لالوب السودان ولا عنب فرنسا.. ديكتاتورياتنا ولا ديمقراطية غيرنا

لالوب السودان ولا عنب فرنسا
ديكتاتورياتنا ولا ديمقراطية غيرنا
د. علي عبدالقادر/باحث أكاديمي/ باريس
[email protected]
كنا في مقالنا السابق بعنوان ” قضايا فساد الحكام الفرنسيين وبعض حكام العرب” وفي نهاية المقال همسنا بفكرة المقارنة بينهم وبيننا، وهانحن اليوم نواصل توارد بعض الخواطر التي أثارتها الإحداث الجارية بالبلاد العربية.
أثناء سنوات دراستي الجامعية بفرنسا أتيحت لي الفرصة للالتقاء بكثير من الطلاب من جنسيات عديدة ومن بلاد بعيدة فكان منهم المكسيكي والكوري والبرازيلي والصيني والجنوب أفريقي والنيجيري والإيراني والأمريكي والكندي والاسترالي والهندي ومن كالدونيا الجديدة كذلك كان هناك طلاب مغاربة ببقية الكليات بالجامعة. وأثار انتباهي إن أسلوبية التفكير ومنطقيته وكذلك درجات الانفعال النفسي تختلف باختلاف الجنسيات، فمثلاً غلب على الأسيويين طابع الهدوء بينما غلب على العرب طابع الحدة وعدم الراحة النفسية؟
من أوائل الجمل التي حفظونا أياها في دروس تعليم اللغة الفرنسية جملة تقول “نحن في فرنسا لا نملك البترول ولكننا نملك الأفكار”. و لما كانت أغلب الدول البترولية هي دول عربية، وباعتبار أنني الوحيد بالصف ذو لسان عربي فكنت أجد نفسي معني بالأمر وفي موقف دفاعي. فكنت أعلق على تلك الجملة الاستفزازية قائلاً هل يعني ذلك أن الدول التي تملك البترول لا تملك ملكة التفكير وقادني الأمر للبحث عن أسباب عدم امتلاك الدول البترولية وخاصة العربية القدرة على التفكير بصورة سليمة وقلت لعل الخلل له جذور في المرجعية المكونة للفكر الناطق بالعربية وهكذا سعيت إلي التحسين من ثقافتي من خلال الإطلاع على فكر ابن خلدون وموافقات الشاطبي و المواردي و المستصفي حيث توقفت كثيراً ومازلت أراوح عند أبي حامد الغزالي ثم نظرت إلي تنظير بن نبي الجزائري وقرأت أغلب كتابات محمد عابد الجابر وتحليلات محمد أركون وغيرهم فيما يخص تفكيك وتحليل العقل العربي ومعرفته ولكن كل ذلك التنظير الفلسفي وما صاحبه من حلول لم يشف غليلي ويضع المبضع تحديداً على موقع الخطأ داخل المحتوى الفكري للفرد العربي مسلم كان أم مسيحي أو لا ديني.
كنت أتسأل بأن فكر يعلن مبدأ “أنا وأخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب” هل هو فكر معافى؟، و تسألت : هل وجود حرب البسوس وغيرها من الحروب الجاهلية أحداث تاريخية طبيعية واستوقفتني كثرة الاغتيالات في العهد العباسي وخاصة بالسم وبين أفراد العائلة الواحدة !هل قوله ” وما أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشد غزية أرشدِ ” يدلل على عادة جاهلية قبلية وبدائية ليس إلاً؟ أم هي صفة لها جذورها ضمن مكونات العقل العربي.
جاء الإسلام مكملا لمكارم الأخلاق ولكن إذا كانت تلك الأخلاق في حد ذاتها بها داء عصي ماذا عسانا فاعلين؟ دعاني لتوارد الخواطر السابق رغم قلة بضاعتي في علوم الاجتماع والفلسفة ما حدث ويحدث من ثورات في البلاد العربية هذه الفترة الأخيرة وما صاحبها من عنف ودماء.
يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام “لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئ مسلم”، ورغم ذلك استعر القتل واستسهل الاغتيال وكأن الروح العربية أو الدم العربي لا قيمة لهم، فمثلاً استمرت الحرب الأهلية اللبنانية لفترة 15 عام وحصدت فيها آلآف الأرواح، ولأجل ماذا؟ ووقعت مجازر حما والفلوجة وغيرها ولم تثور الشعوب العربية، واستسهل زهق الآلاف الأرواح بقرار ما وجرة قلم، ومن ذلك تلك الأرواح الطاهرة من خيرة المسلمين وحفظة القران الذين أبيدوا خلال بضع سنين في دارفور، ولم يجد الرئيس السوداني حجة تبريرية سوى القول بأن عدد القتلى كان 10 الآلاف فقط، وليس 300 ألف كما تناقلته وسائل الإعلام العالمية. و أشدد على كلمة “فقط” وبالرغم من ذلك كله لم تتم محاكمة ولو شخص واحد. وبنفس السوء القى الرئيس السوداني بالآلاف المؤلفة من الشباب والشيوخ في محرقة حرب جنوب السودان غير المسلم بهدف أسلمته ومات الآلاف ولم تتم أسلمة جنوب السودان بل انفصل وأصبح دولة قائمة بذاتها. أليس في ذلك خلل في منهجية التفكير ذلك إن وجدت هذه الأخيرة أصلاً.ا
تقع حوادث قتل وسطو ونهب يومياً بدول الغرب بل إن الحياة غير آمنة البتة ويقتل المرء بلا سبب أحيانا من قبل عصابات أو أفراد ولكن القتل لا يكون جماعيا ولا يتم استسهال الأمر بل أنه أحيانا يستصعب قتل هر أو كلب في تلك البلاد. قد يقول قائل بأن الغرب يعاني من نفس تلك الهمجية والبربرية وان الحروب الصليبية الحديثة التي وقعت في البوسنة والهرسك هي دليل على ذلك. ودون أن تكون محاكمة بعض المسئولين الصرب واستمرار ملاحقة آخرين هي رد شافي، نقول أننا نعتقد بأننا فوق الغرب من حيث رفعة المبادءي الإنسانية وسمو الأخلاق حتى قبل مجيء الديانات السماوية ولا يمكننا التحجج بأن وجود الشراسة البهيمية بالغرب هو مبرر لوجودها لدى العرب أيضاَ.
ولو قبلنا علي مضضَ ما سبق فكيف نبرر الصراعات والحساسيات بين دولنا العربية علي مستوى الحكومات بل وعلى مستوى الشعوب. بل إنه لا توجد دولتين عربيتين إلا وبينهم صراع حدودي وكمثال لذلك الخلاف القائم بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية، بل إننا نجد داخل البلد الواحد صراعات وانقسامات كما هو في اليمن بين شماله وجنوبه وانفصال جنوب السودان عن شماله وتكوين دولة السودان الجنوبي. لا عذر بأن تلك الحدود رسمها الاستعمار،وعلى كل هو عذر أقبح من الذنب، فلماذا لم ننجح في التوحد بعد الاستقلال؟
هل الخلل مرتبط بالعادات والتقاليد؟ هل هي ثقافة الصراع؟ هل الأمر هو خطاء في التعليم أم هو سمة حضارية مميزة للمجتمعات العربية؟.
وهناك سمة أخرى لذلك الخلل في التفكير. ألا وهي وجود نزعتين متناقضتين داخل كل فرد، من ناحية نزعة شراسة وتعطش لممارسة القهر والعنف مادياً كان أو معنوياً أو لفظياً ضد من هو اضعف، ومن ناحية نزعة خوف ممن هو أعلى سلطة. و نستغرب لكيفية نجاح الحكام بقتل كل معاني الشجاعة والنخوة لدي الفرد العربي! فما الذي أصاب الشعب المصري ليرضخ تحت قانون الطوارئ لمدة 23 عام دون أن تكن له مقاومة تذكر؟ وما الذي جعل دولة مثل العراق ترضخ للاستبدادية عشرات السنين في خنوع تام؟.
قبل أن يتهم أحد الأديان بسبب ذلك الخلل في التفكير، نجد إن دول الأعاجم في ماليزيا وباكستان واندونيسيا والهند وبرغم روح التدين الكبيرة في تلك البلاد و اختلاف مصادرها ما بين الإسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية.، فهى دول تقدمت على جميع الأصعدة ووصل بعضها لتصنيع القنبلة الذرية مع أتسام الفرد فيها بالهدوء والانضباط ؟
إذن الدين براء من هذا الخلل وبنفس الدرجة فإن الأمر غير مرتبط باللغة العربية لأننا نجد نفس العلل وخاصة العنف في الصومال وأفغانستان، بل امتدت الشراسة حتى الجيل الثاني والثالث من أبناء الجاليات العربية أو المسلمة التي ولدت في الغرب الأوربي.
