السودان الضائع بين اعمي البصيرة والمكسر!!!

بسم الله الرحمن الرحيم
السودان من الدول التي من الممكن أن نصفها بأنها ابتليت (بعقوق) ابنائها، واصبح دوله مصيرها في كف عفريت. ومن المؤسف أن هنالك احتمال كبير أن نكون نحن آخر الأجيال التي عاشت بدولة (كان) اسمها السودان!!!! الم نمر بتجربة (مصغرة ومريرة) في ذات الوقت في العام 2011م وانفصال جزء عزيز وأصيل أرضا وشعبا عن بقية الوطن، ولم نحرك ساكنا!!! كأنه أمر بسيط ويحدث كل يوم!!! لا حول ولا قوة الا بالله. لا أعرف كيف يشعر الآخرين، لكنني (أتمزق من دواخلي) كلما مر بخاطري هذا الحدث الجلل، أو سرحت بخيالي وتوقفت عند سيناريو آخر (ممكن حدوثه) وهو الاستمرار في التشظي واختفاء (أمة الأمجاد) من خارطة العالم.
يا ترى هل نحن شعب يحب وطنه ويعشقه كما ندعي؟ أم نحن شعب (فقد الانتماء) كما سمعت مؤخرا من ابناء هذا الوطن المقيمين بالخارج؟ وعذرهم أن السودان (وطن طارد)!!! يا ترى هو طارد لمن؟ للأجنبي؟ أم للمستثمر؟ أم للمواطن العادي؟ أم للمواطن ذو الطموحات؟ أم للمواطن (غير المنتمي) أصلا، و وطنيته (هشة)؟
يا ترى متي بدأ هذا الأمر ونحن أعرق شعوب العالم؟ نحن من هاجرت الينا كل القبائل والأجناس والأعراق من آسيا و افريقيا و أوروبا واستقرت بأرضنا دون بقية بقاع العالم وكونت القبائل السودانية الحالية. أي كنا منذ الاف السنين دولة جاذبة!! بل كان علماء العالم القديم يتجهون الينا لدراسة جغرافية وتاريخ وشعوب منطقتنا ذات التاريخ والارث العريق، والذي يقال أنه (أصل الخليقة والبشرية، 350 ألف سنة!!!).
السودان منذ استقلاله من (الحكم الثنائي) لم يجد من يحمل همه ويرتقي به، علما بأنه أول دولة افريقية نالت استقلالها. فهل كما يقول البعض أن الاستعمار استعجل في خروجه من السودان؟ انظروا حوالينا. كيف ترون كينيا ويوغندا وتنزانيا واثيوبيا وغربا انظروا الي الكاميرون وغانا ونيجيريا. لا أريد التحدث عن جنوب افريقيا ومصر، فهن قبل الاستقلال يسبقون السودان بعدة عقود علما وتقانة وتكنولوجيا.
أحزابنا، بعد الرعيل الأول، تحولت الي أحزاب (كسيحة) ولا حول لها ولا قوة، والأسباب متعددة (منها الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، والتآمر، الخيانة، الطمع، حب النفس، انعدام المبادئ، غياب الوطنية الحقة ..الخ). أما الحكومات التي تولت الحكم كفترات شمولية وتتخللها بعض فترات الديموقراطية، كلها دون استثناء كانت (كسيحة وعمياء البصيرة) بما في ذلك من ادعوا أنهم جاءوا لإنقاذنا قبل ربع قرن من الزمان، والنتيجة كما ترون!!!. صفر كبير وعلي الشمال (كمان)!! ليتها كلها كانت عمياء عضويا وفسيولجيا، فهذه مقدور عليها والطب موجود. لكن ماذا نفعل بعميان البصيرة؟؟؟ والمكسح نفسيا وتربويا ووطنيا.
