نظرية القوة فى العلاقات الدولية ؟!؟

Theory of power in international relationships
دراسة أعدها بتصرف د.فائز إبراهيم سوميت
مدخل الدراسة :
يقينا أنه بإنهيار الإتحاد السوفيتى إختل توازن القوى الدولية الأمر الذى أدى بدوره إلى هيمنة النظام أحادى القطبية , الذى قاد المجتمع الدولى بزعامة أمريكا إلى تغييرات دولية عديدة وعميقة ونعنى بالمتغيرات الدولية العميقة : إنهيار الإتحاد السوفيتى وإنهيار ميزان القوى لصالح الرأسمالية وبروز بما يسمى بالنظام العالمى الجديد , الذى نتنسم الآن عبق صواريخه العابرة للقارات , وإنهيار الكثير من الأنظمة العربية بمصفوفة ما سمى بثورات الربيع العربى , كذلك فى الأنظمة الأفريقية , وتصاعد وتائر الخروج على الأنظمة المتبقية , هذه هى البانوراما العامة للمجتمع الدولى بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى وأفول نجم المنظومة الإشتراكية التى بنتها الثورة الروسية البلشفية .. والتى بنفس القدر سعت إلى تفكيكها . كما شهد العالم الكثير من المتغيرات العميقة فى أفريقيا والوطن العربى , أثارتها عواصف الربيع العربى العنيفة , إلا انها وحسب المراقبون الدوليون أنها قد كانت سابقة لوقتها كثيرا ولذا لم تؤتى ثمارها لمفجريها بل إقتطفها المتربصون الآخرون .
مدخل ثان :
لم تكن دول المنظومة الإشتراكية بمعزل عما يجرى من تغيرات حادة وجذرية فى بنية النظام العالمى وقواه . إذ قامت الكثير من الثورات ضد الشيوعية والأنظمة الإشتراكية .. مما أدى إلى تغيير جذرى فى أنظمة الحكم وإعادة النظر فى كثير من الأمور السياسية والإقتصادية والإجتماعية فى تلك الدول كما سمع وشاهد العالم حيث صاحب ذلك الكثير من إراقة الدماء لشعوب تلك الدول . وقد برر غورباتشوف بعد ان سلم الأمر إلى الكتلة الغربية إذا أسعفنا التعبير بقوله : ( إن النهج الذى إخترناه , وضرورة تسريع الخطوات بحدة قد أجبرنا من مواقع تاريخية واسعة ,على النظر إلى تطوير التعامل مع البلدان الإشتراكية الأخرى .. وبالنتيجة تم التوصل إلى إستنتاج مفاده أنه يجب إضفاء ديناميكية أكثر على تعاوننا , وهذا ما تشاطرنا به كل الأحزاب الشقيقة , وفى هذا المجال يتضح نوع من البيروسترويكا ” : المصدر , غورباتشوف م , س , البيروسترويكا والتفكير الجديد لنا وللعالم بأسره – مترجم الى العربية , دار الفارابى , بيروت لبنان 1988 ” .
وإنطلاقا من الأفكار الجديدة التى جاءت بها بيروسترويكا غورباتشوف وتنفيذا للسياسات السوفيتية الجديدة , فقد دعا غورباتشوف إلى عقد لقاء قمة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتى للنظر فى وضع العالم ووضع العلاقات بين العملاقين .. وإنعكس هذا التطبيق العملى للسياسة الجديدة فى عقد لقاء قمة جنيف فى شهر نوفمبر 1985 م بين الرئيس الأمريكى ريغان والرئيس السوفيتى غورباتشوف , وجرى فى هذا اللقاء تبادل للآراء من أجل الوصول إلى صيغة جديدة تساهم فى وضع حد للحرب الباردة ثم جرت بعد ذلك سلسلة من لقاءات القمة عقدت فى ريكافيك أكتوبر 1986 م , وقمة واشنطن فى ديسمبر 1987 م وقمة موسكو فى مايو 1988 م , وقمة هلسنكى عام 1990 م . ” إن جميع تلك اللقاءات تركت بصمات إيجابية على تطور العلاقات بين البلدين , وفهم الجانبان لعلاقات دولية جديدة تاخذ بنظر الإعتبار المصالح الذاتية لكل منهما , ولقد ساهمت هذه اللقاءات فى التقليل من حدة الصراع بين الشرق والغرب بالرغم من إثارة العقبات من الجانب الغربى التى وضعتها فى طريق إيجاد الحلول السلمية العادلة للمشاكل الدولية الملحة , لأن هذه الحلول تتعارض مع الطبيعة العدوانية للسياسة الأمريكية التى تكمن فى السيطرة على ثروات الشعوب . ” المصدر : العلاقات السياسية الدولية ? دراسة فى الأصول والتاريخ والنظريا ت , الدكتور على عودة العقابى , الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ص 96 ” .
