السودان وسورية… بانتظار المدد الخارجي

معاوية يس

يُحيَّى المرء الشعب السوري على صموده بوجه آلة القتل الحكومية التي لا تعرف رحمةً. ولكن على السوريين أن يدركوا – قبل فوات الأوان – أن نجاح ثورتهم، ونجاحهم في إطاحة نظام بشار الأسد لن يتم بأيدي الدول المسماة «أصدقاء سورية»، ولا بتزويد الغربيين «الجيش السوري الحر» سلاحاً، ولا برفع موسكو وبكين «الشرشف» الذي يغطون به الأسد ونظامه. التغيير لن يحدثه سوى السوريين أنفسهم، عُزَّلاً ومسلّحين، فهم وحدهم الشعب وإرادته وعزيمته على طي ملف سلطة آل الأسد.

مما يؤسف له أن مصير السوريين معلّق منذ اندلاع انتفاضتهم العاتية قبل ما يداني عاماً بالتنازع على نظام دولي جديد بين الولايات المتحدة «يتبعها الغرب الأوروبي»، وروسيا «وتتبعها الصين»… الروس، بقيادة رئيسهم الماكر المشاكس فلاديمير بوتين لا يريدون نظاماً دولياً جديداً تكتب الهيمنة فيه لأميركا وحدها، وهي هيمنة واجه بوتين بنفسه تهديداتها، حين دعم الأميركيون مرشحين بمواجهته في الانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة. ويعتقد بوتين وعدد كبير من الساسة الروس أنه قد آن الأوان، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وتشظي منظومة الدول التي كانت تحت مظلته، لأن يخرج المارد الروسي من قمقمه، ويستعيد نفوذه ومصالحه في أرجاء العالم من دون خوف من «الكاوبوي» الأميركي. لهذا السبب، ولأسباب أخرى، تمسّكت روسيا بموقفها الذي يهدد بأن تعكف موسكو على تسليح جيش بشار الأسد إذا قرر الغربيون وحلفاؤهم في المنطقة العربية تزويد قوات المعارضة السورية سلاحاً. وعلى ذلك ينسحب التفسير الروسي المغاير لمنطوق قرارات مؤتمر جنيف، وغياب موسكو عن مؤتمر أصدقاء سورية في باريس.

في السودان وضع مختلف تماماً. السودان ليس من بين أولويات السياسة الغربية، خصوصاً في ظل عكوف الرئيس باراك أوباما على خوض انتخابات 2012 الرئاسية. والنظام يحظى بمهادنة غربية تخلو من التَّواد وتقديم المساعدات، بل إن أوروبا الغربية والولايات المتحدة ترفضان أن يلتقي أي من مبعوثيهما إلى السودان الرئيس، باعتباره مطلوباً أمنياً لدى المحكمة الجنائية الدولية. وليست تلك المهادنة الغربية سوى ضرب من ضروب ديبلوماسية طول البال، باعتبار أن حكومة «شذاذ الآفاق» في الخرطوم مستعدة لتسهيل اتفاقات على حكم ذاتي فضفاض لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق اللتين تشهدان حرباً أهلية مستعرة الأوار، بل مستعدة لفصل إقليم دارفور الغربي، على غرار استسلامها وقبولها فصل الشطر الجنوبي في مثل هذه الأيام من العام 2011.

صحيح أن روسيا والصين تلعبان في السودان دوراً شبه مماثل لدورهما في سورية، إذ دأبتا على دعم النظام، خصوصاً الصين، في المحافل الأممية، وفي مقدمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بيد أن موسكو وبكين تعلمان جيداً أن التحالف الغربي لن يسمح لهما بالاستئثار بأفريقيا وخيراتها، خصوصاً النفط، وتعلمان جيداً أن بلدان القارة السمراء هي أصلاً صنيعة غربية، ومُستعمرات أنشأتها القوى الاستعمارية الغربية، والهيمنة – روسية كانت أو صينية – خط أحمر يمكن أن يعيد الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

ولذلك فإن دعم هذين البلدين الحكومة لا يتعدى تنفيذ مشاريع الطرق والجسور، وبناء الفنادق، وإصلاح القاطرات والمصانع المعطوبة. ولا يتجاوزه إلى مرحلة إغاظة القوى الغربية الكبرى باتخاذ حق «الفيتو» ضد قرارات العقوبات والاستهداف الموجهة ضد «مافيا» الإسلاميين في السودان. وأسرّ لي مسؤول سوداني كبير قبل أيام بمدى إحباط جماعته من قِصَر نَفَس الدعمين الصيني والروسي للخرطوم في المحافل الدولية، على رغم تأكيدات موسكو وبكين للمسؤولين السودانيين أنهما لن تتخليا عن النظام السوداني.

