مفوضية الإيرادات.. المعاني قبل المباني

وأخيراً جداً صار لمفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات القومية مقراً ومبنى منذ إنشائها قبل عدة سنوات، وقد كانت (الجهجهة والملطشة) التي عاشتها بعدم وجود مقر دائم لها غير بيوت الإيجار الى جانب أسباب جوهرية أخرى سبباً في استقالة الاقتصادي المعروف ووزير المالية الأسبق إبراهيم منعم منصور الذي كان أول من شغل منصب الرئيس فيها، فبالأمس حملت الصحف خبر افتتاح النائب الأول لمبناها الجديد، وهي – على كل حال – خطوة جيدة وإن تأخرت كثيرا، ولكن يبقى الأهم من المبنى أن يكون لهذه المفوضية معنى بأدائها لدورها المناط بها في مراقبة الإيرادات وإعادة تقسيمها بين الولايات بعدالة وشفافية، وطالما أن هذه المفوضية المنسية قد عادت الآن الى واجهة الأحداث بعد طول غياب ونسيان، نسأل الله أن لا تعود سيرتها الأولى وكأنها لا راحت ولا جات – كما يقال شعبياً عن الشيء وجوده وعدمه سيان.
فمن سيرتها السابقة غير المحمودة أن قسمتها الضيزى الأشبه بكيمان المرارة؛ كانت دائماً محل اعتراض واحتجاج من الولايات على المفارقة المالية البائنة بين ما هو مخصص للمركز من نصيب، وما هو ملقى من فتات للولايات، كما ظلت وما انفكت وزارة التربية والتعليم دائبة الشكوى من ذلها وهوانها من ضعف التمويل الحكومي للتعليم الأساسي والثانوي والبحث العلمي، والمؤكد أن الصحة ليست أحسن حالاً ولطالما شكا المعنيون بأمرها من شُح الصرف والتمويل الذي كان من الأسباب الرئيسة في تدني الأداء الصحي والطبي، بل أن هذا ما تعانيه وزارات ومؤسسات القطاع الخدمي عامة، ليس على مستوى الولايات فحسب وإنما في المركز بالدرجة الأولى الذي يذهب فيه أهل الدثور ممن يطلق عليهم (الوزارات والقطاعات السيادية) بالتمويل والصرف المعتبر و(يقبضوا السمينة) – على رأى الساخرين؛ الذين حين يجدون زميلاً لهم قد فتح الله عليه بمبلغ محترم يقولون عنه (فلان الليلة قابض السمينة)، وهكذا تقبض هذه الوزارات السيادية ــ والسيادة لله ــ السمينة وتترك للبقية التنازع على (الجلافيط والكدارين)، هذا غير ما يمكن أن تحوزه بعض أو كل هذه القطاعات السيادية من أموال جانبية مجنَّبة، وظلت هذه القسمة المعتلة والمختلة هي السمة التي تسم أداء كل الموازنات عبر السنين بلا أي تغيير ولو طفيف يحسب لصالح الوزارات الخدمية ومؤسسات الدعم الاجتماعي ولجم غلواء الفقر، وإنما دائماً ما تأتي القسمة على حسابها لدرجة يمكننا معها القول، ما اقتنت جهة سيادية من مال إلا بما افتقرت به جهة خدمية أو مؤسسة خدمة اجتماعية، ومهما كانت المبررات والأسباب التي تمنح الوزارات السيادية هذه الحظوة المالية إلا أنه لا يعقل أن تصل بها إلى هذه الدرجة من المفارقة والفروق بينها وبين الأخريات اللائي لا يجدن سوى الفتات.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..