السودان البريطاني بعيون رحالة أجنبية

السودان البريطاني بعيون رحالة أجنبية
A Foreigner Looks at the British Sudan
أوديت كووين Odette Keun
مقدمة: هذه ترجمة لبعض ما جاء في كتيب من تأليف الرحالة والصحافية والكاتبة الهولندية أوديت كووين (1888 ? 1978م)، والتي نشرت الكثير من المؤلفات عن رحلاتها في آسيا وأروبا وافريقيا. وقيل إنه كانت لتلك الكاتبة علاقة غرامية بالروائي البريطاني الشهير هيربرت جورج ويلز. وربما تكون الكاتبة قد تأثرت ببعض أفكار ويلز غير التقليدية في زمانها، غير أنها ? في رأيي- لم تتأثر بالأسلوب السلس لذلك الروائي العظيم، فلغتها عسيرة عويصة، وأفكارها شديدة السطحية والتعميم والعنصرية (حتى بمقاييس عشرينيات القرن الماضي).
نشرت دار فابر وفابر بلندن كتيب السيدة كووين عام 1930م.
المترجم
****** ********* ********
لست بريطانية، ولا علم لي ولا علاقة بالنظام البريطاني. غير أن رحلاتي العديدة في أرجاء هذا العالم المضطرب أتاحت لي فرصا عديدة للقاء بريطانيين في مستويات مختلفة في السلم الإداري والعسكري والدبلوماسي والقضائي والأمني والتبشيري. وخرجت من كل تلك المقابلات بخبرة لا تزال عالقة بذهني. وكنت محتارة في أمر هؤلاء البريطانيين. فما أسهل أن تجد في أفعالهم ما يستوجب النقد العنيف في كثير من الأمور، مثل محاولتهم إحياء إمبراطورية عتيقة (أحيانا بوسائل وحشية وانتقامية)، في الوقت الذي كان عليهم فيه بناء نظام عالمي جديد. غير أني أقر بأنهم كنوا دوما يعطون أكثر مما يأخذون بما لا يقاس. وأنا أشك كثيرا في أن التفوق وعلو الشأن الذي يبدونه في عرضهم للقوة التي يعوزها الخيال سيساعدهم على المدى الطويل في تحقيق أهدافهم الفاقدة للعاطفة. ولا ريب أن في ذلك نوعا من التعويض. أما سمعة القسوة والوحشية التي يعتقد غالب سكان العالم أن الإنجليز قد اكتسبوها عن جدارة واستحقاق، وحافظوا عليها بقوة، فإنها ستعيق بلا شك جهودهم وتعرقل مساره.
لم أذكر كل ذلك إلا لأفسر موقفي عندما سافرت في أرجاء السودان البريطاني. وبداهة فإن سفري كان يتسم بعدم الحماسة. إذ لم يسبق لي الترحال في أي دولة مستعمرة أو محمية أو تحت الانتداب إلا وغمرني شعور بالغضب واليأس والقنوط يدفعني لكتابة مثل هذه الكتابات الاحتجاجية. ولم يكن هنالك من سبب يدعوني لأفترض أن السودان البريطاني ? والذي لا يسمع عنه العالم إلا قليلا – سيكون استثناءً من القاعدة. كما أنني قد سئمت من الدفاع عن القضايا الخاسرة ومصارعة طواحين الهواء، ورغبت في الخروج، وبأعجل ما تيسر، من مصر، بصخبها وضجيجها، وبإلحاف شحاذيها وطمعهم، وبعدم كفاءة شعبها المخدر المخادع والمرزؤ بعقدة الدونية، والسفر جنوبا للتمتع بالدفء بعد ستة فصول شتاء مفرطة البرودة، ولأحدق في الأسود والأفيال وأفراس النهر. وقد رأيت كل تلك الحيوانات البرية بالطبع، لكن ليس في مرتعها الطبيعي، بل في حديقة الحيوان البهيجة في الخرطوم.
لقد تمشيت في أرجاء السودان البريطاني قبل ذلك التاريخ الوحشي، حيث كانت بالسودان امبراطوريات وإمارات محلية صغيرة تتميز بالبربرية وعدم النظام والاستقرار. وكانت البلاد تحت سيطرة هؤلاء الزعماء المحليين مرزؤة بالمرض والجهل والقبلية المقيتة. وظل السودان على حاله، بل ازداد سُوءًا في عهد الحكم المصري ? التركي، حتى دخل الجيش البريطاني ? المصري للبلاد. ولا يستطيع حتى أكثر البلاشفة تطرفا أن يزعم بأن بريطانيا وقعت على غنيمة تحسد عليها باحتلالها للسودان وهو على تلك الحالة البئيسة.
