عمل النساء في قرية سودانية

عمل النساء في قرية سودانية
فكتوريا بيرنال Victoria Bernal
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
[email][email protected][/email]
مقدمة: هذه ترجمة لجزء صغير من كتاب لبروفيسور فيكتوريا بيرنال بعنوان “العمال الزراعيين: الفلاحين والرأسمالية في قرية سودانية Cultivating Workers: Peasants and Capitalism in a Sudanese Village ” عن عمل المرأة للحصول على دخل نقدي Women and Cash Income في قرية صغيرة من قرى الجزيرة هي “ود العباس” بمحلية سنار.
صدر الكتاب عن دار نشر كولومبيا عام 1991م، وهو نتيجة بحث لنيل درجة الدكتوراه قامت به المؤلفة في تلك القرية في ثمانينات القرن الماضي. وتعمل المؤلفة، ومنذ سنوات، أستاذة لمادة الأنثروبولوجي الثقافية في جامعة كاليفورنيا بإيرفين، حيث نشرت عددا كبيرا من المقالات المحكمة وبعض الكتب منها كتاب صدر العام الماضي بعنوان: Nation as Network: Diaspora, Cyberspace and Citizenship (2014. وأهدت المؤلفة كتابها عن العمال الزراعيين لزوجها تكلي وللشعب السوداني الذي “تعلمت منه الكثير”.
يجب تذكر أن ذلك البحث كان قد أنجز قبل نحو 35 عاما. وبما سيكون من المفيد إعادته الآن لمعرفة ما تغير في أوضاع النساء وعملهن.
المترجم
**** **** **** **** **
ليست هنالك فرصة كبيرة للنساء في “ود العباس” للحصول على دخل نقدي. غير أنه كانت هنالك بعض الأعمال التي قد تجلب لهن دخلا نقديا متواضعا. ومن أشهر تلك الأعمال صناعة الطِباقٌ (الطباقة) وبيعها. وليس بإمكان المرأة أن تنسج أكثر من طبقين في الشهر الواحد. وكان الطبق الواحد يباع بالقرية بمبلغ يتراوح بين 5 إلى 8 جنيهات سودانية (تعادل في عام 1982م 6 إلى 9 دولارات أمريكية)، بينما كانت المواد الأولية التي يصنع منها الطبق تكلف بعض الجنيهات. وتقوم نساء القرية أيضا ببيع البيض المسلوق والفول السوداني المحمص و”اللقيمات” ومنتجات الألبان أو الأطعمة التي يطبخنها في بيوتهن. وكان بمقدور المرأة في تلك القرية في عام 1982م أن تكسب نحو جنيه ونصف (تعادل 1.67 دولارا أمريكيا) في اليوم الواحد. وبمقدور المرأة التي تبيع منتجات الألبان يوميا أن تكسب أكثر من ذلك بحسب كمية الألبان التي تنتجها حيواناتها المزرعية. غير أن عدد العائلات التي كانت تمتلك ألبانا تفيض عن حاجتها قليل جدا في القرية. وتقوم بعض النساء بتجديل (تمشيط) شعر نساء القرية الأخريات بمبلغ يتراوح بين 0.75 إلى جنيه واحد (0.83 إلى 1.11 دولار أمريكي) مقابل عمل يستغرق ساعات طويلة. وتقوم بعض نساء القرية بين حين وآخر ببيع بعض الأشياء المتنوعة مثل الصحون والفحم والخضروات. وعادة ما تأتي تلك الأشياء من أحد الأقارب الذكور، وتبيعها المرأة من بيتها وتحتفظ بالعائد المالي لنفسها. وكذلك تبيع المرأة منتجات الألبان من أبقار زوجها. وتمارس النساء من كبار السن، واللواتي ليس عليهن من حظر في التحرك بحرية خارج البيت، بعض أصناف التجارة البسيطة، مثل بيع الطِباق في السوق المحلي. وقد تسافر بعض أولئك النساء إلى الأسواق في مدن أخرى.
وتقوم بعض الصبايا والنساء من كبار السن في “ود العباس” بلقط القطن في موسمه. وهذا عمل موسمي قليل العائد، ومرهق يكاد يكسر الظهر. ولم تكن المرأة تحصل من ذلك العمل في 1982م أكثر من جنيه واحد (1.1 دولار أمريكي) في اليوم. ولما كان من يعملون في لقط القطن يحاسبون بحجم ما يجمعونه منه، فقد كان الماهرون والماهرات في ذلك العمل يحصلون على مبالغ أعلى من غيرهم. وكان موسم لقط القطن لا يزيد على ثلاثة أشهر، وقلما تستطيع امرأة أن تواصل في ذلك العمل لموسم كامل، لذا فإن دخل المرأة من لقط القطن لم يكن كبيرا. وبالإضافة لذلك لا تعمل غالب النساء في سن الشباب في لقط القطن بسبب التقاليد المرعية فيما يتعلق بعمل المرأة خارج بيتها، وبسبب انشغال الأمهات بشؤون منازلهن.
