بَكْرِي السَطَّالْ (قصة قصيرة)

الصلاة خير من النوم من مئذنة المسجد المجاور أيقظت بكري من نوم عميق .. هب كمن أفزعه كابوس مريع و بلا توان مشى مترنحا إلى الدولاب الصغير في ركن ذات الغرفة .. فتح الدرج السفلي الأول ثم أغلقه في عصبية شديدة متمتما بكلمات مبهمة ثم سحب الدرج الثاني سَحْبِ من يُمنّي نفسه أن يجد سعادة الحياة كاملة تنتظره في هذا الدرج و لكنه و في عصبية زائدة عن الأولى سحب الدرج حتى انخلع من الدولاب كلية و بيد راجفة و تمتمات غاضبة مد يده و سحب الدرج الثالث .. هنا انفرجت أساريره و أطلق تنهدة لطفت ما به من قلق ثم جلس القرفصاء و أخرج من الدرج صندوقا خشبيا و وضعه أمامه برفق شديد .. فتح الصندوق و أخرج منه قارورة متوسطة الحجم ثم أفرغ قليلا من محتواها في كأس زجاجية. ثم أخرج لفافة ورقية و لفها بعناية فائقة بعدما وضع عليها حشيشا و بحرص أشد نثر شيئا قليلا من تلك البدرة البيضاء عليه ثم وضع باقي ما أفرغ على غليون أبنوسي عتيق و لم ينسى أن يضرب الغليون بالبلاط ثلاثة ضربات خفيفة لإفراغه كلية من المخلفات السابقة .. أشعل بكري اللفافة ثم سحب نفسا عميقا و بدا في راحة كاملة .. استلقى ثانية و أخذ يتأمل في سحابة الدخان الكثيفة فوق وجهه .. في يمينه كاسة و في يساره الغليون .. صار يأخذ من كليهما تناوبا بتساوٍ.. بدا ساهما .. ينظر إلى اللا أين و انطفأت نار الغليون مع تسليمة الختام لصلاة الفجر… ثم عمد إلى الكأس و أفرغ كل محتواها في فمه .. أغمض عينيه مضمض فمه بالمشروب و ابتلعه بعذاب كمن يبتلع إبرا.

رن الجوال و بعينين مغمضتين أخذت يد بكري اليمني تتفقد موضع الجوال الذي ظل يرن .. لم يهتدي بكري إلى مكان الجوال .. ليس هناك تحت الوسادة .. ليس بجانبه على السرير و لا حتى على الطاولة الصغيرة .. ظل الرنين المتصاعد في حدة يأتيه من اللا أين و عندما استفحل الأمر قام كعادته سابا شاتما بكلمات مبهمات و كان أن داسه بقدمه اليمني حتى تكسر تحت وزنه الثقيل .. نظر إلى أسفله و قال قاذفا يده اليمنى في الهواء “في ستين” ثم عاد و رمى بكل ثقله على السرير.

لم يدرك بكري كم مر من وقت و هو مستلق حتى سمع طرقات خفيفة على الباب.. يا الله لماذا لا يدعونه في حاله .. مرة رنين الجوال و الآن طرقات الباب المزعجة .. و جاء صوته الأجش ناهرا “مين؟ عايز إيه؟” و جاه الرد بصوت مرتجف خافت ..”سعادتك في عقيد عايزك ضروري .. قال جاي من طرف الرئيس”. ثانية تنهد بكري طويلا و قال في ضيق ” يا الله و ده عايز ايه كمان؟ بتين أصبح الصباح؟” أخذ يفتح عينيه في ثقل شديد و بصعوبة بالغة و عندما طرق الباب للمرة الرابعة قام كذلك قاذفا بيده اليمني في الهواء “خلاص جاي مالكم مستعجلين؟

دخل بكري بوجه متجهم إلى الصالة الواسعة حيث كان العقيد جالسا على كرسي وثير و ما أن رأى بكري حتى قام و أدى التحية العسكرية ارتجف إثرها خداه و بطنه المترهلين ثم جلس و بدا عليه توتر شديد .. توزع العقيد بين أن يبدو متماسكا من رعدة الخوف التي دخلته و بين أن يخفي تهيبه لرؤية بكري دون أن يدري أن بكري كان يتفادى عن عمد ألا يرى العقيد وجهه فقد كان مريعا من أثر ما تعاطى.
– سيادتك الرئيس اتصل عليك أكتر من مرة و ما كان في رد لذلك جيت بالمذكرة دي.
– قال بكري بتلعثم متثاقل و هو يتناول المذكرة.. الظاهر إني نسيت الجوال في المكتب و أردف .. قارئا مذكرة الرئيس ده عايزنا نجتمع اجتماع طارئ الساعة واحدة .. طيب ما الوقت بدري و أنا أصلا كنت في طريقي للمكتب
– في الحقيقة الساعة واحدة إلا ربع.

– ياااااه انت عارف أنا نمت تلاتة صباحا عشان كده ما حسيت بالوقت .. خلاص حأحصلكم

دفع بكري الباب حتى تنبه كل من بالاجتماع و صوبوا أنظارهم تجاهه .. كان مترنحا و بالكاد يرى .. توقف بكري أخرج منديلا من جيبه و افتعل كحة ثم وضع المنديل الورقي على وجهه و تقدم إلا أن أخذ موقعه من الجلوس. ساد القاعة صمت رهيب .. تجشأ بكري على نحو فجأي و لا إراديا أخذ يلوح بكفه أمام أنفه في محاولة يائسة للتخلص من الرائحة المنتنة.
بعد دقيقة صمت كاملة تنبه بكري إلى أنه هو المنوط به بإعطاء إشارة البدء للاجتماع. أخطأ إمساك المكرفون في المرة الأولى و الثانية و لكنه أفلح في المرة الأخيرة و قال ..

– خلونا نبدأ الاجتماع يا جماعة … شيخ صالح اقرأ لينا قران
و بينما الشيخ صالح يتلو تجشأ بكري على نحو قوي اضطرت الشيخ صالح لقطع التلاوة .. وقف بكري مترنحا ثم همس في أذن الوزير الذي على يمينه قبل أن يقوم و يغادر الاجتماع.

نظر الكل إلى الوزير بغية معرفة ما همسه بكري في أذنه لكنهم رجعوا بصمت رهيب.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. طريقتك في الكتابة الأولى كانت أحسن … بصراحه كده ما قدرت استوعب الطريقه الجديده في الكتابة…

    لك ألف تحية وتقدير,,

  2. غايتو السكران اللهطان بكري حسن صالح ما خليتي ليهو شي و الله وصف كأنه بالفيديو و زي ما قال أكرم يا ربي همس بشنو؟ يمكن ماشي يكمل الناقصة ههههههههههههههههههه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..