سُقُوطُ الطّاغِيَة

كانت أسرة عوض الله من أفقر أسر المدينة .. الوالد الذي – لم يتقدم في تعليمه – اكتفى بالعمل (خفيرا) في واحدة من منتزهات المدينة و كان بالكاد يستطيع تحمل نفقات عائلته الكبيرة سيما الأبناء و البنات الذين تزايدات طلباتهم بتقدمهم في المراحل الدراسية. عباس، أكبر الأبناء اكتفى بإكمال الثانوي فقط و قطع تعليمه و ارتضى بوظيفة (مدرس) في المدارس المتوسطة بشهادة الثانوية العامة فقط لا غير.
في الجانب الآخر كان إبراهيم ابن عم عباس طالبا عبقريا في كل شيئ، تولى رئاسة اتحاد الطلاب في مدرسته الثانوية و عندما التحق بالجامعة و أثناء دراسته الحقوق أهلته قدراته الخطابية و شخصيته القيادية أن يكون رئيسا لاتحاد طلاب الكلية. يوما بعد يوم صارت الأنظار تتركز عليه إلى أن تم استقطابه عضوا في الحركة الإسلامية واسعة النفوذ و الانتشار. تدرج إبراهيم و أصبح في سنوات قلائل الناطق الرسمي ثم نائب الأمين العام للاتجاه الإسلامي. و كان سريعا أن ذاعت شهرته و تأثيره في ربوع البلاد.
بعد سنة واحدة، أحس عباس بالضجر من رهق المدارس و التدريس بل أيقن أنه أخطأ طريقه إلى مهنة التدريس و بدأ يطمح في الوصول إلى ما وصل إليه ابن عمه الذي نال شهرة واسعة و كان أن تقدم إلى عمه في الزواج من ابنته التي وافقت. و مثلما خطط عباس و أراد الشهرة لنفسه كانت مناسبة زواجه قد جمعت لفيفا من الوجهاء في الاتجاه الإسلامي و قيادات الأحزاب الأخرى و وجهاء المجتمع يتقدمهم إبراهيم ابن عم عباس الذي خطط على عدم دعوة زملائه بالمدرسة غير المدير خشية الحرج بدعوة معلمين بسطاء. و حرص عباس على التقاط أكبر صور له مع ابن عمه و رفاقه لأغراض بيّتها في نفسه.
رغم محدودية درجاته العلمية، تميز عباس بميزة التسلق السريع إلى الأضواء و بالرغبة الجامحة و الشرهة إلى جمع المال كيف اتفق و غرضه من ذلك أن ينبذ ذلك الماضي التعيس و الفقر المذل الذي عاشه طوال طفولته و شبابه إضافة إلى رغبته في الارتقاء بوضعه الاجتماعي لدرجة أنه أخفى سعادة غامرة بوفاة أبيه إذ لا تزال نداءات أقرانه له بالمدرسة الابتدائية ماثلة في أذنيه “عباس ود الخفير”. كان يحس أن أباه وتد يحد من حريته أما و قد مات فهو حر طليق .. رغم أن عمل والده عمل شريف و يناسب سنه و صحته، إلا أن عباس يرى في خفارة أبيه إهانة كبيرة خاصة بعدما صار مشهورا ب”عباس ود الخفير”. كان يتذكر كيف أنه يحمل عشاء والده في أكياس بلاستيكية كل مساء و يتخفّى في الطرقات حتى لا يراه أقرانه خشية معايرته .. كان كثيرا ما يتذكر في مرارة يوم أن غاب عن المدرسة أسبوعا كاملا لأن ثوبه الوحيد قد تمزق و اهترأ تماما حتى فشلت جميع محاولات الترقيع .. كان يذكر كيف يسحب قدمه اليمني على الأرض لا يفتضح (شبشبه) المقطوع في غير مكان ..كان يذكر تزاحم الصبية في شراء الطعمية و البطاطس المقلية من البائعات الجالسات عند بوابة المدرسة بينما يبقى طوال الفسحة في الفصل يبكي في صمت حظه العاثر .. تذكر يوم أن ضربه الأستاذ قسم الله أربعة (كفوف) لعدم احضاره قلم رصاص و طلب من التلاميذ إعطاءه أقلامهم الفائضة حتى تكوم عنده ما يزيد عن العشرين قلما .. كانت تلك الذكريات تمثل إهانات بالغة و كان أن كره عباس ذلك الماضي بكل تفاصيله .. و نمت فيه رغبة عارمة بالدوس على أولئك الذين سخروا منه .. قد لا يجدهم بذواتهم لكنه كان عازما على خلق ضحايا له مهما كلفه الأمر.
