مخاطبة الإمام الصادق المهدي في ورشة الدستور

بسم الله الرحمن الرحيم

ورشة الدستور – جامعة الأحفاد

مخاطبة ورشة محتويات الدستور

بقلم الإمام الصادق المهدي

1-3 يوليو 2012م

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

السلام عليكم

أثمن غاليا دعوتي لهذه الورشة التي تشكل رافدا في المجهودات التي انطلقت من منظمات المجتمع المدني، وهي إذا أضيفت لمبادرة المعهد الإقليمي الحالية تبلغ عشر مبادرات يرجى أن تشكل مساهمات جادة في همنا الدستوري بالإضافة لمساهمات دولية مقدرة من مؤسسة فريدريش ايبرت وماكس بلانك.

الذي اتطلع إليه كقيمة إضافية من هذه الورشة:

– أن تدعو لملتقى جامع يضم كافة المبادرات المعنية للخروج برؤية مشتركة حول الموضوع.

– أن يتفق ذلك الملتقى على أهم عشرين مبدأ يرجى أن يتضمنها الدستور.

– أن يتفق الملتقى على خريطة طريق تبدأ بمؤتمر دستوري يضع المسودة الأولى للدستور بمساعدة لجنة فنية.

– أن يتفق على خريطة طريق من المؤتمر الدستوري إلى الحوار الشعبي العريض إلى جمعية تأسيسية منتخبة للنظر في مشروع الدستور وإجازته.

وقبل الدخول في موضوع المبادئ المنشودة أود أن أدلي بملاحظات سياسية مهمة. لقد كانت الورشة ذات امتياز نوعي جسدته الأوراق العديدة والمناقشات التي أثارتها. وطبعا لا يخلو عمل بشري من عيوب، والنقد أفضل وسيلة للبناء عرفها الإنسان كما قال عمانويل كانط مرددا حكمة عمر بن الخطاب (رض) رحم الله امرءا أهدى لنا عيوبنا. النقاط السياسية المعنية خمس:

1. مقولة إن القوى السياسية أهملت أمر الدستور. لقد تناولت تاريخ هذه القصة في كتابي “ميزان المصير الوطني في السودان” موضحا الفوارق في كسب القوى السياسية. ولكن حتى في العشر سنوات الأخيرة، كنا قد تناولنا اتفاقية سلام 2005 بالدراسة موضحين لأسباب موضوعية أنها ودستورها لن يحققا أهم مقاصدهما وهي: الوحدة الجاذبة، والسلام، والتحول الديمقراطي. صحيح إن بعض القوى السياسية لم تهتم بالدستور بالقد رالكافي، ولكننا عقدنا ورشة للدستور ونشرنا توصياتها واهتممنا بكافة ركائز العملية الدستورية مثل: وثيقة هايدلبرج، ووثيقة الدوحة. وأزمة جنوب كردفان، وأزمة جنوب النيل الأزرق، وأزمة أبيي، وعقدنا لها ورشات ونشرنا توصياتها، وحتى هذه الورشة فالاهتمام بها متفاوت. لذلك فالتعميم ليس عادلا، وفي هذا الصدد نحن نعاني من إجابة السيدة عائشة الفلاتية عندما سئلت هل أنت أمية؟ قالت نعم، أنا والكاشف أخي لا نقرأ ولا نكتب، فما برحنا نعاني من خانة الكاشف أخوي! أهم عزاء للمقصرين أن يقال إن الكافة كذلك. فسر العقاد انشغال إحسان عبد القدوس بتساهل الفتيات في رواياته بأن إحدى عزيزاته كانت كذلك فأراد أن يدافع عنها بجعل السلوك ظاهرة عامة. مجهودات النظم الديمقراطية باستمرار أجهضت وفتراتها لم تتجاوز عشر سنوات بالمقارنة لفترات الطغيان الـ46 عاما.

2. لقد أوضحنا كيف أن الاتفاقية والدستور نصا على بيان جيد بحقوق الإنسان، ولكنه أفرغ تماما بالإبقاء على كافة قوانين الشمولية القهرية لتستمر إلى حين استبدالها، ولكن الحزب الحاكم المسلح بالأغلبية التشريعية أبقى عليها باستمرار.