ويصح القول إن الأعمال التجارية البسيطة التي تقوم بها نساء القرية، وبيعهن لبعض المنتجات المنزلية القليلة وما يكسبنه من العمل في مجال الزارعة لا يجلب لهن نقودا كثيرة. وتقوم هؤلاء النسوة بإنفاق القليل الذي يكسبنه على الهدايا التي يقدمنها للنساء الأخريات في المناسبات المختلفة، وقد تقرض الواحدة منهن بعض القليل الذي تكسبه للأخريات، وفي شراء الأواني المنزلية (مثل القدور والأطباق) وفي عرضها بفخر في مكان بارز في بيتها، والسماح باستخدامها في مناسبات الأفراح والأتراح بالقرية.
وتتحصل النساء في القرية على بعض المال في احتفالات دورة الحياة life cycle celebrations، فالنساء يتلقين هدايا نقدية في حالات زواج أولادهن أو بناتهن، وعند مقدم مولود جديد، أو ختان الأطفال، وفي حالات وفاة الأقارب. وتكون تلك المبالغ عادة قليلة لا تزيد عن 25 ? 50 قرشا (في عام 1982م). إلا أن المبلغ الذي تتحصل عليه المرأة يتزايد عندما يكثر عدد النساء المساهمات. ويجب على من تمنح تلك المساهمات أن تقوم بردها في مناسبات الأخريات، والتي تحدث على فترات قادمة متباعدة. وهذا بالطبع من فائدة من تتحصل على المساهمات دفعة واحدة. ويقوم الرجال بذات الممارسات في مثل تلك المناسبات، إلا أن الرجال يساهمون بمبالغ أكبر، وذلك بحسب مقدراتهم المالية، وبقدرتهم على الحصول على المال من مصادر مختلفة ليست متاحة للنساء. وتشارك النساء في صناديق “ختات rotating credit associations”. إلا أن عدد المشتركات في تلك الصناديق لا يكون عادة كبيرا بسبب ضيق ذات يد نساء القرية.
وليس أمام النساء هنا مجال لتراكم أي ثروة. وفي أفضل الأحوال، عندما يتجمع عند المرأة بعض المال، فإنها تقوم بشراء حلي ذهبية، وهي أعز الممتلكات عند النساء هنا. ويهدي الآباء بناتهم أساور ذهبية عند الزواج، وغدت الآن (1982م) خواتم الزفاف الذهبية جزءا ثابتا من هدايا العريس للعروس في القرية. ويقدم الأزواج أحيانا هدايا ذهبية لزوجاتهم. وتعد النساء امتلاك الذهب دلالة قوية على الوضع الاجتماعي (status) وكملجأ للمال عند الأزمات. ولا تمتلك إلا قلة من النساء في القرية أنواعا أخرى من الثروة مثل الأراضي والحيوانات المزرعية، عدا قليل من المعز. ولا توجد في القرية أي امرأة تمتلك ثروة مستقلة تستحق الذكر. وعبرت عن ذلك إحدى نساء القرية عندما ذكر لها ولدها أن “فلانة” امرأة غنية، فردت عليه بالقول: “فلانة غنية؟ أهلها هم الأغنياء”. وصدقت تلك الأم. فالنساء “الثريات” هن زوجات وبنات الرجال ميسوري الحال، واللواتي يمكن لهن الحصول (عن طريق أزواجهن) على مصادر الثروة من نقود ومنتجات ألبان وحلي ذهبية وغير ذلك.
وتوجد بالقرية ثلاثة قابلات، نالت اثنان منهن نوعا من التدريب الحكومي. وتمنح كل قابلة في القرية جنيهات قليلة عن كل ولادة يساعدن فيها. وبالإضافة لذلك تتلقى كل واحدة منهن عددا من الهدايا العينية مثل الصابون والزيت السكر واللحم. ولا تعد القبالة مهنة مقبولة عند المرأة العادية في القرية. وكانت إحدى أولئك القابلات الثلاث من غير أهالي القرية، غير إنها تزوجت من أحد رجالها. أما الأخريتين فقد كانتا من أصول عرقية بعيدة عن القرية. وكانت هنالك أيضا فتاة من القرية تعمل بصورة متقطعة في روضة القرية. أقول “بصورة متقطعة” نسبة لأن الروضة كانت تغلق أبوابها بين كل حين وآخر بسبب نقص التمويل اللازم لإبقائها مفتوحة.
