يا «برادعي»: ارحل عنا.. فأنت لا تستحقنا..!..تذكرت يوم المذبحة التي ارتكبها الأمن المصري بحق لاجئين سودانيين..

قبل نحو تسعة أشهر، كتبت مقالاً في صحيفة مصرية، توقعت فيه أن يتبع سدنة وخدم السُلطة في القاهرة «الخطة 113» لتشويه صورة الدكتور محمد البرادعي، الرمز المصري والعربي والدولي الشريف، بالتوازي مع زيادة شعبيته. وقتها كان الحراك الذي أحدثه البرادعي في الساحة المصرية في مراحله الأولى، وسريعاً خرج «الخدم» في وسائل الإعلام الحكومية لوأد الإعجاب بالرجل في مهده. اخترعوا حكاية أنه «سويدي الجنسية، وعميل أميركاني دمر العراق»، واعتمدوا على أمرين: الأول أن الناس لن يفهموا تعقيدات عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الملفات النووية للدول المختلفة، والثاني وهو الأخطر يلعب على وتر مكانة عراق صدام حسين عند بسطاء المصريين، الذين ذهبوا إلى هناك بالملايين للعمل وكسب الرزق.
ذكرت وقتها أن تقديم البرادعي في صورة الرجل الذي تآمر ضد العراق وضد صدام، هي فكرة شيطانية للقضاء على الرجل عند البسطاء، ونوهت بأن فشل هذه الفرية سيجعلهم يلجؤون لـ «الخطة 113»، والتي تبدأ بخروج مانشيتات صحفهم هكذا: «تفاصيل العلاقات الخاصة للبرادعي في النمسا»، ومعه عنوان فرعي: (عاملة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية تتهم «السويدي» بالتحرش بها وراء حجرة الجنايني بمقر الوكالة في فيينا)!!
ولأن مصر بلد العجائب، وكم فيها من الضحك الذي ينتهي بالبكاء، فقد تحول هذا السيناريو المبالغ فيه -كأساس للكتابة الساخرة- إلى واقع، وبالتالي فقدت السخرية والكتابة أصلاً معناها. ما حدث أقصى من اختلاق واقعة تحرش للرجل، إنهم يحاولون ضربه في مقتل.. حيث بيته وابنته. انتهكوا كل الحرمات وحصلوا على صور زفاف ابنته «ليلى» ونشروها، وزعموا أن الفتاة متزوجة من مسيحي، وأنها يا للفاحشة ترتدي «مايوه» وهي في البحر وعلى حمام السباحة، وكأن المفروض أن ترتدي جلباباً. ليخرج بعد النشر فوراً -وقد يكون هذا ضمن السيناريو- توافه الباحثين عن الشهرة ويؤكدون رفع قضايا على هذه الشخصية الدولية المرموقة بدعوى أنه لا يصلح للترشح للرئاسة بعد ما شاهدوه!!
هذا الخلط المفضوح بين العام والخاص وانتهاك حياة إنسانة بريئة لم تسبب أذى لأي أحد، وزجها في خضم صراعهم مع والدها، واللعب بالأديان وزيادة إشعال فتيل الفتنة الطائفية في هذا الجو المحتقن والمشحون أصلاً، هو جريمة مكتملة الأركان لو حدثت في بلد يحكمه العدل والقانون، فضلاً عن أنها محرّمة دينيا. لقد ثبت كذب شائعة زواج «ليلى» من مسيحي، حيث صرح مصدر دبلوماسي سابق بالسفارة المصرية في فيينا بأن ليلى البرادعي تزوجت على الشريعة الإسلامية في مقر السفارة المصرية بالنمسا يوم 1 يوليو 2006، وأن هذا الأمر تؤكده وثائق الأحوال المدنية الموجودة تحت رقم 1123-10 في المركز الرئيسي للمصلحة، بينما أقيم حفل الزفاف يوم 27 يوليو 2006.
واستمراراً للمساخر في هذا الموضوع، خرج الحزب الوطني الحاكم، يدين نشر هذه الصور، ويعتبرها عملاً «غير شريف». القائمون على الحزب يواصلون كالعادة «استهبال» الرأي العام، فهم براء من هذه الجريمة براءة «دينا» من الرقص ببدلة خليعة، مثلما هم أيضا براء من حملة دعم جمال مبارك، وأن الملايين التي تصرف على ملصقات تملأ مختلف المحافظات وشنط رمضانية حملت صورته، هي تبرعات من أهل التقوى الذين يحبون الخير للبلد، والذي لن يأتي إلا بتوريث السلطة.
ما يحدث مع البرادعي كشف ازدواجية الحزب الحاكم. فالحزب الذي يرفع من أيام السادات شعار «أخلاق القرية»، ويزايد أحياناً على التيارات الإسلامية في مواقفها لدغدغة مشاعر العامة، هو نفسه الذي ينتهك الحرمات، ويستخدم أقذر الأساليب عند التعامل مع منافسيه وخصومه.
البرادعي يراهن على الناس، قد أكون مخطئاً إذا قلت إن رهانه خاسر. فالحكومات الفاسدة -كما ذكرت في مقال سابق- تعمل على إفساد الشعوب، والسلطة القائمة على «اللامنطق» تجعل كل شيء بلا عقل. فقد لفت نظري الادعاء بوجود مشروبات روحية في حفل زفاف ابنة البرادعي، وتذكرت يوم المذبحة التي ارتكبها الأمن بحق لاجئين من جنوب السودان في ميدان مصطفى محمود بالجيزة قبل سنوات، وقتها حرص مسؤولو التلفزيون الرسمي على إبراز لقطات لجندي وهو يحمل زجاجة خمر قال إن اللاجئين كانوا يقذفون الشرطة بمثلها. الفكرة هنا واضحة بأن يقتنع الناس أن الموت «حلال» في هؤلاء السود «الخمورجية»، وكم كان محزناً أن ذهب وقتها أحد المصابين من اللاجئين إلى طبيب لإسعافه، فنظر إليه الأخير بازدراء وقال له: «روح استحمى الأول وبعدين تعالى»!
يا دكتور برادعي.. احمل عصاك وارحل، فأنت لست منا ولسنا منك. اذهب حيث كنت، إلى مجتمعات جادة بوجه واحد في تعاملاتها وليست بألف وجه، ولا يتغير رأيها بين يوم وليلة.. يحتفون بك اليوم عندما تفوز بـ»نوبل» ويعطونك أرفع وسام باعتبارك نتاج النظام «راعي العلم والعلماء»، والإيحاء مثلما يفعلون دائما أنه لولا «الإلهام الحكومي» هبط عليك لما كنت عرفت نوبل ولا عرفك العالم من أساسه. لكن عندما تحدثت عن «الإصلاح» أقاموا القيامة ضدك.
أنت لا تستحقنا ونحن لا نستحقك.. تريدنا أن نتحرك معك وأن نقتنع أن استقلال الشعوب ليس منحة من السماء، بل يتطلب التضحية بالنفس عند اللزوم، ونحن أدمنّا السكون والخضوع.. سيزيدون سنّ السكاكين على رقبتك، ونحن كالعادة 80 مليون متفرج.
حتى لو ذهبت إلى أي مجتمع إفريقي، سيكون أفضل، فهي شعوب ما زالت حية، واستطاع الكثير منها فرض تداول السلطة على حكامهم، بينما لو بقيت ستشاهد بأم عينيك كيف أن الانتخابات الرئاسية ستكون نسخة مكررة من الانتخابات المحلية، يترشح فيها نفس النماذج ويفوز بها ?مثلما يحدث في قريتي? كبير العائلة الذي يفتح «دوّاره» للناخبين يقضون السهرة في الثرثرة الفارغة مع أكواب الشاي وحجارة دخان المعسل.
لا تنسَ أنهم قبلك نجحوا في «تطفيش» أحمد زويل وغيره من كفاءات ونوابغ البلد، بينما من بقي فيها مثل جمال حمدان مات وحيدا مكتئبا من الإحباط والتجاهل!