وعين المستعمر البريطاني في سنواته الأولى ضباطا من الجيش لإدارة البلاد. ومع بغضي لكل ما يتعلق بالجيوش النظامية في أي مكان، فإني أعتقد أن هؤلاء الضباط قد أدوا عملا جيدا يستحقون عليه الإجلال والتقدير والاحترام. فقد علمت أنهم منحوا سلطات إدارية وقضائية غير محددة، وأطلقت أياديهم في أرض تبلغ مساحتها نفس مساحة الهند البريطانية، فتنقلوا فيها على ظهور الجمال والخيول والبغال، واكتشفوا قبائل لم تكن معلومة للعالم. وكان عليهم اقناع الأهالي، بالحسنى وبغيرها، بأنهم يختلفون عن “الترك” القساة الذين حكموهم من قبل. وإلى الآن تجد من كبار السن من يطلق على البريطانيين لفظة “الترك”. وأثبت هؤلاء الضباط قدرتهم على إنشاء حكومة قوية وفعالة، وأقاموا نظاما وعدلا غير مسبوق في البلاد، وفرضوا ضرائب عادلة، وجمعوا كل البلاد تحت إدارة مركزية مطاطة واحدة. وفي غضون عشرة أعوام نجح هؤلاء الضباط في تعليم عدد كبير من الأهالي، وفي بسط الأمن والاستقرار بالبلاد. وغدت الخرطوم تنمو شيئا فشيئا لتصبح مدينة تسعى حثيثا نحو العصرية. والآن، وبعد مرور ثلاثة عقود على دخول البريطانيين بلغ تعداد سكان السودان أكثر من ستة ملايين، وصارت البلاد تعتمد على مصادرها الذاتية دون اللجوء إلى البلدان الأخرى. ويعد السودان الآن (وبالمقاييس المحلية) قطرا مزدهرا وآمنا وينعم بتعليم راق، ومدرسة طبية خرجت أطباء محليين يعملون بكفاءة في مختلف ربوعه. وبمقارنته ببعض الدول التي استعمرتها الدول الأوربية الأخرى منذ أكثر من مئة عام نكتشف أن السودان أكثر سعادة وغنى وصحة. ويحق للمرء أن يسأل كيف تحقق كل ذلك؟
لقد قضيت أوقاتا طويلة أتفكر في أمر الشعوب غير المتحضرة وهي تقاد بواسطة شعوب متحضرة في طرق خاطئة وعن قصد شرير أحيانا. ولعل من حسن حظ البريطانيين أنهم وجودوا السودان وأهله في حالة بائسة من الفقر والتعاسة. فقد كان سكان البلاد منهكين، وقليلي العدد، وليس في أيديهم من أسلحة فعالة. وبذا لم يكن عندهم من الطاقة والقوة ما يقاومون به أي غازٍ لبلادهم. وكانوا، بسبب جهلهم المطبق وتخلفهم الشديد قد تركوا أراضيهم الشاسعة (ومعظمها جرداء وغير منتجة) دون استغلال. وللتدليل على بؤس حال السودان قبل دخول البريطانيين له أن ما من أحد من الأوربيين حدث نفسه بغزو السودان والاستيلاء عليه غير محاولات ليبولود البلجيكي لتوسيع إمبراطورتيه والتمدد شمالا من الكنغو، ووصول مايكل مارشاند الفرنسي إلى فشودة. فلم تكن إذن هنالك مؤامرات سياسية، أو مصالح تجارية أجنبية، أو أي شكل من أشكال الاستغلال للأهالي، أو “اقتلاع” للمدنية والحضارة عندهم. وأفضل من كل ذلك: لم تكن توجد عندهم أي بقايا أو آثار لحضارات سابقة. وبعبارة أوضح يمكن القول بأن السودان لم يشهد حضارة من قبل (هكذا! المترجم).
ويعتقد كثير من الأوربيين أن السودان لم يشهد عبر تاريخه أي حضارة تستحق الذكر. وفي الثلاثين عاما الأخيرة التي أدخل فيها البريطانيون الحضارة بالبلاد، تذكر السودانيون أنه كانت لهم حضارة تليدة سادت ثم بادت. وهذه هي عادة كثير من الأعراق المقهورة (وبعد أن تدرك أنها قهرت تماما) تظل تنسج، ربما على سبيل التعويض، أساطير مثيرة عن ماضيها الزاهر، وتاريخها المجيد، وعن حضارة لها سبقت غيرها. وما يذكره الإيرلنديون والبولنديون واليهود والعرب والهنود في هذا الباب كثير يثير الملال. وسيقوم السودانيون، مع مرور السنوات، بفعل المزيد في هذا الجانب التعويضي، وسيخترعون قصصا رومانسية وسجلات رائعة عن تاريخ وطني بالغ القدم وزاهي المجد. وكثير من أفراد هذه الشعوب المقهورة يزعمون أنهم “توقعوا” ما قام به الغرب من إنجازات، بل ويتسابقون لجمع شذرات من هنا وهنالك لتثبت أن حضارة أسلافهم القديمة هي “منبع الحكمة والعلم والفضيلة”. ويزعم كثير من خطباء وكتاب المسلمين والعرب اليوم أن لهم صلة دم بصناع حضارة إسلامية (Saracen civilization) قديمة. وهي، بالمناسبة، حضارة بالغ الناس في تعظيم قدرها وجعلوا منها أُسْطورة لعصر ذهبي. أما غير العرب – الذين لا يعترف بأن في دمائهم نقطة دم عربية واحدة – من النوبيين والحاميين والزنوج النيليين فسيعلمون (من مدرسيهم البريطانيين!) عن عظمة تهراقا والكنداكة ومعبد آمون في نبتة، وطاولة الشمس في مروي، وسيبحثون في عالم تلك الظلال المنسية عن أمجاد “الأمة” و”الثقافة”، والذي لا يجدون لها أثرا في ماضيهم القريب ولا في حاضرهم أيضا. وسيكتشفون بأن عندهم أيضا الإسكندر وقيصر ونابليون، وأيضا ? من الماضي القريب – موسوليني. وبدأت الآن في الظهور بعض مظاهر التمجيد للمهدي وخليفته عبد الله، وهما في نظري من أعتى الوحوش unmitigated monsters التي عرفها تاريخ البشرية. وسيكون من الخطأ الفادح إن لم يقم البريطانيون بقيادة مسيرة الحضارة الظافرة. ولم يقف عمليا في طريقهم لتحقيق ذلك إلا الحقد والضغينة (من غيرهم من الأوربيين)، وإلا لتقدموا على كل الدول في كل المجالات، وبما لا يقاس.
