لنعيد مجد القراءة والكتاب

شاهدت قبل يومين برنامج على إحدى قنواتنا التلفزيونية، كان الضيف فيه شاب وقد لقبته المضيفة بأنه الفنان والشاعر فلان وكانت مقدمة البرنامج تتصنع تلك الإبتسامات التي اصبحنا نملها ولا ترتاح لها نفوسنا وقد يكون هذا المشهد الذي ذكرته مألوفاً في كثير من القنوات التلفزيونية السودانية ولكن ما يحزن حقاً هو تلك الأسئلة المملة و الباردة والتي فقدت بريقها من كثرة ترديدها حتى اصبحت كالصفعة التي تتلقاها على خدك، تؤلمك وتترك اثراً سيئاً بالوجه والنفس فقد بادرت مقدمة البرنامج الذي لا يحتوي على معلومة مفيدة ويفتقر للمتعة وكل معاني وقيم الجودة والجمال بسؤال الضيف الشاب عن بداياته فتململ الضيف وكأنه فوجئ بالسؤال واخذ يتلعثم ويبتسم في آن واحد وكلمات غير مفهومة تنطلق من فمه لم افهمها على الإطلاق حتى إنني إعتقدت بأنه يتحدث بغير لغة القرآن ،العربية وعندها اسرعت المضيفة بطلب الإستماع لنص شعري وكأنها تحاول إنقاذه من ذلك السؤال الصعب والذي لم يفهمه فإعتدل في جلسته وما زالت تلك الإبتسامة على قسمات وجهه وبدأ يقرأ قصيدته التي نظمها على مسامعنا فكان ان احزن النفوس وادمع العيون على ثقافة قد ماتت ودُفنت في حُفر شوارع مُدننا ورجعت بي الذكرى لسنين مضت عندما كنت اشاهد برامج المسابقات الشعرية وبرنامج مسابقات المدارس وسهرة ادمون منير والتي كنا نستمتع بشعار السهرة ذلك الفأر الذي يعلمنا الكتابة وهو يحمل حرف بعد حرف ليكتب إسم السهرة وسهرة مطرب وجماهير الذي كنا ننتظره بلهفه ونحن في غاية السعادة لنستمتع بكلمات والحان واداء لا نظير لهم لفنانين يُجيدون للغناء وبرامج الاطفال الزاخرة بما يعجز اللسان عن وصفه من اناشيد في الام والمدرسة والنجاح والصداقة والمعلم فانا لا انسى نشيد ..أمي يا أجمل كلمة بقولها يا احلى نشيد يا نغمة جميلة …امي الرحمة دوام قدامها امي الجنة تحت اقدامها …ليس هناك اجمل من هذه الكلمات يرددها طفل على مسامع امه .. …..ونشيد…بدري صِحيت من نومي صِبحت … مشيت على امي وابوي صبّحت …شربت الشاي بكل لطافة وبين اخواتي كنت قيافة ..انيقه في لبسي وكلي نظافه وكانت جنبي صديقتي سلافة.. نشيد إجتمعت فيه كل المعاني السامية من إستيقاظ عند البكور وصورة اسرية رائعة بالقاء التحية للوالدين وطقوس اهلنا السمحة وهي لمة شاي الصباح وبكل أدب ولطف وجمال مظهر ونظافة وتجسيد للصداقة الرائعة ونشيد ..متشكرين ومقدرين يا مدرساتنا يا مدرسين ويا معلماتنا يا معلمين ..