الزول الوسيم: عبد الخالق محجوب في ربيعه الثامن والثمانين (3-4)

(اعتذر عن اللبس الذي احتفلت به بربيع أستاذنا هذا قبل شهر من توقيته الصحيح في 22 سبتمبر القادم. وهي سقطة شيخوخة معروفة ب”سنيرز مومنت”. ولكن هذا أيضاً حال ذي الشوق القديم)

علي المثقف السوداني أن يتواضع حيال الماركسية التي جاء بها أستاذنا عبد الخالق محجوب لنا إذا أراد أن يستحق الصفة. فما زال هذا المتعلم يستغربها ويدرأها عنه بمصطلح ديني لا يقبل به هو نفسه في شوؤن الحكم كما نرى في حرب كثيرهم للإنقاذ. وليست من نظرية في المعرفة “غير ناقصة” (كما تجري عبارة هؤلاء المتعلمين) ولكن كشف نقصها مسؤولية ظلت صفوتنا تستخف بها حتى تداركها الجهل المطبق. ثم تواترت مشاكل الماركسية في أوربا بتهافت المنظومة الاشتراكية فوجد المتعلم في ذلك تكأة للإضراب عن الاطلاع عليها نهائياً.

متى كان الانصاف رائد صفوة الهرج وجلد الذات الراهنة فإنها ستميز الماركسية بأنها النظرية التي صالحت طائفة من المتعلمين مع واقع بلدهم. فالمتعلم بالتعريف مستلب من الواقع لأن التعليم المدرسي الاستعماري جعله ضيفاً ثقيلاً عليه كما قال صلاح فرج الله. فمشروعية ذلك التعليم أصلاً في تنفيذ مهمة الرجل الأبيض المقدسة التي صُممت لتحربرنا من الترهات التي نسميها ثقافة. ولذا ضاق الخريج بواقعه بل طبعوه على الاشمئزاز من واقع أهله والتربص به لنزعهم منه بغير أن يكلف خاطره لفهمه. فخريج تعليم بخت الرضا وامتدادته يرمي بواقعه عند باب المدرسة ليجري شحنه بواقع متخيل من الحداثة الاستعمارية. وأكثر فشل النادي السياسي الطويل، بما في ذلك الإسلاميين الذين تظنهم مقطوعين من قماشة ذلك الواقع، في أنه لا يأخذ دقائق واقع الناس بقوة. فقامت سياسات توطين الرحل وتشييد دوانكي الماء مثلاً على استنكار الصفوة لنمط اقتصاد الرعي و”ذهنه البدوي”. وخابت.

الماركسية في قاع قاعها هي التحليل الملموس للواقع الملموس. ولذا يبدأ فرع الحزب الجيد بدراسة واقعه في ما يسمى “خرطة المجال”. وأذكر أن كلفونا في رابطة الطلبة الشيوعيين (رطش) للمعاونة في كتابة خرطة مجال مديرية الخرطوم. فذهبنا لمصلحة المساحة للحصول على خرط للمديرية ووصف موقعها ومساحتها وغيرها من الإحصاءات. وما جعل محمد إبراهيم عبده، الذي لم يكمل دراسة الهندسة بجامعة الخرطوم، اقتصادياً مذكورا أنه خريج مدرسة المجال. فما أن كلفوه بقيادة الحزب في عطبرة حتى توافر على دراسة اقتصاد السكة حديد لكي يصقل مهارته القيادية. ثم درج في هذا السلك إلى يومنا. وكانت مجلة “الشيوعي” المنبر الأول لعرض هذه الدراسات مفعمة بالإحصاء والدقائق كما مر.

كان الحزب مدرسة سياسية سماها صلاح أحمد إبراهيم “ولنا إرث من الحكمة والحلم وحب الكادحين”. فجعلت من التفرغ في خدمة الشعب وظيفة مُشبعة عنوانها الزهادة وأجرها محسوباً كأجر الطُلبة في الحكومة. فلم يسمع أحد بعد تكشف أرشيف الدولة السوفيتية عن تكفف الحزب السوفيات، الذين ما كانوا ليرفضون له طلباً، ليبسطها على المناضلين. وهؤلاء الزهاد العباد هم من أسميتهم ب “الأفندي المضاد”. وزج الحزب بهؤلاء الزهاد وسط الشعب في إعادة تربية مباشرة ونبيلة. وانفتحت مدارسه لتعليم الماركسية وتطبيقها بصورة خلاقة على الواقع السوداني. وركز على تدريب أعضائه ومن حولهم حيل العمل السياسي. فتعلم النقابيون منهم كيف يصوغون مطالبهم، وكيف يعرضونها، ويروجون لها، ويفحمون المخدمين بها. وعَلّم الناس التكتيك كحيلة سياسة لبلوغ الغاية الإستراتيجية بعزيمة مثل المزج بين العمل القانوني وغير القانوني، وبناء الجباه العريضة، والإضراب السياسي العام، وفن المساومة.