ورغما عن تلك الهالة المتألقة من الخيال، تبقى الحقيقة العارية أن السودان لم يشهد عبر كل عصوره كيانا عرقيا أو تاريخيا موحدا. وببحثي في تاريخ ذلك البلد لم أجد في تاريخه القديم غير خليط من ممالك السكان المحليين medley of aboriginal potentates الذين ليس بينهم من صفة مشتركة غير البربرية. ثم تعاقبت على السودان قوى خارجية، من شرق ووسط أفريقيا، ومن مصر منذ عهد الإمبراطورية القديمة. وما الآثار التي اكتشفت في السودان إلا صدى للوجود المصري القديم بالبلاد. وفي القرون الأولى التي تلت ظهور المسيح قامت بعض الممالك المسيحية في دنقلا وعلوة إلى أن بدأت في القرن السابع غزوات المسلمين التي أثمرت عن انتشار الإسلام بشمال البلاد ? أرض النوبة – وسنار وكردفان، بينما استمسك سكان الجنوب الزنوج بعقائدهم الوثنية التقليدية وعاداتهم القديمة. وبهذا التاريخ، من يمكنه الادعاء بوجود “تاريخ وطني / قومي” في السودان؟ أدرك أني قد أكون قد قدمت تلخيصا مبسطا لتاريخ هذه البلاد، وهو ? كما قد يرى القارئ ? لم يكن غير سلسلة متصلة من الغزوات والاحتلال وإعادة السيطرة. وربما تكون هنالك أمورا أكثر أهمية في هذا العصر في شؤون العلم الحديث والسياسة والأخلاق ethics والصناعة والتجارة. ففي اعتقادي أن البقاء في أسر التاريخ غير مجد، وقد يكون عرضا لمرض خطير. وعلى كل حال، فإنني أكرر القول بأن السودان لم يكن في يوم من الأيام، وليس الآن، قطرا (واحدا) أو حتى مجموعة أعراق متباينة لحمت welded مع بعضها لأسباب عملية في منطقة واحدة. وكنتيجة لذلك، فقد كان على البريطانيين عند توليهم شأن إدارة السودان رسم خريطة واضحة (رغم بؤسها) له.
وأختلف موقف البريطانيين عن المستعمرين الأوربيين الآخرين في تخطيطهم للسودان. فلم يستغلوا “حصانتهم impunity” وفعلوا في السودان ما فعله البلجيك بالكنغو، أو الألمان في غرب أفريقيا (حين دفعوا عام 1905م في ناميبيا بثلاثين ألفا من الرجال والنساء والأطفال من قبيلة الهروير Hereros إلى صحراء كلهاري ليقضوا جوعا وعطشا)، أو الفرنسيس في الجزائر التي اقتطعوا أجزاء منها وخصصوها للمستوطنين الفرنسيين، أو ما فعله الهولنديون في جزر الهند الشرقية، أو ما فعله البرتغاليون والإسبان في جنوب أمريكا. وقصص هؤلاء المستعمرين في تلك المستعمرات تجسد المجازر والقسوة والجريمة والحماقة. وإن كان البريطانيون قد فعلوا ذلك، أو أعادوا في السودان ما فعلوه بالمصريين والهنود فلم يكن هنالك من قطر في أوروبا ليثنيهم عما يريدون فعله. وما فعلوه في السودان ? دون غيره من المستعمرات – قد يكون ثمرة ذكائهم الحاد أو أمانتهم أو إنسانيتهم، أو بسبب فشو أفضل ما في روح ذلك العصر من محاولة تحاشي كل مزالق وعيوب وخصال الدول المستعمرة. فقد كان السودان من آخر الدول التي دخلها الجيش البريطاني، ولعله كان أفضلها. وكان للبريطانيين هدف واحد من غزوهم للسودان، ألا وهو نشر المدنية والحضارة والتقدم في أوساط أهالي ذلك البلد. وقاموا في سنوات استعمارهم للسودان بثلاثة أشياء مهمة وغير مسبوقة تماما كان أولها أنهم تركوا ملكية الأراضي للمواطنين، حتى عندما كانت غالب الأراضي الصالحة بالبلاد تستخدم في زراعة القطن، والذي تعتمد عليه الدولة كمحصول نقدي رئيس. وكان ثانيها إنهم قاموا بمنع البريطانيين من التجار والمهنيين من الاستيطان بالبلاد، وفي هذا مفارقة لتقليد استعماري راسخ كان يتيح للمُستعمِر بأن يستغل، ولأقصى درجة ممكنة، كل ما تقع عليه يده لمصلحة بلاده، ويمنح حق تملك الأراضي للمستوطنين من البلد المُستعمِر. وكان ثالثهما هو امتناعهم عن فرض أي نوع من أعمال السخرة أو الأعمال التي لا يمنح فاعلها عليها أجرا.
