بين السياسة والثقافة

*(لا أعترف بوجود مبدع حقيقي غير
مسيس، المبدع سياسي بالضرورة..).
– توني موريسون-
روائية أمريكية حائزة على نوب
.. كان الفيلسوف الكبير (أفلاطون) يدعو إلي أن تتولى فئة الفلاسفة قيادة المجتمع وإدارة أمور الدولة.. إلي هذا القدر من الاحترام ذهب أفلاطون في تقدير الثقافة والفلسفة. والثقافة مهما تعددت تعاريفها فهي، في نهاية المطاف، إدراك الفرد لأهمية الذوق، واحترام إنسانية الآخرين، والتذكر الدائم بأننا جزء من ناموس شامل كبير يشكل البشر بعض جزيئاته. وان هذا الناموس يسير وفق نظام لم ينجل لنا إلاَ القليل القليل من غوامضه. والثقافة، بهذا المعنى، ترشدنا إلي بعض من أسباب السعادة في رحلة العمر. وكان ماو تسي تونغ: يقول لا تغيير ولا إصلاح إلاً بالثقافة.
وإنني لأعجب عجباً بالغاً ممن يدعون إلي فصل السياسة عن الثقافة، فأين هو السياسي الذي خلَد في التاريخ، وكسب احترام شعبه، ونجح في الحكم، إذا تجرد من الثقافة؟
وما تبعثه الثقافة في النفس من رقة وشفافية، وما تستثيره من مضاء وصلابة في العزيمة والإرادة أيضاً، ومن استخفاف بالبقاء، إذا تصادم البقاء مع الكبرياء أو تحدت الأثرة الإيثار. فالسياسي غير المثقف طاغية متجبر، أو فرعون متسلط على المقادير بالقوة، مجرد من الرحمة والتعاطف مع الآخرين. والسياسي غير المثقف، في أحسن أحواله، كائن يدور حول ذاته كالببغاء، ولذلك لا يستطيع أحد أن يتحدث عن أثر إيجابي لسياسيين من طراز عيدي أمين وسياد بري وموبوتو، وجعفر نميري، بن علي والقزافي، وحسني مبارك، وأضرابهم، ممن حكموا إفريقيا، وانقلبوا فيها إلي رؤساء وقادة ثم اختفوا يلاحقهم الازدراء والمقت.
كان لينين صديقاً حميماً لعباقرة الثقافة الوطنية في روسيا، يقضي أحسن أوقاته معهم، ويتابع كتابات مكسيم غوركي بشغف، ويتعلم منها، وينقدها. ولأنه نشأ في بيت فكر وأسرة معروفة بحب الثقافة فقد صرخ ذات مرة مستنكراً دعوة رفاقه في القيادة حين اقترحوا عليه إغلاق مسرح البولشوي الشهير في موسكو لأنه (أحد معاقل البرجوازية الروسية). وقال لهم: كيف نغلق البولشوي؟؟ واجبنا أن نشرع أبوابه لأوسع الجماهير، وللعمال، والفلاحين على أرق مسرحيات عروض الأوبرا والباليه، وان يتوقف احتكار أثريا المجتمع ومتخميه لهذا البيت الفني الرفيع… وفي رسالة من لينين إلي رفاقه في القيادة، قبل وفاته، أوصى بعدم تعيين ستالين أميناً عاماً للحزب لأنه رجل يحمل قلباً لا يعرف الرحمة والعاطفة. ومازلت أذكر حتى اليوم كلمات على يافطة معدنية تتصدر مدخل أحد أهم سدود روسيا يعُرَف فيها لينين، الاشتراكي الحقيقي بأنه ذلك الرجل القادر على الابتسام وسط أحلك الظروف.
ولم يكسر الجنرال ديغول جدران انطوائه وعزلته عن العامة إلا مع صديقه الحميم، أديب فرنسا الكبير، اندريه مالرو. ووزير الثقافة الفرنسي فيما بعد. فالثقافة تشحذ الخيال، وتلهم أعظم الأفكار، وترد التوازن إلي الروح، وتضبط النفس من أن تهوى وتنحرف. وهي أيضاً تنظم أفكار رجل الدولة فلا يصدر عنه من الكلام إلا الجدي الرزين الممتزج بعناء التفكير والتأمل والمعاناة. ولذلك كان أفلاطون يقول: من يسيطر على كلماته يستطيع السيطرة على الناس.
الثقافة تغير السياسي، وتحوله إلي رجل دولة، وصاحب رسالة، وتميزه عن أولئك الجائعين إلي الحكم والنفوذ والتسلط. وينقلب السياسي بالثقافة إلي منارة ساطعة مشعة للفضائل والنور. فبالثقافة الإنسانية الأصيلة، صمد سلفادور الليندي إلي أن مات وهو يدافع عن المبادئ، وعن الناس الطيبين من فقراء بلده تشيلي، وقضى، وأبى أن يكون إمعة للمخابرات الأجنبية……، ولا أزل اذكر حتى اليوم ذلك الشاب النحيل الذي التقيته في الأردن، أثناء أزمة حرب الخليج قبل سنوات، بعد أن ترك رئاسة نيكاراجوا طائعاً مقتنعاً بأن القدرة على قيادة الناس ليست وقفاً على أحد، وأن احترام إرادة الشعب فضيلة تختلط فيها الثقافة والسياسة، فتصبحان كلمتين لمعنى واحد .
ما تزال حتى اليوم تهزني تلك الأبيات الشعرية اللطيفة للرئيس دانيال أورتيغا التي نشرتها مجلة التايمز قبل بضعة سنوات، ويقول فيها:( إن بنات نيكاراجوا عاتبات عليَّ لأنني لا أحسن الابتسام أمامهن. ومعهن الحق في ذلك ، فلقد أضعت سنوات تعلم الحب والهوى في غرف السجون… فهل يقبلن عذري هذا…).
هذه كتابة ممتازة وفكر ممتاز.قبل اسابيع اعترضني متمحكون قال احدهم ان مشكلة بلادنا هي المثقفين وانه يريد حكاما لاينتمون لفئة المثقفين .قلت له هنيالك.عندك حكام بنلك المواصفات منذ اكثر من عشرين عاما فماذا نابك منهم سوى الفشل ولحس العسل.بس
المقفين لهم آفاتهم الخاصة مثل التردد الشديج امام الخيارات المحتلفة واللجوء الى
المعاضلات اللفظيةبدلا من الآكشن.ومع ذلك اجدهم جديرين بتحيتك اللطيفة
هذه كتابة ممتازة وفكر ممتاز.قبل اسابيع اعترضني متمحكون قال احدهم ان مشكلة بلادنا هي المثقفين وانه يريد حكاما لاينتمون لفئة المثقفين .قلت له هنيالك.عندك حكام بنلك المواصفات منذ اكثر من عشرين عاما فماذا نابك منهم سوى الفشل ولحس العسل.بس
المقفين لهم آفاتهم الخاصة مثل التردد الشديج امام الخيارات المحتلفة واللجوء الى
المعاضلات اللفظيةبدلا من الآكشن.ومع ذلك اجدهم جديرين بتحيتك اللطيفة