أن تتحدّث عنها!!

*(عندما ننظر إلى الحياة بتفاؤل فإن
أكثر أيامنا تعاسة يمكن لنا أستيعابها بسهولة..).
– نيل ماكسويل –
.. يكفي أنّك على قيد الحياة والحب والكتابة والكلام، إنّ مجرّد وجودك هو في حدّ ذاته معجزة.
ألا تتذكّر نفسك أيها الإنسان حين كنت حيوانا ًمنوياً يسابق عشرات الملايين من زملائه في سبيل الوصول إلى بويضة التلقيح… ثمّ فزت عليهم جميعاً بعد أن تركت ذيلك في الخارج كما يؤكّد الأطبّاء والمخبريون.
لمَ التفكّر والتساؤل في الأمر إذاً… ثمّ التشكيك في المعجزات…؟!.
المعجزة في اشتقاقها اللغوي تأتي من العجز على الإثبات والإدراك، وهي التسليم بقوّة خارقة جعلت حواسك تعلن الهزيمة وتعاني الإرباك، سمّاها الناطقون باللغات اللاتينيّة miracle ليثبت قدرته على العجز وعدم التصديق. آمن بها كلّ الذين يؤمنون بمحدودية العقل البشري… وانتظرها كل الذين ينتظرون المفاجآت والنهايات السعيدة حتى في أفلام (الأكشن).
قال الربّ لكليمه موسى (ألق بعصاك)… فإذا هي حيّة تسعى بعد أن كان يتوكّأ عليها ويهشّ بها على غنمه… وله فيها مآرب أخرى. عالج السيّد المسيح الأمراض المستعصية وحوّل الماء إلى نبيذ في (قانا)… وجعل الطعام يكفي نفراً غير قليل من أصحابه…. هزّ العرب المسلمون عروش الأباطرة ودخلوا قصور الأكاسرة بعد أن كانوا يخندقون على أنفسهم خوفاً من القوى العظمى.. حرّر غاندي بلاده من الانجليز بمسيرة سلميّة، اندهش لها التاريخ وجعلت الهند أكبر ديمقراطيّة في العالم… بعد أن كانت تمشي حافيةً فوق أشواك الظلم.
إنها المعجزة التي تخلقها السماء، تشاؤها الأقدار ويندهش بها بنو البشر.
الإيمان بالمعجزة هو الأمل في الخلاص والتعلّق بقشّة اسمها «الإصرار» على كلّ ما هو خيّر ونبيل وهازم للأشرار وأعداء الحياة..
سمّاها الراحل سعد الله ونّوس بـ (نحن محكومون بالأمل)… وعبّر عنها فنّانو عصر النهضة باليد الإلهيّة التي تمتدّ للإنسان في قبّة الفاتيكان… المعجزة هي أن تقول لنفسك كل صباح: (عمت صباحاً…وسبحان الذي أيقظني من بين الأموات)…. بعد أن عشت (بروفة) موت قصيرة.
أقسم أحد شعراء الجاهليّة على الانتقام من أعدائه بقتل مئة منهم، مات ولم يصب غير تسعة وتسعين، جاء أحد خصومه ليشمت بهذا الحنف… فأصابه عظم من عظام الشاعر فأرداه قتيلا… ليتمّ الرقم 100…! كذلك ننتظر المعجزة أو نصنعها في خيالنا إن هي تأخّرت عن موعدها ونكثت بالعهد.
لكنّ السماء لا تتخلّى عن دعاتها ومبتهليها، لا تبخل على من طلبوا الاستسقاء… من الذين عزموا ثمّ توكّلوا.
أعتقد بأنّ المعجزة ليست أمراً دينيّاً صرفاً ولا دنيويّاً صرفاً، إنّها المزج بين الإرادة والإيمان والهبة التي يقدّمها الخالق للذين لم يشكّكوا في معجزاته…. لأنّ السماء لا تمطر ذهباً، ولا تستقبل إلاّ الأدعية..
قيل إنّ أحد الأئمّة النبهاء قد مرّ من جانب امرأة تبكي بعيرها الوحيد المصاب بمرض جلديّ وتدعو الله كي يشفيه، نظر إليها وقال:(أيتها المرأة،أضيفي إلى دعائك شيئاً من القطران)… في إشارة إلى الدواء المناسب في ذلك الوقت..
المعجزة حجّة الخالق على العطاء وبهجة المخلوق حين تعجز كلّ حواسه..
[email][email protected][/email]