الحكم الوطني صنف المواطنة من درجتين بتمييز منسوبي السلطة على الغلابة

حقيقة فان التصنيف العالمي للدول والشعوب يكاد يجمع على إن العالم ينقسم إلى دول متقدمة ومتحضرة مقابل دول متخلفة ولهذا التصنيف وجهان مختلفان حيث إن التصنيف الأول تقوم مقوماته اقتصادية أما الثاني وهو موضوع هذه المقالة فهو يقسم العالم لفئة أولى المواطن فيها هو الدرجة الأولى ويعلو مركزه على كل منسوبي السلطة لان المواطن هو منبع السلطة وصاحب القرار وهذا لا يتوفر إلا في الدول التي تحكمها المؤسسية الديمقراطية قوامها أحزاب مؤسسية ديمقراطية تقوم على حاكمية الشعب بينما الفئة الثانية ولا تعرف إلا في الدول التي تخضع لحكم غير مؤسسي ديمقراطي يفرض على الشعب بعد أن تغيب سلطته فتقسم المواطنة لدرجة أعلى تتمثل في منسوبي السلطة من مختلف درجاتها حسب الدرجة في السلطة وهؤلاء تعبر عن طبقتهم المميزة بطاقتهم التي توضح مراكزهم في السلطة في مواجهة المواطن العادي الذي لا يحمل أي هوية وانتماء للسلطة مع انه في الدول التي تحكمها المؤسسية الديمقراطية هو السلطة وليس حملة البطاقات بالوكالة عنه وان كانت هناك مفارقة فان أغلبية دول التخلف تعانى من الدرجتين التخلف اقتصاديا والتميز سلطويا.
نكابر نحن في السودان إذا لم نعترف بأننا من الدول التي تجمع بين التخلف الاقتصادي وتميز منسوبي السلطة بما يحملونه من بطاقات على كافة المواطنين أصحاب الحق المهدر الذين تصادر عنهم حقوقهم الاقتصادية وحاكميتهم الأعلى التي تعلو مراكز السلطة.
وإذا كنت في المقالات السابقة تناولت التخلف الاقتصادي الذي افرز طبقة قليلة لا تتعدى خمسة في المائة من الشعب من الذين يسرون بثروة البلد بسبب ما يتمتعون به من سلطة وما يقارب خمسة وتسعين في المائة الذين يفرض عليهم الفقر لحساب أثرياء السلطة لان سلطاتهم أجهضت بسبب غياب المؤسسية الديمقراطية.
ولعل الفارق بين التصنيفين عالميا يبدو جليا وواضحا لوقارنا واقع الحال اليوم بين علو المواطنة على أي سلطة في أوروبا وأمريكا بسبب سيادة المؤسسية الديمقراطية التي تجعل من المواطن السلطة الأعلى والتي صنفت بالمجتمعات المتحضرة فان المواطن العادي هو الأعلى تصنيفا من أي سلطة بما يملكه من صوت حر يحكم به في نهاية الأمر على من تولى السلطة نيابة عنه بالوكالة.
فمن يصدق منكم إن رئيس دولة في أهم دول العالم أمريكا اجبر على التنحي من منصبه لما ثبتت عليه واقعة كذب واحدة عندما أنكر انه لم يكن على علاقة مع آنسة تلك القضية التي اشتهرت بفضيحة ووترقيت وثبت عدم صحة نفيه فأقصى من منصب الرئاسة ليس لان الدولة ترفض له حقه في هذه العلاقة ولكن لان من يكذب ليس جديرا بان ينوب عن الشعب في حكمه وقبله كان مرشحا للرئاسة تهدد ترشحه بأنه سبق ملاحقته قبل سنوات في سن الشباب بواقعة تهرب وتحايل من دفع الضريبة المستحقة عليه وهى حق للمواطن مما اعتبروه ليس أهلا لينوب عن الشعب في السلطة بل والمفارقة الأكبر إن القضاء الأمريكي ممثل في المحكمة الدستورية العليا التي لا تملك الحكومة إعفاء أي من أعضائها وان كانت تملك ملء أي خانة تخلو فيها وتملك هذه المحكمة أن تقصى أي رئيس عن منصبه إذا ثبت عليه أي خروج عن المبادئ التي يجب أن يتحلى بها ليكون حاكما نيابة عن الشعب.
فأين دول التخلف من هذه القيم والمبادئ التي تنبع شرعيتها وقتها من المؤسسية الديمقراطية.
دعونا من هذا المنطلق نقف على واقع السودان منذ الحكم الوطني.
