درافيديو الهند ذوي الأصل الكوشي

في إحدى المنتديات الأسفيرية تساءل أحد التاميل المقيمين في (لندن) عن سر العلاقة الحميمة التي تجمع بين السودانيين والتاميل وإنجذاب بعضهم إلى بعض ، في مقدمة حديث له عن أصول الدرافيديين في جنوب الهند . في الواقع فإن هذا التساؤل لا يساور هذا التاميلي لوحده ، بل هو تساؤل يساور أيضا كثيرا من السودانيين الذين خالطوا هؤلاء في مجتمعات الغربة والمهجر ولعل في ذلك ما يحفز على تقصي الأمر . تاريخيا لا خلاف على أن هناك العديد من الأراء والفرضيات ذات الحجج القوية ، التي تبنت فكرة الهجرة من أفريقيا في سالف الأزمان في فترات متفاوتة ولأسباب مختلفة وبحسب الإفادات التاريخية فقد كان الكوشيين من ضمن تلك الموجات التي أتجهت شرقا شاملة الجزيرة العربية ، جنوب العراق ، الهند ، الخ .. . لقد إعتبر الأغاريق القدامى أن الدرافيديين ينتمون إلى السلالة الإثيوبية وقد عرّفوهم بالإثيوبيين الشرقيين مقابل الإثيوبيين الغربيين أي إثيوبيي القارة الأفريقية ، إذ كان الوجود الأفريقي في الهند أمر معروف بالنسبة للعديد من المؤرخين الاغاريق .

أما من ناحية الدليل الأثري فقد أثبت عالم الآثار الهندي (ب. ب. لال) بشكل قاطع أن الدرافيديين جاءوا من الصحارى السودانية والليبية في وسط أفريقيا وأنهم ينتمون إلى المجموعة (سي) التي اسست الأسر الحاكمة في (كرمه) وأن هناك قواسم مشتركة بين المجموعتين فكلاهما عرف ثقافة الفخار الأسود والأحمر التي سادت في أوائل العصر الحديدي وأن الدرافيديين إستخدموا ذات الفخار الذي إستخدمه الكوشيين في (كرمه) وهي الصناعة التي إنتشرت قديما من كرمه إلى أثيوبيا الحالية ، الجزيرة العربية ، بلاد فارس ، الهند . زد على ذلك النتائج التي خرج بها (ب. ب. لال) من عمله في شمال السودان حيث كان يقود بعثة للتنقيب الأثري هناك في العام 1963 ، حيث وجد تشابها أقرب إلى التطابق في طريقة الدفن بين النوبيين والدرافيديين بما في ذلك نوع الحجارة المستخدمة في الدفن والأسوار الصخرية التي تحيط بتلك المدافن . لقد خلص (لال) إلى أن الدرافيديين قدموا من (كوش) حيث موطن نشأتهم قبل خمسة الف عام قبل الميلاد .

علاوة على ذلك فإن هناك العديد من الأدلة التي تعزز ما ذهب إليه دكتور (لال) مثل تطبيق النظام الأمومي في (كيرلا) وجنوبي الهند بصفة عامة بالإضافة إلى نظام الوراثة ، حيث تنتقل الورثة من الخال إلى أبناء الأخت بدلا من الأبن وهو النظام المطبق في أفريقيا . كذلك يرى (ك. ب. رافانان) أن هناك متشابهات في التقنية الزراعية بين كل من أفريقيا والهند فكلا المجموعتين تستخدمان المعزقة لفلاحة الأرض وتسميدها لتخصيب المحاصيل وإنشاء مصاطب الري وشق القنوات وهناك متشابهات في تربية الحيوانات والديانة . لقد أقر الكثير من الباحثين بالوحدة اللغوية بين اللغات الأفريقية والدرافيدية ، ليس في اللغات الأفريقية فحسب بل كذلك في اللغة المصرية القديمة . لقد أبان بشكل واضح الوحدة المعجمية ، الصرفية والصوتية بين اللغات الأفريقية في غرب وشمال أفريقيا ومجموعة البانتو . لقد كان أول من وثق لهذه الحقيقة اللغوي الفرنسي (إل. هومبيرج) المشهور ببحوثه في اللغات الأفريقية . إن المتحدثين بالدرافيدية جاءوا من الهلال الأفريقي الخصيب حيث شكلوا واحدا من مجموعات الـ (تيميهو) التي أطلق عليها علماء الآثار (المجموعة سي).

إن التشابه بين الدرافيديين والسودانيين لا يقف فقط عند حد السحنة والملامح ، بل يتعداه إلى المزاج والطبيعة المسالمة لهم . زد على ذلك أغانيهم ذات الألحان الخماسية التي يؤدونها في الإحتفالات ومواسم الحصاد والتي تذكرك بأفريقيا وطبولها . لقد شكّل الدرافيديون جزءا كبيرا من الثقافة الهندية فإليهم ينسب تأسيس الحضارة الهارابية في (وادي السند) في الشمال ، قبل أن يدفع بهم الغزو الآري القادم من إيران نحو الجنوب حيث هم الآن . إن أفضل ما أختم به هو ذلك التعليق الذي كتبه أحدهم في ذلك المنتدى واصفا لهم بأن (هؤلاء هم إخوتنا الذين تعلموا الأسرار في مصر وأفريقيا ونشروا الثقافة والحضارة في الشرق) . هؤلاء هم الدرافيديون الذين يشكلون اليوم 28% من سكان الهند ويتركزون بشكل أكبر في مقاطعات الجنوب حيث تتبدى العديد من السمات والصفات التي تجعل من مثل هذه العلاقة أمرا ممكنا ومحتملا .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..