: Theory of powerنظرية القوة –
يعتبر نيقولا ميكافيللى , أول المفكرين الذين كتبوا فى شأن القوة فى عصر النهضة , وقد قدم آراءه تلك فى مؤلفات كان أشهرها كتاب الأمير , ويعد أيضا نيقولا بأنه أول محلل سياسى حديث للقوة , حيث قصد من كتابه الأمير وغيره من المؤلفات أن يعطى العالم صورة واضحة للقوة وكيفية إستخدامها من قبل الحكام , والتى اصبحث مثار جدل ونقاش لايزالان يؤثران فى ميزان القوة الدولية , إنطلاقا من مقولته الذائعة الصيت : ” الغاية تبرر الوسيلة ” . حيث كان يرى ميكافيللى ولايزال الآخرون يرون معه : ” أن نجاح السياسة يقاس بمدى إستخدامها للقوة ” الإقتباس : د. حورية توفيق مجاهد , الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبدة , الطبعة الثانية , مكتبة الأنجلو ? المصرية , القاهرة 1982 . ص 542 . ”
إشكالية الدراسة :
تتبع هذه الدراسة العلاقات الدولية وتفاعلاتها السياسية والإقتصادية لمعرفة لأى مدى أثر عليها إختلال ميزان القوة بإنهيار الإتحاد السوفيتى وصعود النظام الرأسمالى ذو القطبية الأحادية و إنعكاسات ذلك على العلاقات السياسية الدولية الراهنة .
المبحث الأول :
– نشؤ فكرة العلاقات الدولية
– تعريف العلاقة الدولية
المبحث الثانى :
العلاقات السياسية الدولية :
– فى العصور القديمة والوسطى
– فى العصور الحديثة والمعاصرة
– فى عصر التنظيمات الدولية
– العلاقات الدولية فى عصر الإسلام
المبحث الثالث :
نظرية القوة فى العلاقات السياسية الدولية
نظرية توازن القوة فى العلاقات السياسية الدولية
الفصل الرابع :
حل الصراع الدولى
خاتمة
المبحث الأول :
المطلب الأول :
نشؤ فكرة العلاقات الدولية :
إن التعريف بالعلاقات الدولية وماهيتها ليس مسألة سهلة كما يتصورها البعض بل هى فى غاية الصعوبة والتعقيد , وعلى الرغم من الجهود التى بذلت منذ عام 1684 م عندما إنبثق نظام ? الدول القومية الحديثة ? إلى حيز الواقع بعد التوقيع على معاهدة وستفاليا , الشهيرة وحتى يومنا هذا . ( ولذا ولأجل معرفة موضوعة العلاقات السياسية الدولية يتطلب ذلك مراجعة تاريخ مواقف العلماء والباحثين الذين تناولوا هذه الفكرة وكتبوا بهذا الصدد منذ خمسين عاما ? المصدر : د.منصور ميلاد يونس , مقدمة لدراسة العلاقات الدولية , جامعة ناصر 1991 م ص 128 ) .
تعريف العلاقة الدولية :
عرف جيمس العلاقات السياسية الدولية بأنها تلك السياسات التى تتناول : ( علاقات الدول والشعوب فيما بينها ) المصدر : ” د.كاظم هاشم , العلاقات الدولية , بغداد , 1979 , ص 4 .” إلا ان هذا التعريف فى مبتدؤه كان بسيط وشامل , ولايخضع لمنهجية علمية تتعاطى مع متغيرات السياسة الدولية من ناحية ونشؤ بعض القوميات حينها من ناحية أخرى مما يؤثر فى بنائية العلاقات الدولية التى قامت منذ معاهد وستفاليا فى أواخر القرن السادس عشر . وأيضا يمتاز هذا التعريف بالشمولية الغامضة والتى لاتتناسب مع دقة موضوعة العلاقات السياسية الدولية وتعقيد اتها .. إلا أن كيرك وشارك إستدركا فضفضائية هذا التعريف فقالا أن العلاقات السياسية الدولية تعنى : ( بحث وتشخيص العوامل الرئيسية المحركة للسياسة الخارجية على أن تدرس بشكل منظم ) ? ناصيف يوسف حتى , النظرية فى العلاقات الدولية , دار الكتاب العربى , بيروت الطبعة الأولى , 1985 , ص 8 . بعد أن إستدرك كيرك وشارك فضفاضية التعريف لذا جاء تعريفهما بوضع العوامل الرئيسة المحركة تحت البحث والإختبار بشكل ” منظم” .