ها هي تظاهرات السودانيين تتواصل في العاصمة ومدن الأقاليم منذ ما قبل جمعة «لحس الكوع»، مروراً بجمعة «شُذاذ الآفاق»، وانتهاء بإسقاط النظام تحقيقاً للإرادة الشعبية التي وجدت في قرارات التقشف الاقتصادي سبباً لتفجير غضبها، واكتشفت جماهير السودانيين أن النظام يريدها أن تدفع ثمن نزواته وحماقاته السياسية وحروبه العنصرية التي تتوزع في الغرب والجنوب والشرق، وتنتقل انعكاساتها إلى العاصمة المثلثة، ممثلة في الاضطهاد والتنكيل الذي تمارسهُ قوات الأمن على أساس عنصري وقبلي على السكان.

يبقى أن السودانيين، في ظل غياب السلاح الكافي لمساندة انتفاضتهم، بحاجة إلى جهاز إعلامي يمثل إرادتهم الحرة، ويقوم بتعرية أكاذيب محفل النظام، وفضح عمليات غسل الأدمغة التي تمارسها أقنيته الفضائية، وتهيئة الشعب للأخذ بوسائل الدفع نحو إجماع وطني، ورصَّ الصفوف، وتوحيد الكلمة، ورسم خريطة طريق واضحة وحشد طاقات المحامين والقضاة والديبلوماسيين لمحاولة استرداد الأموال المنهوبة المودعة في مصارف «الأوفشور» وبنوك ماليزيا وشنغهاي ودبي وإسطنبول.

الثورة ليست مقصودة على سبيل التغيير وحدهُ، ولكن لأن النظام المذكور أفسد كل شيء في حياة السودانيين، خصوصاً المستقبل وأجيال المستقبل الذين هم الثروة الحقيقية لكل أمة. وآن للسودانيين في بلدان الشتات أن يكون لهم دور جاد وفاعل في دعم آليات التغيير، فهم أشد تأذياً من ذويهم في الداخل من سياسات حكومة البشير، إذ يتحملون وحدهم أعباء تسيير موازنات عائلاتهم وأقاربهم، وهي أعباء تفاقمت وزادت زيادة كبيرة بعدما انهار الجنيه السوداني خلال الأشهر الأخيرة. وفوق ذلك كله يحملهم النظام على رفد موازنة الدولة بالرسوم والإتاوات التي تُفرض عليهم مع كل وثيقة يطلبون الحصول عليها من سفارات النظام وقنصلياته في بلاد الاغتراب، بخلاف الجبايات التي تستحصل منهم في المطارات والموانئ والدواوين الحكومية عند عودتهم في عطلاتهم إلى السودان.

«الحياة».

معاوية يسن
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عفوا استاضنا معاوية يس.
    اعتقد لا زال مبكرا ان نجزم بحاجة السودان لدعم خارجي.
    لم افهم ما تقصده: ( غياب السلاح الكافي).
    وارى ان السلاح هو سلاح التظاهر والعصيان واراه حتى الان بخير واحسبه سيتنامى.
    نعم لكلامك حول الحاجة لاعلام يسارع بعملية الترابط وادارة المواجهة.
    ولو دعمت فكرة راديو الراكوبة لانجزت انجازا عظيما حتى ظهور القناة التلفزيونية.
    لن تخلق الاذاعة الارادة ولا الفكرة لكن دورها فيما افهم هو اطلاق (الكود) والاشارات.
    مثل زمان مكان.
    من الجهة الاخرى التى تتواصل بعد الثورة هى:
    تعميق فهم الممارسة الديمقراطية .
    تكثيف عرض مقترحات محتوى مطالب التعددية كمناهج التعليم وقضايا الثقافة ومشكلات اللغات وهكذا.