شريف عبدالغني
صحافي مصري

تعليق واحد

  1. (( وتذكرت يوم المذبحة التي ارتكبها الأمن بحق لاجئين من جنوب السودان في ميدان مصطفى محمود بالجيزة قبل سنوات، وقتها حرص مسؤولو التلفزيون الرسمي على إبراز لقطات لجندي وهو يحمل زجاجة خمر قال إن اللاجئين كانوا يقذفون الشرطة بمثلها. الفكرة هنا واضحة بأن يقتنع الناس أن الموت «حلال» في هؤلاء السود «الخمورجية»، وكم كان محزناً أن ذهب وقتها أحد المصابين من اللاجئين إلى طبيب لإسعافه، فنظر إليه الأخير بازدراء وقال له: «روح استحمى الأول وبعدين تعالى»!))
    الحمدلله وشهد شاهد من أهلها فماذا أنتم فاعلون ياحكومة ويا خارجية ويا سفارة سودانية بالقاهرة وما زال مسلسل تقتيل السودانيين برصاص القناصة في المعابر مستمرا والموت دهسا بالسيارات كذلك . أعيدوهم لجهنم السودان فهي بهم أرحم. وليس لنا شأن في من يحكم مصر إن كانوا رومان أو هكسوس أو مماليك. وأنتم أيها الجنوبيون لا تسترخصوا أنفسكم وإياكم والهرولة والإنبطاحة والإنبراشة.

  2. صح لسانك يأخ شريف عبد الغني كم انه لكتاب رائع ولكن اذا رحل أمثال البرادعي من يبقى للتغيير لذا يجب أن يستمر د. البرادعي مع الشرفاء من أرض مصر الطاهرة وراء التغيير وانتزاع حقوق الشعب وليسقط من يسقط منهم ويموت من يموت ويحي من حيا على بينة الى أن تنتزع الحقوق كلها دون استثناء لأن التغيير لا يأتيى هبة من أحد بل خلفه تضحيات جسام فاذا كان د. البرادعي في هامة مصر فاليبقى وليضحي من أجل شعبه وأهله والا فاليرحل ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولكن حذار أن يأتي التغيير بفتنة أو عنف لأن مصيره الفشل فأهل مصر في رباط الى يوم الدين . وأنتم كمثقفين وأصحاب أقلام عليكم رفع الجهل عن كاهل البسطاء .

  3. الفساد – وصل وين في مصر – وعندنا الحمد للة – بس عندهم الرئس قال مستعد يتحالف مع الشيطان من اجل مصلحة بلدة (مصلحتة اسف) والحكومة المصرية تحارب الاسلامين الساعين للسلطة – وعندنا جاء الفساد ووصل النخاع بفضل اللة ولكن باسم المشروع الحضاري والحكم الرشيد وحكومة الاسلامين – القاسم المشترك بينهم هو حب السلطة والثروة

  4. وماذا نستفيد نحن من الكتاب المصريين وهم في اساس القضية ضد السودان ،،،،ماذا صنعوا المصارية عندما قرروا مصير السودان دون الرجوع الينا في عام 1956 وماذا نستفيد من مصر عندما تستعمر حلايب وماذا نستفيد من البردعي عندما يترشح للرئاسة المصرية ويفوز،،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..