وكانت بالقرية أيضا امرأتان تكسبان بعض المال من ممارسة “الزار”. إلا أنه تم منع ممارسة الزار بصورة علنية في القرية تجتذب عددا كبيرا من النساء بدعوى أنها تعارض العقيدة الإسلامية. ورغم ذلك فقد كانت الشيختان تمارسان طقوس الزار في بيتهما لمعالجة المريضات بواقع مرتين في الأسبوع مقابل رسوم مالية. وكانت الشيخة تكسب في عام 1982م مبلغ خمسة جنيهات نظير عمل يستغرق عددا من الساعات، وتنال بالإضافة لذلك عددا من الهدايا المتنوعة والتي تشمل مزيدا من النقود إن شفيت المريضة. وبهذا تعد مهنة “شياخة الزار” أكثر مهنة مربحة عند المقارنة بالمهن الأخرى قليلة العائد. غير أن تلك المهنة لا تعد مهنة “محترمة” وتلحق باللواتي يمارسهن وصمة عار يصعب تجاهلها. ولهذا فهذه المهنة ليست خيارا مناسبا لغالب نساء القرية.
وتخرجت أول ثلاث بنات من بنات القرية من مدرسة ثانوية في عام 1981م. وبعد شهور قليلة من تخرجهن عملن في التدريس بمدرسة القرية الوسطى (الإعدادية). وكن بذلك أول نساء في القرية يعملن بمرتبات حكومية ثابتة. وكانت مهنة التدريس بالقرية هي المهنة الوحيدة المسموح لهن بها، وإلا لبقين في بيوتهن مع عائلاتهن دون وظيفة ذات راتب حكومي. وأحدث تعيينهن مدرسات في مدرسة البنات الوسطى خلافا بين رجال القرية، حيث أبدى بعضهم رفضا قاطعا لتوظيفهن. فحتى ذلك التاريخ لم يعهد الناس في “ود العباس” عمل نساء القرية في وظائف حكومية، رغم أن بعض الشباب كانوا يعملون في خارج القرية ولهم زوجات عاملات أيضا.
وفي عام 1986م سافرت أول خريجة من مدرسة ثانوية في “ود العباس” لليمن للحاق بزوجها وللعمل مدرسة هناك. وعاد الزوج للسودان في 1988م وعمل في مجال التجارة في سنار، وقرت زوجه في بيتها لتربية أطفالها. بينما عملت زميلتها التي تخرجت معها في المدرسة الثانوية مدرسة في منطقة الروصيرص، مع زوجها الفني البيطري. ولا ريب أنه، ومع انتشار تعليم البنات في المستقبل، فسوف تزداد فرصهن في الحصول على وظائف ذات راتب معقول. وكان في مدرسة سنار الثانوية للبنات في عام 1982م 22 طالبة من “ود العباس”، 16 منهن في السنة الأولى.
ويمكن تلخيص وضع المرأة في “ود العباس” في سوق العمل كما يلي:
وجد أنه من أصل 63 امرأة كان هنالك 34 امرأة (54%) لا يساهمن بتاتا في أي نشاط يؤدي لكسب المال. وكانت هنالك عشر نساء يساهمن أحيانا في ذلك النشاط (16%)، و19 امرأة لهن مساهمات منتظمة في النشاط الاقتصادي بالقرية (30%).
ويمكن أن نخلص إلى أن الأهمية المتزايدة للإنتاج خارج قرية “ود العباس”، والاعتماد المتزايد على المال الذي ينتج من “اقتصاد الأسرة household economy” قد أحدث تأثيرا عند الرجال يختلف عنه عند النساء. فلم تتمكن النساء في الدخول في عالم التجارة والوظائف ذات الدخول المنتظمة، وتقلص دورهن في الزراعة مع تطور مشروع الجزيرة. ومنذ الخمسينيات ظلت النساء يتعرضن لعملية ترويض (domestication) إذ توقفت (أو أوقفت) مساهماتها في محيط الأسرة. فهن يقمن (ودون أن يتلقين أجرا) في خدمة ممتلكات / عقارات (property) لا يملكنها، ويشترين بضائع بأموال الرجال في عائلتهن (آباء أو أزواج الخ).
غير أنه مع تزايد التعليم وانتشار ثقافة المساواة بين الجنسين، فستتغير تلك الصورة، وستنال المرأة وظائف محترمة (في مجال التدريس مثلا) وسيدرك الأب أو الزوج حينها مقدار الفوائد التي تجنيها المرأة وعائلتها من ذلك.
والله يا بدر الدين كل مره تجينا بشي ثمين أكتر مما سبقه .. ونحن ممتنون لك تعريفك الشباب بل وحتى الكبار بطبيعة الحياة في مجتمعاتهم التي ينحدرون منها قبل قرن أو قرنين أو حتى 35 سنة ..