أما زوجة عباس فلم تكف لحظة عن حثه و دفعه دفعا إلى تغيير واقعهم المرير و كثيرا ما تقول لزوجها:
– ” بصراحة يا عباس الوضع ما عاد يحتمل .. أولا الحي الأنحنا عايشين فيهو ده ما حيليق بي .. يعني كيفن أخوي يزورنا في شوارع كلها طين و حفر و العجب البيت جالوص .. بعدين لمن يجي هو و الوجهاء .. نختهم وين؟.. في الكراسي البلاستيكية اللي اشتريتها من الدلالة؟ آخر مرة علوية تزورنا فيهو أبت تشرب من الكوز المطفق ده .. .. ماهية ما تساوي حق الرغيف .. ياخي ما قادرة أدخل للناس و خجلانة الناس تدخل عندنا .. حاجة تانية .. شنو حكاية الأستاذ الإنت متمسك بيها دي؟ بالله فرقو شنو من سيد اللبن و بيّاع العدة؟ ما كلهم حايمين يدقو الأبواب.. تدق لي بيوت الناس عشان شغل خاص؟ بري و الله بري .. شوف ليك صرفة و بسرعة .. آخر مهلة ليك الشهرين القدامك ديل .. باقي لي ستة شهور على الولادة .. عايز الناس يجو يباركو لي في الخرابة الأنحنا عايشين فيها دي؟”
كان عباس يجلس إلى نفسه في صمت و يسألها عن كيفية إحداث تغيير كلي في وضعه وكان يرى أن قضية الماجستير و الدكتوراة هذه مضيعة للوقت فوقته محدود جدا. تقرّب عباس أكثر و أكثر من ابن عمه و استطاع بواسطته الحصول على قرض كبير من إحدى البنوك الإسلامية و سريعا رحل إلى إحدى أرقى أحياء المدينة و امتلك سيارة فارهة و لكن بقيت قضية و معضلة المهنة .. مهنة التدريس!
بمذكرة قصيرة من ابن عمه إلى المسؤلين بوزارة التربية و التعليم أستطاع عباس الحصول على إجازة مفتوحة و لكنها مدفوعة الأجر و تفرغ تماما في السعيى إلى تحقيق طموحاته الكبيرة بطرْق أبواب الكبار حاملا اسم ابن عمه.
التحق عباس دارسا بإحدى المعاهد العليا للغة الفرنسية .. لم يكن حريصا في البداية أن يُظهر في المعهد علاقته بابن عمه لذا كان يكتفي باسمه و اسم أبيه لا غير و تفادي إنشاء أية علاقات أو حتى مجرد الاختلاط بالآخرين و بمرور الوقت بدأ في نسج خيوط تنفيذ ذلك الطموح الذي طالما حلم به .. و كان أول ضحاياه الباقر سيف الدين الباهي.
أي منطق ذلك الذي يجعل الباقر مديرا بينما عباس دارس ليس إلا؟ كان يرى الباقر رجلا ضعيف الشخصية لا يهتم بمظهره .. يفتقر إلى رؤى ثاقبة لتنمية المعهد و قيادته بحنكة و اقتدار و بدأ الكيد للباقر .. تقرب من الباقر جدا و بادله احتراما زائفا و تقديرا أصفر رخيص .. تراه أمام الباقر منفرج الأسارير ظاهرا و لكن قلبه يغلي حقدا و حسدا .. و بعدما جمع من نقاط الضعف ما جمع ترك المعهد بذريعة المرض ثم تفاجأ الكل به مديرا على ذات المعهد بعد عامين فقط دون أن يعرف أحد سر الماجستير الذي حصل عليه و من فرنسا.