مكابر من ينكر إن منسوبي السلطة منذ عرفنا الاستقلال يتميزون على كافة المواطنين في كل معاملات الدولة بما يحملونه من بطاقات تثبت انتسابهم للسلطة ومع مراعاة التدرج في قوة البطاقة كلما على مركز صاحبها في السلطة.
ففي أي مرفق من مرافق الدولة فان بطاقة المنتسب للسلطة تميزه وتقدمه على المواطن الذي لا يحمل بطاقة وتحميه في مواجهته حتى لو كان مخطئا ولعل اخطر ما في هذا الأمر إن حق المواطن الغلبان الذي لا يحمل هذه البطاقة مع انه هو صاحب الحق ويفترض أن يكون السلطة الأعلى فانه إذا تعرض لظلم أو خطا في حقه في أي مرفق من مرافق الدولة فان المواطن البرئ يصبح هو المجرم أو المخطئ كأنما حامل البطاقة غير ملزم بالقانون مع إن الحال في دول التحضر هو العكس حيث يتعرض لعقوبات أقسى باعتباره مسؤول عن احترام القانون وليس العكس طالما هو رقيب على تنفيذه.
واقع غريب فرضته بطاقات منتسبي السلطة على المواطن العادي الذي لم تقف معاناته على فقره بل امتدت لان يخسر حقه وتساء معاملته لو تعرض لظلم من حامل بطاقة خاصة لو كان حامل البطاقة من درجات أعلى خاصة من حملة بطاقات القوات النظامية المختلفة من كافة الأجهزة التي يفترض إنها هي المعنية باحترام القانون والرقيبة عليه فلنرى بشفافية تامة كيف يكون المشهد عند مخالفتهم للقانون فهو وحده يتحدث عن هذا التميز خصما على القانون وهم حراسه.
فعلى سبيل المثال ربما لأنها الأكثر وضوحا في الشارع العام فانظروا كيف تتعامل شرطة المرور وهى تسد الطرقات للاطمئنان على تطبيق القانون فترى العربات المخالفة محجوزة في صف تحت رقابة شرطة المرور ولما يراجع الشرطي سائقي العربات المخالفة لعدم ترخيص العربة فانه ما أن بطالع بطاقة السائق فانه يسارع بتحية السائق المخالف ويخلى سبيله وعربته بينما يحتجز المواطن خلفه حتى يسدد الغرامة المطلوبة أو يحال للقسم وتحجز عربته بل يمتد ذات الموقف عندما توقف العربات في مكان محظور فمتى اتضح إن بينها عربة خاصة لصاحب بطاقة فانه لا يتعرض لمساءلة ويصبح مسموحا له بالبقاء في موقعه المخالف بينما يخضع من لا يحمل البطاقة لتطبيق القانون مع إن الأولى بالمحاسبة حامل البطاقة لأنه هو حامى القانون والقانون لا يستثنى حماته من المحاسبة بل اشد قساوة معهم فكيف يسمح لهم بمخالفته ولا تضاعف عليهم العقوبة كما هو الحال في الدول المتحضرة ويمتد المشهد داخل أقسام الشرطة نفسها فحامل البطاقة يبقى فى ضيافة المسؤولين تحت المكيفات والخدمات حتى لو كان هو المخطئ بينما يقذف المواطن البرئ بعنف داخل الحراسة مع انه لم يخطئ.
هذا قليل من كثير فالمشهد هو نفسه في كل أجهزة الدولة حيث يتميز فيها حملة البطاقات على المواطن العادي حيث يبقى المواطن في الصفوف بانتظار دوره بينما يستضاف صاحب البطاقة في مكاتب المدير ويقضى له غرضه دون أن يخضع لدوره مع كافة المواطنين.
عفوا ما أوردته قليل من كثير يعايشه المواطن في كل مرافق الدولة حيث التميز يعلن عن نفسه علانية على عينك يا تاجر بينما مشهد واحد من هذه الحالات لو شهدته أمريكا أو أووربا يطيح بالحكومة بكاملها لان المواطن هو الأصل وليس منسوبي السلطة ولكن هكذا دول التخلف وهكذا الحال في السودان (مش كفاية على المواطن المعاناة الاقتصادية لزومه شنوا الاحتقار وأين صوت البرلماني الذي استأسد في قضية الخادمتين فأيهما أولى بالاهتمام ولكن هذا لن يحدث لأنه نفسه مميز ببطاقته (سبحان الله).
اها الوظيفة بتغيروها علئ كيفكم ولاا شنو
اها الوظيفة بتغيروها علئ كيفكم ولاا شنو