بلاغات النساء.. في ذلك الزمن الجميل!!

*(العقول ثلاثة مستويات.. راقية تناقش الأفكار
ومتوسطة تناقش الأحداث وصغيرة تناقش الناس..).
.. امتلأت كتب التراث العربية قصصاً وحكايات عن النساء العربيات في القرون الهجرية الأولى، بما يرفع الرأس ونتفاخر بهنّ على الأمم الأخرى، نساء شاعرات، مصلحات، شجاعات، يواجهن المخاطر مثل الرجال أو أكثر، وكلما عدت إلى التاريخ القديم وقرأت تلك الكتب، فأرى أين منا اليوم من تلك الأيام، نساؤنا خانعات يفضلن البقاء في المنزل على مواجهة الحياة ولا يملكن الشجاعة لقول الحق ضد الباطل وكم هو الباطل كثير في حياتنا لا أبالغ إذا قلت إن أوضاع المرأة العربية وبالذات السودانية منهن سيئة جداً، وإن أقل الدول تقدماً أحسن منا ألف مرة في مجال المرأة وتداعياتها، في كتاب (بلاغات النساء) وهو مخطوطة قديمة حققت قبل نحو ربع قرن، ألتقط منه بعض الحكايا عن نساء ذلك الزمن الجميل.
ذكر الرياشي عن الأصمعي: خرجت في طلب الكلاء فانتهيت إلى ماء من مياه كلب (قبيلة من قبائل العرب) وإذا أعرابي على ذلك الماء ومعه كتاب منشور يقرؤه عليهم وجعل يتوعدهم فقالت له أمه وهي في خبائها (وكانت مقعدة كبراً)! ويلك، بني، دعني من أساطيرك لا تحمل عقوبك على من لم يحمل عليك، ولا تتطاول على من لا يتطاول عليك فإنك لا تدري ما تقربك إليه حوادث الدهر، ولعل في صيرك إلى هذا اليوم أن يصير غيرك إلى مثله غداً فينتقم منك أكثر مما انتقمت منه فاكفف عما أسمع منك ألم تسمع إلى قول الشاعر:
لا تعاد الفقير علك أن
تركع يوماً والدهر قد رفعه
قال أبان فقضيت العجب من كلامها وبلاغتها.
ومن بلاغة صفية بنت هشام المنقرية وقفت على قبر الأحنف بعد دفنه (وكانت بنت عمه) فقالت: لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن، إنا لله وإنا إليه راجعون، جعل الله سبل الخير سبيلك ودليل الرشد دليلك، أما والذي أسأله أن يفسح لك في مدخلك وأن يبارك لك في محشرك، والذي كنت من أجله في عدة ومن الكآبة في مدة ومن الأثرة إلى النهاية، ومن الضمار إلى غاية، لقد كنت صحيح الأديم منيع الحرم عظيم السلم فاضل الحلم واري الزناد رفيع العماد، وإن كنت لمسوداً وإلى الملوك لموفداً وفي المحافل شريفاً وعلى الأرامل عطوفاً، وكانت الملوك لقولك مستمعين ولرأيك متبعين ولقد عشت حميداً ودوداً ومت شهيداً فقيراً، ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت عباد الله أن أولياء الله في بلاده شهود على عباده وإنا لقائلون حقاً ومثنون صدقاً، وهو أهل لطيب الثناء فعليه رحمة الله وبركاته وما مثله من الناس إلا كما قال الشاعر في قيس بن عاصم:
عليك سلام الله يا قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
سلام امرئ أودعته منك نعمة
إذا زار عن شحط بلادك سالماً
قال الراوي: قال فتعجب الناس من كلامها وقال فصحاؤهم: تالله ما رأينا كاليوم قط ولا سمعنا أفصح ولا أبلغ من هذه، فقال: بعث إليها مصعب بن الزبير (أمير الكوفة) فخطبها إلى نفسه فأبت عليه، فما زال يتعاهدها ببره حتى قتل وعن الأصمعي عن أبان بن تغلب قال أتيت المقابر فإذا أنا بصبية قد كادت تخفي بين قبرين لطافة، وإذا بها تنظر بعين جؤذر فبينما هي كذلك إذ بدت لها كفان كأنهما لسان طائر بأطراف كأنها المداري وخضاب كأنه عنم ثم هبت الريح فرفعت عن برقعها فإذا بيضة نعام تحت ام رئال ثم قالت اللهم إنك لم تزل قبل كل شيء وأنت بعد كل شيء، وقد خلقت والدي قبلي وخلقتني بعدهما إذ شئت اللهم فكن لي منهما مؤنساً وكن لي بعدهما حافظاً، قال فقلت يا صبية أعيدي لفظك فلم تسمع ومرت في كلامها ثم أعدت عليها فنظرت ثم قالت يا شيخ الله والله ما أنا لك بمحرم فتحادثني محادثة أهلك أهلك أولى بك قال فاستخفيت بين القبور مستحياً.