وأفلح البريطانيون في إتباع طرق علمية وعملية لحل المشاكل، فأنشأوا السكة حديد والسدود ومحالج القطن. وقاموا كذلك بنشر التعليم بكل مراحله، وجلبوا من بريطانيا وغيرها الخبراء في كل مجال، ودربوا زراعيين للقضاء على الآفات وزيادة انتاج المحاصيل، وأطباء بشريين وأطباء بيطريين لعلاج ومكافحة أمراض الإنسان والحيوان، ودربوا بعض نساء السودان كي يعملوا في مجال الصحة الإنجابية وفي القبالة. ولإدراك أهمية المهنة الأخيرة (القبالة) يجب تذكر مكابدة آلام نساء الأهالي ومعاناتهن عند الولادة بسبب الخفاض الفرعوني. وعم الأمن ربوع البلاد حتى أنني عدت للخرطوم من أقاصي جنوب كردفان بمفردي في سيارة يقودها سوداني لا يتكلم الإنجليزية. فقضيت أياما لا أرى إلا أرضا قاحلة لا تنمو فيها غير أشجار التبلدي والطلح التي جفت أواقها وتساقطت، ولا أشاهد إلا رجالا متوحشين savage، طوال القامة، وسود البشرة، وهم عراة كما ولدتهم أمهاتهم. وكلما اِنثَقَبَ أحد إطارات سيارتي، تجمع هؤلاء الناس في صمت حول السيارة بينما كان السائق يجد في عملية تغيير الإطار، ويبحلقون في وفي ما كان معي من حقائب، ويديمون النظر إلى حقيبة يدي الضخمة، وكان في مقدورهم أن ينتزعونها مني بكل يسر. غير أنهم لم يفعلوا بل ظلوا يحيونني في تردد خجول وهم يرفعون أيديهم في محاولة لتقليد التحية العسكرية. ولم أر أي جندي أو رجل شرطة، أو حتى شبح ممثل للسلطة على طول الطريق إلى الخرطوم. وخطر ببالي أنها شجاعة عظيمة تلك التي تدعو امرأة بيضاء وحيدة أن تخاطر بالسفر بمفردها، من غير سلاح، ومع سائق واحد، في بلاد رجال وثنيين مسلحين، وفي أرض تجوبها الأسود الضارية، ولا يصيبها أحد بسوء. غير أن الفضل في ذلك لا يعود لشجاعتي بقدر ما يعود للسلطات التي أشاعت كل ذلك الأمن والسكينة بالبلاد.
*** ****
بدأت رحلتي للسودان من مصر على ظهر باخرة من “الشلال” بعد أن خلصت نفسي من جموع المصريين المزعجين من نوع الباعة المتجولين والحمالين والشحاذين والنشالين والمرشدين السياحيين الذين يهجمون على القادمين كالقمل! ولن أنس الارتياح الذي لا يوصف الذي غمرني عندما وجدت موظفين وعمال وخدم سودانيين أستطيع أن أعتمد عليهم، فهم يمتازون عن غيرهم بالسرعة والكفاءة، وأهم من كل ذلك بالعمل في صمت! وأعجبت بالعاملين في الباخرة الذين كانوا يحافظون على قمراتنا والحمامات في غاية النظافة، وهم لا يظهرون أمام السائح عشرات المرات في اليوم طلبا لـ “البقشيش” كما يفعل غيرهم، بل يأخذون البقشيش عند انتهاء الرحلة، وبكل كرامة واحترام النفس. ولحكومة السودان أن تفخر بمثل تلك العمالة المحلية المجيدة لعملها. ففي كل جوالاتي في آسيا وأفريقيا لم أعثر على عمال يتعلمون أصول مهنتهم كما رأيت في السودان، كما لم أجد أوربيين معلمين masters في كفاءة البريطانيين.
ومن وادي حلفا بدأت رحلتي للخرطوم بقطار مريح كان أنظف قطار رأيته منذ أن فارقت أوروبا. وكان العاملون على الخدمة في ذلك القطار في غاية المهنية والكفاءة، ويعاملون كل الركاب معاملة متساوية لا تفريق فيها. غير أني قضيت يوما وليلة في ذلك القطار ولم أر من النافذة غير منظر واحد قبيح ورتيب هو منظر أرض صحراوية قفر يباب… وتذكرت حال جنود كتشنر البيض الذين كان عليهم قطع تلك الفيافي تحت أشعة الشمس الحارقة سيرا على الأقدام وهم في مسيرتهم الجبارة نحو الخرطوم لتخليص البلاد من قبضة الخليفة عبد الله.