3. وصحيح أن دستور 1998م نص على الفيدرالية، ولكنها فيدرالية جوفاء لأن عجز الولايات المالي، وتسلط الحزب الحاكم، وسلطان أجهزة الأمن المركزية الأوتقراطية كما هي. أما مقولة د. طارق أن التجربة مفيدة وإن فشلت فأشبه بمقولة الطبيب كانت العملية ناجحة ولكن السيدة ماتت!

4. أي وثيقة لا تكتب في مناخ الحريات وبمساهمة الشعب مهما أطلق عليها من أوصاف ليست دستورا بالمعنى المنشود. وأي نظام لا مركزي لا تتوافر فيه شروط السلطات المكفولة بالدستور والمحمية بالقضاء المستقل وبالجدوى المالية يمكن أن تسمى بما يشاء أصحابها ولكنها ليست فيدرالية:

ألقاب مملكة في غير موضوعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

5. أية وثيقة تكتب دون بسط سلام عادل شامل يشرك كافة العناصر الوطنية في نسيجه سوف تكون محل رفض العناصر المستثناة وبالتالي ناقصة.

توصيات مقترحة للدستور

إذا توافرت حريات ولو نسبيا، وسلام ولو نسبيا يمكن لهذه الورشة أن تصدر توصيات. أقترح أن تشمل:

1. الدعوة لملتقى جامع يضم كافة العناصر السياسية والمدنية السودانية للاتفاق على أمرين:

· المبادئ المنشودة للدستور.

· خريطة طريق للدستور المنشود. خريطة قوامها: مؤتمر قومي دستوري، ولجنة فنية لصياغة قراراته، وآلية تأسيسية ديمقراطية لدراسته وإجازته.

2. عشرون نقطة تجسد مبادئ الدستور هي:

1- هنالك منظومة حقوق الإنسان أثمرتها التجربة الإنسانية الصاعدة. هذه المنظومة ينبغي ضمها للدستور.

2- ينبغي أن يقوم نظام الحكم في البلاد على أساس المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

3- الاعتراف بالتنوع الديني والإثني والثقافي جزء من حقوق الإنسان، وينبغي تأكيده عبر مواثيق: دينية، وثقافية، وللنوع، ولتعاقب الأجيال.

4- النظام الفيدرالي الذي يحدد صلاحيات سياسية، وإدارية، ومالية للولايات؛ وينبغي أن يكفله الدستور ويحميه القضاء المستقل.

5- الإسلام جزء مهم من المكون الثقافي السوداني، والقول بإبعاده من الشأن العام لا يجدي بل يأتي بنتائج عكسية، ولكن المطلب الإسلامي ينبغي أن لا يحرم الآخرين حقوقهم الدينية والمدنية وألا يخدش المساواة في المواطنة، وأن يتم عن طريق آلية ديمقراطية.

6- التنوع الثقافي لا يعني عدم اعتماد لغة رسمية للبلاد: اللغة العربية؛ ولغة دولية هي الإنجليزية، دون أن يعني هذا حرمان الثقافات الأخرى من التعبير عن ثقافاتها ولغاتها.

7- القوات المسلحة ذراع مهم للسلطة التنفيذية، وقد خاضت تجارب سياسية عادت لها وللبلاد بأضرار فادحة. يحدد دور القوات المسلحة الدستوري بموجب ميثاق عسكري ملزم تنص عليه مواد الدستور ويفصله القانون.

8- الشرطة جهاز مهم لأمن المواطن وكذلك السجون والدستور ينص على دورها المنشود.

9- أجهزة الأمن الداخلية والخارجية أجهزة مهمة لسلامة الوطن والمواطنين على أن تمارس دورها في جمع وتحليل المجموعات لا القيام بأية أنشطة تنفيذية.

10- الديمقراطية السياسية لا تكفي لتوازن واستقرار وتنمية المجتمع بل ينبغي تحقيق الديمقراطية الاجتماعية. اقتصاد السوق الحر ناجح في الإنتاج فاشل في التوزيع العادل على نحو نكتة برنارد شو. كان أصلعا وكثيف اللحية فقيل له ما هذا؟ قال: إنه النظام الرأسمالي، غزارة إنتاج وسوء توزيع. المطلوب اقتصاد السوق الحر الاجتماعي. ومن أهم مقاصد العدالة الاجتماعية عدالة توزيع بين الأقاليم المختلفة لإزالة التهيش، وعدالة التوزيع بين الحواضر والأرياف، وعدالة التوزيع بين الطبقات الاجتماعية.

