من بيئة الودك كتب (سال من شعرها الذهب)

إنه أبو آمنة حامد (رحمه لله) أو أبوذر السوداني، الذي ولد فقيراً وعاش فقيراً ومات فقيراً، بحساب لعاعات الدنيا ومتاعها ومادياتها، هذا الهدندوي الأديب الأريب اللبيب الفصيح متعدد المواهب، صاحب البديهة الحاضرة والنكتة الساخرة و(السبع صنايع والبخت الضايع)، الناصري العتيد والمعتق والد (جمال عبد الناصر حسين) وديوان (ناصريون نعم)، وضابط الشرطة الأسبق والصحفي السابق والأديب والشاعر في زمن ماضي وزمن جاي وزمن لسع، قد أدخلني بالأمس في حرج بالغ حين أتيت على ذكر عبارته الذائعة (يلا بلا لمة) دون أن أسترسل في سيرته الباذخة إحياء لذكراه، ولهذا أحاول اليوم أن أرفع عن نفسي شيئاً من هذا الحرج ولو بجهد المقل بذكر القليل جداً جداً من لطائفه وطرائفه وسخرياته اللاذعة وفلسفته في الحياة، فقد كان لا يهتم بالدنيا ولا يبالي بصروف الدهر ، ولهذا عاش في أواخر سنيه ظروفاً معيشية صعبة، فهو لم يكن يمكث طويلاً في أي وظيفة يتقلدها، ربما لطبيعته القلقة فتنقل من ضابط شرطة إلى صحفي وإعلامي وإداري، فقد كان زاهداً في الدنيا معرضاً عن عرضها ولو كان ثلاجة، حيث كان يرى في امتلاك ثلاجة في البيت من الرفاهية الغبية، وكان لا يشرب إلا من ماء الزير، وعلى ذلك قس مدى الزهد والإعراض عن الدنيا الذي كانت تقوم عليه فلسفته في الحياة، وأجد من الصعب جداً عليّ بل أكون كاذباً لو حاولت أن أوفي هذا المبدع حقه في هذه المساحة المحدودة، وعليه وحتى لا أقع في حرج آخر مجدداً، سامحوني لو عرضت عليكم فقط اثنتين أو ثلاث من لطائفه وطرفه وسخرياته اللاذعة…

معروف عن أديبنا المبدع الراحل أنه كان هلالابياً قحاً متيماً بحب الهلال، وكان يعبر عن عشقه هذا بمقالات غاية في الجزالة والإمتاع اللغوي، قيل أنه اكتشف مرة أن أحد أبنائه يشجع المريخ، فناداه وأمسك بيده حتى باب المنزل الخارجي وفتح الباب، وقال لابنه (أمشي لي شاخور أنا ما بربي لي مريخابي)، ومن سخرياته اللاذعة كان أن سرت شائعة في أوائل عهد الإنقاذ بموت أبو آمنة، وبناء على هذه المعلومة المغلوطة كتب الأستاذ الصحافي المخضرم موسى يعقوب معزياً الشعب السوداني في فقد الشاعر الكبير في إحدى الصحف، ولكن عندما ذهب الناس للعزاء فوجئوا به حياً يرزق، فقال لهم أبو آمنة (الجبهجية ديل مش يكتلوني قبل يومي، ديل بالطريقة دي حيكتلوا الشعب السوداني كله)، ومن طرائفه على عهد حكومة مايو قيل أنه بعد أن استمع لخطاب كان يلقيه الرئيس نميري بعد زيارة له للشرق، قال فيه (لقد هبت الآلاف من جماهير شعبنا في مدينة هيا لاستقبالي)، فقال أبو آمنة معلقاً (رئيسنا دا كضاب جنس كضب.. هيا دي بلدي ما فيها غيري أنا وأبوي ومحولجي القطر… تلاتة أنفار بقو شعب يا كضاب)؟!.. ألا رحمك لله أبا جمال وأحسن إليك…

التغيير

تعليق واحد

  1. أقتباس :-
    (الجبهجية ديل مش يكتلوني قبل يومي، ديل بالطريقة دي حيكتلوا الشعب السوداني كله)،
    ولقد صدقت نبؤة الشاعر الفذ أبوامنه حامد الا رحم الله ابوأمنه حامد وجعل البركه فى ذريته ان كانوا
    هلالاب أومريخاب .. والله ياكشفه لقد تفنقلت لغويا وامتعتنا اسلوبا كتابيا راقيا ولك جزيل الشكر على
    هذا المقال الرائع لاحد مبدعى بلادى الذين مضوا فى رحابه .. وامتعونوا شعرا وملحا وطرائف فى ذلك
    الزمن الجميل والذى نجتر ذكرياته كلما أشتدت علينا حمى فايروس الانقاذ .. الذى لم نجد له علاجا أو
    لقاحا حتى الان ..!!

  2. اصطحبني الصديق اللواء الدكتور محمود محمد قلندر مع الشاعر في سيارته. في السيارة سالت الشاعر أبو آمنة: اين منا قصائدك الجميلة (مثل سال من شعرها الذهب)؟ اجاب بسخريته المعهودة: يا محمد ياخوي زمان كان الواحد يقف في الناصية ولما يشوف بنت جميلة يخفق قلبه، وتتردد في أن تحدفق فيها. فاذا رفعت نظرها اليك تدفق شلال الشعر. أما اليوم فاذا قابلت واحدة وتجرأت وقلت ليها سلام، تقول ليك على طول: نمرة تلفونك كم. فمن اين يأتي الشعر؟
    رحمه الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..