وأخيرا وصلنا إلى الخرطوم صباحا فوجدناها ? مقارنة بما كابدناه من كأباة منظر الصحراء الرتيب – خضراء زاهية ورحبة. لن أذهب إلى حد وصفها بأنها “واحة خضراء”، ولكنها كانت بالفعل عامرة بالمساحات الخضراء والأشجار الباسقة والشوارع الفسيحة، والتي كانت تحيط بها مبان حكومية حسنة البناء. وكان كل ما يراه المرء في الخرطوم يعطيك إحساسا بالنظام order. فليس في محطة القطار بالخرطوم من يجذبك من ثيابك أو يلحف في سؤالك، أو يحاول أن يبيعك ما لا تحتاجه، أو يصيح في وجهك ? كما هو الحال في أماكن أخرى بأفريقيا وآسيا ? وعند المقارنة مع القاهرة يشعر المرء بأن الخرطوم مدينة تخلو من السكان، وشديدة الهدوء، ومريحة للأعصاب. وإن كان لي من انتقاد لشرطتها فهو أنها ? ورغم كفاءتها العالية في كل الأمور تقريبا ? لم تفلح في إجبار سائقي عربات الأجرة التي تجرها الخيول (الحناطير) وسيارات الأجرة (التاكسي) على القبول بتعريفة محددة. وكذلك لم تكن بغرف الفندق الحكومي الوحيد بالخرطوم (الفندق الكبير) مرواح كهربائية حتى في شهر إبريل القائظ الحر، رغم علمي بأنهم يمتلكون تلك المراوح! غير أني يجب أن أذكر أن ذلك الفندق يتميز بتقديم أفخر ما يمكن أن يتصوره المرء من طعام وشراب في هذا البلد.
وعلى عكس مدينة الخرطوم، تجد أمدرمان على ضفة النيل الأخرى قرية ضخمة ببيوتها الطينية القديمة وشوارعها الرملية المتعرجة، وبمتاجرها الصغيرة كالصناديق، والتي تجد فيها رجال يعملون بجد واجتهاد وهم على الأرض قُعُود في صناعة الأحذية المحلية أو حقائب الجلد أو السروج، وبقية الأشياء التافهة وغير المجدية futile trifles التي يحبونها في الشرق منذ القدم. ويرتدي رجال أمدرمان من مختلف الأعراق والأصول الملابس القطنية المعتادة مثل “العراريق” والسراويل الطويلة، بينما ترتدي النساء ثياب “الزراق” دون حجاب، وغالبا ما ترى خلفهن عددا من الأطفال الحفاة والحيوانات. وأمدرمان مدينة مثيرة للزوار الأجانب. وإن كنت تعتقد أن بها موقعا مسكونا بالأشباح فهي المنطقة المحيطة بـ “بيت الخليفة”. ولا يمكن للمرء أن يمسك بتلك الأشباح بالطبع … وهل هنالك من شيء يمكن الإمساك به في الشرق؟
وقررت زيارة “حكومة السودان” رغم أني أدرك أنهم لا يحبون زيارة السياح لمقرهم، خاصة وأن أكثر من 99% من النساء الأوربيات بالبلاد من البريطانيات، وأنا امرأة أجنبية، وهذا مما يزيد الأمر تعقيدا. فأنا أعلم أن البريطاني رجل ومؤدب ولطيف وسريع الدعابة عندما يكون بمفرده. غير أنه ينقلب إلى شخص مغرور، عنيد، ثقيل الدم ومتعكر المزاج عنما يكون في وسط جماعته. وقمت بعد تلك الزيارة بتلبية عدد من الدعوات لحفلات استقبال في منازل الموظفين البريطانيين، وعلمت أن هؤلاء الموظفين يقضون لياليهم في حفلات لا تكاد تنقطع، حيث يناقشون وبحرية كاملة فيها أخطر الشئون وأحقرها عن عملهم. ألم أقل إن السودان بلد متميز؟
وسافرت بالقطار إلى واد مدني عاصمة النيل الأزرق لأشاهد ذلك المشروع الزراعي الضخم، مشروع الجزيرة. وفي تلك المدينة وجدت أن البريطانيين أقاموا حديقة عامة وحماما للسباحة ونَادٍ اجتماعي. ثم سافرت لأرى ذلك البناء الضخم المعمار والقبيح الشكل: خزان سنار، الذي يروي مشروع الجزيرة. ورأيت القطن وهو في موسم لقطه، ورأيته ينقل للمحالج. ولاحظت أيضا أن الفلاحين يزرعون أيضا في “حواشاتهم” الذرة، وهي طعامهم الأساس. وسافرت بعد ذلك لسنجة عاصمة مديرية الفونج. ولم أشاهد فيها ما يستحق الذكر. فهي مدينة صغيرة جدا تقع في منطقة محاطة بالغابات والمستنقعات. لذا آثرت أن أقضي أيامي بسنجة في بيت مدير المديرية الأنيق وأكتفي بالأنس والحديث مع من فيه.
