الإنقاذ والأحزاب الكبري .. نقد التجربة ( 1 )

? جال بخاطري وانا أستعرض شريط الاحداث بالسودان منذ فجر الجمعة الموافق للثلاثين من يونيو1989م أن البلاد ستواجه حكماً عسكريا بخلطة مدنية سحرية يأخذ فترة طويلة من الزمن ، وقد تحقق إعتقادي تماماً ، فقد كانت مبررات تلك التوقعات والاستقراءات الخاصة تتلخص في أن القوي المدنية لن تستطيع مقاومة الإنقلاب لأن خلف الإنقلاب تنظيماً مرتباً جداً ويعتمد علي الراديكالية في تأمين متطلبات إستمراريته ، حتي أنه يكاد يجزم بأن لا أحد لديه القدرة علي تغييره ، فقد كان النظام الجديد وقتها واثقاً من ذلك تماماً .
? فتنظيم حركة الإسلام السياسي بالسودان قد فاق ( الكبار والقدره ) في ترتيبات اموره ، ( فالكبار) هما الحزبين الكبيرين عددا ، أما (القدرهُ ) فهم أحزاب اليسار وعلي رأسها الحزب الشيوعي السوداني الذي كانت قدراته التنيظيمية في ستينيات القرن الماضي تتفوق أو تكافيء قدرات الحركة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي ايضاً .
? الحركة الإسلامية كان عتادها وعدتها هي دقة التنظيم والإعتماد علي النخب المتعلمة ، ويسند ذلك قوة القدرات المالية التي اكتسبتها إبان مصالحتها مع نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري وهي قدرات عديدة ، وتأتي في مقدمتها فكرة البنوك الإسلامية وتمويلها لأنشطة تجارية عديدة ومتراكمة تدعم التنظيم وترسم لقادم الأيام ، بينما كانت مجموعات الإتحاد الإشتراكي تتصارع في التقرب من الرئيس نميري وتخلق لنفسها مراكز قوي وهمية تنشغل بها ، ثم ينسحب الأمر في الحركة الإسلامية إلي تكوينها للمنظمات الإسلامية العديدة والشركات الإسلامية التي تنبع من تلك البنوك بعد سيطرة حركة الاسلام السياسي عليها من خلال مجالس إداراتها.
? أما اليسار في مرحلة الستينات فإن قدراته التنظيمية الفائقة الدقة كانت تعتمد علي بعض النخب وبعض العمال الناشطين والمزارعين الناشطين أيضا ، مما شكل تفوقهم في الفوز بقيادة النقابات السودانية ، لكن كانت تنقصهم رؤوس الأموال ، بسبب أنهم ضد فكرة تراكم المال كمعتقد أيديولوجي ، ففائض القيمة ( أي الارباح ) يجب ان يلتهمها القطاع العام لتدخل في دورة الخدمات العامة لصالح الجماهير.
? ولكن في بلد كالسودان ، يضربه الفقر ، وتترسخ فيه جماعات وطرق اهل الصوفة فإنه من الصعوبة بمكان تحريكهم إلي السيطرة علي مقدرات الحكم بأية طريقة كانت ، وبالتالي فإن جماهير تلك الطرق التي تستوعبها الأحزاب الكبيرة ( الاتحادي والامة ) لا تملك روح المقاومة أو حمل السلاح لمقاومة أي نظام عسكري يزيح الحكم الديمقراطي الهش جداً .
? وهذا الأمر قد تمثل عند تأسيس التجمع الوطني المعارض منذ بداية عهد الإنقاذ ، حيث لم تخرج جماهير الحزبين إلي الخارج لحمل السلاح لتقوية جيوش احزاب التجمع الضئيلة العدد ، ما أدي إلي عدم إحداث تأثيرات عسكرية ضاغطة علي نظام الإنقاذ الذي بادر مبكرا بتأمين نفسه عسكريا بإبعاد الضباط غير الإسلامويين من الجيش ، مع تأسيس نظام جهاز أمن ضارب تتبع إدارته المختلفة لكوادر حركة الاسلام السياسي رأساً منذ عهد نافع وقطبي وقوش …إلخ.
? ونظراً لضيف أفق قيادات الأحزاب الكبيرة برغم طول فترة تجربتها السياسية ولجوئها إلي أسهل الحلول وهو العمل المعارض الذي لم يحقق إنجازاً طوال سنوات المعارضة ، كان من الممكن توظيف الذكاء السياسي بالدخول في تفاوض مباشر مع الإنقاذ بعد إستلام الحركة الاسلامية للسلطة ، وبعدها تبدأ ( الملاواة الهادئة ) من داخل الحكم ، ونطلق عليها جزافاً هنا ( الملاواة الإنسيابية ) كمياه الري التي تجري في قنوات وترع مشروع الجزيرة من خزان سنار عبر الترعة الرئيسية ( الميجركنال) بطريقة انسيابية وهادئة جداً
? وقد أتيحت عدة فرص لقوي الاحزاب الكبيرة للتفاهم مع الإنقاذ في زمان الشيخ الترابي ( مرشد المسألة كلها ) وقتذاك ، عندما ضاقت الدائرة علي الإنقاذ في حقبة التسعينات من القرن الماضي ، وقد واجهت فيه البلاد ضيقا إقتصادياً بعد تداعيات إحتلال العراق للكويت ولكنها تخطته بفضل إخلاص جماهير الحركة الإسلامية لها حين قدم شبابها وطلابها الغالي والنفيس في سنوات صيف العبور بجنوب السودان في ذلك الزمان ، وقد تفوقت فيه علي جيش الحركة الشعبية تماماً وأوقفت تمدده وأبعدته من كافة مدن الجنوب تقريباً لتعيش جيوش الحركة الشعبية في الاحراش فقط بينما كانت قيادات الحركة الشعببية تنعم برغد العيش في فنادق نيروبي وكمبالا واسمرا والقاهرة ، وأخيرا تفاوضت مع النظام وتحقق لها مرادها بلا حرب في نايفاشا .
? أما كيف اضاعت قوي الاحزاب أو قوي التجمع فرص تخفيف أو تقليل آثار سيطرة الحركة الإسلامية علي السلطة وعلي مقدرات المكونات الإقتصادية بعد تفجر الثروة النفطية ، فذاك حديث آخر لم يحسن فيه حتي شيخ الحركة الاسمية وحاديها التصرف ، فلم يصبر ، بل إتخاذ قراراته بالمفاصلة، مما أدخل الإنقاذ والبلاد في أنفاق اخري مستمرة حتي اللحظة .
? وكل ذلك سوف نتناوله في الحلقات القادمة إنشاء الله ،،،،
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مشكلة السودان الكبري أن ناسه الطيبين يعتبرون الطوائف الدينية المملوكة للأسرتين آل المهدي وآل الميرغني أحزاب في ذبح صريح لمعني كلمة حزب ؟؟؟