  2. التحية والتجلة لك اخي معاوية. المرحلة تحتاج لرجال امثالكم يتقدمون الصفوف وينيرون لهذا الشعب المغلوب على امره الطريق. يتحدث الكثيرون ان الثورة تفتقد للتنظيم وانها تسير اقرب للعشوائية في تقديري ليس ذلك سيئا فجرح الانقاذ وصل مرحلة ليس من بعدها سوى الانفجار. لكن دون شك ان وجود قناة فضائية سيكون افضل من دور الف حزب من احزابنا التى حتى وان لم تفاجئها الثورة لكنها لا تملك الكثير بعد سنوات من الاختراق والتقطيع. كما ان فكرتك لدور للقناة فى ازالة ما دمرته الانقاذ اراه امرا في بالغ الاهمية وفيه بعد نظر وترسيخ للتجربة القادمة .
    نحييك يا سيدي ونقف من خلفكم. شعبنا في كل مكان استشعر عظم المصيبة التى تحيق به وتلك اولى خطوات السعى للتحرر من كابوس الانقاذ، تلك اول خطوات بداية النهاية لليل الظلم الطويل.
    كل ابناء السودان يقفون من خلفكم نتمنى الا يصيبكم فى هذا العمل الوطنى الكبير اية احباط من المخذلين الذين يعملون بذهب السلطان. وحتى يرى مشروعكم النور تبقى ايدينا على قلوبنا خوفا من العراقيل ومن المرض السودانى الذى يجب ان يكون علاجه احد هموةم هذه القناة، وهو السأم المفاجئ والتوقف عن المواصلة.
    قلوبنا معكم.

  3. أستاذ معاوية

    النظام يبطش ويعتقل ويعذب ويستفز..وإن ضُيق الخناق عليه سوف يقتل..

    لماذا ننتظر المور حتى تصل إلى خط اللا عودة..نحن لانريد دعماً خارجياًمن اى دولة نحن سنفعلها بإرادتنا..فقط نريدممن يمتلكون السلاح الوقوف على أهبة الإستعدا لدعم الشعب لأن هؤلاء الأوباش عندما تضيق عليهم الدائرة سوف يلجأونإلى مليشياتهم لقتل المواطنين مثلما فعلوا سابقاً

    فالحذر..ثم الحذر

    ونحن فى الشدة بأس يتجلى

  4. السؤال ماهو وجه الشبهه بين الحالتين السودانيه والسوريه … اعتقد انه لا توجد اي مقارنه بين هذا وذاك وما يحدث فى السودان مجرد خروج بعض الناس معبرين عن رفضهم للسياسات الاخيره فقط ولا يمكن ان نسميها ثوره باي حال من الاحوال … ولماذا الثوره ؟؟؟ ومن هو الرابح ؟؟؟ومن هو الخاسر؟؟؟ الاجابه اعتقد ان الشعب السوداني فطن وقد جرب كل هذه الاحزاب ومن المنطقي والطبيعي ان لايعير مايحدث اي اهتمام ولو كانت ثوره بحق وحقيقه لا اعتقد ان الحكومه موجود ليومنا هذا ((وما حدث فى ابريل واكتوبر كان ابلغ دليل ….

  5. Kouda is there, whenever the nation require arm action, kouda is very much available, that is why the regime is avoiding the killing of civilians, because they well aware of the consequences of such crime

  6. يا اخونا خلونا من التسميات البرة القون دي… الناس ما طلعوا الشارع عشان يردو على القشير ولا على المضر ولا الطفل المعجزة… الناس طلعوا عشان دايرين يكونوا احرار في بلدهم. ما دايرين وصاية الاسلامويين. ما دايرين تمييز في الوظائف والدراسة والحقوق كل زول حسب دقنو طول شنو. الناس عايشين زي الاغراب في بلدهم… مواطنين درجة تانية.. ناس يعيشوا ويتمتعوا وناس يدفعوا الضرايب ويدشروا الدم ويموتوا في الرصيف امام مداخل الطوارئ. ديل ناس الخرطوم… ناس الخلا يحليلهم بتضربوا بالطيران وحالتهم تحزن الكافر… ياتو دين وياتو شذوذ البخلي البشر يفتروا باسم ربنا وعلى رقاب الناس… هو ربنا محتاج ناس ولا عباد ولاايمان ولا كفر من اصلو عشان تكهروا الناس يكونوا قطعية واحدة؟؟؟ الله اكبر جل وعلى…