تعجبني منازل البريطانيين بالسودان، فهي جميلة وعملية جدا، وأثاثها البسيط القليل يناسب البؤس الذي في خارجها. غير أن أدوات المطبخ الكلاسيكية في تلك المنازل وما يوضع على مائدة الطعام من أدوات (صحون وأكواب ومعالق الخ) نالت إعجابي، إذ أننا نفتقدها الآن في أوروبا. ولكن ما ضايقني قليلا هو الالتزام الصارم بطقوس تناول العشاء الرسمية التقليدية حتى وإن كنت في أكثر الأماكن وحشية وفقرا! فعلى سبيل المثال لا يمكنك تناول طعام العشاء على مائدة أحد الإداريين البريطانيين إلا وأنت ترتدي كامل ملابسك الرسمية وتنتعل حذاءً جلديا. فلبسك “شبشب slipper” غير مسموح به حول مائدة الطعام، حتى وإن كنت قد عدت لتوك في يوم بالغ الحرارة من جولة متعبة وقدماك تؤلمانك من الورم! وقد يكون مرد ذلك هو اهتمام الإداريين البريطانيين بالهيبة prestigeوعلو المكانة في عيون الأهالي البسطاء، خاصة وإن الخدم السودانيين الذين يعملون في منازل هؤلاء البريطانيين كانوا أيضا يلزمون بارتداء جلاليب / قفاطين ناصعة البياض مع أحزمة ملونة زاهية.
ولا يجب أن يغب عن ذهن المرء وهو يكتب عن السودان البريطاني أن حكومة السودان هي حكومة أوتوقراطية بكل ما تحمله الكلمة من مَعَانٍ. بل هي أكثر أوتوقراطية من كل ما عرفته في السابق من حكومات. وهي لا تتبع لإدارة شئون المستعمرات (المسئولة عن شئون الشعوب الأقل رقيا inferior peoples) كما هو الحال مع حكومات الدول المستعمرة الأخرى، بل كانت تتبع لوزارة الخارجية البريطانية مباشرة، والتي كانت لا تحاسب الحكومة السودانية على ما تفعل، خاصة وأن حكومة السودان كانت تعتمد على مواردها الذاتية ولا تحتاج لعون مالي أو اقتصادي أو قضائي من الحكومة البريطانية. فقد كانت الحكومة السودانية قد أصدرت قانونا للعقوبات من مصادر مختلفة، ولكنه كان يعتمد بصورة رئيسة على قانون العقوبات الهندي. غير أن القانون التجاري السوداني كان مستمدا من القانون الإنجليزي. أما الخلافات المحلية بين الأهالي فقد كانت تحل وفقا للقوانين المحمدية أو بواسطة شيوخ القبائل بالطرق التقليدية وفق العادات والنظم القبيلة.
وبعد قضاء عدة أيام في سنجة سافرت لمديرية كردفان، وتحديدا في منطقة جبال النوبة. واستلزم زيارة تلك المنطقة تبادل عدد من البرقيات بين جهات عديدة. فليس بمقدور امرأة أوربية أن تتجول في تلك المناطق دون موافقة حكومية، خاصة وأنها كانت قد شهدت توترا في تلك الأيام بسبب خلاف حول تقدير الضرائب وطرق جمعها، أو بسبب عدم الرضى من زعيم القبيلة، أو ببساطة بسبب رغبة عضوية organic في إثارة المشاكل (stirring – up of the blood). فكل هذه الأعراق، كما يبدو لي، تتلذذ بالتمرد والثورة بين كل وقت وآخر، لا سيما وانهم كانوا قد عاشوا عقودا طويلة تحت ظروف غير مستقرة جعلتهم يرون أن العيش في سلام دائم وكامل أمر يبعث على السأم والملال!
وقضيت أيامي في الدلنج، تلك المدينة ذات الطبيعة الجميلة، في استراحة حكومية أنيقة، وزرت قطاطي الأهالي البائسة بها ولكني أعجبت بمستشفاها، فهو مستشفى حديث ولكنه يراعي الخصوصية المحلية، حيث أنه لا يحتوي على عنابر (wards) بل على 12 عشة جيدة التهوية (airy tukls) في كل واحدة منها ثلاثة أو أربعة من الأسرة المحلية (العناقريب). ولاحظت أن المرضى في ذلك المستشفى كانوا عراة كما ولدتهم أمهاتهم، بأجسادهم السوداء الناعمة الخالية من الشعر. وكانت النساء يضعن حول أعناقهن حلى بسيطة ووُشوما على صدورهن وأيديهن، وهن في حالة ابتسام وانشراح دائم فيما يبدو. وكان الطبيب السوداني الذي يعمل في ذلك المستشفى رجلا مجيدا، فقد تخرج حديثا من مدرسة كتشنر الطبية، ويعمل الآن تحت إشراف رئيسه البريطاني، دون اختيال أو خنوع. وكانت الأمراض في المنطقة لا تتعدي الملاريا والبلهارسيا والقروح، وهي أمراض تعالج بنجاح تام في ذلك المستشفى.