الأوضاع في بلادنا متغيره كما عالم اليوم ولكن في الإتجاه العكس .. وبالتالي ما يختفي هي النفائس التي تنثرها علينا من مقال لآخر .. والجديد المهم فيما تقدمه لنا يكمن في أن الصحافة السودانية تعودت أن لا تكترث لنشر العلم إلا لماماً ومتى كان يرضى تطلعات الفخر و”الفخفخة اللي في الفاضي” لا بهدف تعليم الناس وتثقيفهم .. وبذلك تستمر في إفقار الذاكرة الوطنية من التاريخ الإجتماعي للسودان الذي هو اساس الحاضر ..
لك الشكر ونسأل الله أن يوفقك فيما تقدم..
لك التحية سعادة الدكتور الهاشمي والغريب اني كنت اقرا لك في الشرق الاوسط لو لم انسي وكنت اعتقد حسب الاسم انك غير سوداني الي ان جاء يوم ورايتك في حلقة تلفزيونية بالجلابية فكان العجب , المهم ما اوردته من ترجمة تصف الحياة الاجتماعية الاقتصادية في قرية ود العباس واظنها في ضواحي سنار تنطبق بالحرف الواحد علي العادات الاجتماعية للنساء في دارفور بغرب السودان فالمرأة هناك تكسب من الزراعة الهامشية ومن المشاط ومن الطهارة الفرعونية ومن اللبن والسمن والفرصة والودك ومن تجارة الفول المدمس والحب والتجارة في اسواق القري الصغيرة وطريقة المساهمات في الافراح والاتراح بالقروش والاشياء العينية هي نفسها بس الفرق ان فرس اكتساب القروش للنساء اوسع بكثير مما ورد في البحث . اللهم يمدك بالصحة والعافية ويطول في عمرك لتخدم وطنك .
تقريبا في كل قرانا وأريافنا تعمل بعض النساء في النشاطات الريفية السائدة في المنطقة. مثلا ، اذا كان الرجل مزارعا، فان الزوجة لا تقبع في البيت، بل بالتاكيد تخرج لمساعدته.
في قرانا التي لا يحترف الغالب الأعم من سكانها عملا غير الزراعة، من العادة أن تخرج المرأة لمساعدة زوجها في النشاطات الزراعية التي يامكانها القيام بها، وتوجد في حواشاتنا نشاطات مقتصرة على العنصر النسائي مثل تنظيف الأحواض من الحشائش في المزروعات التي تجيد المرأة تنظيفها أكثر من الرجل، مثل أحواص الشمار ولقيط الويكة وقطف بعض الخضروات الورقية. وحش القش والبرسيم.
تخرج احد اقربائي من الجامعة قبل ما يقارب الأربعين عاما وفضل البقاء في القرية على مغارتها بحثا عن وظيفة. وعندما قرر الزواج، إشترطت عليه أمه أن يختار من بين الأسر التي تعمل رجالها في الزراعة. فكان نصيبها احدي قريباتي التي ولدن وتربين في العاصمة ولم تمانع أبدا من مساعدة زوجها أسوة بنساء القرية الأخريات فاصبحت مزارعة ماهرة.
المهنة الوحيدة المتوفرة لنسانا بعد الزراعة هي مهنة التدريس في مدارس القرية.
يا بدر فتح الله عليك دائما ننتظر منك المزيد كتاباتك قيمة للغاية وليتك تجمعها في كتاب
تقلص دورهن في الزراعة مع تطور مشروع الجزيرة
الصاح
تقلص دورهن مع تدهور المشروع
شكرا للموضوع القيم ولكن يبدو ان وضع المرأة في قرية ود العباس يكاد يكون نفس وضع المرأة في اغلب جهات السودان الغرب الوسط والشمال باستثناء الشرق فقد كان تخلف المجتمع وبالتالي المرأة عائقا امام خدمة المرأة وعملها وربما تمثل عمل المرأة في الشرق المتخلف في بيع الدوم والمساويك وربما قدر من اعمال الخوص الساذج كالمقاشيش والهبابات وربما ذلك لمكون انسان شرق السودان الكسولي حتى اليوم ..
تقلص دورهن في الزراعة مع تطور مشروع الجزيرة
الصاح
تقلص دورهن مع تدهور المشروع
شكرا للموضوع القيم ولكن يبدو ان وضع المرأة في قرية ود العباس يكاد يكون نفس وضع المرأة في اغلب جهات السودان الغرب الوسط والشمال باستثناء الشرق فقد كان تخلف المجتمع وبالتالي المرأة عائقا امام خدمة المرأة وعملها وربما تمثل عمل المرأة في الشرق المتخلف في بيع الدوم والمساويك وربما قدر من اعمال الخوص الساذج كالمقاشيش والهبابات وربما ذلك لمكون انسان شرق السودان الكسولي حتى اليوم ..