن تبخيس الشريعة هذا قد أنزل بها عواقب وخيمة . فقد حل عقيدتها القرآنية المركزية وعقدة تقليدها ومرونتها المشهود لها بها حتى في استصحاب عوائد الجماعات الإسلامية وعاداتها. فبدلاً عن هذا التقليد الشرعي الواحد وجدنا أن الإنجليز قد نجحوا في استنساخ الشريعة وتفريغها في شتات من الثقافات القبلية المختلفة . وسنفصل في هذا الأمر أكثر في الفصل الثالث.

هناك قناعة رائجة بين الصفوة مفادها أن الاستعمار أعطى ما للإسلام للإسلام وما للإنجليز للإنجليز . فمما راج في الكتب أن اللورد كرومر ، قنصل بريطانيا في مصر ، الذي كان من وراء تأسيس إدارة السودان الاستعمارية ، دعا في أول زيارة له للسودان بعد “الفتح” إلى سياسة احترام الدين الإسلامي والكف عن تدخل الحكومة في شأن المسلمين الديني . غير أن هذه الكتب تغفل عن سوء ظن كرومر الشديد بالإسلام وقناعته ، في سريرة نفسه ، أن الشريعة ستذهب أدراج الرياح في يوم قريب . فقد قال إن الشريعة قد طبقت في مصر وهي ، في قوله ، إن لم تكن لعهده قد شبعت موتًا فإنها في حالة تفسخ وانحلال . وصفوة القول إن صيغة « العدالة والمساواة وإملاءات الوجدان السليم » التي سبق الحديث عنها ، كانت ستدمج الشريعة في قوانين الاستعمار لولا ما رأيناه من تعصب البريطانيين ضد الشريعة وتنبؤهم إنها مما سيزيله زحف الحداثة .

وجاء زكي مصطفى بكلمة سائغة في هذا الشأن . فقد قال إنه كان بوسع الإنجليز ، إذا أنفذوا صيغتهم السمحاء تلك ، ألا يشعروا بالحرج الناجم عن حكم بلد مسلم بتجاهل صريح لشريعته . والمسلمون ، من جهتهم ، لن يجدوا غضاضة في هذه الصيغة المفتوحة لأنهم لا يعدون شريعتهم مما يصادم العدل والمساواة وإملاءات الوجدان السليم فحسب بل ويعتقدون أنها نبع العدل والإحسان . وقد أفرغ الصيغة من سماحتها ما قر في ذهن السلف من القضاة الإنجليز والخلف من السودانيين أن القانون الذي ينبغي تطبيقه ، برغم رحابة الصيغة المعمول بها ، هو القانون الإنجليزي .

شكل حجب الشريعة من أن تكون واحدًا من مصادر القانون الاستعماري كارثة ثقافية وسياسية طوال عهد استقلالنا . ولأننا قد بخسنا الشريعة حقها ، ظلت تتعقب الأمة بشكل ثأري ، وتنغص عليها قانونها ودستورها ، وتؤذي عملية بناء الأمة السودانية في الصميم . فقد أخفقت الأمة المستقلة أن تدير حوارًا مسؤولاً ذا معنى لتقف على المرارة التي احتقنت بها الشريعة ، كتقليد قانوني، استبعده الإنجليز من عملية تحديث القانون من غير ذنب اقترفه .

ولا خلاف أن أكثر اللوم في هذا التجنب للشريعة على عهد الاستقلال خاصة وتأخيرها يقع على عاتق المهنيين السودانيين من ذوي التدريب الجيد في القانون الإنجليزي العام . فقد تغلغلت في هذه الجماعة المهنية ، من جراء غربتها عن الشريعة الإسلامية ، ما يعرف بـ «الاستشراق الداخلي» . والاستشراق كما نعلم حزازات وجهالات باطشة ترتبت عن دراسات المستشرقين للإسلام . والاستشراق الداخلي هو أن يستبطن المسلم المغلوب على أمره صورة المستشرقين الدونية عنه ، ويتبناها ، ويحكم بها على تاريخه وعقله ومكانه .