هذا الوطن حباه الله بكل الخيرات زراعية ومواد معدنية وخامات متعددة نواة لكل الصناعات، وكل المناخات من بحر متوسط وغابات وبحار وصحارى، وكل أنواع التربة من نيلية وطينية متشقة ورملية، ونهر لا مثيل له في العالم، وأمطار تفوق كميات الماء المنهمر منها كميات ماء الأنهر المتعددة والخيران بمئات المرات، ومياه جوفية، وثروة حيوانية نحسد عليها كما ونوعا، وتنوع ثقافي يجعلنا أغني الدول ثقافة وتراثا، وعلم وعلماء صرف عليهم المواطن السوداني من دم قلبه وحصلوا على أرفع الدرجات العلمية. اتجهوا الي الدول التي وفرت لهم بيئة العمل وكريم العيش، وكان من الممكن بقائهم بوطنهم ان وجدوا القليل من الاحترام. خلقوا من تلك الدول دولا يشار اليها بالبنان، ونحن نستجدي منها الفتات حاليا بعد أن كنا نعد لنكون سلة غذاء العالم. جعلوا شعوب تلك الدول ترفل في رفاهية ونعم لم يجدها من قام بالصرف علي هؤلاء العلماء من الشعب السوداني الفضل. الخاسر الوحيد هو السودان الذي افقر بواسطة حكوماته المتتالية التي لم تستغل العلم الذي عاد به من صرف عليهم دافع الضرائب حتى يرتقي بالسودان وطنا ومواطنا، بدلا أن يصدرهم دون عائد أو بلا مقابل الي دول الجوار التي أصبحنا نعتمد عليها في كل شيء من الكساء حتى الطعام والأدوية والسيارات والحافلات ..الخ. بل أن غالبية خريجي الجامعات السودانية الآن من أطباء ومهندسين وصيادلة وبياطرة وزراعيين وحقوقيين ..الخ الذين صرف عليهم أباءهم كل ما يملكون وحرموا أنفسهم من الضروريات نجدهم يعدون أنفسهم للهجرة و اللاعودة . كأننا دولة مصدرة للعلم والعلماء والكوادر المدربة للدول المتقدمة التي تستطيع فتح مئات الجامعات ان ارادت ذلك. فلماذا تجهد نفسها وتبدد ميزانياتها والسودان يقوم بذلك بالإنابة عنها؟؟
ننظر كمثال لمشروع الجزيرة الذي قامت علي أكتافه كل ما جاء أعلاه، وتأسس عن طريقه اقتصاد دولة سميت جمهورية السودان. قمنا بتدميره بقانون لم يدرس دراسة كافية ورفض بواسطة العلماء والعاملين بالمشروع والمزارعين. فرض فرضا وبقوة السلطة وبضعف البرلمان والتآمر والمكايدة. والنتيجة أنه اختفى من خارطة الاقتصاد السوداني!!! بدلا عن القطن أصبح ينتج الكبكبى والعدسية!!! لماذا؟ لأن الشعب أصبح يعيش علي الطعمية والبليلة، والأخيرة بيلة للفول والعدس أكل المساكين والمساجين.
لماذا لا نكون أفضل من اليابان التي تستورد كل شيء وتنتج كل شيء وتصدره لكل العالم وبجودة لا تنافس. لماذا لم نصبح علي الأقل مثل كوريا الجنوبية التي كانت تعاني من الفقر والجوع عندما كنا ننعم نحن بكل الخيرات، واصبحت الآن من أقوي الدول اقتصاديا وعلميا واجتماعيا وسياسيا ، ومن أجملها معمارا ومدنا ومطارات و طرق وصناعات ..الخ. لماذا لا نكون مثل دولة قطر الصغيرة جدا وهي لا تتعدى مساحتها مساحة الخرطوم . قطر التي تنمو بمتوليات هندسية وتتجه نحو القمة بسرعة الصاروخ والسبب حب الوطن أولا والرغبة في خدمة الشعب والارتقاء به. لماذا لا نكون مثل أخوتنا بشمال الوادي الذين حين يرجعون لرض الكنانة أول ما يقومون به تقبيل ارضها.
نحن دولة لا برامج لها، ولا خارطة طريق. وان وجدت فهي حبر علي ورق، ولا يحاسب أحد نتيجة اخفاقه أو اعاقته للخطط والبرامج. أين الخطوط الجوية السودانية؟ اين الخطوط البحرية السودانية؟ أين سكك حديد السودان؟ أين النقل النهري؟ اين النقل الميكانيكي؟ بل أين جامعة الخرطوم، ناهيك عن ما تسمى جامعات ولائية؟ أين مستشفيات الخرطوم وبحري وام درمان ومدني وكوستي …الخ؟ أين خور طقت وحنتوب ووادي سيدنا وعطبرة وبورتسودان؟ بل أين بخت الرضا؟ أين الاستاذ الذي كان المثل الأعلى لكل فرد بالمدن والقري والفرقان؟
دمرنا وطننا وجلسنا علي تله. الكل يلوم الكل، ولا أحد يلوم نفسه!!! ماذا قدمنا للوطن، حتى نسأل ماذا أعطانا الوطن؟؟!!! اذن ما هو المخرج؟ المخارج كثيرة ان صفت النفوس ووضعنا الوطن في حدقات اعيننا، ولكم في ماليزيا وكوريا والفلبين واندونيسيا ودول الخليج الأسوة الحسنة.. الدول التي وصلت الي القمة اعتمدت علي العلم، والجدية وحب الوطن والشفافية. لا ينقصنا العلم، وهو متاح للجميع في عصرنا هذا. نحتاج للجدية وهي صفة تكتسب. نحتاج لحب الوطن، وهذا من المفترض أن يكون غريزة. هذا ما افتقدته كل الحكومات وبالأخص حكومات ربع القرن الأخير التي نادت بإنقاذ الوطن وانقاذنا. يا ترى ممن تريد انقاذنا؟ وضح أنهم يعنون انقاذ أنفسهم بعد فشلهم في الديموقراطية الثالثة. النتيجة: دمار وطن ومواطنين، ويرغبون في خمس أخر. مبروك عليكم وعلي من تآمر معكم وخان شعبه وانحاز للدنيا، والآخرة خير وأبقى ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وبأن الدين المعاملة، وبأنه يمهل ولا يهمل، وأن الساعة أتية لا ريب في ذلك وأن كل شاة معلقة من عرقوبها وأن الله خلقنا لنعبده ، لا لنستعبد عباده. أللهم نسالك اللطف (آمين).
ب/ نبيل حامد حسن بشير
جامعة الجزيرة