و فجأة جاء عباس في رفقة مسؤول من وزارة التعليم العالي يحملان خطابين خطاب إعفاء الباقر و تعيين عباس مديرا للمعهد.
لم ينم عباس تلك الليلة .. تنفس الصعداء .. سيطرق كل الأبواب .. سيجعل من المعهد وجهة للوزراء و أبناءهم .. سيغير من هيئة التدريس و يضع سياسات جديدة تضمن له الارتقاء بتلك المؤسسة .. سيكون حازما حاسما .. سيرمي بالمناهج القديمة و يستجلب بدلا عنها أخرى حديثة مواكبة .. آه متى تشرق شمس الغد متى؟
في اليوم التالي جاء عباس إلى المعهد قبل ساعة كاملة من الدوام و أخذ كرسيا و جلس بجانب البوابة من الداخل .. حليمة (الفراشة) ? لسوء حظها كانت أول من تلاقيه.
انتفضت حليمة من صراخ عباس في وجهها .. لم يسبق قط طوال خمس سنوات أن رفع أحدهم صوته عليها بل الكل يخطابها إما بالخالة حليمة أو يُمّة لكنها اليوم جفلت و هي تسمع عباس يقول في أسلوب ناهر:
– ايه اللي إنتي شايلاهو ده؟
– دي عدة الشاي بعدما أنضف الفصول بترزّق بالشاي
– يلا بلا تترزقي بلا كلام فارغ .. إنتي هنا للنضافة و بس!
و انتزع عباس أكياس الخالة حليمة و رمى بها على الأرض و أردف قائلا:
– يلا شيلي مكنستك و شوفي شغلك .. غُوري!
تحدرت دمعة ثقيلة على وجنة الخالة حليمة و هي ترمق في أسى رطلي السكر على التراب و كاسات الشاي المتحطمة.
ثم سمعت نهرة أخرى من عباس:
– تعالي خمي كرورك ده .. بسرعة!
بيد راجفة أخذت الخالة حليمة في جمع ما بعثره عباس .. رفعت ملعقتين ثم ابريق الشاي و عندما همت في جمع (كبايات) الشاي المكسرة، أحست ألما حادا سرى في جسدها النحيل .. نظرت إلى كفها طويلا ثم رأت دما يسيل ببطء شديد و لكن الألم كان أخف من ألم رفع صوت عباس عليها. هزت رأسها في عجب و هي تتذكر يوم أن ناداها المدير الباقر و أعطاها عدة الشاي عونا لها في دخل إضافي و اليوم يرمي عباس كل شيئ على الأرض! إنها نفوس غريبة! و دخلها خوف رهيب من هول الأيام القادمة.
في ذات اليوم و عند الثامنة و النصف دخل الباقر المعهد و بدا له كل شيئ غريبا .. كانت خطواته ثقيلة و نظراته زائغة .. ليتهم لم يفاجؤه على هذا النحو .. و من الذي حل محله؟ عباس الذي كان يتدرب مثله و مثل أي معلم! يأتي و ينتزع كل شيئ! يا الله .. لماذا لا أرجع؟ ما الذي أتى بي أصلا؟ همّ بالرجوع و لكن سمع صوتا يناديه بنبرة آمرة لم يعهدها و التفت فإذا به يرى عباس واقفا على عتبة المكتب و يداه على جنبتيه و كل الذي قاله للباقر:
– خير .. إيه الجابك؟
– السلام عليكم .. عندي بعض الأغراض جيت أشيلها و قلت برضو أودع الناس
– شيل أغراضك لكن الوداع ده أنساه.. عندنا شغل و مافي زمن بنضيعو
غلى قلب الباقر لهذه المعاملة الجافة و الطرد الصريح و رأى ألا يتسبب في إثارة أكثر من هذه و كل الذي فعله أن استدار و لوح بيده و خرج قائلا بصوت منخفض:
– السلام عليكم
كان في انتظار الباقر إبنه أحمد الطالب بالجامعة تخصص لغات و كان كأبيه بارعا فيها بدرجة كبيرة. ظل منتظرا بالسيارة أمام بوابة المعهد حسب ما طلب منه أبوه. لاحظ أحمد الوجوم على وجه أبيه عند خروجه و حاول مرارا أن يستفسره عما حدث و جرى و لكن الوالد على غير عادته حسمه بجملة واحدة:
– سوق العربية للبيت و خليك ساكت!