ونعالج في الحلقة القادمة مفهوم “الهوان الاستعماري” الذي جاء به بازل ديفدسون، المؤرخ الإنجليزي الناصح لأفريقيا، الذي حلل به الإساءة الروحية التي تحل بالناس تحت نازلة الاستعمار.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لم تاتى بجديد ياحرامى النحاس فى صباه
    هاهو انت تتابع نفس طريق من سبقوك من الانتلجنسياالسودانية السودانية “المريضة” المزعومة
    فكل ابناء جيلك طلعوا وهم كبير.
    فجلهم؛ يتبونون فى عنفوان شبابهم الافكار والاراء التقدمية وعند بلوغهم سن ال60 ينتابهم الشعور بدنو الاجل خاصة عندما يرون الموت يحصد ناس دفعتهم و جيلهم يلتفحون ثوب الاسلام
    ويبدوا فى الخوض والاكثار من الكلام عن ضرورة تطبيق الشريعة الخ…
    شريعة ياواطى ياقذر!!! ان شاء يطبقك جمل هائج من مراعى ابو العفين

  2. أ. د. نصار اوغلو 04-02-2015
    عافاك الله يا د. وهم … نيلت هذا الاسلامى الاجرب …. بورك فيك…. قال ايه (شكل حجب الشريعة من أن تكون واحدًا من مصادر القانون الاستعماري كارثة ثقافية وسياسية طوال عهد استقلالنا… مين يا روح امك….. ؟؟

    اذكر فى اجتماع المنطمة العربيه للدراسات الاستراتيجيه فى عام 1993 تقدم العلامه المصرى نجيب بطرس بورقه لم يسمح للسودان بالاطلاع عليها… وكانت تحتوى على خطة تدمير العنصر السودانى من الخريطة ودمجها بين مصر و ليبا

    و كان قد أعترض القذافى … لا على المبداء بل اعترض على نصيبه الذى حوى كل الصحراء اضافه الى شمال دارفور…. واصرت مصر على حقوقها التاريخية فى كردفان و جنوب دارفور و اعالى النيل ….

    و توصل المندوب الاماراتى الى تسويه بان تؤل ولاية الشمال الى ليبا مضافه الى الجزء السايق ذكرة…

    فابت مصر قائله الا ولايه البربر حيث لها تاريخا فى البربر ولعلها ارادت ذكر ( العلقة المره و السخنه)التى لا تزال توجع ظهر ابنا الجعل فى شندى و المتامه … وكذلك فى بقيه السوادن

    حقيقه ناس ما يجوش الا بالسوط ….

  3. اعتقد ان اقوى ما ابعد الشريعة عن الحكم هو عقائد التصوف الذى تبعه الملايين.
    الشيخ احمد التجاني والجيلاني والاخرون لا تشكل ادوات صبط المجتمع ومنها الشريعة اي جذب لانتباههم.
    بل يبدو ان التصوف ودوائره وحلقاته, ما هي الا ساحات خارج عنف الدولة يرتاح فيها الناس .
    ولا زال التصوف هو الذى سيكبح عنف قطع اليد والرجم.
    ان كان ثمة ما نتابع تاريخه بعلمية ونقيمه كقيمة عالية فهو التصوف وقد خانته الان كثير من السجادات التى اخترقتها السلطات وشوهتها.

  4. هسه المشكلة شنو الترابي طبق الشريعة بقوانين سبتمبر 1983 وبعد انقلاب الترابي/البشير استمر الكلام عن تطبيق الشريعة وتم طرد الترابي واستمر البشير في الحديث عن تطبيق الشريعة وعاد الترابي والبشير يبشر بتطبيق الشريعة الاسلامية الحقيقية يعني ما تم خلال كم وثلاثين سنة كان شريعة تايوانية والاصلي لسه جاي ثم على من طبقت قوانين الشريعة فقط على الضعفاء والمناوئين سياسيا فقط بينما الفساد وقصصه تفوح ولم يحاكم اي شريف انا لا ادافع عن قوانين الغرب لكن الماثل امامنا حتى في اسرائيل يتم القبض على رئيس الوزراء ويمثل امام القضاء علانية وتتم محاكمته ان اخطأ وكذا الحال في دول الغرب مبدأ العدالة المتساوية التي لا تفرق بين غني وفقير وامير وغفير