11- البيئة الطبيعية هي الأرض والماء والغطاء النباتي والحيواني والمناخ والفضاء. وهي وديعة السلف للجيل الحاضر وأمانة الخلف للمستقبل. وحقوقنا فيها تمثل رأس المال الطبيعي. رأس المال الطبيعي في السودان يعاني الآن من دمار كبير يوجب التزاما دستوريا قويا بحقوق البيئة وسلامتها، لا سيما التصحر الذي يغزو السودان الآن بدرجة خطيرة.

12- ينبغي التوصل لحل سياسي شامل وعادل لقضية دارفور دون تقيد بسقوف نيفاشا أو أبوجا أو الدوحة، وإثبات الحقوق المتفق عليها في الدستور.

13- من عيوب اتفاقية سلام نيفاشا أنها علقت الاتفاق بشأن ثلاثة مناطق هي: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق. افتراض أن هذه القضايا المعلقة سوف تختفي بمجرد انفصال الجنوب افتراض واهم وهو السبب الحقيقي لاندلاع الحروب الراهنة ما يوجب اتفاق سلام يلبي مطالبهم في نطاق وحدة السودان وتضمين ذلك في الدستور ما قد يؤدي لفدرالية غير متماثلة.

14- ما حدث من انفصال الجنوب لم يقض على أشواق التواصل بدليل تسمية دولة جنوب السودان. وهنالك دلائل وافرة على أن الانفصال نتيجة لعوامل سياسية طارئة، وهنالك عوامل جيوسياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية يمكن تأسيس علاقة خاصة يتفق عليها وتضمن في الدستور ? كنفدرالية مثلا.

15- إن للسودان التزامات نحو الوحدة العربية. ونحو الوحدة الافريقية، ونحو التضامن الإسلامي. ينبغي بيان حدودها واستحقاقاتها الدستورية.

16- العالم اليوم خاضع لحوكمة تديرها الشرعية الدولية ما يرتب على السودان التزامات محددة. دستورنا يلتزم بالشرعية الدولية حتى إذا كنا سياسيا نسعى لإصلاح النظام الدولي الحالي.

17- ينبغي أن ينص الدستور على تفوقه على السياسات والقوانين باعتباره تجسيدا لمثل ومصالح وهوية الجماعة، الوطنية والوسيلة المثلى للتوفيق بين الوحدة والتنوع.

18- وينبغي أن ينص الدستور على وسائل حماية نصوصه من التقلبات السياسية كما يحدد كيفية تعديله إذا لزم.

19- تعاني المرأة السودانية من تهميش ثقافي يتطلب تناوله في ميثاق نسوي يقود لبنود دستويرة محددة لتحريرها وتمكينها.

20- وإلى أن يدرس ويجاز الدستور المجسد لتلك المبادئ ينبغي أن نصدر توصيات محددة بالغاء دستور نيفاشا واستبداله بآلية دستورية انتقالية يتفق على معالمها وعلى مدتها.

ختاما:

التوتر الحاد بين دولتي السودان، وتعدد جبهات الاقتتال في البلاد، والانقسام السياسي المشتعل في البلاد الآن، والانقسام الواضح داخل الحزب الحاكم نفسه، وإمكانية فرض وصاية على البلاد إذا تخلفنا؛ عوامل تدعو بالحاح على ضرورة الاتفاق على نظام جديد ينظمه إعلان دستوري انتقالي، والاتفاق على خريطة طريق لدستور البلاد الدائم يكون أداة وتجسيد للسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

تعليق واحد

  1. إقتباس: (الإسلام جزء مهم من المكون الثقافي السوداني، والقول بإبعاده من الشأن العام لا يجدي بل يأتي بنتائج عكسية، ولكن المطلب الإسلامي ينبغي أن لا يحرم الآخرين حقوقهم الدينية والمدنية وألا يخدش المساواة في المواطنة، وأن يتم عن طريق آلية ديمقراطية.)
    كيف يمكن ذلك؟ إما تحكم الشريعة ولن يكون للأديان الأخرى مكان فى الدستور و إما تحكم الديمقراطية و الدولة المدنية ويسود العدل بين الجميع.ولا يجوز مسك العصا من النصف

  2. ليت قومى يسمعون ويفهمون قول هذا الرجل الحكيم ويطبقونه, لكان لوطننا شأن اخر بدل هذا التردى.
    ليت قومى يسمعون,ليت قومى يسمعون,ليت قومى يسمعون.