وقمت أيضا بزيارة القري التي تقع حول الدلنج في رفقة مساعد مفتش المركز الإنجليزي، والذي ظل يلفت نظري لنساء القرى ويسميهن “السيداتThe ladies ” في محبة وعطف بائنين.
وللنوبة عدة قبائل مختلفة لها لغاتها وديانتها المتباينة المعقدة. ويقول مساعد مفتش المركز الإنجليزي (المحب للنوبة) إنهم قوم لهم فضائل كثيرة وأخلاقيات عالية خاصة مع نساء ورجال الجيران، ولا يحملون لأحد حقدا ولا ضغينة، ولا يكذبون ولا يقسون على أحد، وقد يقتلون بعضهم بعضا، ولكن ليس مع سبق الاصرار والترصد. وليس أمام مساعد مفتش المركز الإنجليزي غير مشكلتين في أرض النوبة، أولهما اقناع هؤلاء الناس بارتداء الملابس، وثانيها هو عدم تعلم اللغة العربية، إذ أن تعلمهم لتلك اللغة سيلوث عقولهم وأرواحهم بلا أدنى شك بالعقلية والعادات العربية. غير أني شخصيا أتمنى أن تحمي الإدارة البريطانية هؤلاء النوبة الوثنيين من بعض الأشياء المحددة مثل البناطلين (trousers)، والإسلام، ومدرسي اللغة الإنجليزية وعلم الأحياء!
وزرت كذلك في جنوب كردفان مدينة تلودي، وأقمت فيها باستراحة متواضعة ذات سقف حديدي مموج جعل غرفتي شديدة الحرارة بأكثر مما هو في الخارج! ويسكن بالمدينة خليط من العرب والنوبة. واحتفلت بي بعض نساء تلودي بعرض راقص وجدته باعثا على السأم والكآبة والملل … تماما مثل كل ما رأيته في تلك “المدينة”. وقابلت في تلودي ثلاثة رجال بريطانيين، كان أحدهم خبيرا في مجال الحشرات، ومهندس يعمل في محلج للقطن وآخر يعمل مساعدا لمساعد المركز. وأعجبت بصمود هؤلاء الشباب تحت ظروف أشبه بالمستحيلة. وهذا ما يدعوني للقول بأن نجاح السودان هو نتيجة منطقية لجهد وعمل وصمود أمثال هؤلاء الرجال.
وكان ما يزعجني في السودان، كما في دول مستعمرة أخرى سبق لي زيارتها، هو أمر التعليم. فأنا أعتقد جازما أن كل غلطاتنا ومآسينا وجنونا مرده هو تلك الأفكار الرديئة أو الجبانة أو الأنانية أو المربكة عن التعليم في المستعمرات. ودعني أقر أولا بما أنجزته حكومة الخرطوم في مجال التعليم. فحتى عام 1928 كانت هنالك بالسودان 11 مدرسة ابتدائية و80 مدرسة أولية (كتاب) و489 مدرسة تقليدية (خلوة) تدعمها الحكومة و3 ورش مهنية و17 مدرسة أولية للبنات وكلية واحدة لتدريب المعلمات. وكان مجموع عدد الطلاب والطالبات بالبلاد 28315 (غير طلاب كلية غردون، والتي ضمت مدارس للطب وللقانون والشريعة). وكان لتلك الكلية الفضل في تخريج أعداد كبيرة من شباب السودانيين شغلت وظائف هامة في مجال الإدارة وغيرها. وعلى ذكر كلية غردون، يجب ألا ننسى ذلك الرجل (غردون) الذي نسجت حوله من الأساطير العاطفية الشيء الكثير. فقد أقيم له تمثال كبير في أكبر شارع بالخرطوم، وخلدت ذكراه بإطلاق اسمه على أول كلية بالبلاد. غير أن غردون ? في نظري – لم يحسن الدفاع عن الخرطوم ضد عدوه الشرير. أما قصة قطع رقبته تلك … آه من تلك القصة! أعتقد أنه توجد طرق أسوأ يمكن أن يقتل المرء بها ? وعندما يدرس المرء سيرة الرجل دراسة جدية يكتشف أنه كان في الحقيقة رجلا مغامرا، ومتعصبا دينيا، وكان بالغ القسوة في الصين، وضابطا فوضويا غير مطيع، ولا يفوق في الشجاعة أي جندي عادي يتخلى عن التزاماته المهنية وشجاعته عند لقاء العدو. وكان رفضه لمقابلة أسير المهدي المرتد سلاطين حدثا بغيضا. وبدا لي أن غردون كان من نفس عجينة المهدي من ناحية نفسية، رغم أن المهدي كان رجلا مسلما، وغردون بروتستانتي الديانة.