  5. أعتقد أن الاخ أمبكول نفر مفر ،، وميسوري لديهما مشكلة شخصية مع الدكتور عبدالله علي ابراهيم اكثر من فكرية،،، ذلك لايهمنا بقدر أن ما يهمنا هو ان يقوما بمساجلة الدكتور في الآراء التي يطرحها ويفندانها،،، حتى نستفيد وان كانا يظنان ان الدكتور انتهازي وما شابه ذلك من اوصاف يمكنهما اثبات ذلك من خلال مواقفه وافكاره طوال مسيرته الفكرية او السياسية حتى نستفيد نحن الشباب ولانقع في ما وقعت فيه الانتلجسيا السودانية حسب كلام امبكول نفر مفر وميسوري ،،،،

  6. الانجليز عندما حكموا السودان وضعوا القوانين التى تحكم مختلف الشعوب المتواجده فى ارض السودان فى تلك الفترة..نصارى ومجوس وهندوس ويهود ومسلمين.ولم يمنعوا مبدأ الوجدان السليم فى تجاوز تلك لقوانين,وهذا مبدأ إنسانى وعالمى وموجود فى كل محاكم الكون. لكن لأن معظم أهل البلاد يدينون بشرائع اسلامية تنظم لهم معاملات خاصة بالاسرة كلّفوا المسلمين بترتيب تلك الشرائع وأسسوا لها محاكم شرعيه. القوانين الجنائية والمدنية فى طبيعتها إنها شرائع إنسانيه وضعها الإنسان خلال مسيرته التاريخيه وجاءت الاديان لتتبنى تلك الاحكام.والمبدأ الأساسى لتلك الاحكام هو العدالة.ولم نجد ديانة إحتوت على كل الأحكام العامة للخروج بها لتشكل قانونا كاملا لكل الخلافات الجنائية والمدنيه.حتى القوانين التى تسمى إسلامية,فمعظمها وضعى ع.ع.إبراهيم لم يجد من أمثلة كافيه ليعزز بها أطروحته غير..إباحة الخمر والدعارة واللواط. لا أود الخوض فى تبريرات,لكن وعلى مدى التاريخ
    لم يكن القانون يوما هو العائق أمام هده الممارسات. وعندما قدم الانجليز للسودان وجدوا هذه الممارسات سارية وليست منبوذة. وكل مافعلوه أنهم حاولوا الندخل فى تنظيمها بمفهوم الصحة العامة فى حالة الدعاره والخمور البلديه.لكن الكاتب أغفل عمدا أو سهوا إن القانون كان لا يصرح ببيع الخمر للسودانيين. وأغفل ان اللواط ليس جريمة فى أعراف قبائل تسكن أرض السودان,فما كان بوسعه أن يشرّع له بأنه جريمه