لم تمضي ستة أشهر حتى اتخذ عباس لنفسه ثلا ث سكرتيرات و خصص أربعة سيارات في خدمته و خدمة أسرته و ترحيل أبناءه و لا تسأل عن المخصصات المالية سيما بند التأمين الصحي الذي كان لا ينتفع به سواه و لإخراس مجلس الإدارة، دأب على إرسال مظاريف شهرية جلعتهم يسكتون كما أراد.
كان عباس مغتبطا بما توصل إليه و كان أن تنكر على كل ماضيه و كل ما و من يربطه بذلك التاريخ الكئيب. أصبح متعاليا في تعامله و كان لا ينغص عليه حياته غير أمراضه الكثيرة .. ضغط .. هشاشة في العظام .. قرحة في المعدة .. جيوب أنفية ملتهبة .. ضعف في المناعة .. حساسية في العيون .. حتى كان يُقال إنه يتناول الدواء أكثر من تناوله للطعام .. و لكنه اتخذ من مرضه ذريعة في السفر إلى دول أوربا للاستشفاء.
بلغ عباس من الغطرسة مرحلة كبيرة فكان طبيعيا جدا أن ترى سائقه يحمل عنه عصاه التي يتوكأ عليها و بالطبع لا يتوكأ عليها إلا إذا أراد استدرار عطف الكبارات .. كان طبيعيا أن تطعمه إحدى السكرتيرات الكورنفليكس بالملعقة على فمه .. و إذا توضأ و كان لا يفعل إلا في المناسبات كان يحرص على أن يصب عوض ? سائقه ? الماء له من الإبريق .. و بلا حياء يضع قدمه على كرسي في وجه من يحدثهم في اجتماعات هيئة التدريس دون أن يكترث لمن هم أكبر منه سنا و أكثر علما.. بل سرت حكاية من أحدهم أنه دخل عليه في مكتبه فوجد عوض يحلق له إبطه!
جمع عباس في زمن وجيز أموالا طائلة و بنى فيلا فخمة في أكثر أحياء المدينة رقيا.
في الوقت الذي كان عباس يرفل في نعيمه مغتبط بما صارت إليه الأمور احتدم الصراع بين قيادات الاتجاه الإسلامي و صار لقاءاته بابن عمه إبراهيم قليلة جدا و سُحبت رويدا رويدا الأضواء من إبراهيم بل جُرِّد من تلك الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها و تسامع العامة أنه حبيس يُعذب و صدق الناس تلك الإشاعات حين حلّ محله قيادي آخر بصلاحيات أوسع.
أخذت أحوال المعهد تتدهور بسبب اختلال الصرف البزخي و الدخل المحدود لدرجة أن تتأخر مرتبات المحاضرين الشهر و الشهرين فأخذوا في التسلل هربا من ذلك الصرح بحثا عن بدائل .. كانوا كفاءات عالية و أحدثوا سمعة طيبة و لكن بذهابهم أصبح المعهد مديونا و غير قادر حتى على الإيفاء بفواتير الكهرباء و أصبح المعهد بعد أن كان جاذبا أصبح طاردا و سيئ السمعة.
أحس عباس بالخطر المحدق الداهم فنهب نهب الوداع الأخير و ازدادت ديون المعهد ثم لم يلبث أن تقاعد بعد أن بلغ السن القانونية.
بعد خمسة سنوات فقط من هذه الأحداث .. خسر عباس جميع أملاكه في مراهنات فاشلة .. أفلس تماما و انقطعت مصادره .. طرق كل الأبواب و لكنه كان قد طرق الأبواب التي خرج منها من طردهم و شرد بهم.