كما ظهرت عدة تعريفات جديدة تتلافى الشمول والغموض فى التعريف الأول الذى وضعته معاهدة وستفاليا موضع التنفيذ منذ القرن السادس عشر الذى أنتج نشؤ الدول القومية بعلاقاتها الدولية الجديدة . وقد ظهرت هذه التعريفات تحديدا ما بين الأعوام 1958 ? 1970 , وكان من أبرزها التى وردت فى افكار: هانس مورجانثو , كينث تومسن , ستانلى هوفمان , جون بيرتن , جورجى شافنزراوف , ماكيلاند , كابلن , فايتل , فرانكل وروز وغيرهم .. فكثرة الباحثين والدارسين فى هذا الصدد دليل على أهمية الموضوع سيما بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وإنهيار مبدأ الدول القومية . فبينما يرى هانس مورجانثو أستاذ العلاقات الدولية الشهير أن : ” جوهر العلاقات الدولية هو السياسة الدولية .. وأن موضوع السياسة الدولية هو الصراع بين الدول المستقلة من أجل القوة ” – المصدر : المرجع السابق , ناصيف يوسف حتى , النظرية فى العلاقات الدولية ص 8 .
أما ستانلى هوفمان الذى راجت أفكاره فى ستينات القرن الماضى فيقول : ” إن حقل المعرفة للعلاقات الدولية يعنى العوامل والنشاطات المؤثرة فى السياسات الخارجية وفى قوة الوحدات الأساسية المكونة لعالمنا ” ? المصدر : دمحمود خلف , مدخل إلى علم العلاقات الدولية , منشورات المركز الثاقفى العربى , الطبعة الأولى ص 66 ? 70 .
وتوالت بعد ذلك التعريفات التى تناولت أمر العلاقات السياسية الدولية , حيث ذهب هولتسى إلى أن العلاقات الدولية تنشأ داخل ” كل مجموعة من كيانات سياسية , قبائل , دول , مدن , أمم , إمبراطوريات تربط بينها تفاعلات تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق نوع من الإنتظام ” . فى الوقت الذى يرى مارتن بأنها ” مجموع المبادلات التى تعبر الحدود او تحاول عبورها ” – المصدر : د. محمد سامى عبد الحميد , العلاقات الدولية , مقدمة لدراسة القانون الدولى العام , الدارالجامعية للطباعة والنشر لبنلن بيروت ص 10 ? 13 .
وإنطلاقا من هذه التعريفات التى جاءت فى مطلب المبحث الأول مؤكدة لأهمية الطبيعة السياسية والحدودية لكل دولة يمكننا أن نعرف العلاقات الدولية بأنها كل : ( علاقة ذات طبيعة سياسية أو من شأنها إحداث إنعكاسات وآثار سياسية تمتد إلى ماوراء الحدود الإقليمية لدولة واحدة ) . والشاهد أن جميع هذه الدراسات وخاصة فى بداياتها سعت لإجلاء الغموض وتحديدا للمعنى بشكل اكثر دقة . ولمعرفة طبيعة هذه العلاقا ت ومجالها سيما فى الدراسات الجامعية وقد أشار – الفريد زميرن ? إلى هذا حيث أكد ” أن دراسة العلاقات الدولية تمتد من العلوم الطبيعية من جهة إلى الفلسفة الأخلاقية من جهة ثانية ” ? د.محمد سامى عبد الحميد , مصدر سابق , ص 20 . فلا ينبغى أن ننسى أن جل تلك الدراسات جاءت من فكر إستعمارى بل هو الذى عمل على تمويلها والترويج لها طيلة تلك الفترة التى أعقبت معاهدة وستفاليا فى أواخر القرن السادس عشر , والتى جاءت جميعها بمعزل عن الدول فى بقية أنحاء العالم التى كانت تعيش فى شبه عزلة عن العالم ولذا هى غير مسؤولة مسؤولية تامة عن الإنهيارات التى أصابت جسم العلاقات السياسية الدولية بل تكون مسؤولة مسئولية تضامنية , بقدرما تسؤل تلك الدول التى سعت لصياغة ملامح نظام دولى سياسى جديد يكون مسئولا عن امن وسلامة المجتمع الدولى فيما بعد . ” الدارس ” ..
نواصل
[email][email protected][/email]