الإعلان هو الذى يقتل أوّلاً، أمّا الرصاصات، ففيما بعد !.

يقول الكاتب البولندى، آدم ميهنيك : ” إنّ الكلمات هى التى تقتل أوّلاً، أمّا الرصاصات، ففيما بعد “.. نبدأ بهذا، فى مجال المُشاركة والمُساهمة فى الجدل والنقاش الدائر بين أهل مهنة الصحافة فى السودان، على إثر نشر (إعلان) فى صحيفتى (السودانى )و(الصيحة )، ينعى فيه أب مكلوم فلذة كبده، إذ إفتقده بغتةّ فى اُتون المعارك والحروب الدائرة فى (بلاد الشام والعراق)، ولن نجد حرجاً فى أن نقول للأسرة السودانية الصغيرة والممتدة – بسودانيةّ خالصة – :”جبر الله الكسر، وللفقيد الرحمة، ولآله الصبر والسلوان”، والمواساة موصولة، لكل أسرةٍ وعائلة سودانية، مرّت بمثل هذه التجربة المريرة، ثُمّ ندلف مُباشرةً لموضوع (الإعلان) الذى شكّل نشره (صدمة) للكثيرين والكثيرات، وأعتبره البعض (نشراً ضارّاً) بأمن المُجتمع، وسلامته، ويصُب فى خانة (الدعاية) وتحريضاً للشباب السودانى، للإنضمام للجماعات الإسلامية الإرهابية التى تخوض حروبها فى سوريا والعراق، وذلك بتزيين أفكار الجماعات الإسلامية المتطرفة، وترويج ثقافة العنف، التى تنتهجها هذه الجماعات….إلخ.
نعم، أحدث (الإعلان) صدمة، ولكن ، من الفوائد أن فُتح على أثره، نقاشاً على مواقع وصفحات التواصل الإجتماعى، شارك فيه – بحرارة – مجموعة مُعتبرة من زملائنا وزميلاتنا، بين (مؤيّد ) لنشر الإعلان، ومدافع عنه، ومعارض للنشر، ورافض له، وقد أدلى الكثيرون والكثيرات بوجهات نظر مختلفة فى الدفاع عن أرائهم/ن، ودحض أراء وأفكار الخصوم، وهذا أمر مطلوب وصحّى، نشارك فيه، وندلو فيه بدلونا، وندعمه، ونؤيّد استمراره، حتّى نصل إلى خُلاصات ودروس وعِبرهامّة، نستفيد منها، وتستفيد منها مهنتنا، ومجتمعنا الصحفى بصورةٍ أخص، ومجتمعنا العريض، طالما راعى المتحاورون/ات آداب الحوار والنقاش ومشروعية الأختلاف .
من رأى كاتب هذه الأسطر، أنّ قرار النشر أو عدمه، يجب أن يكون قابلاً للـ(مناقشة)، ونعنى بهذا، أن لا يُترك قرار النشر للتقديرات الذاتية، للـ(محرّر العام) للصحيفة، أو لغيره من الصحفيين الموكل لهم/ن مراجعة الإعلانات، أو للمزاج الشخصى، أو للإنفعال اللحظى للصحفى المسئول عن النشر، ولكل هذا، نجد من حقنا أن نُناقِش ونطرح أفكارنا، بموضوعية، ونُناقش فيها، ونستمع إلى الرأى و الرأى الآخر، والرأى المُختلف، والرأى المُضاد، ويبقى الفيصل بيننا، هو الإحتكام للـ(سياسة التحريرية ) التى تنتهجها الصحيفة – ((هنا تتّضح أهمية وجود سياسة تحريرية مكتوبة))-، ولمدونات ومواثيق الشرف الصحفى، التى يضعها الصحفيون بكامل حريتهم وإرادتهم الجماعية، ويتوافقون عليها، طوعاً واختياراً، وهناك – أيضاً- السند القانونى الموجود فى التشريعات الوطنية الديمقراطية، التى تنشأ عن برلمانات شرعية، وليس بقرارات فوقية من السلطات التنفيذية أو الحكومات، أو بتوجيهات وتدخلات إدارية، كما أنّ هناك الشرعة الدولية، التى