بعدما عدم الحيلة و اشتدت حاجته دخل عباس المعهد الذي صال فيه و جال طوال عقد كامل .. دخله منكسرا ذليلا يتمنى ألا يتعرف عليه أحد لذلك طأطأ رأسه بحيث لا يُرى وجهه .. كان يضع يدا على ظهره و بالأخرى ممسك بالعصاة التي طالما حُملت له و لكنه كان يتوكأ عليها بغير كذب و نفاق .. رأى الخالة حليمة رغم تقدم سنها تبيع الشاي .. إنها ذاتها الحليمة التي رمى بأغراضها على الأرض و جعلها تبكي يومين كاملين. رأي تلك الشجرة التي قطع أغصانها و تركها ساقا ٍفي عهده بذريعة أنها توفر ظلا للتبطل .. الأن هو يراها شجرة وارفة الكل فيها سعيد بين مبتسم و ضاحك.
البوّاب: نعم يا حاج .. عايز منو؟
عباس: عايز المدير .. هو اسمه منو؟
البواب: اسمه أحمد .. أمشي عديل و لف يمين أول مكتب على يسارك هو مكتب المدير.
مشى عباس و قلبه الضعيف ينبض بسرعة كبيرة .. من هو أحمد؟ كيف يبدو؟ هل ينال مراده من أحمد أم يرجع خائبا خاسرا؟
لم تكن هناك و لا سكرتيرة واحدة .. مكتب بسيط مكتوب أعلى الباب “المدير” .. طرق الباب طرقا خفيفا فسمع صوتا دافئا يقول له “أدخل”
دخل عباس و تفاجأ أن أحمد هبّ واقفا و أسرع إليه و تلقاه عند الباب ثم أخذ بيده و سحب له كرسيا و أجلسه ثم ذهب إلى برّاد و صبّ منه ماء و وضعه على الطاولة الصغيرة أمام عباس
بيد راجفة أخذ عباس الكوب و أخذ رشفة منه ثم وضعه ثانية على الطاولة .. حاول أحمد التفرس في وجه زائره حتى يرى ملامح وجهه لكن عباس لم يمكنه من ذلك إذ بالغ في الإنحناء و طأطأة رأسه
– مرحب بيك يا حاج .. كيف أخبارك
– تمام و الحمد لله
– كيف الصحة و الأولاد؟
– تمام و الحمد لله
أحمد، المنتظر لمبادرة عباس بالأفصاح عن سبب مجيئه فهم أن الرجل محتاج و ربما منعه الحياء من السؤال لذلك و حتى يعفيه من الحرج عمد إلى درجه و ناوله ورقة نقدية من فئة العشرين جنيه.
وقعت العصا من يد عباس و انتابته حالة من الهياج المخلوط بكلمات مبهمات و لكنها كانت تعبر عن ضيقه بانقلاب الموقف .. بالأمس كان هو الآمر الناهي و المتصرف في جميع الأحوال لكنه اليوم ذليل مهان يراه الناس “شحادا”.
نظر بازدراء إلى يد أحمد الممدودة بورقة العشرين جنيه ثم اختنق من الغضب .. ما ذاك الذي يراه على الطاولة؟ .. إنها لافتة مكتوب عليها المدير أحمد الباقر سيف الدين الباهي .. يا الله إنه ابن الباقر! الرجل الذي حل محله .. انتفض واقفا و دون كلمات خرج مسرعا حتى دون أن يلحظ ملف الأوراق التي كان يحملها .. كانت سيرته الذاتية .. تعجب أحمد من تصرف الرجل و حاول اللحاق به و لكن أوقفته ايماءة من عباس.
رفع أحمد مجموعة الأوراق الملقاة و كانت دهشته عندما وقف على الاسم و كانت دهشته الكبرى عندما وقف على طلب العمل بالمعهد بأي وظيفة، إدارية أو حتى التدريس!
خرج عباس مسرعا بلا اتزان و كان أن تعثر فسقط على جبهته ثم هب واقفا ثانية و ما إن خطى خطوة أخرى حتى اختل توازنه و قبل أن يسقط على الأرض تلقته الخالة حليمة على أحضانها .. بينما يحاول عاجزا في دفعها عنه بعيدا، كانت الخالة حليمة تمسح بثوبها دما سائلا من جبهة عباس.