  3. اولا من قال بان الصادق المهدي سيحكمنا ويضع الدستور هيهات لكم ذلك ودا راي الشارع الثورة حتستمر حتى بعد ذهاب النظام لاننا نثور من اجل تغيير كامل لن نضع دكتاتور اخر علي راسنا وراس اولادنا من قال لكم بان الصادق يمثلنا هو والميرغني والترابي ويرفعو وثيقة بالبديل هل تفتكروا واحد فيكم حيكون البديل هيات لكم كل الشباب يرفض ذلك مهما حاولتم ان تعبوا اهلهكم والمنتمين اليكم والخدعتوهم بالشعارات ثورتنا لن تتوقف
    لم نرشح احد او نختاره ليتكلم باسمنا او يرفع وثيقة ولن تفعلوا مثلما فعلت الانقاذ والشعب لم يختاركم ويعطيكم توكيل لرفع وثيقة وسوف يتم الرد عليكم في الاعلام وفي العربية

  4. فى رأى ان الصادق المهدى ، موسوعة علمية، فكرية، ولكنها ليست شخصية تنفيذية، لذا يجب على حزب الامة ان يستفيد من علمه ، ويجب ان لا يرشح لاى منصب تنفيذى، حتى رئاسة الحزب ، إذ ان دستور حزب الامة ، ينص بان رئيس الحزب ، يكون مرشح الحزب فى انتخابات الرئاسة ، يجب ان يعطى منصب كمنصب الخميني فى ايران ، وان رئيس الوزراء شخص اخر منتخب ، مثلما انتخب الإيرانيين احمد نجادى، او يترك الصادق المهدى كأمام فى هيئة شئون الأنصار ، لان إعطاء الصادق منصب تنفيذى سوف يحجم فكره ، ويشغله فى سياسة اليوم باليوم ، ومثله اذا ترك كمفكر، يمكن ان يستفيد من علمه السودان بكل أطيافه وأحزابه ، بل العالم قد يستفيد كثيرا من مساهماته ، اما المناصب التنفيذية ، تقيده بالبرتوكولات ، وقد يفشل كرجل دولة ، ولكنه يكون ناجحا كمفكر ، و كمرجعية سياسية، او حتى دينية، ، واعرف ان كثيرا من اعضاء حزب الامة، يطالبه و يلح عليه ان يكون رئيساً ، وأظن ان ذلك تحميلا له بحمل ثقيل، ، وأبعاده من المناصب لا يقلل من قيمته كمفكر ووطنى غيور، وما أظنه يبخل بكفره و الدليل على ذلك مساهماته الكثيرة، وهو بعيدا عن السلطة، بل و مطاردا، و سجينا احيانا، وهذه الورقة المقدمة منه فى هذة الورشة دليلا اخر ، مع تمنياتنا له بالصحة و العافية

  5. سعادة الامام – شى واحد فقط من ال20 نقطه لااتفق معك فيه وهى الجزئية الخاصة بالتزاماتنا نحو الوحدة العربية
    “”” إن للسودان التزامات نحو الوحدة العربية. ونحو الوحدة الافريقية، ونحو التضامن الإسلامي. ينبغي بيان حدودها واستحقاقاتها الدستورية””
    اولا ليس لدينا ولا ينبقى علينا ان تكون لنا التزامات حول الوحدة العربية – تلك مقولة شوفينية عفا عنها الزمن ولا اعتقد اننا نشبه اى من تلك البلدان مثلنا كمثل الصومال ودولة جيبوتى المسمى بالبلدان العربية – صحيح نحترم شعوبها اذا ما التزمت احترام هويتنا ، وقداخطاءت القيادات السياسية ابان الاستقلال لضمنا الى الجامعة العربية بالرغم من رفض اعضائها بقبولنا بأعتبار اننا ليس بعرب لولا جهود الراحلين جمال عبدالناصر والملك فهد (رحمهما الله) وحان الوقت لتصحيح ذلك الخطأ –
    اما التزاماتنا نحو الوحدة الاقريقية والاسىلامية – فهويتنا افريقية زنجية وديننا الاسلام ويجب ان نسعى بجهودنا لهذين اللالتزامين وتضمينها كمفردات اصلية للدستور
    وشكرا سيدى الامام على تفضلكم بهذه الافكار القيمة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..