تُبيّن بوضوح القيود المشروعة على حرية التعبير، وتمنع وتُحرّم وتُجرّم الدعاية الحربية وترويج الكُره، وخطاب الكراهية، وليس بخافٍ على الجميع، أنّ الدولة السودانية طرف فيها…إلخ. وعلينا أن نضع – دوماً- فى الحسبان، أنّ هناك حرية (التعبير) وهى التى من الممكن فرض قيود مشروعة عليها، فيما لا يجوز وضع قيود على حرية (الرأى ). والقيود التى نتحدّث عنها، ونقصدها فى هذا المقام، جاءت فى المادة 20 من ((العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية))، وتُقرأ : 1- تحظر بالقانون أىّ دعاية للحرب. 2- تحظر بالقانون أيّة دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، تُشكّل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
نرجو أن نُنبّه إلى أنّ للإعلان أخلاقيات، ومن أخلاقيات الإعلان مراعاة مصلحة المجتمع بصفة عامة ..والسؤال المطروح هنا، هل تمّت مراعاة مصلحة المجتمع فى إعلان (السودانى) و(الصيحة) ؟ وماهى المكاسب التى يُمكن أن تُحقّق من نشر الإعلان ؟ وماهى المضار ؟ هل يدعم ذاك الإعلان السلام الإجتماعى والسلم العالمى؟هل جاء فيه – ما يُمكن أن يُعتبر- تمجيداً للحرب والقتال وللمحاربين والمقاتلين؟. إنّها أسئلة مشروعة، آمل أن نضعها فى الإعتبار، ونحن نُعيد قراءة الإعلان المنشور فى الصحيفتين، ومن ثمّ نحكم له، أوعليه؟ وللصحيفتين أوعليهما؟..والشعب خير الحاكمين.
الأمر مطروح للنقاش، بغرض تحقيق الفائدة العامة، للمجتمع الصحفى، وللمجتمع بأكمله، صاحب الحق الأوّل والأخير فى الإستفادة من الخدمة التى تقدّمها الصحافة .. فليتواصل النقاش الموضوعى والهادف، حتّى تعم الفائدة، وذلك لمصلحة مهنة الصحافة التى – بلا شك ? يُشكّل (الإعلان) واحد من أهم مصادر دخلها، وإستقرارها، ومواصلتها مشوار النشر الصعب المحفوف بالعديد من المخاطروالصُعوبات.
نكتب هذا، وفى المشهد، الأخبار المنشورة والمتناثرة فى كثير من مواقع التواصل الإجتماعى، وبعض الصُحف والمواقع الإلكترونية السودانية، عن ظاهرة سفر وتهريب أعداد من الشباب الجامعى، من السودان، وعبره، للإلتحاق بالقتال الدائر فى (سوريا) و(العراق).. فماذا نحن فاعلون؟ ؟ ترى هل من المصلحة العامة ، ومصلحة المجتمع السودانى، أن تُشارك الصحافة والإعلام فى (الترويج والدعاية) لمد جبهات القتال الدائر هناك بالمزيد من الشباب السودانى ؟ أم ماذا يرى مؤيّدوا نشر ( إعلان ) السودانى والصيحة ؟ وعلى ذات الطريق ونفس المنوال، الذى ابتدرنا به هذا المقال، يُمكننا أن نقول: ” إنّ الإعلان هو الذى يقتل أوّلاً، أمّا الرصاصات، ففيما بعد” !!.
نختم بأنّ نوجّه الدعوة الصادقة ، لمجتمعنا الصحفى، لأن تتضافر الجهود للوصول لميثاق شرف فى الصحافة السودانية، حول (أخلاقيات الإعلان)، يُنظّم الضوابط المحددة لـ(مضمون) المادة الإعلانية . فهل نطلب المستحيل؟ !.

فيصل الباقر
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..