محجوب عثمان يتذكر الوسيلة: من اي غاب جاء هذا الليل؟

بعد خروجي من سجن الابيض (1978) كان “الوسيلة” احد ثلاث اصدقاء (بعد افراد اسرتي) جاء لزيارتي وكانت هي تلك المرة الاولي التي فيها نلتقي منذ ثمانية اعوام، لان تواجدي سفيراً للسودان في يوغندا قد حجب عني الاعتقال وربما الموت بعد الهزيمة الشوهاء التي منيت بها حركة 19 يوليو 1971، واغتيل علي اثرها قادتها الشهداء الابطال البواسل.. لاحظت ان “الوسيلة” كان يردد في ذلك اللقاء:
“من اي غاب جاء هذا الليل
من اي الكهوف؟
من اي وجر للذئاب”
ظل “الوسيلة” يردد هذه الابيات وهو في حالة شرود او ذهول. حين كثر تردد الابيات علي لسانه ماذا تعني بهذه الابيات ولمن هي ؟ رد “الوسيلة” هي للشاعر العراقي بدر شاكر السياب، وهي في نظري من ابلغ ما عبر عنه الظلام الذي ساد عنه السودان ومايزال بعد ان انتشر سواده ليلة 22 يوليو 1971. الن السفاح الذي اقدم علي اغتيال عبدالخالق محجوب ليس سوي رجل عصبي الي حد الجنون، شرير الي اقصي حدود الشر، تسيطر عليه روح انتقام جنونية، كله اذان للاصغاء الي كل صنوف الكذب او الوشاية، حاقد لايمنعه شئ عن احقر المكائد، وجدها سانحة لاتتكر كي يواصل الارتفاع علي دماء الشيوعيين ظناً منه انها سترفع مركزه بعد القضاء عليهم او انها سترفع من نفوذه وقوته سفاح دجال ومجنون سخيف وهمجي، لكن المسئولية هي مسئولية من جاء برجل مغمور مثله لا اثر له في المجال السياسي، مصاب بجنون العظمي تحيط به رغبة جامحة في الحكم بالقوة وبالانتقام.
القصيدة:
الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة… مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون “”ميدوزا””، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل “”بابل”” بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
“”قابيل”” أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.
ـــــــــــــــــــــــــــ
*من وقائع الجلسة التاسعة لتوثيق مذكرات المناضل والقائد الشيوعي والصحفي الراحل محجوب عثمان.
من وثائق شعبة التوثيق / هيئة المبدعين الشيوعيين.