  7. إقتباس (وجاء زكي مصطفى بكلمة سائغة في هذا الشأن . فقد قال إنه كان بوسع الإنجليز ، إذا أنفذوا صيغتهم السمحاء تلك ، ألا يشعروا بالحرج الناجم عن حكم بلد مسلم بتجاهل صريح لشريعته).
    مع احترامي لك وللدكتور زكي مصطفى هل المعقول أن يطبق الإنجليز قواعد الشريعة الإسلامية لمجرد أن شعب مستعمرتهم السودان يدين بها؟ وهل كان السودان في نظر الإنجليز بلداً مسلماً؟ علماً بأن مكونات السودان وما هو السودان مازالت مسألة خاضعة لقرار المستعمر وكان الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان من أجزاء السودان الذي يحكمه الانجليز وهم يعلمون أكثر من باقي سكانه الشماليين أن هذه الأجزاء من السودان لا ينطبق عليهم وصف المسلمين فغالبهم إن كان لهم دين فهي ديانات محلية أوقبلية، وحتى الخرطوم والمدن الكبرى سكنها مع الإنجليز الكثير من أصحاب الديانات الأخرى مسيحية كانت أو يهودية؛ وحيث أنهم لم يأتوا ليحكموا مستعمراتهم على أسس دينية بقدر تركيزهم على القيم الإنسانية الحضارية وتثبيتها في ثقافة الشعوب المستعمَرَة، لذا لم يأتوا بتشريع مفصل ومعد سلفاً لحكم البلاد وانما بنص واحد شامل يفوضون فيه القضاة على تطبيق قيم « الإنصاف والعدالة والوجدان السليم » (Equity, Justice and Good Conscience) في حالة وجود نص صريح بتطبيق نظام قانوني محدد وهذا التفويض للقضاة كان الغرض منه الزج بهم للتعرف على قيم المجتمعات المحلية وعاداتهم وأعرافهم ومفاهيمهم الثقافية الحقوقية والتي لا تتناقض مع قيم العدالة والإنصاف والوجدان السليم بمعاييرهم الغربية الحضارية في نظرهم بالطبع ولا يعرفون غيرها حتى نتوقع منهم تطبيق قواعد الشريعة الاسلامية فيطبقون هذه المفاهيم الغربية ويملأون بها الفراغ التشريعي ريثما يتفرغ الحكام الانجليز للتعرف على المجتمع وتمايزاته الإثنية وإداراته الأهلية مما يمكنهم من وضع التشريعات اللازمة في نهاية المطاف وإنهاء هذاالتفويض القضائي التشريعي اعتماداً على خبرات وما تراكم من أقضية وتوصيات القضاة أنفسهم لدي السكرتير القضائي مما يعينه على اقتراح التشريعات وإقرارها. ونظراً لعدم معرفة القضاة الانجليز والذين أتوا بهم معاونين لهم من الهند وباكستان وأقباط وشوام ومن دربوهم من السودانيين بالأنظمة القانونية الأخرى كالشريعة الاسلامية والقانون المصري أو الفرنسي كان من الطبيعي أن ينتهي الأمر بتطبيق الشريعة العامة الإنجليزية وحتى التشريعات على قلتها كأمر مسلم منذ 1900 وحتى 1971 حتى ان القضاة السودانيين وبحكم طبيعة النظام القانوني الذي تركه الانجليز والذي يقوم على اقتفاء أثر السوابق القضائية ولا يحيد عنها إلا في حالات ضيقة وإلا عد خروجهم عليها كنوع من التدخل التشريعي من القضاة وهو ما لايجوز في أي نظام قانوني يحترم مبادئ الفصل بين سلطات دولة المؤسسات. وبالكاد أخذوا يخففون من تطبيق التشريعات التي تصدر عن البرلمان البريطاني وبالكاد عدلوا بعض المعايير المستجلبة من المجتمع الأوروبي واستبدلوها بمعايير محلية مثل معيار تصرف الشخص المعقول أو حتى العادي الذي يختلف إذا كان خواجة عن الشخص العادي السوداني الأمي وكذلك الشخص العادي من أهل المدينة ليس كالشخص العادي الفلاح أو الراعي في المناطق الإقليمية والريفية. أما النظام القانوني الإنجليزي فقد بقي بمفاهيمه وعموده الفقري النظري يحكم فيما لم يوجد بشانه نص تشريعي حتى 1983 حيث ألزم قانون أصول الأحكام القضائية القضاة بتطبيق مبادئ وقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية والذي بدوره قلت أهميته بعد صدور قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 والذي ملأ معظم الفراغ التشريعي في المجال المدني وربما ألغى الكثير من السوابق القضائية التي قام عليها القضاء في الماضي.
    وخلاصة الأمر أن الحكام الإنجليز لم يتجاهلوا تطبيق الشريعة الإسلامية هكذا ولكنهم عدُّوها واحدة من مصادر العدل ولإنصاف والوجدان السليم وهو العنوان الذي يجمعها بالقانون الانجليزي والذي هو في آخر المطاف يقوم على المبادئ الأخلاقية في المسيحية واليهودية وهما ديانتان سماويتان بالإضافة إلى الفطرة الإنسانية السليمة والسوية الحضارية التي تستقبح الظلم وتحترم الملكية وحرية الفكر والعقيدة واحترام حقوق الآخرين. والغرب والعالم كله ليس فقط الانجليز كانوا وما زالوا لا يؤمنون بما يسمى دولة أو حكومة إسلامية أو يهودية أو مسيحية فليست هذه الهياكل للمارسة الشعائر الدينية وإنما لحفظ حقوق الأفراد ودفع الظلم عنهم كبشر وحمايتهم من تغول بعضهم على بعض والعيش كبشر مكرمين من خالقهم عن باقي خلقه من الحيوانات والجمادات – فاكتفوا من الديانات بخلاصاتها من القيم التي لا تختلف عليها البشرية.