وقال الأصمعي عن أبان بن تغلب قال سمعت امرأة توصي ابناً لها وأراد السفر فقالت: أي بني أوصيك بتقوى الله فإن قليله أجدى عليك من كثير عقلك، وإياك والنمائم فإنها تورث الضغائن وتفرق بين المحبين ومثل لنفسك مثال ما تستحسن لغيرك ثم اتخذه إماماً وما تستقبح من غيرك فاجتنبه، وإياك والتعرض للعيوب فتصير نفسك غرضاً وخليق ألا يلبث الغرض على كثرة السهام، وإياك والبخل بمالك والجود بدينك، فقالت أعرابية معها أسألك ألا زدته يا فلانة في وصيتك، قالت: أي والله والعذر أقبح ما يعامل به الإخوان وكفى بالوفاء جامعاً لما تشتت من الإخاء ومن جمع الحلم والسخاء فقد استجاد الحلة والفجور أقبح حلة وأبقى عاراً.
وقال الأصمعي عن إبان بن تغلب أيضاً قال أضللت، إبلاً لي فأنا في طلبها فقالت ادلك على من علّمها عنده قلت إذاً تستوجبي الأجر وتكتسبي الحمد والشكر، فقالت سل الذي أعطاكهن فهو الذي أخذهن منك من طريق اليقين لا عن طريق الاختبار فإنه إن شاء فعل، قال فأعجبني ما رأيت من عقلها وسمعت من فصاحتها فقلت لها ألك بعل؟ فقالت كان ونعم البعل كان فدعى إلى ماله خلق فأجاب فقلت لها فهل لك في بعل لا تدم خلائقه ولا تخاف بوائقه؟ قال فأطرقت طويلاً ثم قالت:
كنا كغصنين في ساق غذاؤهما
ماء الجداول في روضات جنات
فاجتث خيرهما من أصل صاحبه
دهر يكر بفرحات وترحات
وقد عاهدني إن خانني زمن
أن لا يضاجع أنثى بعد مثواتي
وكنت عاهدته أيضاً فعاجله
ريب المنون قريباً منذ سينات
فاصرف عتابك عمن ليس يردعها
عن الوفاء خلاب بالتحيات
وفي قصة أخرى للأصمعي أن أعرابياً طلق امرأته وكانت من بني عامر فقالت له إنك ما علمت لضيق الفناء صغير الإناء قبيح الثناء قال وأنت والله ما علمت إن كنت لواهية العقد قليلة الرفد مجانية الرشد. قالت وأنت والله إن كنت لصارع السيف في البلاء ضائع الضيف في الكلاء منتهجاً للؤم في الملأ، قال وأنت والله لطويلة اللسان مؤذية للجيران عارية المكان، قالت: وأنت والله إن كنت للئيم الصحوة فاحش العدوة بين الكبوة فاتر النزوة، قال لا تفحشي فأفحش ولا تسفلي فأسفل قالت: ما أبقينا أكثر من هذا. قال اسكتي فلا أنطق (فهل أجمل لغوياً من هذا الشجار؟!)
ومن حكاية أخرى أن امرأة كتبت لأبيها وكان قد زوجها غصباً عنها وبغير مشورتها قالت:
أيا أبتا عنيتني وابتليتني
وصيرت نفسي في يدي من يهينها
أيا أبتا لولا التحرج قد دعا
عليك مجاباً دعوة يستدينها
قال المدائني:
لما زفت ابنة عبد الله بن جعفر (وكانت هاشمية جليلة) إلى الحجاج بن يوسف ونظر إليها تلك وعبرتها (دموعها) تجول في خديها فقال لها بأبي أنت وأمي تممَ تبكين قالت: من شرف اتضع ومن ضعة شرفت.
وقال المدائني قال الحجاج لابنة عبد الله إن أمير المؤمنين عبد الملك كتب إلى بطلاقك فقالت هو والله أبر بي ممن زوجنيك.
هكذا كن جريئات ويدافعن عن حقهن بالحجة ضد الحجة، وكانت لغتهن العربية تساعدهن على الحوار والمناقشة والمناكفة أيضاً، وشجاعات في المواجهة لا يسكتن عن ضيم، وكن بالفطرة والحياة متساويات مع الرجال، شاعرات، ومحكيات وجميلات لا يسمحن لأحد في استغلالهن لا من أزواجهن ولا من بقية الرجال، محترمات، مهيبات، والقصيدة بالقصيدة، والكلمة بالكلمة، أو بالأحرى: العين بالعين والسن بالسن، فحافظن على كبريائهن مثلهن مثل الرجال.. وجهاً لوجه ودفاعاً عن حقوقهن ما تعجز عنه الآن نساء الحاضر في العالم العربي المتراجع إلى الوراء إلى حد الموات، والمرأة المعاصرة تساعد الرجل في ذلك كأننا نتآمر على أنفسنا ونسعي إلى مقتلنا بأيدينا.