    اي فقه واي مسوغ فكري باطل هذا الذي ينجب شذاذ الافاق هؤلاء الاكثر بعداً من الفطرة فضلا عن ان يكونوا بعيدين من الدين… انا اتحدى ان يخرج لنا القشير او اي من لاحسي الاحذية المنبطحين لسطوته الباطلة ليناظر اي شاب من الشباب الذين خرجوا للشارع… بل اتحدى المؤتمر الشعبي زاتو ان يقنعنا بالجانب الديني في ماضيهم السياسي من الاساس.. اتحدى الحبر نور الدايم مراقب الاخوان المسلمين وسورا الدهب امين منظمة الدعوة وعصام البشير وكل زول فيهم يقول انه تجربتهم انتجت حاجة واحدة كويسة… ويقول ليك اجتهادّ! احنا بشر ولا حيوانات اختبار… والله كان نفدتوا من الدنيا دي بجيكم يوم تقيل تمشوا منو وين لكن احنا دايرين حساب الدنيا دي عشان الناس تعرف الحكاية ما لعب وعشان البعدكم يرعوا بقيدهم صحي… الكايس ليه ميزة خلي يجتهد ويخدم نفسه والناس المعا لكن تتميز بدقنك وسبابتك دا تاني مافي… الحساب جاااي سنه الله في الارض

    فلنخرج لنقول نعم للحرية نعم للمواطنة لا لاستعباد الشعوب باسم الدين لا باللعب بقدرات الشعب السوداني

  7. اكثر من الفين مواطن و مواطنة فى المعتقلات, الحياة تدب من جديد فى بيوت الاشباح, وعصبة الانقاذ تتوشح بثوبها الحقيقى الفاشى الكريه من جديد و شعب السودان لا يزال كابوس الانقاذ جاثما على صدره فى ليله الطويل, فهل دنا فجر الخلاص و الحرية المشرق؟

  8. التحية لي الثورة المبارك ولكن يجب ان نعلم يا اخواني دسائس الغرب ان هدفهم الاساسي هي تفتيت السودان وجعلة دويلات متنافرة هيا يا شباب الي الامام من اجل الاجيال الانتفاض واجب علي كل سوداني

  9. انتهى عصر الوصاية الغربية على الشعوب …. الشعب السوداني سيقرر
    والشعب السوري سيقرر والشعب البحريني المنتفض الآن سيقرر …..

  10. يجب أن نعلم كلنا أن زمن الهتافات والشعارات إنتهى وبالذات فى مواجهة تنظيم( مسلح ) وكلنا يعلم درجة تسليح التنظيم الذى يحكم السودان حالياً .. يبدو فى الأفق أن هناك حلين لاثالث لهما أولهما : المعارضة المسلحة أى توزيع السلاح على المتظاهرين أو حتى حماية المتظاهرين بفرق مسلحة على الأقل ولاأنكر أن هذا حل يشبه العلاج بالبتر ! .. الحل الثانى وهو الأستنجاد بالقوى العظمى كمثال ( حلف الناتو) لمساعدتنا عسكرياً وهو حل شبيه بما حدث فى (ليبيا) وهو أيضا لايخلو من ثمن باهظ سوف ندفعه نظير خدماتهم ! الذى أقصده هو إزالة الكابوس الذى يجثم فوق صدورنا بكل السبل الذى لن يتخلى عن الحكم حتى ولو أريقت دماء أو كل الدماء !

  11. في اعتقادي الشعب السوداني مختلف ولا ننسي أن كوادر النظام من قوات مسلحة وشرطة غير القيادات هم ناس بسطاء وناس معايش وعندما يشتد الوغي سوف ينسلخون ولن يرتكبوا جرائم. الثورة السودانية في متناول اليد اذا زادات الحشود الشعبية، في رأئي هنالك قصور في التنظيم والقيادة ولابد من تحسين التنظيم ولابد من أن ترمي القيادات الحزبية بثقلها في هذا الحراك وأن يقدموا قياداتهم في الصفوف الأمامية

  12. نحو فهم أعمق للحسابات الروسية والصينية في معركة سوريا

    د. إبراهيم علوش
    كثيراً ما تختلط حدود الموقفين الروسي والصيني لدى أنصار سوريا في المواجهة الدائرة حالياً مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.

