الفاتح سعد: يا حليف الود

شق عليّ وعلى الجيل رحيل الفاتح سعد الفنان التشكيلي والأستاذ بالجامعة الأهلية سابقاً. وكنت عرفته في نحو 1969-1970 في رحاب أبادماك، تجمع الكتاب والفنانين التقدميين. وسرعان ما صار عضوا بسكرتارية التجمع من فرط حيويته وإخلاصه.

انعقد عند الفاتح حلف من السجايا الأكابر. كان على الفطرة برئياً من الغرض عينه مليانة. لم يطرق باب العمل العام من وراء مأرب. وكان يقبل على أداء ما يليه من واجبات بدقة وحذاقة وبرحابة. فبعد سنوات من تفرق اباداماك جاءني بملف وثائقه حرص عليها في زمان لئيم من حرائق الأوراق. فأودعناه دار الوثائق للتاريخ. وكان سخياً. فتح بيته العامر بظهر مسجد بحري العتيق لنا فكان بمثابة دارنا. وكانت سيارته الفولكسواجن اللبنية تحت الخدمة. وأطعمتنا والدته شهي الطعام. واذكر وأنا قيد التخفي من الأمن أن جاءني بطبيب للكشف علىّ في ديوانه ليشفي سقمي.

جاء للفنون التشكيلية من دكانة الصاغة التي كانت لوالده حاج سعد من عمّار مريوماب حلة حمد. وتخرج في كلية الفنون نحو 1969. وأشرف على معارض أبادماك في المدينة الثقافية (1969) وخلال قافلتنا في ريف الجزيرة في أغسطس 1969. وكان لا يستنكف العمل اليدوي ويتقنه.

ثم سافر إلى الدنمارك في السبعينات والتحق بأكاديمية للفنون بها ليصقل ملكته في التشكيل. وعاد بخبرة معمارية اتصل بها بجامعة أم درمان الأهلية. وكان من وراء تقنيات بابها الأمدرماني العتيق الذي اتخذته رمزاً. ولم يقف عند هذا بل وجد في مناخ الجامعة الدسم بالعمل الطوعي ضالته فخدم في صلاحيات إنشائية وقيادية. وكان يغشاني بجامعة الخرطوم في النصف الثاني من الثمانينات وقد تعشق مفردات معمارية في مباني كلية القانون والآداب والاقتصاد والعلوم السيياسية يقضي الساعات الطوال يصورها بكاميرته. ويشركني في عجائبها. ثم هاجر إلى الأمارات ليشرف على إنشاءات مؤسسة للبناء.وعاد للسودان في الألفية الثانية ليعمر بيت الاسرة. فأنشأ فيه محلات للإيجار. ولم يغفل قيد أنملة عن إلحاق مرسم له ضمن تلك الإنشاءات.

كان يودني وأوده. لا أعرف من مثله حفظ الزمالة. ما التفتُ إلا كان لي أقرب من حبل الوريد. لم تهزمه الهزائم التي ابتلانا الله بها ليكشر وينفض اليد. لم يغلظ بالعمر أو يتذرع به ليغلظ. واذكر أن اخذني يوماً ليريني مكتبة عامة يشرف عليها أخوه، منعم، في جزء من المنزل. واستغربت لشقيقين يقتطعان مرسماً ومكتبة من أرض عقار غالية لخاطر الفن ولإكرام الشباب بالقراءة والنور. يا لأولاد حاج سعد: اشرقتم بحمد وطلتم بخوجلي.

عزائي للمريوماب جملة. ولسائر آل أبو اليسر مدني على رحيل حليف الود والزمالة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. المرةدى رحمت الشيوعيين يعنى ..ولاحتى مجرد اشارة الى (اْستاذنا) عبد الخالق محجوب ..بسحروك .

  2. لله درك يا حبر العربيه وأنت تتحفنا بناصع البيان وصدق المشاعر. رحم الله حليف ودك الفنان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..