شايلين كتبنا والقلم ونقول سلام للعلم…ولاء لا مثيل له للمعلم والعلم وهناك الكثير من الاناشيد التي ظلت خالدة في الوجدان لم تمت ولم ننساها ويرجع كل ذلك الأدب الرفيع والجمال في الكلمة لجودة عالية في ُنظم التدريس بالمدارس ولقوة ورصانة المنهج الدراسي بالإضافة لوجود الصديق الرائع الكتاب والذي دائماً كان صانعاً لعوالم لا مثيل لها من الثقافة وصانع لمقدرات هائلة للتعبير والكتابة والتحدث والتي نفتقدها في ايامنا هذه وللأسف لغياب الكتاب.. الكثير من شبابنا اليوم يعيش في ظل مفاهيم وأفكار لا تشبهنا ولا نحبها وضلوا عن طريق الثقافة والمعرفة وماتت كل طموحاتهم ولذلك انحدرت قيم وثقافات كثيرة كثقافة الملبس او المظهر فأصبحنا نرى شبابنا يلبسون الاحمر والأصفر والبرتقالي دون إحساس بالمسؤوليه والتقدير لعاداتنا ومفاهيمنا وكأن الجمال إنعدم إلا من تلك السلوكيات الدخيلة وكذلك انحدرت ثقافة التحدث فنجد الكلمات قد تحولت لمعاني غير مفهومه وغير مهذبه ايضاً وكل هذا التدني لإبتعادهم عن القراءة لكتب إمتلأت بكنوز المعرفة الشاملة لكل نواحي الحياة سياسية كانت ام ثقافية ، إجتماعية او إقتصادية ، سلوكية أو تعليمية وتفرغوا للصور الدخيلة وأخبار خاصة لشخصيات لا تفيدهم في مشوار حياتهم العلمي او الأخلاقي وكل هذا نتج لمتابعتهم الفيس بوك والتويتر والإستغرام وغيرها طيلة اليوم والشهر والسنة ولو انهم وازنوا بين الكتاب وهذه المواقع والدراسة ربما يستعيدوا بعضاً من مجدهم ولعرفوا قيمتهم بأنهم اجيال المستقبل ..تحولت قنوات التلفزيون لجلسات الغناء والطرب ولا غير إلا القليل من البرامج الدينية والسياسية وصفر في البرامج التعليمية والثقافية فنجد اولادنا وبناتنا وقد اصبحوا جميعهم او اقل بقليل مغنيين واذا سألتهم عن كتابة تعبير او إنشاء عن الأم لما إستطاعوا للتعبير سبيلا .. لنقف يا اهلي ولننظر جيداً للشباب ولنحاول اصلاح ما يمكن إصلاحه ..لنتحد نحن الكبار وكل المثقفين الشرفاء والمعلمين ومن يريدون الخير للبلد وللاجيال المستقبلية لنتحد ولنتعب بإعادتهم لعوالم الكتاب وروعته وتحبيب القراءة والإطلاع لهم والتوازن بين عوالم النت وعوالم الكتاب حتى يتم التوازن بدواخلهم .. هناك أسباب كثيرة أدت لهذا
الإنحدار وعلينا وضع حلول لها منها اسباب سياسية لحكومة سيئة مدمرة لا تريد خيراً للبلد ولأهله وخصوصاً الفئة الشبابية فكان أن غرست الجهل بعقولهم بتدمير كل ما له علاقة بالتعليم إبتداء بالمعلم مروراً بالمنهج الدراسي وصولاً للمكان سواء كان مدرسة او معهد او جامعة أضف الى ذلك التكلفة المادية التي وصلت لأرقام مرعبة حقاً لمئات الملايين وهناك اسباب إجتماعية لإنشغال الأم والأب بأعمالهم لتأمين حياة طيبة لأسرهم وهناك أسباب نفسية لإحباط يعيشه الشباب تجاه مستقبل غير واضح المعالم إضافة للتدني في المعاملات بين الناس والتدني في القيم الدينية والأخلاقية والتي قد تؤدي لدمار المجتمع بأكمله..ارجو أن ننتبه جيداً فسلسلة الدمار قد إكتملت حلقاتها فلنبذل الجهد الكبير حتى نذيب السلسلة بنار الثقافة والتعليم والوعي المكتمل ولنتحد كلنا فئات المجتمع وللإعلام دوره الكبير ..دمت يا وطني