    فحتى لو خصمنا من المشهد السياسي حملات التضليل الإعلامي التي حاولت الإيحاء تكراراً بأن روسيا والصين على وشك التضحية بسوريا، في مؤتمر جنيف حول سوريا في نهاية شهر حزيران مثلاً، وقبلها من خلال إساءة تأويل تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في بداية شهر أيار، وتصريحات نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف في شهر حزيران… والأمثلة كثيرة على مثل تلك الأكاذيب التي كانت تذروها الرياح بسرعة مع مصداقية من يروجون لها… فإن المراقب السياسي لا يسعه إلا أن يلاحظ أن الموقفين الروسي والصيني لا يتخذان صورةً واحدة دوماً، فهما يشتدان تارةً ليتراخيا طوراً ليعودا للاشتداد والمواجهة في دورة يفهمها الأعداء أكثر من الأصدقاء لسوء الحظ. فالمحور الأساسي للسياسة الخارجية الروسية والصينية يبقى دعم الدول والمواقف التي تنزع بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والناتوية، ولكن ضمن شروط معادلات ما بعد الحرب الباردة، لا ضمن شروط النزعة الثورية للبلاشفة الأوائل وماوتسي تونغ، وهو ما سيأتي تفصيله لاحقاً.

    لكن بالنسبة لنا يتساءل كثيرون: لماذا تشارك روسيا والصين في مؤتمر جنيف مثلاً وتقاطعان مؤتمر “أصدقاء” سوريا في باريس؟ ولماذا تصدر عنهما أحياناً بعض التصريحات الملتبسة؟ ولماذا تقيمان أحياناً بعض الاتصالات والعلاقات الباعثة على التساؤل؟ ولماذا لم تحاول روسيا والصين الوقوف في وجه تمدد الناتو وحلفائه في ليبيا فيما تقفان حجر عثرة حقيقي أمام التدخل العسكري الدولي المباشر في سوريا؟ وعلى نطاق أوسع، لماذا لا تدعم روسيا والصين حركات التحرر في وجه الولايات المتحدة وحلفائها، كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي والصين الشيوعية، وكما تدعم الولايات المتحدة والناتو الثورات المضادة والحركات الانفصالية في روسيا والصين والدول المتحالفة معهما؟!

    سوريا في حالة حرب حقيقية. وفي مثل تلك الحالة، فإنها وأنصارها بحاجة لليقين الثابت. وكم كان سيكون الواقع أفضل لو كان خالياً من المناطق الرمادية والرمال المتحركة والأجواء المتحولة! لكن اليقين لا يأتي إلا من امتلاك الحقيقة، أي من فهم قوانين الواقع، لا من لي عنقه، حسب حالتنا النفسية، إما إلى اطمئنانٍ أكيد أو تشاؤمٍ وطيد. وما يلي محاولة لوضع تصور عام عن السياسيتين الخارجيتين الروسية والصينية في المرحلة الراهنة لعلها تساعدنا على فهمهما، وبالتالي التعامل معهما، بشكلٍ أفضل.

    أولاً، روسيا والصين كلاهما يعتبر أن أولويتهما في المرحلة التاريخية الراهنة هي بناء اقتصاد قوي ومتين. وهما تعتبران، بالتوالي، أن الاتحاد السوفييتي السابق والصين الماوية دخلتا مواجهة عالمية ضارية مع حلف الناتو كلفتهما موارد اقتصادية ضخمة كان يمكن أن تذهب لرفع مستوى معيشة الشعب ورفع سوية الاقتصاد، وأن انهيار الاتحاد السوفييتي كان أحد أهم أسبابه الرئيسية اضطراره لخوض سباق تسلح نووي ولدعم حركات التحرر العالمية والدول المستقلة عن الإمبريالية باقتصاد متخلف تكنولوجياً، وبإمكانات مالية، تقل كثيراً عن إمكانات الغرب.