لنتفق بأن الحياة البدوية في صحراء قاحلة وظروف مناخية قاسية ولدت في الفرد العربي غلظة وقابلية للعنف تشكلت تلك القدرة الدفاعية أولا من أجل البقاء وسط الصحراء حيث لا زرع ولا ضرع و فوق ذلك ضرورة أخذ الحيطة والبقاء في وضع تأهب لان الهجوم من القبائل الأخرى أو حتى من أي طرف غريب أو قريب متوقع في أي لحظة وحين. و لعله بمرور الزمن وتحول الحياة نحو المدنية تحول ذلك العنف إلي شراسة وتحفز، أي بقيت شرارة دفاعية وحيلة هجومية متوقدة في الذهن العربي وتحول الأمر الى ما سمي بسرعة البديهة. ومن ناحية أخرى، فإن حياة الكر والفر لا تعطي المرء فرصة للتأمل والتفكير الهادي ولعل العرب ألفوا وتطبعوا بهذه النفس غير المطمئنة والروح القلقة وتوارثوها.فأصبح عدم الرضا والتوجس هو قانون للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، فحكمهم الحكام بالضغط والحديد والنار وقديما أعلنها الحجاج “أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله ، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ، وإني لصاحبها ، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى … ، وأيم الله لألحونكم لحو العود ، ولأقرعنكم قرع المروة ، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل … إنما هو انتضاء هذا السيف ، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف ، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ، ” ومن هذا نستشف بأن الحجاج يعتبر بأنهم قوم لا يصلح معهم سوى الاستبداد وفي أحسن الأحوال الاستبداد العادل. ويبقى السؤال هل ثمن التغيير في بلادنا لا يمهر ألا بالدماء؟
الصحافة
أولا نشكر الدكتور على هذا الطرح..
لكن في إعتقادي (وارجو أن يتقبل الدكتور ذلك) بأن
هنالك خلل أساسي في نقطة إرتكاز المقال وهي فرضية
أن السودان عربي وأن السودانية هم بالضرورة عرب.
والكاتب لم يفصل لنا هل عروبتنا هذه من المكتسبات
(كالتعليم مثلا ) أم أنه إعتبرنا بداهة عرب ككل الإعراب..؟؟
تعليقي بسيط وإن لم يرق الى مستوى التحليل :
نحن لسنا عربا وأقصد بذلك الناحية السلوكية للفرد السوداني
(بالرغم من الخلل في العبارة)..فنحن نعيش في بلاد الغربة العربية
ردحا طويلا من الزمن وكلما طال بنا الزمن نكتشف بأننا لا نشبه
هؤلاء العرب في سلوكياتنا..وهم أيضا يشعرون أيضا بهذه الفروقات
كما يشعر بها أيضا الآخر كالباكستاني والهندي وجميع الفئات الأخرى
إذ يشعروك بأنك مختلف كثيرا في السلوك والمعاملة عن المصري والفلسطيني
والسعودي وخلافهم من العرب. من العسير أن تجد شيئا ذا أهمية مشترك
بين بقية العرب والسودانية ..أنا أشكك بقوة في البديهية التي إنطلق منها
الكاتب.
فيا اخي قصة داحس والغبراء والزير سالم "لا ناقة لنا فيهم أو جمل"
في العهد العباسي انتقلت العلوم والمؤلفات الى الغرب الأوروبي ……
"تقع حوادث قتل وسطو ونهب يومياً بدول الغرب بل إن الحياة غير آمنة البتة ويقتل المرء بلا سبب أحيانا من قبل عصابات أو أفراد ولكن القتل لا يكون جماعيا ولا يتم استسهال الأمر بل أنه أحيانا يستصعب قتل هر أو كلب في تلك البلاد"………………
جميع أنواع القتل موجودة عندنا فردي وجماع والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه وإلا فماذا نسمي التصفيات في أوساط الطلاب والصحفيين والفنانين وووووووووو ………..إلخ ولكن السؤال من هو الذي أدخل هذا النوع من القتل (التصفية) في بلاد السودان؟
أما بالنسبة للدول الغربية فلا يمكن أن نقارنها بحالنا وأعطيك مثال واحد ( الآن الدول الغربية وفرت لرعاياها في "اليابان" يعني ليس في بلدانهم وفرت لهم الإمصال المضادة للإشعاعات الذرية الناتجة من المفاعل النووي وأمريكا طلبت من رعاياها الإبتعاد من ذلك المفاعل مسافة80 ثمانين كيلومتر في حين ان تأثير المفاعل لا يتعدى 30 ثلاثين كيلو متر مما يدلل علي إهتمام حكومات تلك البلدان بشعوبها حتى ولو كانوا بعيدين عنها وكذلك الدلالة على قيمة الإنسان عندهم …..فما بال حكوماتنا تنتهك حرمات شعوبها وتقتلهم وتشردهم وتلاحقهم أينما ذهبوا لسحلهم وتصفيتهم؟
الإجابة بسيطة هي أن تلك حكومات ديمقراطية منتخبة من قبل شعوبها وخاضعة لرقابة ومحاسبة تلك الشعوب أما حكوماتنا ………………. أكمل باقي الإجابة
أي ديكتاتورية مرفوضة .. عنوان المقال استفزازي لايمكنك اسقاط الكل لخلل في الجزء يادكتووووووووووووووور
( ويبقى السؤال هل ثمن التغيير في بلادنا لا يمهر ألا بالدماء؟)
الاجابة نعم لان الذين يحكموننا لا يروق لهم الا سفك الدماء حتى ولو يعلم انه ذاهب غدا لانهم تعودوا على جملة عفا الله عما سلف