(قصة واقعية مع تغيير في الأسماء و الأحداث)
[email][email protected][/email]
بصراحه الموضوع جميل … بس ضيعتيه بالكلام الكتير … كان ممكن يكون موضوع مختصر وجميل جداً ما كان في داعي للتطويل..
رائعة! نعم هي قصة واقعية ولكن هل تقصدي أنها حقيقية؟ أم هذا ما سيحدث لهؤلاء؟
بصراحه الموضوع جميل … بس ضيعتيه بالكلام الكتير … كان ممكن يكون موضوع مختصر وجميل جداً ما كان في داعي للتطويل..
رائعة! نعم هي قصة واقعية ولكن هل تقصدي أنها حقيقية؟ أم هذا ما سيحدث لهؤلاء؟
يقول المولي عز وجل وتلك الايام نداولها بين الناس. وما قلتيه يا استاذة هو بالضبط الواقع الان والله يكون في عون عباده من امثال هؤلاء
ابداع في التصوير الفني للحدوتة.. وامتاع… و مؤانسة… و هذا ما لا يمكن الا من مهني مطبوع… مجبول على صناعة الحروف المتلألئة في الدياجير ووسط الدبابير اللاسعة… قصة حقيقية، ربما انني كنت ضيفا في احدى حلقاتها و ربما كان هناك ذلك التطابق الذي أدهشني…. “عباس”ي الذي التقيت به أول مرة في معهد لتدريب معلمي المرحلة المتوسطة كان مجيدا للتسلق… و كانت الساحة المهيأة له الاتحاد الاشتراكي، فقدم نفسه بانه من الواصلين و ذلك بتباهيه بمعرفة أبرز رموز مايو السيد ابو القاسم محمد ابراهيم و أتذكر محاولاته استثمار تلك العلاقة في كسب ود المعلمين من خلال تصديه لقضاياهم… ثم كان اللقاء الثاني ب “عباس” متدربا في معهد لغة، وبعد انقضاء العام في المعهد تفرقت بنا السبل شددت الرحال بحثا عن مراغم كثيرة، و اجتررت مرارة الغربة و قسوتها و لكن عزائي حصولي على شهادتي ماجستير، توجتهم بالدكتوراه، و جذبني الخليج باغراءته، فمكثت فيه سنينا تخللتها زيارتي المتكررة للوطن، و في احدى الزيارات علمت بأن “عباس، (طبعا عباس الذي اعرفه) صار مديرا لذلك المعهد الذي التقينا فيه و كان مديره في زماننا يحمل درجة الدكتوراه و معلميه بروفيسرات اجانب مع اساتذة سودانيين من حملة الماجستير، تعجبت كيف تمكن عباس من الحصول على هذه المؤهلات و هو الذي رضي بالثانوية، فذهبت لتهنئته بتلك القفزة النوعية، و علمت من انه تحصل على درجة الماجستير من دولة اوربية!! كيف؟ لم اجرأ على السؤال و لكن لفت نظري حديثه مع شخص في وزارة سيادية بتعال و غطرسة و تهديد مبطن، و هنا بدأت الصور تتضح امامي، لعباس الذي اعرفه ابن عم متنفذ و قيادي في سنام الحركة الاسلامية، فكان القفز بالزانة ، لا بأس ففي ظني ينطبق على عباسك وعباسي و الذين ربما يكونا شخصا واحدا ….. ما طار طائر و ارتفع إلا كما طار وقع.
قصة جميلة جدا يا استاذة شريفة ..اعجبنى تصويرك لكل خلجات شخوصها و تعاملك الذاكى جدا مع ماضى كل شخصية حتى يصبح حاضرها نتيجة منطقية لذاك الماضى …و اعجبنى أكثر ان القصة لم تسقط فى فخ المباشرة و التقريرية و توارت فلسفتها خلف غلالة جميلة من السرد الجميل …
اواظب على قراءة مقالاتك السياسية استاذتى ولعلها المرة الاولى التى اقرا لك قصة …
تحياتى لك