    وعليه، فإن السياسة العامة للصين وروسيا، منذ سنوات، هي تجنب المواجهة المباشرة السياسية أو العسكرية مع الغرب، حتى تستكملاً عملية التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية اللازمة لزحزحة الغرب عن موقعه على عرش العالم. وهذا يعني، في الوقت الراهن، محاولة حل النزاعات سلمياً وتجنب الانجرار لمواجهات إقليمية ولو كان ذلك على حساب المصالح الصينية والروسية، كما جرى في ليبيا.

    ولذلك نلاحظ أن سياسة الولايات المتحدة العامة هي التأزيم، فيما سياسة روسيا والصين العامة هي التهدئة، إلا في حالة واحدة هي وقوع التأزيم المدفوع إمبريالياً في الجوار الجغرافي المباشر للصين وروسيا، في جورجيا مثلاً أو في القوقاز أو في التيبت أو إقليم شينجيانغ المسلم أو بحر الصين الجنوبي. وهنا نذكر بأن سوريا أقرب بكثير لروسيا من ليبيا، وأقرب لروسيا من الصين، وهو عامل من بين عوامل عدة يمكن أن توضح الصورة.

    ثانياً، بعدما دخلت الولايات المتحدة في مغامراتها الدموية في أفغانستان والعراق، بعد شعورها بامتلاك ما اسمته “فائض قوة” في عالمٍ أحادي القطبية بعد نهاية الحرب الباردة، وبعد انطلاق مشروع التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في روسيا منذ مجئ بوتين وفي الصين منذ التسعينات، بدأ النظام الدولي باستعادة توازنه تدريجياً مع أفول الولايات المتحدة اقتصادياً وانطلاقة دول البريكس (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، وأفلتت مجموعة من دول أمريكا اللاتينية من الهيمنة الأمريكية، وهو إلى حد بعيد فضل المقاومة العراقية على العالم التي تدفع سوريا اليوم جزئياً مسؤولية دعمها.

    هنا نشأت معادلة جديدة. فالقوة الأكثر تقدماً عسكرياً، القوة القادرة على التدخل في أي بلد أو محيط بالعالم حين ترغب، باتت نفسها القوة التي تعايش انحدارها الاقتصادي والسياسي وتتخبط في أزماتها المالية وتشاهد صعود القوى الدولية المنافسة لها ملء عينيها. فماذا يمكن أن تفعل قوة من هذا النوع في مواجهة مثل تلك الحالة (القوة الأولى عسكرياً إذ تجد نفسها عاجزة عن تدارك أفولها الاقتصادي والسياسي الدولي)؟

    الحقيقة أن تحولات إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة تلك الحالة بدأ في فترة رئاسة بوش الثانية بين عامي 2004 و2008، وتبلور لدى النخبة الحاكمة للولايات المتحدة في إيصال باراك أوباما للحكم ضمن برنامج جديد للسياسة الخارجية يقوم على التفاهم مع الحركات الإسلاموية، أو أجزاء منها على الأقل، بدلاً من “الحرب على الإرهاب”.

    وعوضاً عن فرض الهيمنة المباشرة، أو الاحتلال، تحت وهم “فائض القوة”، صار هم الولايات المتحدة المباشر زعزعة الأرض تحت أقدام منافسيها من خلال التفكيك وإثارة القلاقل الداخلية تحت ذرائع شتى. والأهم، قررت الولايات المتحدة إقامة سد جغرافي-سياسي منيع في وجه روسيا والصين في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومن هنا جاءت استعادة تحالف الحرب الباردة مع بعض الحركات الإسلاموية تحت عناوين شتى لتطويق روسيا والصين بحزام إسلاموي يمنعهما من التمدد غرباً وجنوباً.

    هنا يجب أن ننبه بالأخص إلى أن تركيا العدالة والتنمية تلعب دوراً محورياً في تلك الإستراتيجية بسبب الامتدادات الديموغرافية واللغوية التركية في آسيا الوسطى السوفييتية سابقاً، وفي إقليم شينجيانغ المسلم في الصين. مثلاً، أقلية الإيغور هناك التي نشأت من لدنها حركات انفصالية في إقليم الصين الأساسي المنتج للنفط والغاز، ليست أكبر أقلية مسلمة في الصين، لأن أكبر أقلية مسلمة في الصين هي المسلمون من أصل صيني، وهؤلاء لا يطرحون مشروعاً انفصالياً ولا يقومون بعمليات إرهابية، أما الإيغور، فأقلية تركية… ومن هنا فإن روسيا أولاً، ومن ثم الصين، تفهمان جيداً أن صعود الدور التركي في الإقليم، كوكيل للناتو، خاصة بعد وضع الدرع الصاروخي للناتو في تركيا في خريف عام 2011، هو مقدمة لمشروع تفكيك روسيا والصين، فسوريا تصبح هكذا خط الدفاع الأول لروسيا، وما قبل الأول للصين، في صراع ذي أبعاد دولية على الجغرافيا السياسية لعالم ما بعد الحرب الباردة وما قبل التعددية القطبية.