قمت في زيارتي للسودان بزيارة عدد من المدارس الصغيرة فوجدتها نظيفة مرتبة منظمة. وعلمت أن تعليم البنات في ازدياد مضطرد، وزادت أعداد الطلاب في البلاد بين عامي 1927 و1928 بنحو 5000 طالبا وطالبة، وما زال الأهالي يطالبون بالمزيد رغم مصاعب التمويل وسوء الطقس وتعدد اللغات المحلية. وتقوم المدارس التبشيرية (المسيحية) بنشر التعليم في أوساط الزنوج الوثنيين. غير أنه مما يؤسف له أن تنوع طوائف المسيحية (بين الرومان الكاثوليك والمشيخيين Presbyterians والأنغليكانيين وغيرهم) أحدث أثرا سيئا في أوساط هؤلاء الناس. وها ما يدفعني للقول بأن التعليم يجب أن يكون شأنا حكوميا لا دخل للجماعات الدينية المختلفة به.
المقال طويل رغم فيه بعض المعلومات المفيدة مثال ( ويعتقد كثير من الأوربيين أن السودان لم يشهد عبر تاريخه أي حضارة تستحق الذكر. وفي الثلاثين عاما الأخيرة التي أدخل فيها البريطانيون الحضارة بالبلاد، تذكر السودانيون أنه كانت لهم حضارة تليدة سادت ثم بادت. وهذه هي عادة كثير من الأعراق المقهورة (وبعد أن تدرك أنها قهرت تماما) تظل تنسج، ربما على سبيل التعويض، أساطير مثيرة عن ماضيها الزاهر، وتاريخها المجيد، وعن حضارة لها سبقت غيرها…
*** كلام علمه عند الله *** *** كلام علمه عند الله *** *** كلام علمه عند الله ***
المقال طويل رغم فيه بعض المعلومات المفيدة مثال ( ويعتقد كثير من الأوربيين أن السودان لم يشهد عبر تاريخه أي حضارة تستحق الذكر. وفي الثلاثين عاما الأخيرة التي أدخل فيها البريطانيون الحضارة بالبلاد، تذكر السودانيون أنه كانت لهم حضارة تليدة سادت ثم بادت. وهذه هي عادة كثير من الأعراق المقهورة (وبعد أن تدرك أنها قهرت تماما) تظل تنسج، ربما على سبيل التعويض، أساطير مثيرة عن ماضيها الزاهر، وتاريخها المجيد، وعن حضارة لها سبقت غيرها…
*** كلام علمه عند الله *** *** كلام علمه عند الله *** *** كلام علمه عند الله ***
وكانت الأمراض في المنطقة لا تتعدي الملاريا والبلهارسيا والقروح
تصحيح:
وكانت الأمراض في المنطقة لا تتعدى الملاريا والبلهارسيا والقروح
شكرا لك يا استاذ بدرالدين لطالما تمتعنا هذه التراجم وتفيدنل كثيرا بوركت وفتح
الله عليك ارجو الا تتوقف ابدا .واتمني ان تتبني جهة ما جمع كل انتاجك وطباعتها
اتمنى ان يطلع المسئولون الحاليين على هذه التراجم .عسي ولعل يحسوا بتأنيب الضمير .فى وطن اضاعوه كان يمكن ان يكون مثال يحتذي فالنهضة لباقى الأمم.وشكرا لك يابروف بدر الدين على جهدك .
كل ما زكرته الكاتبة من خصوصية و نسبته للمستعمر هو في الحقيقة بفضل خصوصية انسان المنطقة بدليل ان نفس المستعمرات بشهادتها لم تكن بنفس الخصوصية … الكاتبة تتميز بلغة فوقية لا تخطئها عين القاري و لا تلام عليها بصفتها امراءة اوربية في ذلك الذمان وهي تنظر بعين السائح … نلاحظ ان الكاتبة و رغم اقرارها المسبق بعدد من الفضائل الغير متوفرة في مستعمرات اخري الا انها نسبت الفضل الي المستعمر و ليس لخصوصية انسان المنطقة الذي اجبر المستعمر علي التعاطي بطريقة مختلفة عن باقي المستعمرات و اكتسب احترام الكيان الاداري البريطاني لخصوصيته … نلاحظ كذلك محاولة فرض الثقافة النصرانية .
موضوع رائع يستحق القراءة بحق، وهو من القليل النافع في هذا الموقع المهرجل والذي غثه أكثر ن سمينه. وللحقيقة فيه نقاط تستحق الوقوف عندها فيما يخص السودان والسودانيين فقط لم يشر الكاتب والمترجم لتاريخ هذه الزيارة ,, مشكور انت اخ علي بدر الدين وجهدك مقدر
في اعتقادي أرآء الكاتبة تعتبر شخصية وهي موجهه الى الاروبيين ربما لثقافة المجتمع الأروبي الامبريالي الاستعماري في ذلك الوقت هذا هو تفكيرهم ونظرتهم الى المجتمعات الاخرى نظرة أستعلائية ولم تدرك أن مثل كتاباتها هذة سوف يقرأها آخريين غيرهم
فيما عدا ذلك فالمقال ممتع وملئ بالحقائق عن الصفات الكريمة للسودانيين في ذلك الزمن وبالاخص القبائل النوبية ومقارنة بصفات البشر بالدولة المجاورة التى عبرت منها الكاتبة الى السودان
شكراً
يااستاذ/ بدر الدين الهاشمي