  8. باسم الدين يمكن قيادة الإنسان السوداني (الغالبية) للهاوية ، باسم الدين ــ و لا يمكن باسم أي شيء غيره ــ باسمه يمكن جعل السوداني (الغالبية) أن (تتجلبط بالخراء) و تدعي أن الروائح روائح صندلية … باسم الدين تمكن الكيزان من رقابنا ليكلموننا عن الزهد و هم يلغفون ، و عن القوي الأمين و هم ينهبون و عن الطهر و العفاف و هم ينكحون و يستغلون الصبايا بل و يتناكحون فيما بينهم …. أن لم تقم حركة اصلاح ديني فابشروا بالكيزان و القاعدة و داعش و كل أنواع الغائط و الفساء …

  9. و سيادتك بعد ما بقيت في العقد الثامن من عمرك فجأة حدة قررت تتوب على حسابنا ؟؟ صدقني كل محاولاتك للمشي في ذيل أدعياء شرع الله و المتاجرين فيه و به لن يبرر مغالاطاتك قي محاولة تذيوق قانون يكون فيه السوط و السيف أدوات لإرهاب الناس

  10. إقتباس (وجاء زكي مصطفى بكلمة سائغة في هذا الشأن . فقد قال إنه كان بوسع الإنجليز ، إذا أنفذوا صيغتهم السمحاء تلك ، ألا يشعروا بالحرج الناجم عن حكم بلد مسلم بتجاهل صريح لشريعته).
    مع احترامي لك وللدكتور زكي مصطفى هل من المعقول تصور قيام الإنجليز بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية لمجرد أن شعب مستعمرتهم السودان يدين بها؟ وهل كان السودان في نظر الإنجليز بلداً مسلماً؟ علماً بأن مكونات السودان وما هو السودان مازالت حينئذ مسألة خاضعة لقرار المستعمر وكان الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان من أجزاء السودان الذي يفكر في حكمه الانجليز وهم يعلمون أكثر من باقي سكانه الشماليين أن هذه الأجزاء من السودان لا ينطبق عليهم وصف المسلمين فغالبهم إن كان لهم دين فهي ديانات محلية أوقبلية، وحتى الخرطوم والمدن الكبرى سكنها مع الإنجليز الكثير من أصحاب الديانات الأخرى مسيحية كانت أو يهودية؛ وحيث أنهم لم يأتوا ليحكموا مستعمراتهم على أسس دينية بقدر تركيزهم على القيم الإنسانية الحضارية وتثبيتها في ثقافة الشعوب المستعمَرَة، لذا لم يأتوا بتشريع مفصل ومعد سلفاً لحكم العلاقات الفردية بين المواطنين وانما بنص واحد شامل يفوضون فيه القضاة على تطبيق قيم « الإنصاف والعدالة والوجدان السليم » (Equity, Justice and Good Conscience) في غياب النص التشريعي بتطبيق نظام قانوني محدد وهذا التفويض للقضاة كان الغرض منه الزج بهم للتعرف على قيم المجتمعات المحلية وعاداتهم وأعرافهم ومفاهيمهم الثقافية الحقوقية والتي لا تتناقض مع قيم العدالة والإنصاف والوجدان السليم بمعاييرهم الغربية الحضارية في نظرهم بالطبع فيطبقون هذه المفاهيم الغربية ويملأون بها الفراغ التشريعي ريثما يتفرغ الحكام الانجليز في تنظيم حكم البلاد وإقامة مؤسسات الحكم وإقرار قوانين الظبط والتنظيم العام المتعلقة بالشرطة والجيش والموارد الاقتصادية والضبط الاداري والخدمة المدنية ومن خلالها التعرف على المجتمع وتمايزاته الإثنية وإداراته الأهلية مما يمكنهم من وضع التشريعات اللازمة في نهاية المطاف للمعاملات المدنية وإنهاء هذاالتفويض القضائي التشريعي اعتماداً على خبرات وما تراكم من أقضية وتوصيات القضاة أنفسهم لدي السكرتير