وحديثنا القادم عن أسلوب الرجل وملكته القيادية ولين عريكته وأنسه ورقائقه.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. 1.【ثم تواترت مشاكل الماركسية في أوربا بتهافت المنظومة الاشتراكية فوجد المتعلم في ذلك تكأة للإضراب عن الاطلاع عليها نهائياً.】

    الاشتراكية في اوروبا في رائيي هي “ماركسية لايت” ترجع نجاحها الي عاملين: ١. تبني شعارات وبرامج الماركسية الداعية للعدالة الاجتماعية ٢. مشاركة الاحزاب اليمينية المحافظة (وهؤلاء هم ورثة/وممثلي مصالح نظم الاقطاع والاقتصاد الكنسي ثم الرأسمالي) في ترهيب وتخويف وترويع شعوب بلادهم من غول الماركسية (ممثلة في الاحزاب الشيوعية في اوروبا) التي لو حكمت لصادرت اخضرهم ويابسهم وعزيز ما بناه آباؤهم بجهد عرقهم. الماركسية فشلت في درء هذا الهجوم بنجاح (مثلا بتركيزها علي العدالة الاجتماعية)، لهذا لم تحكم في غرب اوروبا. وتعاني حتي اليوم، وحتي في الاوساط المستنيرة التقدمية، كما في اوساط الكادحين الذين تستبطل(to champion) قضاياهم، من مشكلة قبول كبيرة ومزمنة في الرأي العام. زد علي ذلك في السودان تهمة/سبة الالحاد ومعاداة الماركسية للدين، والتي وظفتها الاحزاب المحافظة بنجاح لهزم الماركسية في ملعب الرأي العام.
    So Marxism has always had, and in Sudan still has, huge public image issues and problems. And it urgently needs to counter that. By impeccable PR work

    2.【علي المثقف السوداني أن يتواضع حيال الماركسية التي جاء بها أستاذنا عبد الخالق محجوب لنا إذا أراد أن يستحق الصفة】

    حتي صياغة الجملة اعلاه (أن يتواضع ? إذا أراد أن يستحق الصفة) _رغم فهمي ان المقصود هنا ليس الشعب، بل ما يسمي “المثقف السوداني”:whoever that might be_ ينم عن عدم حساسية كافية في مخاطبة الرأي العام.

    3.【كان الحزب مدرسة سياسية سماها صلاح أحمد إبراهيم “ولنا إرث من الحكمة والحلم وحب الكادحين”.】

    هذه ليست بنقاط رابحة (winning points) سياسيا او استراتيجيا (رغم جمال الشعر). فكل سياسي وحزب في السودان يدعي الحكمة والحلم وحب الكادحين! فقط التركيز علي “العدالة الاجتماعية” قولا وفعلا هو ما سيفحم خصوم الماركسية في السودان، ويجعل لها وقعا وقبولا ورواقا بين الملايين من الاجيال الشابة المعدمة التي افقرتها الاحزاب المحافظة المتاجرة بالدين بغاء الدنيا، والسابة للماركسية في السودان بتهمتي الالحاد ومعاداة الدين الجائرتين.

    Marxism in Sudan is in dire need of a good, oiled, smooth-running, patient and intelligent PR machinery, if it ever should have any decisive say or role in Sudan

