وطن مشلول لا يحترم مبدعيه..هاشم صديق …يا حنايا الشعر وبلسم الوطن

ندى حليم

ثم كم أن التصالح بمعناه العريض عبر عنه شاعرنا في تلك الليلة عندما حكى تجاربه مع عظماء الغناء السوداني ومعتلي عرش الأغنية الأصيلة ( محمد الأمين و أبوعركي البخيت ) موضحاً بمنتهى الشفافية أن شعره ملك أيديهم بلا مقابل مدى الحياة وأن ما حدث في الماضي من خلافات بشأن الملكية الفكرية لا وجود لرواسبه الآن في نفسه ، انني وبتواضع جم أرى أن ما أثار الخلاف بين أولئك المبدعين قديماً لأمر يستحق ذلك ، لأنه وببساطة يتعلق بالحقوق الأساسية. لماذا نعتبر التصميم المعماري ملكاً للمهندس المعين ولا يمكن التصرف فيه الا بإذنه وبالأجر الذي يريده ؟ ولماذا يأخذ العامل أجره كاملاً بعد انتاج مايلزم من مواد معينة ؟ ولماذا ندخل على الطبيب كي يحل مشكلاتنا بعد أن ندفع مبلغاً وقدره من المال دون أي جدال بل وبرضى تام ؟ نفعل كل ذلك ولا نعطي الشاعر حقه عندما ينتج منتوجاً ذهنياً عاطفياً نستفيد منه على مر التاريخ بل ويشكل هويتنا وحضارتنا ومعالم مجتمعنا الأساسية ؟ لماذا نعتبر الفن والابداع شيئاً لا قيمة له عندما يتوجب علينا تقييمه مادياً ؟ ونعتبره أعز ما نملك عندما نحتاجه كي يعبر عن هويتنا الذاتية والجمعية ؟ آن للحقوق الفكرية نهضتها وبسرعة ، الوطن الذي لايحترم مبدعيه وطن مشلول ومهزوم ، وما هكذا عهدنا السودان ، انه مفجر الثورات وقاهر الدكتاتوريات . شكراً شاعرنا هاشم صديق على اثارتك قضية الملكية الفكرية في أعوام خلت كان فيها الكل يصُم آذانه مناشداً راحة البال أو غير واعٍ بأهمية القضية . ولهؤلاء المغنين العظام جُل التقدير والاحترام انهم واحة في هجير زماننا ، نناشدكم نحن مجموعة محبيكم ( وان سمحوا لي بالحديث نيابة عنهم ) ، ( نناشدكم بقبول التصالح الجميل الذي صرح به شاعركم الذي اخترتموه قبلنا ، وشكلتم بكلماته خريطة وجدان شعب كامل ، (أبوعركي البخيت وود اللمين هامات تعلو ما حيينا ) ، نريدها كما قال هاشم صديق متجاوزة للخصومة الذاتية لصالح الجماهير المحبة ، ( أضحكوا بيرجع الحب لي زمنا).
يواصل حديثه ذا الفصول الأربعة ، هذه المرة كان صيفاً ساخناً ، اذ أنه لامس واقع المرأة في ثقافتنا (الآفرو- عربية ) ، قالها شاعرنا بكل فخر وشجاعة . ان طالبات في الجامعة توصلن قبله لنتيجة أن (الصداقة أحلى من الحب ) ، موضحاً أنه لم يعِ تلك الحقيقة الا بعد سنوات وتجارب عتيقة في حياته ، واكتشف رأيهن هذا بعد أن ألقى أشعاره في منتدى طلابي بمدينة الخرطوم واختتم بقصيدة ( حاجة فيك ) التي كانت مناسبتها صديقة عزيزة على نفسه ، غناها الراحل المقيم أبداً ( مصطفى سيد أحمد ) وتشربت في مسام الكل الأعظم من أهل السودان الحبيب . تفرد هاشم عند سرد مكنوناته تجاه المرأة ، تحدث عن حميمية التواصل الانساني دونما تركيز على تقليدية الاحساس بكونها أنثى ، أبدع في توضيح معالم أخرى يجهلها الغالبية عند التعامل مع النساء ، الا وهي الجوانب الفكرية ، جوانب الحضور الشخصي بغض النظر عن المظهر العام وتفاصيل الوجه ومنحنيات الجسد . ( حاجة فيك لا بتبتدي .. لا بتنتهي ، خلتني أرجع للقلم وأتحدى بالحرف الألم .. وأضحك مع الزمن العريض وأنسف متاريس الطريق .. وأعرف متين أبقى المطر .. وأفهم متين أصبح حريق .. حاجة فيك) ، هاهو يعبر عن المرأة وهو من جنس الرجال ، وهنا يكمن السر العتيق ، هنا يكمن مبدأ الابداع في القدرة على التعبير عن الآخرين ، أنه اقتنع في مرحلة ما في حياته برؤية مغايرة لوضعية النساء في مجتمعه كما قال في حديثه الينا ، وتبنى تلك الرؤية وجسدها في واقعه وعبر عنها بشعره ، ونالت اعجاب وقناعة العديد من النساء والفتيات بل تطابقت مع فكرهن الذي كان مغموراً لا يستطعن التعبير عنه .

كم هو جميل ذلك الكائن الشاعري ، يستطيع أن يكون في حالة حراك وجداني مستمر دون ملل من طول المسافة أو ارهاق من عوارض الطريق ، عصب النوى وقود احتراقه ورذاذ الورود نتاج الاشتعال ومر الاحتمال . يا الهي أنعم علينا بمزيد من الشعراء والمبدعين، وطولاً من العمر وصحة وعافيه لـ ( هاشم صديق )

ندى حليم
صحيفة الراية القطرية
كاتبة واخصائية نفسية
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الخلاف المر ، خسارة للفنان( الشاعر والمغني )، كما هو خسارة كبيرة لساحات الابداع في الوطن ، وبذلك خسارة أكبر لهذا الوطن الذي تتجاذبه خلافات الساسة … كانت الامنيات أن لا تصل لأهل االفن الذين تتشظي ذواتهم في لهيب الابداع والفكر المتقد… أتركوا الخلاف لأهل الخواء الفكري ، عودوا وجملوا ساحات الوطن ولكم دوام العافية والمعافاة….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..