[email][email protected][/email]
تزوج الحجاج من امرأة
اسمها هند رغما عنها وعن ابيها
وذات مرة
وبعد مرور سنة
كان الحجاج يريد رؤية زوجته وهي حامل خلسةً ليداعبها فوقف وراء باب حجرتها وكانت امام المرآه فسمعها تضرب على بطنها بلطف وتُنشد لجنينها قائله
:
وما هند إلا مهرة عربية .. سلسلة فرسان تحللها بغل
فإن انجبت مهرا فلة دره .. وان انجبت بغلا فمن ذلك البغل
وقيل انها قالت :
لله دري مهرة عربية … عُمِيت بليل إذ تفخذها بغلُ
فان ولدت مهراً فلله درها … وان ولدت بغلا فقد جاد به البغل
فلما سمعها الحجاج فغضب فذهب
الى احد أتباعه وقال له اذهب اليها وبلغها اني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعت لسانك
وأعطها هذة العشرين الف دينار فذهب اليها الخادم
فقال:كنتي فبنتي كنتي يعني كنتي زوجتة فبنتي يعني اصبحتي طليقتة
ولكنها كانت افصح من
الخادم فقالت
كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا
وقالت خذ هذه العشرين الف دينار لك بالبشرى التي جئت بها اليّ
وقيل انها بعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ احد علي خطبتها وهي
لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج
فاغرت بعض الشعراء بالمال
فامتدحوها وامتدحوا جمالها عند عبد الملك بن مروان
فاعجب بها وطلب الزواج منها فلما خطبها وافقت وبعثت الية برسالة تقول:
أوافق بشرط ان يسوق البغل أو الجمل من مكاني هذا
إليك في بغداد الحجاج نفسه فوافق الخليفة فأمر الحجاج بذلك
فبينما الحجاج يسوق الراحلة اذا بها توقع من يدها ديناراً متعمده لذلك فقالت للحجا
يا غلام لقد وقع مني درهماُ فأعطنيه
فأخذه الحجاج فقال لها انه ديناراً وليس درهماً
فنظرت إلية وقالت: الحمد لله الذي ابدلني بدل الدرهم
دينارا فهمها الحجاج واسرها في
نفسه اي انها تزوجت خيرا منه
وعند وصولهم تأخر الحجاج
في الاسطبل والناس يتجهزون
للوليمه فارسل اليه الخليفه ليطلب حضوره فرد عليه نحن قوما لانأكل فضلات بعضنا
أو انه قال: ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال
وقيل :
جلس الحجاج امام السفرة لكنه لم ياكل شيء من شدة الغضب.
فرآه عبد الملك ابن مروان فقال له:”مالك يا حجاج لا تاكل؟”
فاجابه:
“اذا وقع الذباب على طعام * رفعت يدي و نفسي تشتهيه
و تجتنب الاسود ورود ماء * اذا كان الكلاب ولغن فيه”
فهم الخليفه وامر أن تدخل زوجته باحد القصور ولم
يقربها الا انه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر
فعلمت هي بسبب عدم دخوله عليها
فاحتالت لذلك وامرت الجواري أن يخبروها بقدومه
وارسلت اليه انها بحاجه له في أمر ما
فتعمدت قطع عقد اللؤلؤ
وعند دخوله رفعت ثوبها لتجمع فيه اللآليء وانكشف سترها
فلما رآها عبد الملك…أثارته روعتها وحسن جمالها
وتندم لعدم دخوله بها لكلمة قالها الحجاج
فقالت: وهي تنظم حبات اللؤلؤ…. سبحان الله
فقال: عبد الملك مستفهما لم تسبحين الله ؟
فقالت: أن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك
قال: نعم
قالت: ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر
فقال : متهللا .نعم
والله .. صدقتي قبح الله من لامني فيك
فغلب كيدها كيد الحجاج
تأملوا كيد النساء في الماضي وفصاحتهن
مع مودتي يا دكتور
ما دجن النساء الا الاديان وكهنتها ان كنت تسأل !
ما يقصد هذه الجملة
. أَيَا أَبَتَا لَوْلَا التَّحَرُجُ قَدْ دَعَا *** عَلَيْـــكَ مُجَـــابًــــا دَعْـوَةً يَسْتَدِينُهَا
اريد تفسيرا لهذا بيت الشعر