  2. معقولة دا منطق دكتور وكمان استاذ في جامعة…سجم الجامعات التي يدرّس فيها امثالك
    يقول حضرة الدكتور: (((فالمتعلم بالتعريف مستلب من الواقع لأن التعليم المدرسي الاستعماري جعله ضيفاً ثقيلاً عليه كما قال صلاح فرج الله. فمشروعية ذلك التعليم أصلاً في تنفيذ مهمة الرجل الأبيض المقدسة التي صُممت لتحربرنا من الترهات التي نسميها ثقافة)))
    صلاح فرج الله مين وانت مين …لم يكن في السودان غير تعليم الخلاوي…تعليم ديني صرف…ولا شئ غير الظلام يخيم في البلاد ويعشعش في العقول وجاءت الادارة الانجليزية وانشأت المدارس الحديثة ولاول مرة عرف السودان والسودانيون علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والطب الحديث والجغرافيا…وهي العلوم التي سماها العرب في العصر العباسي بعد ترجمتها بعلوم اليونان وكانت سبب النهضة العلمية في ذلك العصر…ويأتي حضرة الدكتور ليقول انها الثقافة الاستعمارية ثقافة الرجل الابيض ثقافة الاستلاب…احمد الله انك تعلمت في مدارسهم حتى ذهبت لامريكا للتدريس..اذا لم تستفد من هذا التعليم جيدآ فليس هذا مشكلتهم
    والمضحك بالجد ان حضرة الدكتور بعد كل هذا يقول: ((علي المثقف السوداني أن يتواضع حيال الماركسية التي جاء بها أستاذنا عبد الخالق))
    من اين اتت الماركسية التي جلبها لك استاذك عبد الخالق محجوب اليس من اوربا…اليست هي ايضآ من صناعة الرجل الابيض
    هل تريد إبطال نظام التعليم العام وتدريس الماركسية فقط في المدارس لانها تلامس الواقع على حد زعمك؟؟؟
    لقد ادعت الماركسية انها لا تريد تفسير الواقع وظواهره فقط بل وتريد تغييره ولكنها فشلت وانهارت النظم التي قامت على ايديولوجيتها ولم تجلب لها الماركسية غير التخلف والخراب وفوق ذلك الاستبداد باسم ديكتاتورية الطبقة العاملة
    ان عبد الخالق الذي جلب هذه النظرية العقيمة البعيدة عن الواقع السوداني لم يكن مستلبآ فقط بل وكان بعيدآ ومعزولآ عن الواقع السوداني ولا يربطه شئ بهذا الواقع…وهذه العزلة عن الواقع السوداني هي التي ادت الى انتحاره في 19 يوليو

  3. معقولة دا منطق دكتور وكمان استاذ في جامعة…سجم الجامعات التي يدرّس فيها امثالك
    يقول حضرة الدكتور: (((فالمتعلم بالتعريف مستلب من الواقع لأن التعليم المدرسي الاستعماري جعله ضيفاً ثقيلاً عليه كما قال صلاح فرج الله. فمشروعية ذلك التعليم أصلاً في تنفيذ مهمة الرجل الأبيض المقدسة التي صُممت لتحربرنا من الترهات التي نسميها ثقافة)))
    صلاح فرج الله مين وانت مين …لم يكن في السودان غير تعليم الخلاوي…تعليم ديني صرف…ولا شئ غير الظلام يخيم في البلاد ويعشعش في العقول وجاءت الادارة الانجليزية وانشأت المدارس الحديثة ولاول مرة عرف السودان والسودانيون علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والطب الحديث والجغرافيا…وهي العلوم التي سماها العرب في العصر العباسي بعد ترجمتها بعلوم اليونان وكانت سبب النهضة العلمية في ذلك العصر…ويأتي حضرة الدكتور ليقول انها الثقافة الاستعمارية ثقافة الرجل الابيض ثقافة الاستلاب…احمد الله انك تعلمت في مدارسهم حتى ذهبت لامريكا للتدريس..اذا لم تستفد من هذا التعليم جيدآ فليس هذا مشكلتهم
    والمضحك بالجد ان حضرة الدكتور بعد كل هذا يقول: ((علي المثقف السوداني أن يتواضع حيال الماركسية التي جاء بها أستاذنا عبد الخالق))
    من اين اتت الماركسية التي جلبها لك استاذك عبد الخالق محجوب اليس من اوربا…اليست هي ايضآ من صناعة الرجل الابيض
    هل تريد إبطال نظام التعليم العام وتدريس الماركسية فقط في المدارس لانها تلامس الواقع على حد زعمك؟؟؟
    لقد ادعت الماركسية انها لا تريد تفسير الواقع وظواهره فقط بل وتريد تغييره ولكنها فشلت وانهارت النظم التي قامت على ايديولوجيتها ولم تجلب لها الماركسية غير التخلف والخراب وفوق ذلك الاستبداد باسم ديكتاتورية الطبقة العاملة
    ان عبد الخالق الذي جلب هذه النظرية العقيمة البعيدة عن الواقع السوداني لم يكن مستلبآ فقط بل وكان بعيدآ ومعزولآ عن الواقع السوداني ولا يربطه شئ بهذا الواقع…وهذه العزلة عن الواقع السوداني هي التي ادت الى انتحاره في 19 يوليو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..