القضائي مما يعينه على اقتراح التشريعات وإقرارها. ونظراً لعدم معرفة القضاة الانجليز والذين أتوا بهم معاونين لهم من الهند وباكستان وأقباط وشوام ومن دربوهم من السودانيين بالأنظمة القانونية الأخرى كالشريعة الاسلامية والقانون المصري أو الفرنسي كان من الطبيعي أن ينتهي الأمر بتطبيق الشريعة العامة الإنجليزية بما في ذلك التشريعات البرلمانية البريطانية على قلتها كأمر مسلم. واستمر هذا الوضع منذ 1900 وحتى 1971 حتى ان القضاة السودانيين الذين خلفوهم بعد الاستقلال وبحكم طبيعة النظام القانوني الذي تركه الانجليز والذي يقوم على اقتفاء أثر السوابق القضائية ولا يحيد عنها إلا في حالات ضيقة حيث يعد خروجهم عليها كنوع من التدخل التشريعي من القضاة وهو ما لايجوز في أي نظام قانوني يحترم مبادئ الفصل بين سلطات دولة المؤسسات. فبالكاد أخذوا بعد الاستقلال يخففون من تطبيق التشريعات التي تصدر عن البرلمان البريطاني وبالكاد عدلوا من بعض معايير الشريعة العامة الانجليزية المستجلبة من المجتمع الأوروبي واستبدلوها بمعايير محلية مثل معيار تصرف الشخص المعقول أو حتى العادي الذي يختلف إذا كان خواجة عن الشخص العادي السوداني الأمي وكذلك الشخص العادي من أهل المدينة ليس كالشخص العادي الفلاح أو الراعي في المناطق الإقليمية والريفية. أما النظام القانوني الإنجليزي فقد بقي بمفاهيمه وعموده الفقري النظري يحكم فيما لم يوجد بشانه نص تشريعي حتى 1983 حيث ألزم قانون أصول الأحكام القضائية القضاة بتطبيق مبادئ وقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية والذي بدوره قلت أهميته بعد صدور قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 والذي ملأ معظم الفراغ التشريعي في المجال المدني وربما ألغى الكثير من السوابق القضائية التي قام عليها القضاء في الماضي.
    وخلاصة الأمر أن الحكام الإنجليز لم يتجاهلوا تطبيق الشريعة الإسلامية هكذا ولكنهم عدُّوها واحدة من مصادر العدل ولإنصاف والوجدان السليم وهو العنوان الذي يجمعها بالقانون الانجليزي والذي هو في آخر المطاف يقوم على المبادئ الأخلاقية في المسيحية واليهودية وهما ديانتان سماويتان بالإضافة إلى الفطرة الإنسانية السليمة والسوية الحضارية التي تستقبح الظلم وتحترم الملكية وحرية الفكر والعقيدة واحترام حقوق الآخرين. والغرب والعالم كله ليس فقط الانجليز كانوا وما زالوا لا يؤمنون بما يسمى دولة أو حكومة إسلامية أو يهودية أو مسيحية فليست هذه الهياكل للمارسة الشعائر الدينية وإنما لحفظ حقوق الأفراد ودفع الظلم عنهم كبشر وحمايتهم من تغول بعضهم على بعض والعيش كبشر مكرمين من خالقهم عن باقي خلقه من الحيوانات – فاكتفوا من الديانات بخلاصاتها من القيم التي لا تختلف عليها البشرية مثل قواعد العدل والإنصاف والوجدان او الفطرة السليمة. وعليه فلم يكن من المتصور نظرياً أو حتى أكاديمياً إمكانية قيام المستعمر بتبني وتطبيق قواعد ديانة أي من القوميات التي تتشكل من منها مستعمراتهم ولو كانت تلك القومية تمثل الأغلبية الغالبة من مجموع السكان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..