أزمة أطباء السودان ومابعدها

أزمة أطباء السودان ومابعدها
د. عبدالوهاب الأفندي
[email protected]
(1)
في إحدى اللقاءات العامة التي شاركت فيها في العاصمة السودانية خلال شهر أبريل الماضي، ورد تعليق من أحد الحضور حول إضراب الأطباء الذي كان مثار جدل واسع وقتها، خاصة بعد أن بدا أن الإضراب نجخ جزئياً في تحقيق بعض مطالب الأطباء. وكانت نقطة المعلق هي أن الأطباء قدموا قضيتهم الذاتية على القضية العامة، وأن هذا دليل أزمة أكبر يعاني منها السودان..
(2)
كان ردي أن هذا توصيف خاطئ للقضية، لأن النقابات أصلاً وجدت للدفاع عن حقوق المنتمين إليها والدفاع عن مكتسباتهم. وليس هناك ما يعيب في أن تتولى جهة نقابية الدفاع عن حقوق أعضائها، بل هذا هو أصل الأشياء.
(3)
من جهة أخرى فإن هذا الاهتمام بالشأن الذاتي يصب في المصلحة العامة عبر أكثر من قناة. فمن جهة تمثل شبكة النقابات والمنظمات المطلبية عماد المجتمع المدني أحد أهم ركائز الرقابة الشعبية على السلطة. ومن جهة أخرى فإن نضال النقابات ضد الظلم الواقع على أعضائها يصب في إصلاح آليات الحكم حتى تكف عن الظلم، وقد تساهم في تغيير نظام الحكم كما حدث من قبل.
(4)
فيما يتعلق بقضية الأطباء خصوصاً فإن هناك عوامل إضافية، لأن مطالبهم في تحسين ظروف خدمتهم تنعكس مباشرة على الخدمات التي يقدمونها للمواطنين. فالتدريب الأفضل، وساعات العمل المعقولة، كلها لا بد أن تنعكس إيجاباً على الخدمات الصحية عموماً.
(5)
ردة فعل الحكومة تجاه مطالب الأطباء تميزت بالتخبط، حيث بدأت باستجابة سريعة لمطالبهم، أعقبتها حملة شرسة ضد ممثليهم. والجامع بين التوجهين هو الحرص على احتواء الأمر بأسرع طريقة ممكنة، لأن الحكومة تدرك أن المطالب النقابية قد تتحول إلى كعب أخيل النظام، وتصبح رأس رمح للمعارضة في ظل ضعف وعجز الكيانات السياسية عن المواجهة.
(6)
أزمة الحكومة مع الأطباء هي أيضاً رأس جبل جليد يخفي إشكالية كبرى نتجت عن إضعاف العمل النقابي واستخدام القمع كوسيلة لإجبار غالبية مواطني البلاد للعمل بما يشبه السخرة في القطاعين العام والخاص معاً. فلا يكاد يوجد مواطن سوداني يكسب أجراً يكفي لحاجاته الضرورية ومن يعول. ولكن المطالبة بأجر عادل من قبل أي طرف كانت ولا تزال تواجه بزجر عنيف من قبل السلطات.
(7)
في نفس الوقت فإن أهل الدثور من كبار اقطاب السلطة ورجال الأعمال اغتنوا غنى فاحشاً، وأصبح الفارق بين المواطن العادي من الطبقة المتوسطة المفترضة (تقليدياً المهنيين من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات، إلخ) أقرب إلى الفرق بين السماء والأرض. وهذا لا يعني فقط أن “فائض القيمة” بحسب التعبير الماركسي في السودان يكاد يكون الأكبر ربما باسثتناء الصين، وإنما أيضاً، كما في الحالة الصينية، فإن الدولة تمارس النهب المسلح لصالح الطبقات الموسرة بإجبار الفقراء على العمل بأجر لاي يغني من جوع.
(8)
كان من المنتظر بعد أن تدفق النفط وشهدت البلاد انفراجاً اقتصادياً محدوداً أن يعود التوازن إلى الأجور، ولكن الأزمة تعمقت في حق الطبقات الكادحة، لأن الأسعار شهدت ارتفاعاً جنونياً، كما بالغ المترفون في الإنفاق البذحي المستفز، بينما لم تتحرك الأجور في نفس الاتجاه.
(9)
لا يمكن عليه حل أزمة الأطباء بمعزل عن إصلاح سياسي اقتصادي شامل، يبدأ بترشيد الافتصاد ورفع يد الدولة عن جوانبه المختلفة. فالنظام يزعم منذ مطلع التسعينات أنه تبنى اقتصاد السوق، وهو يعني أن ترفع الدولة يدها عن علاقات السوق من انتاج واستهلاك، ويدخل في ذلك الأجور، حيث تسمح للنقابات بأن تتفاوض بمنطق السوق مع المخدمين. وعليه فإن حرية العمل النقابي لا تنفصل عن حرية السوق والتجارة.
(10)
بعض أنصار قضية الأطباء يرى في هبتهم المطالبة بحقوقهم الشرارة الأولى لانتفاضة مفترضة ضد النظام، وهو ما تخشاه الحكومة بالفعل، وما ضرح به السياسيون المؤيدون للأطباء. وهناك بالطبع شواهد سالفة على لعب الاطباء ونقابتهم أدواراً حاسمة في انتفاضات سابقة. ولكن هناك طريقان يمكن أن تأخذهما هذه الانتفاضة، أولهما أن تتجاوب الحكومة مع مطالب الأطباء وأن تجري بسرعة وفاعلية الأصلاحات المطلوبة، والثاني أن تقاوم الإصلاح فتتحول المسألة إلى صدام لا تعرف عواقبه.
(11)
إن من أهم وظائف الحكم هي بسط العدل بين الناس. وهذا يعني ألا تنحاز الحكومة إلى فئة ضد أخرى، في هذه الحالة الأغنياء ضد الفقراء.
الحكومة انحازت من زمان ، من يوم النقلاب المشئوم … كل المظاهرات السلمية ضربتها بالرصاص ، كل العمل السلمي قهرته ببيوت الأشباح ، الحكومة حكومة النهب و السرقة ، حكومة الظلم و الكذب و لكن لكل بداية نهاية و الصبح موعده قريب .
يا استاذ اذا انتظر الاطباء عشان يحصل حل اقتصادى شامل يكون بنتظروا فى السراب