    ثالثاً، لكن دعم روسيا والصين لسوريا، أو لنفسيهما في سوريا، لا يأتي كيفما اتفق، إذ ينشأ عن كل ما سبق صراع سياسي وأيديولوجي حاد على تحديد أسس اللعبة الدولية. فالعالم اليوم يعيش صراعاً ما بين نزعتين في القانون الدولي، الأولى منهما هي “حق التدخل الإنساني” فوق سيادة الدول، والثانية هي “احترام سيادة الدولة الوطنية”، المثبت كلاهما في ميثاق الأمم المتحدة. أما الإمبريالية فتدعم بكل شكل ممكن أولوية التدخل الإنساني، لحماية حقوق الإنسان أو الحيوان أو الباذنجان، لتبرر تدخلها في أي مكان في العالم، أما الصين وروسيا والدول الصاعدة فتحاول أن تثبت مبدأ أولوية سيادة الدول الوطنية.

    ولنلاحظ، في عالم اليوم بالذات، أن أجندة التدخل الإنساني هي في النهاية إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لضرب الدول المستقلة بشكل مباشر أو غير مباشر، من زيمبابوي إلى كوريا الشمالية إلى فنزويلا إلى سوريا، وأن أجندة السيادة الوطنية هي الحفاظ على هامش الاستقلال الوطني وتعزيزه في مواجهة الإمبريالية العالمية. وليس ضرورياً هنا أن نؤيد كل سياسة أو موقف لكل دولة مستقلة، ولا أن نخون أو نخطئ كل من يطرح شعار “الحرية” و”الديموقراطية”، بل المهم أن نفهم التناقض الرئيسي في عالمنا المعاصر باعتباره تناقضاً ما بين الإمبريالية من جهة والاستقلال الوطني من جهة أخرى، وأن ندرك أن المشروع العقائدي للإمبريالية هو تجاوز الاستقلال الوطني بشعارات “الحرية” و”الديموقراطية”، وأن المشروع العقائدي، بالتالي، لمناهضة الإمبريالية لا يمكن إلا أن يكون مشروعاً وطنياً وقومياً ولو أخذ شكلاً يسارياً في فنزويلا أو إسلامياً لدى بعض حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق.

    لكن إصرار روسيا والصين على صيانة الاستقلال الوطني للدول، ونزع الذريعة من يد الإمبريالية للتدخل في شؤونهما الداخلية، من خلال الحركات الانفصالية أو المنظمات غير الحكومية الممولة أجنبياً، يعني أن روسيا والصين لا تستطيعان، ولسوف ترفضان، تقديم الدعم المباشر لحركات التحرر والمقاومة، حتى لو أقامت معهما علاقات، وستقصران دعمهما على الدول، خاصة الدول المستقلة المقاومة للهيمنة الإمبريالية. وهذا ما يفسر حيرة بعض حركات المقاومة والتحرر من تلكؤ روسيا والصين في دعمها. فهذه ليست دولاً ثورية بالبرنامج، بل هي دول ثورية موضوعياً بمقدار ما تعطي نزعتها لخلق عالمٍ متعدد الأقطاب حيزاً للدول والحركات المستقلة لتحقق برنامجها. فإذا وصلت الحركة الثورية أو التحررية للحكم، لن تتردد روسيا والصين في دعمها. وإذا تبين أنها فقدت الحكم أو على وشك، لن تدخل روسيا والصين معركة عسكرية مباشرة للدفاع عنها، إلا بمقدار اقترابها جغرافياً منهما، وبالتالي بمقدار تأثيرها المباشر على الأمن القومي لروسيا والصين.