  2. طيب انتوا يالفاهمين بدل تشيلوا نعلات اسيادكم وتباروا مناخيرو ابو كلام المنظراتي مش كان احسن تعملوا ذي الكيزان وترتقوا بأحزابكم وتتجاوزوا المهدي ودلاليكه والميرغني وتنابلته وتتفوقوا علي الكيزان ،يادوبك ياشاطر عرفت الكلام ده ماكل الشعب عارف الكيزان بيعملوا في شنو ،هم بيجندوا كوادرهم من المرحلة الثانوية وانتم مبارين الطراطير ليخدعوا البسطاء بأمتار وهمية في الجنة واكل الفتة … يااااااوهم

  3. حقيقة ما حدث للشعب السوداني منذ 1989الي يومنا هذا هو ليس وليدة صدفه كما اسلفت في نقدك للتجربه الاسلامويه في السودان ولكن كثير من المعطيات ساهمت في ذالك .صدقني ان قلت لك سياتي ذالك اليوم الذي ننشده جميعا

  4. طيب انتوا يالفاهمين بدل تشيلوا نعلات اسيادكم وتباروا مناخيرو ابو كلام المنظراتي مش كان احسن تعملوا ذي الكيزان وترتقوا بأحزابكم وتتجاوزوا المهدي ودلاليكه والميرغني وتنابلته وتتفوقوا علي الكيزان ،يادوبك ياشاطر عرفت الكلام ده ماكل الشعب عارف الكيزان بيعملوا في شنو ،هم بيجندوا كوادرهم من المرحلة الثانوية وانتم مبارين الطراطير ليخدعوا البسطاء بأمتار وهمية في الجنة واكل الفتة … يااااااوهم

  5. حقيقة ما حدث للشعب السوداني منذ 1989الي يومنا هذا هو ليس وليدة صدفه كما اسلفت في نقدك للتجربه الاسلامويه في السودان ولكن كثير من المعطيات ساهمت في ذالك .صدقني ان قلت لك سياتي ذالك اليوم الذي ننشده جميعا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..