    وقد تقيم روسيا والصين علاقات مع الدول التي تنجح الولايات المتحدة بالإطاحة باستقلالها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ذرائعياً، ولأنها تريد أن تكرس الدول كمرجعية قانونية، لا الكيانات العابرة للدول أو التي تخترق الدول.

    ومن هذا المنظور أيضاً، يمكن أن نتخيل توجس روسيا والصين من بعض الحركات الإسلامية العابرة للدول، ومنها العابرة لدولتي روسيا والصين، كما يمكن أن نتخيل مدى التقاطع، لا المصلحي فحسب، بل العقائدي أيضاً، العابر للقوميات، والمعادي للقومية، بين تلك الحركات من جهة والإمبريالية من جهة أخرى.

    نستنتج مما سبق أن معركة سوريا هي معركة مصيرية بالنسبة لروسيا والصين، وهذا هو الأساس، وعليه فإنهما تصطفان مع سوريا لا بشكل عابر، بل دفاعاً عن أمنهما القومي.

    لكن داخل روسيا والصين توازنات، وتيارات أطلسية النزعة، وبالتالي تمارس ضغطاً باتجاه معاكس. كما أن روسيا والصين ليستا دولتين ثوريتين، وبالتالي فإنهما لا تقطعان بشكل نهائي مع أي طرف، وتتركان جسوراً للرجعة دوماً.

    ولكن يبقى أن أهم عامل، بالإضافة للأمن القومي لروسيا والصين، يمكن أن يدفعهما للتمسك بسوريا هو تأكدهما بأن سوريا قادرة على حسم المعركة على الأرض، وليست رهاناً ضائعاً، وهو ما نراه يتجسد الآن أخيراً. وهذا لا يتعارض مع الانسحابات التكتيكية التي قام بها الجيش السوري من بعض المناطق ضمن خطة عنان، ومبادرة الجامعة العربية قبلها، ليثبت لروسيا والصين أن مثل تلك الانسحابات لن تؤدي للتهدئة، بل لتزايد الإرهاب واختراق الناتو في تلك المناطق.

  13. ذي ما ضيعنا الشهيد قرنق… اهو برضوا حنضيع اولادو واالجبهة الثورية …الذين يشاركونا في حلم السودان الجديد ..لا ادري لماذا هذا التجاهل لأهم واقوي قوي معارضة للإنقاذ …. لا اريد ان اقول ان السبب هو العقلية القبلية القروية السودانية المحدودة التي فصلت الجنوب والتي سوف تفصل البقية الباقية …بهذا التجاهل …
    انهم يحبون السودان مثلنا ….وربما اكثر من الكثيرون منا … بوضع أرواحهم في خطر محاربة هذا النظام
    كفاية غباء سياسي واسعوا للاطلاع علي أدبيات الجبهة الثورية … لانه حتي لو سقط البشير …..فلن تقوم للسودان قائمة ما لم نتخلص من الاستعلاء العرقي والعقلية القروية الرافضة للآخر
    حتي لو كان سوداني ومسلم
    الحكومة التي تريدون ذهابها… لا تخاف او تخشي مجموعة كما تخشي وتريد زوال اولاد قرنق والجبهة الثورية …..اإذن تجاهل الجبهة الثورية قصر نظر

    وأريد ان أخبركم ان الحركات النوبية بدات مسابقة اختيار علم لها … كفاية قصر نظر ….كفاية

  14. النظام في السودان لن ينتظر كثيرا كما انتظر نظام بشار في سوريا ، نظام الاجرام سوف يتداعى سريعا وينهار لأنه في الأصل ميت سريريا

  15. لنقف مع الذين يتعرضون لأعنف أنواع التعذيب داخل بيوت الأشباح ولنرسل رسالة ترعب الكيزان وتزلزل كيانهم بأننا قادمون الى بيوت الأشباح طواعية فليفسحوا لنا الطريق اليها نضرب لهم ولعشاق الحرية معنى البطولة و التضحية و الفداء و لتكن جمعتنا جمعة بيوت الأشباح قادمون قادمون .

  16. يا اخي معاوية الشعب يريد وفي اشد الحوجة لفضائية السودان الجديد …. اين رقم الحساب ؟ لابد من توفير المال اولاً .. وبعده سيسهل كل شئ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..